الخوذ البيضاء و"الله أكبر"
الخوذ البيضاء و"الله أكبر"
● مقالات رأي ١٠ مارس ٢٠١٧

الخوذ البيضاء و"الله أكبر"

أعادت جائزة أوسكار التي فاز بها، أخيراً، الفيلم الوثائقي القصير "الخوذ البيضاء" الضوء لفريق الدفاع المدني الذي يعمل في سورية بهذا الاسم، تحت شعار قرآني موجز؛ "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".

لا أظن أن واحدًا من أعضاء هذا الفريق الذي تكوّن منذ خمس سنوات، بعيد اندلاع الثورة السورية، بهدف إسعاف جرحاها ومصابيها، قد فكّر بجائزة أوسكار، أو غيرها من الجوائز التي حصل عليها الفريق لاحقاً من جهات عالمية مختلفة، فمن يعمل ليساهم في إحياء الناس جميعاً عبر إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ضحايا الحرب، وبأقل الإمكانات، متجاهلا حجم المخاطرة التي يتعرّض لها في كل مرةٍ يخرج من بيته على دوي الانفجارات، ليبحث بين أنقاض البيوت المهدمة فوق رؤوس أصحابها عن حياة تكاد تتلاشى ليساهم في إنقاذها. وفي كل مرة، ينجح هذا الفريق بعملية إنقاذ مصوّرة عبر الكاميرات المساندة، يشهد العالم كله جانبا من جوانب الحياة المدنية، وسط الحرب على حقيقتها الكاملة تقريبا، بلا تشويه ولا تزيين من خلال تحرّكات ثلاثة من ذوي الخوذ البيضاء الذين وصل عددهم، في آخر تقدير، إلى ثلاثة آلاف تقريباً.

تولى إخراج الفيلم المخرج أورلاندو فون إينسيديل من بعد، إذ لم تمكّنه طبيعة الحرب بين قوات النظام السوري وقوات الثورة بأجنحتها المختلفة، من حضور عملية التصوير التي كانت تتم بشكل عشوائي خاضع لعشوائية الحرب. وينفتح الفيلم على صيحات تقليدية معتادة من حضور كل عملية إنقاذ؛ "الله أكبر.. الله أكبر"، ولعلها واحدةٌ من المرات القليلة التي أتيح للغرب فيها أن يسمع هذا النداء الإسلامي رديفا لعمليات إنقاذ، بعد أن تحول سنوات إلى إشارة للموت نحرا على يد الجماعات المتطرّفة.

وفي هذه الإشارة الصغيرة، تتبدى للمشاهد صورة مختلفة عن الواقع الإسلامي المعاش من أفراد قرّروا أن يتطوّعوا في خدمة الإنسانية من منظور إسلامي بحت، من دون أن ينضووا تحت أي جماعةٍ أو حزبٍ أو فريق من فرق الحرب المختلفة.

ومع أن الفيلم قد أعاد إلى الواجهة الإنسانية والإعلامية ما بدأ كثيرون ينسونه تحت وطأة الاعتياد، بعد مرور كل هذه السنوات الحافلة بعمليات قصفٍ وتهديمٍ وتفجير وإلقاء للبراميل الحارقة على بيوت الأبرياء، إلا أن نجاحه الأكبر، كما أرى، يكمن في تعريف جمهور أوسكار حول العالم على البعد الحقيقي للحياة، في الإطار الإسلامي، ففي كل مشاهد الإنقاذ الحقيقية التي صوّرها الفيلم بواسطة الفريق نفسه كانت عبارة الله أكبر تبدو كأنها المعادل القولي والموضوعي للحياة، كما أرادها الله لنا على هذه الأرض؛ عدالة وعمل وعبادة وسلام وجمال وحب وخير وتعاون.

وفي ختام الفيلم القصير، تتردد أصداء الآية القرآنية العظيمة "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"، لتلخص الغاية بشكلٍ مباشر، قد يبدو عادياً لمن تربّى في وسط ثقافي يؤمن بقدسية القرآن الكريم، باعتباره كلام الله تعالى، لكنه ليس كذلك لجمهور غربي دأب على تلقي الآيات القرآنية إشارات موت معلن، وهمجية استعراضية، وتطرف قاتل وحسب.

شاهدت الفيلم مرتين، أُخذت في الأولى بالرسالة الإنسانية الجميلة التي نجح الفيلم بإيصالها عبر هذا الفريق ذي الخوذ البيضاء بأن البياض، في النهاية، هو البطل المنتصر، على الرغم من كل المشاهد المروعة للموت المجاني الذي كان يلاحق الجميع تقريبا. وفي المرة الثانية، انسقت وراء الحرفية الإبداعية التي صمم المخرج من خلالها مشاهد صورت على عجل، وبلا تحضير مسبق، بإطارات أنيقة وموسيقى ذكية، عبرت عن الأمل الطالع من الأعماق القاتمة، برقة وقوة، في اللحظة نفسها. وفي الرسالة التى قرأها مخرج الفيلم في حفل توزيع حوائز أوسكار، نيابة عن الفريق، ما يفيد بأن الفريق فضل أن يتابع مزاولة عمله في الإنقاذ، بدلا من الذهاب لاستلام جوائز التفوق في أداء هذا العمل. وهنا المعنى الحقيقي للفيلم خارج إطار الصورة.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: سعدية مفرح
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ