تحالف لمنع نشوء أي فراغ
تحالف لمنع نشوء أي فراغ
● مقالات رأي ١٩ ديسمبر ٢٠١٥

تحالف لمنع نشوء أي فراغ

لعل تسمية التحالف العسكري الإسلامي، المعلن أخيراً، "العربي الإسلامي" هو الأقرب إلى واقع الحال، كون قرابة نصف عدد الدول الأعضاء في التحالف من الدول العربية، ومسرح العمليات المزمعة على أراضٍ عربية. هو تحالف ضد الإرهاب أيضاً، ويضم دولاً عديدة منضوية في التحالف الدولي الذي يقوم بعمليات جوية ضد داعش في سورية والعراق. والفرق الرئيسي بين التحالفين أن التحالف الجديد يتجه نحو المشاركة في عمليات برية ضد مراكز تهديد إرهابي، وليس الاقتصار على عمليات جوية.
كان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قد صرح، في مناسبات عدة، منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن هناك مشاورات جارية لتشكيل قوة عسكرية عربية برية لمحاربة داعش، بعدما ثبت أن العمليات الجوية غير كافية للقضاء على التنظيم، أو منع تمدده. ولهذا رحبت واشنطن بالإعلان الثلاثاء 15 ديسمبر عن التحالف الجديد الذي يتخذ من الرياض مقراً له، ولعبت السعودية دوراً بارزاً في تشكيله، وهو المفتوحة فرصة الانضمام إليه أمام دول إسلامية أخرى. وقد أوضح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن التحالف سوف يتعاون مع دول أخرى غير إسلامية، ففي مكافحة الإرهاب مصلحة للجميع.
التحالف الجديد بمثابة استكمال لمهمة التحالف الدولي (الجوي)، مع توسيع نطاق العمليات وإدامتها. وهو كذلك تجديد وتوسيع للتحالف الذي يخوض الحرب في اليمن ضد الانقلابيين. وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لدى تدخله العسكري في سورية، قد صرح مراراً إنه يسعى إلى بناء تحالف واسع ضد الإرهاب، وقد ضم تحالفه إيران وروسيا والعراق والنظام في دمشق، وبتنسيق جزئي مع الأردن يتعلق بالحدود مع سورية، واتخذ من بغداد مركزاً له. لم يقيّض لهذا التحالف أن يتسع، لأن الأداء الروسي في سورية جعل التصدي للجيش الحر والمعارضة المعتدلة واستهداف المدنيين في طليعة مهمات المقاتلات الروسية. ولم تلبث موسكو أن انصرفت عن مسعاها هذا، إذ انغمست في حرب أعصاب واستعراض قوة مع تركيا، فيما يتفرّغ وزير خارجيتها، سيرغي لافروف لمحاولة انتزاع تنازلات، المرة تلو المرة، من نظيره، جون كيري، ومن المبعوث الأممي دي ميستورا، بخصوص مستقبل سورية، وبغرض تصنيف كل من يعارض نظام الكيماوي والبراميل المتفجرة إرهابياً.
وبما أن الوضع في سورية هو الأشد تعقيداً والأكثر توتراً، من الملاحظ في هذا البلد أن سماءه مفتوحة للمقاتلات الروسية (فيما ينهمك التحالف الدولي بقصف داعش)، أما على الأرض، فإن
"موجة الربيع العربي قد حفرت تحت السطح، وأشاعت ثقافة الإصغاء لتطلعات الشعوب، تفادياً لخطر الإرهاب والاختراق الخارجي"
المليشيات الأفغانية واللبنانية والإيرانية والعراقية والباكستانية تشكل جيوشاً لمحاربة فصائل الجيش الحر، والتنكيل بالبيئات السنّية، كلما تسنى لها ذلك، الأمر الذي أفرز جموداً في الوضع العسكري مع تحسن طفيف لمصلحة النظام، وقد انعكس ذلك جموداً سياسياً، على الرغم من أن أجندة اجتماع فيينا ركّزت على حل متتابع الخطوات، يبدأ مع مطلع يناير/كانون الثاني 2016 بمفاوضات بين النظام والمعارضة. اللافت أن مسؤولين روسا تحادثوا مع نظرائهم الإيرانيين، بعد اجتماعات فيينا، وصرّحوا، بصورة متناغمة، أنهم يرفضون "فرض حلول خارجية على سورية"! وبعد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية الذي حقق قدراً من النجاح، كان يُفترض أن الجمود السياسي تم كسره. لكن، لا شيء من ذلك قد حدث. وكأن اجتماعات فيينا بمشاركة عشرات الدول لم تتفق على شيء سوى على تدخل عسكري روسي مباشر(!).
يملأ التحالف الجديد المعلن عنه في الرياض الفراغ بالفعل، فراغ غياب المنعة الذاتية القومية، فراغ غياب قوات برية عربية وإسلامية تحمي المدنيين السوريين والليبيين والعراقيين. جاء التدخل الروسي ليضاعف محنة المدنيين، وليوقع مزيداً من الضحايا، ويتسبب بموجات لجوء جديدة، ويفترض أن يملأ التحالف فراغ انكفاء أميركا من المنطقة، مكتفية بتحالفها مع إسرائيل وغير مبالية بالتمدد الإيراني.
وعلى الرغم من الصفة العسكرية الصريحة التي يحملها هذا التحالف، فإن المغزى السياسي لقيامه لا يقل أهمية، وهو التقاء أكثر من ثلاثين دولة إسلامية لمهمة التصدي للإرهاب، ابتداء من داعش وليس توقفاً عندها أو اقتصارا عليها. وباستثناء الجزائر وسلطنة عمان والعراق، فقد جمع التحالف غالبية الدول العربية الرئيسية، بما فيها اليمن وليبيا مثلاً، على الرغم من الأوضاع غير المستتبة فيهما. (أما لبنان الذي أعلن رئيس حكومته، تمام سلام، انضمام بلاده إلى التحالف، فإن وزير الخارجية باسيل جبران تحدث عن عدم علم وزارته بهذا الانضمام، وكأن مسألة الاشتراك في تحالف إقليمي واسع شأن دبلوماسي خالص يتعلق بوزارات الخارجية!). وقد نجحت الرياض في جمع المروحة الأوسع من الدول العربية، وبما وضع جامعاً مشتركاً بين دول متباعدة سياسياً.
لم تتضح بعد آليات عمل التحالف. لكن، تبيّن أن الإعلان عنه جاء حصيلة لقاءات واسعة ومشاورات مكثفة، شارك فيها رؤساء أركان وأجهزة أمنية معنية في الرياض، طوال الأشهر الماضية، وهذا هو التطور الثاني الذي يصدر عن الرياض هذا العام، بعد اندلاع حرب عاصفة الحزم، أواخر مارس/آذار الماضي، وينطوي هذا التطور على قيمة استراتيجية كبيرة، مفادها بأن العرب هم من سيملأون أي فراغ، وهم من سيتصدون لمختلف منظمات الإرهاب، وفي مقدمتها داعش، وأنه لن ينشأ فراغ سياسي وعسكري في منطقتنا بعد اليوم، ولن يتم انتظار قوى غربية لتصحيح المعادلات، ولا قبول وجود أية قوة إقليمية أو أجنبية في ديار العرب.
إلى سنوات قليلة خلت سبقت موجة الربيع العربي، كانت الأنظار تتطلع إلى حراك سياسي يكسر الجمود هنا وهناك. قبل انتهاء هذا العام 2015، نشهد حراكاً عسكرياً ذاتياً على المستوى العربي من أجل مكافحة الإرهاب، ووقف الاختراق الخارجي. مع ملاحظة أخيرة تتعلق بعودة الجيوش للعب دورها في الإطار نفسه، بعد أن شاعت خلال عقد على الأقل نظرية مزاحمة الجيوش الخاصة (المليشيات والجماعات المسلحة) للجيوش النظامية. والهدف هو نفسه، مكافحة الإرهاب، حماية المدنيين، والتصدي للاختراق الخارجي. وهذا يدل على أن العالم العربي في سبيله إلى التغيير، إن لم يكن قد بدأ يتغيّر، ولعلها موجة الربيع العربي قد حفرت تحت السطح، وأشاعت ثقافة الإصغاء لتطلعات الشعوب، تفادياً لخطر الإرهاب والاختراق الخارجي.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: محمود الريماوي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ