الاحتباس الداعشي الأسدي
الاحتباس الداعشي الأسدي
● مقالات رأي ٤ ديسمبر ٢٠١٥

الاحتباس الداعشي الأسدي

على الرغم من العنوان العريض والاهتمام الإعلامي الكبير، بل والتظاهرات التي لم يكتب لها أن تتم بسبب منعها من قبل السلطات الفرنسية، والحملات الإعلامية المعارضة والمعترضة، إلا أن مسألة الاحتباس الحراري التي اجتمع قادة دول العالم لمناقشتها في العاصمة الفرنسية باريس، قد تكون ملفا ثانويا جدا مقارنة بسواها من الملفات العالقة والطارئة التي تشغل العالم في الوقت الحالي.    

الأمر لا يقتصر على القادة لكنه ينسحب على الشعوب التي تعيش أخطارا يومية، وهي تعتبر التفكير في قضايا المناخ والبيئة رفاهية غير مسموح بها، ولعل واقع الحال السوري المستمر منذ سنوات تحت نيران نظام الحكم الفاشل والمستبد، والذي وصف على مستوى عالمي بأنه الأسوأ منذ عقود طويلة، وبالمقابل تغوّل تنظيم داعش على حساب الجغرافيا وتحكّمه في مصادر الطاقة في المناطق الخاضعة لسيطرته، واضطرار مئات الآلاف إلى النزوح والهجرة بعد أن فقدوا بيوتهم ومصادر رزقهم، في ظل انعدام وأحيانا استحالة الوصول إلى حلول، كل هذا يجعل التخلص من تنظيم داعش وأسباب ظهوره أولوية ويشكل بداية لا بد منها للانتقال في ما بعد إلى التفكير في قضايا أخرى ومرة أخرى سيكون موضوع المناخ ثانويا، لأن إعادة الإعمار بعد الخراب الذي تسببت به قوات النظام منذ الأيام الأولى للثورة، أي قبل أن يدخل مدمّرون آخرون على الخط كان آخرهم الروس، يفوق التصور.

ويحتاج وفق دراسات أممية إلى أكثر من عشر سنوات وإلى المليارات من الدولارات، ورغم خطورة مسألة تغيّر المناخ على مستقبل الأرض، بل واستطرادا على مستقبل الجنس البشري بأكمله كما يذهب بعض المتشائمين إلى تصوير الأمر، إلا أن الحاضر والمستقبل القريب الذي يبدو ظلاميا هو ما يشكل عبئا إضافيا وجوهريا، بعد أن تحول الأمر إلى صراع بقاء ووجود بين قوى ظلامية أوجدتها قوى مستبدة، وبين شعوب كانت تحلم بتحسين أوضاعها المعيشية وفي الحصول على أضعف الإيمان من الخدمات وقد باتت محرومة منها بشكل كلي حاليا.

وإذا كان رؤساء الوفود الذين التقوا قد أبدوا قلقهم من تنظيم داعش واتفق بعضهم على أن الحل يكمن في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية لا يتضمن بقاء الأسد، ثم القضاء على التنظيم الإرهابي، إلا أن كل كلامهم واتفاقاتهم ظلت حبرا على ورق ولن تجد طريقها للتنفيذ، فلم يعد واردا تصديق أي من الوعود أو الخطط طالما أنها تصطدم بأكاذيب ومماطلة روسية تدعي أنها تضيّق الخناق على داعش شيئا فشيئا، فيما هي في الحقيقة تزيد من معاناة الشعب السوري وترفع معدلات الموت اليومي بطريقة مخيفة، وهي شأنها شأن التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة، وكذا الحماسة الفرنسية التي أعقبت هجمات 13 نوفمبر، تشكل في مجموعها استنزافا لما تبقى من قوى سورية وترفع من الاحتباس الحراري والتطرف في آن واحد، فيما يراقب الأسد غير مكترث على ما يبدو وهو يلمس نوعا من التراخي في المواقف بل وميلا لدى البعض لتصديق عبارة أن الأسد قد يكون شريكا في القضاء على الإرهاب، وكأنه لم يكن صانعا له.

وإذا كانت مؤتمرات المناخ السابقة قد أقرت مجموعة من القرارات وطالبت دول العالم بتنفيذها، فإن النتائج الكارثية التي وصلت إليها حالة كوكب الأرض، تؤكد أن أيا من الدول المعنية لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه بل إن ثمة ازديادا ملحوظا في الأخطار البيئية والانبعاثات، والحال نفسه يعقب أي مؤتمر يتم تنظيمه لمكافحة ظاهرة الإرهاب إذ يفضي المؤتمر دائما إلى ازدياد حدة الإرهاب والتطرف وتنوعه، وإلا كيف يمكن تفسير أن تنظم دولة مثل إيران، وهي واحدة من أكبر دعاة وداعمي الإرهاب في العالم، مؤتمرا لمكافحة الإرهاب والحد من انتشاره؟ وكيف يمكن التعامل مع منظمة متطرفة مثل حزب الله اللبناني على أنها شريك في الحرب على الإرهاب، وفق وجهة النظر الإيرانية التي لا تمانع موسكو في تبنيها، بل وربما الترويج لها لاحقا؟

لا نتائج مرجوّة من مؤتمر المناخ ولا من مؤتمرات مكافحة الإرهاب طالما أن المجتمعين أنفسهم يتظاهرون بعدم رؤية أسباب المشكلة، ويلتفون على الحقائق التي أغفلوها، وما زالوا يغفلونها، وهي أن رأس الإرهاب في سوريا ظهر منذ أكثر من أربع سنوات حين بدأت قوات النظام بقتل المواطنين العزل، وهي مستمرة بمساعدة من شركائها في فعل القتل دون توقف، قبل داعش، وبالتعاون معها أيضا.

المصدر: العرب الكاتب: ثائر الزعزوع
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ