الحالة السورية بين دفتي الحزم والعزم
الحالة السورية بين دفتي الحزم والعزم
● مقالات رأي ٢ أبريل ٢٠١٥

الحالة السورية بين دفتي الحزم والعزم

شكلت انطلاقة “عاصفة الحزم”، رافعة هامة للعمل العربي المشترك، واستنهاض الشعور القومي بتضامن القوى الإقليمية في مواجهة التحديات المباشرة، عبر التطورات المتلاحقة، التي أرادت إيران من خلالها فرض السيطرة على المناطق الحيوية في الشرق الأوسط، المرتكزة إلى توسع نفوذها في المثلث الذي تتركز رؤوسه ما بين دمشق وطهران وعدن، بما في ذلك الهيمنة على الممرات المائية والبحار الإستراتيجية.

جاءت “عاصفة الحزم”، بمثابة بدء عملية واسعة لتقويض المشروع الإمبراطوري الساساني، عشية استحقاقات هامة، هي المفاوضات الدولية بشأن النووي الإيراني، والقمة العربية الدورية في شرم الشيخ، قمة العزم. فكانت انعكاساتها مباشرة على هذين الحدثين الهامين. فأربكت المفاوض الإيراني الذي اهتزت أوراقه، فيما رفع الاتحاد الأوروبي وواشنطن سقف الضغوطات على طهران، في الوقت الذي تراجعت فيه إمكانية عقد أي اتفاقات بشان برنامجها النووي، الذي يتصل بوقف تسارع التخصيب لعشر سنوات، مقابل إطلاق اليد الإيرانية في المنطقة، دون تهديد المصالح الغربية في حماية أمن إسرائيل. وهو مشروع الاتفاق الذي تم تسريب بعض بنوده، وإن كانت غير موضوعية، وتتعارض مع السياسة الأميركية، لكن الهدف من ذلك، هو إفشال جهود التوصل إلى اتفاق قد يكون لصالح إيران، لكنه يشرّع حقها في امتلاك القدرة النووية.

التأثير الآخر لـ”عاصفة الحزم”، انعكس بصورة دالة على قمة شرم الشيخ، وبدت علاقتها متصلة بما أطلق عليها “قمة العزم” بما يشكل دعما سياسيا عربيا لا لبس فيه لقرار السعودية، القيام بعمل عسكري مشترك، لدول مجلس التعاون الخليجي، لوقف التدهور المستمر للوضع الأمني والسياسي في اليمن، بكل المضامين والرسائل الاستراتيجية، التي ينطوي عليها “حزم” إقليميا و دوليا. وفي مقدمة ذلك إحياء التضامن العربي، وربط ذلك بالمصالح المشتركة للدول الأعضاء.

عكست نتائج القمة العربية، تطورات التنسيق المباشر لدول الخليج، مضافا إليها دولا عربية أخرى كمصر والمغرب، غير أن القوى الوازنة في الإطارين الدبلوماسي والميداني، لم تخرج عن الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي شكلت إطارا جامعا للعمل المشترك رفع من شأن الجامعة العربية كمؤسسة فقدت الكثير من مقدرتها العربية والدولية، بسبب عجزها عن التصدي للإشكاليات الكبرى في المنطقة، داخل الدول الأعضاء، وفيما بينها. وشكلت عملية حزم، إضافة إلى مشكلة استشراء الإرهاب، وتنامي الجماعات المتطرفة وتهديدها لدول وشعوب المنطقة، الاهتمام الرئيس للقادة العرب. وفي الواقع، تمددت القوى الإرهابية بصورة تستوجب عملا جادا لوقف انتشار الجرائم الكبرى، كما حدث في متحف باردو في تونس. ولا تكفي اليوم الإدانة بقدر ما يتوجب العمل على مكافحة الإرهاب، وهو ما أشارت إليه القمة العربية.

القضية السورية، لم تحظ بالاهتمام الذي يعادل حجم المأساة الحاصلة اليوم، في الحدّ الأدنى. ولم تكتف الأمانة العامة بعدم دعوة أي طرف يمثل المعارضة السورية، وبالطبع لم يتم تسليم مقعد سوريا للائتلاف الوطني، وقد أضحت الأسباب في مجملها معروفة للجميع، لا حاجة لتكرارها. ولكن غياب القضية السورية كان مؤشرا عميق الدلالة على تراجع الاهتمام بالثورة السورية، وهو انعكاس لعدة أمور أساسية، أولاها تراجع الاهتمام الدولي بما يحدث في سوريا، وقفزت قضية الإرهاب إلى المقدمة، وأضحت محور النشاط السياسي والأمني والعسكري، على المستويات الإقليمية والدولية، مع ملاحظة تراجع مكانة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يكاد أن يكون مماثلا في ضعف نتائجه، لوظيفة قوى وتيارات المعارضة.

البيان الختامي، تحدث عن دورة العنف في سوريا، دون أن يدين الجرائم اليومية البشعة أو يشير إلى مرتكبيها، ودعا إلى التسوية السياسية عبر الأمم المتحدة. وقد تزامنت “عاصفة الحزم”، مع العملية الواسعة للكتائب المسلحة تحت مسمى جيش الفتح، بالهجوم على مواقع نظام الأسد في إدلب، ردا على مجازر الكيمياوي المتكررة خلال الأسابيع الأخيرة ضد المدنيين، وتم تحرير إدلب، في الوقت الذي بدأت فيه اجتماعات القمة، دون أن يصل صوت السوريين إلى شرم الشيخ.

ثمة مآخذ كثيرة، تضعها الدول العربية، في مقدمتها الدول الداعمة للثورة السورية، على أداء القوى المسلحة، وتورطها في أعمال لا تخدم مصالح الثورة الرئيسية، ولا يمكن ضبط حركة أنشطتها وتسليحها وتمويلها، مع تمدد وانتشار كل من جبهة النصرة، وتنظيم “داعش”.

هذه المآخذ هي التي قادت إلى مثل هذا التراجع الكبير للقضية السورية، بل إن قمة شرم الشيخ، أشادت بلقاءات المعارضة في القاهرة وموسكو، ودعت لإحياء جنيف 1 و2. وهو ما يعكس انشغالا بإعادة التفكير السياسي والأمني في المنطقة، على ضوء النتائج التي سوف تتمخض عنها “عاصفة الحزم”، من حيث إعادة إحياء الحوار الوطني بين كل الأطراف، للانتقال إلى المستقبل برعاية عربية، بعيدا عن التدخل الإيراني الذي لا يزال يراهن على المزيد من ارتكاب المجازر وسفك الدماء في سوريا.

المصدر: العرب الكاتب: عبدالرحمن مطر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ