تركيا تدفع ثمن مواقفها الأخلاقية
تركيا تدفع ثمن مواقفها الأخلاقية
● مقالات رأي ١٢ مارس ٢٠١٥

تركيا تدفع ثمن مواقفها الأخلاقية

"شكراً تركيا" عبارة رفعها أغلبية الشعب السوري في الداخل والخارج، نظراً للمواقف الأخلاقية والإنسانية التي اتخذتها تركيا في جميع القضايا التي تخص سورية منذ مارس/آذار 2011.
انطلاقاً من وقوفها إلى جانب مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، ونصائحها لبشار الأسد بضرورة الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وعدم استخدام العنف في مواجهة التظاهرات السلمية، وتقديم إصلاحات حقيقية للشعب السوري، حرصاً منها على بقاء سورية الجارة دولة قوية متماسكة، تشكل مع تركيا دعامة قوية للاستقرار في المنطقة. كلنا يعلم كيف كان رد الأسد على النصائح التركية. مروراً باستقبالها مئات آلاف اللاجئين السوريين على أراضيها، الذين لجأوا إليها من طائرات الأسد وبراميله، ويشهد القاصي والداني على مدى الحفاوة التركية باللاجئين السوريين، ومدى الدعم المقدم لهم من الحكومة التركية، طوال أربع سنوات، والذي بلغ مليارات الدولارات.
أصبحت تركيا، اليوم، (تقريباً) الدولة الوحيدة في الإقليم التي تدرك تماماً فداحة الأضرار الناجمة عن استمرار الأزمة السورية، متمثلة في استمرار الأسد على رأس السلطة في سورية، حيث ترى في ذلك محفزاً لمزيد من تفشي العنف والتطرف في المنطقة، فيما تنقسم مواقف بقية الدول بين مؤيد وداعم للأسد، وبين من يبني مواقفه تماشيّاً مع توجهات غربية، من الواضح جدّاً أنها، وعلى الرغم من المجازر الفظيعة والمأساة الإنسانية اليومية للشعب السوري، ما زالت تعارض أي مساس بالأسد، على الأقل في الوقت الراهن.
بعد تمدد تنظيم داعش في سورية والعراق، وتشكيل التحالف الدولي لمحاربة "الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة، أعلنت تركيا عن رؤيتها ومقاربتها لمعالجة الأمر، وأعلنت عن شروطها للانضمام له، تلك الشروط الحيوية الضرورية لنجاح التحالف في مهمته، من إنشاء منطقة آمنة للاجئين السوريين على الحدود، إلى إقامة حظر جوي فوق الأجواء في سورية، وصولاً إلى حل الأزمة السورية جذرياً، والتي يعتبر استمرارها أكبر مكان ملائم لانتشار الإرهاب، وهو ما عبرت عنه عشرات الأبحاث الصادرة عن أرقى المراكز الغربية.
لم ترق الرؤية التركية للإدارة الأميركية التي لا تريد أن ترتب على نفسها أي التزامات جدية، على الرغم من الحرائق اليومية المستعرة في المنطقة، حتى يخال بعضهم أن هذا ما تريده أميركا. وبعد عدة أشهر من إنشاء التحالف، أثبتت الرؤية التركية صوابها، حيث أخفق التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، في تحقيق أي تقدم يذكر، حتى حذا الأمر بالجنرال ديمبسي، اليوم، أن يتحدث عن تفكك التحالف.
بدأت الضغوط على تركيا، عقب رفضها الانضمام إلى التحالف الذي لا يملك رؤية واضحة واستراتيجية مجدية، عندما اتهمها نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بتسهيلها مرور المتطرفين والذي عاد وتراجع عنه، ما يثبت عدم قناعته فيما كان يقول.
ولقد شهدنا، أخيراً، ضغوطاً تعرضت لها الليرة التركية، ما أدى إلى انخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار، ما يخلق أو يشي بحالة من عدم الاستقرار في الاقتصاد التركي. كذلك القرار الصادر عن "الأمم المتحدة"، والقاضي بوقف المساعدات عن مئات آلاف اللاجئين السوريين في 9 مخيمات في تركيا، والذي جاء في وقت أعلنت فيه الحكومة التركية عن إنشاء مخيم جديد للسوريين يكلف عشرات الملايين من الدولارات.
نعم، كانت تركيا مصيبة في رؤيتها حول كيفية وجوب عمل التحالف الدولي، لأنها على اطلاع واسع بحقيقة مجريات الأمور في المنطقة، ولأنها تبذل حقّاً جهوداً حثيثة لحل المشكلة والقضاء على الإرهاب من جذوره، لا استغلاله لتحقيق مصالحها، وكانت محقة من قبل في وقوفها إلى جانب مطالب الشعب السوري المشروعة، متجاوزة بذلك السياسة القائمة على المصالح الضيقة ومتعالية عليها، ومقدمة نموذجاً في السياسة القائمة على الإنسانية والأخلاق.
ستستمر الضغوط على تركيا طالما أنها تنحاز إلى الشعب السوري وتعمل لصالح الأمن والاستقرار في المنطقة، وربما تتصاعد أكثر، لكن الشعب السوري سينتصر، وسينتصر معه كل من وقف إلى جانبه، هذا ما يقوله العقل والمنطق، والتجارب والتاريخ، والديانات والأخلاق والأعراف.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: جليلة الترك
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ