حاضنة الثورة ترفض تشتتها .... دعوات للوحدة أو ..... الفناء
حاضنة الثورة ترفض تشتتها .... دعوات للوحدة أو ..... الفناء
● مقالات رأي ٢ ديسمبر ٢٠١٦

حاضنة الثورة ترفض تشتتها .... دعوات للوحدة أو ..... الفناء

مما لا شك فيه أن الشعب هو منبع كل ثورة تخرج ضد الظلم و الطغيان ، و أن الشعب هو أساس كل تحرك يهدف الى تغيير نظام حكم اضطهده و سلب حقوقه و حاربه بلقمة عيشه ، و لا ريب أن الشعب هو المحرك و المولِّد لكل انتفاضة تخرج ضد نظام أو حزب استبدادي تطالبه بالرحيل و تنشد التغيير ، و من هنا من هذا الشعب تولد الثورات ، تبدأ بحدثٍ صغير يكون تلك “القشة التي قصمت ظهر البعير” و لا يلبث أن يتحول الحدث الى شرارة يشتعل بها أتون الغضب و الحقد على من استبد و ظلم و تحكم ، و لا تلبث هذه النيران المتقدة بالقلوب و العقول، المتولدة من جحيم المعاناة و التعب و شظف العيش، أن تتحول إلى ثورة عارمة .. يحوطها الشعب و يرعاها ..يؤيدها و يكلؤها بعين رعايته، يؤمن لها أسباب العيش و الاستمرار و يوفر لها الحضن الدافئ و الحامي ..


هي الثورة السورية كما كل الثورات على مر التاريخ، ولدت من رحم الشعب، و خرجت من خاصرته بما رافق هذا الخروج من الم و مكابدة و صبر، لتنتفض ضد نظام استبد بوطن ما يزيد على خمسة عقود ، نظام استبد و قتل و أجرم و سرق و نهب، هي ثورة فطرية عفوية بدأت بكتابات أطفال على جدران مدارسهم لتستعر كما النار بالهشيم و تنتقل من جدران مدرسة لتغدو على مساحة كل شبر بأرض الوطن، ثورة بدأت سلمية و استمرت كذلك ما وسعها الأمر، و بفطرتها السليمة كذلك و عفويتها بدأت بالتحول للعسكرة لتدافع عن نفسها ضد بطش لم يُشْهد له نظير بالتاريخ، حملت السلاح لتطبق معايير كل الديانات السماوية و الأعراف الإنسانية بحق رد الظلم و حفظ النفس، و بدأت كتائب الثوار بالتشكل و الظهور، فظهر الجيش الحر الذي كان ابن ثورة الشعب البكر، يحمل خصائصه و تفاصيله، يحوي أطيافه و اثنياته ، و يرفع راية استقلاله عن المستعمر، لا يتميز فيه ثائر عن ثائر الا بالخلق و الشجاعة و الاقدام و ما يحمله من فكر و حرية، ليظهر بعده تشكيلات مختلفة و فصائل متعددة و رايات متباينة، كل منها له هدف و يقوده منهج و يحركه فكر، منها المعتدل و الإسلامي و المتطرف و المغالي بالتطرف .

 

تحولت الثورة للعسكرة، و باتت تشكيلاتها تتنازع المناطق و الأهداف و الوجود و الموارد، و لم تنسَ هذه الفصائل بطبيعة الحال أهم سبب من أسباب قوتها و أهم مصدر من مصادر شرعيتها ، و أقوى محرض على استمراريتها و هو الشعب .. تلك الحاضنة الاجتماعية الأساس و المركز، فسعت التشكيلات و الفصائل إلى كسب ودها و استقطابها كل منهم على حساب الفصائل و التشكيلات الأخرى، و كما تعددت مشارب و أهداف هذه الفصائل فقد تعددت أساليبهم بجذب هذه الحاضنة الشعبية تجاههم، فمنهم حاورها و اندمج بها و اعانها قدر استطاعته، و منهم من تكبر عليها و أهملها و منهم من حاول سوقها بالحديد و النار و القهر و الإرهاب، و منهم من ظن انه الوصي الشرعي عليها بعد تقهقر النظام من بين ظهرانيها، و مارس أغلبهم البراغماتية المحضة بداية بالتزلف لنيل رضاها و التقرب منها، ثم اظهر وجهه القبيح بأهدافه المناطقية أو الشخصية او الأيدولوجية ، فلفظته الحاضنة الشعبية التي عولت عليه و عول عليها .. لينتهي التشكيل او يضمحل او يتقوقع على نفسه برأس جبل او بطن وادي.

 

وشكل التشرذم العسكري والتفرقة المقيتة بين مكونات الثورة العسكرية تراجعاً كبيراً في مناطق وساحات عدة، غيرت مسار الثورة وحرفتها عن تحقيق هدفها في نيل الحرية، وأبعدتها عن مشروع الشعب الأول لمشاريع فردية متفرقة ومتخاصمة، كلاً يسعى للظهور على حساب الغير، فتكالبت الدول والميليشيات وتوحدت ضدنا، فهجرت العشرات من المناطق ومازالت تعمل على تهجير البقية، ونحن فرقة برايات ومناهج وإيدولوجيات، وقد حان الوقت للعودة للطريق الأول وتوحيد الصفوف ونبذ التفرقة، بناء على مطلب الشعب الذي رفع الشعار الأول في صيحاته مطالباً بالوحدة العسكرية والمدنية وعلى كل الأصعدة، لتنهض ثورتنا وتعيد مجدها في حلب وداريا والغوطة ودرعا وإدلب وحماة وحمص واللاذقية والرقة ودير الزور وكل بقعة انتفضت في وجه الاستبداد وقالت لا للظلم أي كان مصدره، ولن تحيد عن الدرب وستواصل العمل حتى تحقيق هدفها.

 

الثورة السورية ثورة مُمحِصةٌ كاشفة ، و الحاضنة الشعبية تحوي بوعيها الجمعي حضارة عمرها آلاف السنين ، و الشعب الذي أطلق هذه الثورة “بمشيئة الله” قادر على ان يميز الخبيث من الطيب ، و ان يفرق بين الغث و السمين، و لكنه شعب كَهلْ صقلته التجارب و السنون، يعطي الفرصة لمن يطلبها، و يتمهل بالحكم ليرى النتائج ، و لكنه لا يصبر على ضيم، و لن يستبدل مستبد بمستبد .. فليعي من يتطلع لحكم أمره بالسلاح او بالسياسة .. أن يحقق طموحات هذا الشعب و ان يلامس ألمه و ان يثبت عزمه على تحقيق أمله .. فبهذا يستمر و بهذا يحوز رضاه و بهذا يمتلك قلوب و عقول “الحاضنة الشعبية”، وإلا فإن الثورة ستعيد تكون نفسها وتنقلب على من حاول تسلقها واستغلالها، ولن تبيع مبادئها ولا أهدافها ولا دماء الألاف من شهدائها...... فاتعظوا يا أولي الأمر وخذوا من التاريخ العبر.

المصدر: شبكة شام الكاتب: أحمد نور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ