المعارضة السورية تبحث عن حل سياسي
المعارضة السورية تبحث عن حل سياسي
● مقالات رأي ١٠ مارس ٢٠١٥

المعارضة السورية تبحث عن حل سياسي

انشغلت قوى المعارضة السورية في الشهرين الأخيرين ببحث جوانب مختلفة للقضية السورية. وكان الأبرز في هذه الانشغالات لقاءات وحوارات، حصلت في القاهرة وإسطنبول ومدن أخرى في أوروبا، كان الأهم فيها موضوع الحل السياسي في سوريا، وما يحيط به من تفاصيل وحيثيات، تجعله قابلا للتحقق، وممكنا للتنفيذ.
وانشغال قوى المعارضة بموضوع الحل السياسي، لا ينفصل عن التطورات المحيطة بالقضية، ووعي المعارضة للضرورات السياسية القائمة، التي في مقدمتها، ضرورة توافق المعارضة على موقف واحد من الحل السياسي، وقد كان في الظاهر موضوعا خلافيا بين قوى المعارضة السورية لوقت طويل، سواء في الخلاف على الموضوع، أو في الخلاف على بعض محتوياته وآليات تحقيقه.
ووسط خلافات المعارضة على الحل السياسي، يبدو أن الأخيرة أدركت أن القضية السورية أحيطت بموضوعات، يمكن أن تحولها من قضية أساسية ومركزية، باعتبارها قضية شعب يطالب بالحرية وبنظام ديمقراطي، إلى واحدة من قضايا أخرى، تتصل بها أو هي إحدى نتائج الصراع مع نظام الاستبداد، مثل قضية إرهاب «داعش» وأخواتها، التي مدت حضورها في سوريا والعراق وفي الأبعد منهما، ومثل قضية اللاجئين السوريين، وهجرتهم، التي صارت لها أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية في البعدين الإقليمي والدولي، ومثل قضية التحالفات والصراعات الدولية والإقليمية بروابطها مع الوضع السوري، وكلها قضايا، أخذت تحتل المشهد السياسي والإعلامي على حساب القضية السورية، وتهددها بالتهميش، وتدفعها خارج الاهتمامات الأساسية في المستويين الإقليمي والدولي.
وسط تلك الظروف الصعبة والمعقدة، يبدو أن المعارضة السورية قررت أن تؤكد حضورها في المستويين الخاص والعام من جهة، وفي مستوى القضية من جهة أخرى، وفي هذا السياق جاء فتح باب الحوار بين أطرافها، فكانت لقاءات المعارضة بما فيها من تحالفات وقوى وشخصيات مستقلة، وبدا أن الحوار حول الحل السياسي هو الأهم في موضوعات الحوار، خصوصا أن أطرافا إقليمية ودولية مثل روسيا والسويد ومصر وغيرها، رأت أن فتح باب الحوار حول القضية السورية يمكن أن يكون عملا يخدمها، أو يخدم القضية السورية في وقت تغيب فيه جهود جدية وحاسمة في التعامل مع القضية السورية وموضوعاتها الأساسية.
وبلورت اجتماعات المعارضة السورية في الشهر الأخير، وثيقتين أساسيتين حول الحل السياسي في سوريا، كانت أولاها «نداء من أجل سوريا» الصادرة عن اجتماع القاهرة أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، والثانية وثيقة الحل السياسي التي أصدرتها الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري في اجتماعها الأخير بإسطنبول أواسط فبراير (شباط) الماضي. وأهمية الوثيقتين تتصل بـ3 نقاط أساسية؛ النقطة الأولى، حضور أغلب قوى المعارضة في اجتماعي القاهرة وإسطنبول، وخاصة الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق وبداخلهما غالبية القوى الكردية، الأمر الذي يعطي مشروعية أكبر لخيار الحل السياسي ومحتويات الوثيقتين، خاصة أنه عزل محتوياتهما عن حوارات جرت في القاهرة بين الائتلاف وهيئة التنسيق، جرى في خلالها تبادل أوراق تم التوافق على محتوياتها، ومما يدعم هذه النقطة أن ندوة استوكهولم، التي عقدت قبل أسبوعين بحضور شخصيات من المعارضة، أيدت نداء القاهرة، وشارك بعضهم في اجتماعات الائتلاف الأخيرة.
النقطة الثانية، وهي توافق الوثيقتين الجوهري على ضرورة الحل السياسي، واعتبار وثيقة جنيف بنقاطها الست والقرارات الدولية الخاصة بـ«جنيف 2» ومحتوياتها، ولا سيما موضوع هيئة الحكم الانتقالي بصلاحياتها الكاملة على الأمن والجيش، وأهداف العملية السياسية بإقامة نظام ديمقراطي جديد في سوريا باعتبارها مرجعية الحل السياسي المرتقب.
النقطة الثالثة، والمتضمنة ضرورة القيام بخطوات تمهيدية من قبل النظام، تؤكد قبوله الانخراط في عملية سياسية، تؤدي إلى نتائج عملية مثل إطلاق المعتقلين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وتيسير دخول ووصول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى كل المناطق السورية، إضافة إلى ضرورة وجود ضمانات دولية برعاية الحل ووصوله إلى نتائج عملية.
ولعله لا يحتاج إلى تأكيد، قول إن خطوات المعارضة في تبني الحل السياسي، ورسم خريطة طريق نحوه على اختلاف بعض تفاصيلها، هو أمر إيجابي من حيث التوجه المشترك للمعارضة من جهة، ومن حيث وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، سواء لجهة معالجة القضية السورية، أو لجهة التزامه بما كان قد قرره في السابق، وساعد في دفعه للوصول إلى حل من خلال «جنيف 1» وما تلاه في «جنيف 2».
غير أن التطورات الإيجابية السابقة تحتاج إلى متابعة واستكمال نواقصها، التي يمكن أن يأتي في سياقها مجموعة من الخطوات الملحة والعاجلة، أبرزها العمل على عقد مؤتمر وطني سوري، يجمع أطراف المعارضة ويوحدها في رؤية واحدة ضمن وثيقة مشتركة حول الحل السياسي، ويمكن أن يقوم مؤتمر القاهرة المزمع عقده في أبريل (نيسان) المقبل بهذه المهمة، إذا أحسن الفريق المكلف بالتواصل لأجله والإعداد لأعماله فرصة مناسبة.
كما أن تنشيط الحوارات والاتصالات السورية والدولية حول الحل السياسي، ومؤتمر القاهرة، بين الخطوات الضرورية بهدف إيجاد حامل سياسي محلي ودولي للحل مستعد للذهاب في خطوات عملية وإجرائية، سواء عبر مجلس الأمن الدولي أو عبر صيغة دولية من خارجه، إذا بقيت روسيا والصين على موقفهما في استخدام حق النقض في معالجة القضية السورية في مجلس الأمن الدولي.
لقد شرعت المعارضة السورية بعمل ما هو مطلوب منها من الناحية السياسية، وكرست في اجتماعاتها حول رؤية الحل السياسي، ما كان قد بدأه الائتلاف الوطني العام الماضي في الذهاب إلى مؤتمر «جنيف 2» للتفاوض مع نظام الأسد استجابة لرغبة دولية، وبهذا صار المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، إذا كانت دوله وهيئاته لديها القدرة على أن تسمع وترى بعد كل ما حصل ويحصل في سوريا.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ