عبثية الفن في زمن البعث
عبثية الفن في زمن البعث
● مقالات رأي ٩ مارس ٢٠١٥

عبثية الفن في زمن البعث

 قد كان الفن في عتمة الفقر الإبداعي طوال عقود حكم الأسد الأب و الابن، و ما يزال خارج نطاق الأمل من بعض الرقي فيه، حيث سُلِبَ معطفه الذي يقيه من صقيع السخافة و التصنّع، فتم تناسي كل أنواع الفنون و وضعها على الهامش حتى اعتقد المجتمع السوري بأن الدراما التلفزيونية السورية هي وحدها تُغني عن كل تلك الفنون السبعة، و هي وحدها القادرة على تمثيل سوريا فنيا و ثقافيا.

انتشر الوباء الفني حين جنّد الأسد كوكبة من الممثلين الذين كُرِّسوا للعمل في الدراما التلفزيونية، و تمتعوا بدعم كثيف من الأسد ذاته عندما أسس قناة سوريا دراما و شراء كافة الأعمال التي لم يتم بثها على القنوات الفضائية الأخرى، ربما لأنها تعتبر نوعا من التسلية و لسهولة مشاهدتها في كل بيت، لكن من ناحية أخرى، كان بمقدور الذي شجّع و ساند الدراما أن يعين و لو بقليل باقي الفنون المغلوب على أمرها و التي أُصيبت بغيبوبة لمدة ليست بقصيرة، بل كان باستطاعته أيضا أن يجعل شعبه يطّلع و ينفتح على العديد من الفنون المنسية و التي كانت على مدى التاريخ وسيلة للتعبير عن الأفكار و الآراء و المعتقدات، و أكثر جرأة لتسليط الضوء على مشكلات الإنسان و المجتمع، و اليوم مازالت قادرة هذه الفنون على إنعاش الفكر، مثل الرسم، النحت، الموسيقا، الرقص، السينما و المسرح الذي يعتبر هو الأب الروحي لكل الفنون.

 الممثلون الذين صفقوا للأسد على هذه المبادرة "الحسنة"، لم يكترثوا و لو للحظة واحدة للمأساة التي ستقتحم ذوق المجتمع السوري و الكارثة التي ستهب علينا إذا اعطينا الدراما التلفزيونية أكثر من حقها، حتى وصل البعض إلى تقديس العاملين فيها. رجل المطر.. عمر أميرالاي الذي مات في الغياب دون أن يعرفه إلا القليل من الشعب السوري، كذلك سعد الله ونوس الذي ثارت كلماته على خشبة المسرح، و أسماء كثيرة عاشت و ماتت في مساحة ضيقة من وطنها، لأنها خلقت أعمالا و أفكارا لم تعجب الجنرال في بلدنا.

عملت هذه الأسماء على نقل تطلعات الشعب إلى الشاشة الكبيرة و تبنت كل آراء الشارع في المسارح و قصائد الشعر و اللوحات التشكيلية. لن أتجاهل الجهود التي برزت من شخوص مبدعة و التي حاولت أن تُدخل رؤية إخراجية سينمائية في أعمالها الدرامية التلفزيونية، لتعيد لها هيبتها بعيدا عن "الهشِّك بشِّك" الذي عكّر ذوق مجتمع بأكمله، أبرز تلك الأيقونات هو هيثم حقي الذي تمتع بإبداع راقٍ و تبعه حاتم علي الذي شكّل نموذجا سوريا حضاريا، أما على صعيد النصوص الدرامية هناك الكثير من كتاب السيناريو الذين رفعوا بكتاباتهم قيمة الدراما السورية، مثل يم مشهدي و سامر رضوان و أمل حنا و حسن سامي يوسف، التي كانت نصوصهم تخرج من قلب الشارع السوري و تُشعر المشاهد أنه أمام نص مختلف يفسر له الواقع بكل تفاصيله الحياتية المعقدة. جاءت الثورة السورية أيضا لتكشف لنا عن كذبة تسمى الدراما السورية، لتعيدها إلى حجمها الطبيعي و تعطي لكل من الفنون الأخرى حقها في التعبير و المشاركة في صنع فن سوري أكثر شياكة، عدد كبير من أفلام السينما اليوم التي مثلت الثورة السورية و تشارك في مهرجانات و توّجت بجوائز عالمية بارزة.

"ماء الفضة"، "العودة إلى حمص" و "بلدنا الرهيب".. اغتنت السينما السورية بهذه الأفلام التي كانت مرآة للإبداع. الطوفان سيغرق تفاهة البعث و سياسته، ليعيد الشعب السوري حياكة أيامه و مجده من جديد.

صالح ملص.

المصدر: الحوار المتمدن الكاتب: صالح ملص
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ