فلنعط القوس باريها
فلنعط القوس باريها
● مقالات رأي ١٠ أغسطس ٢٠١٧

فلنعط القوس باريها

أوكل الأمر في الداخل المحرر لكثير من الأمراء بعيداً عن معايير الكفاءة والتخصص ووسد الأمر لغير أهله وضاعت الأمانة، فهل أظلنا زمن الرويبضة وكيف؟

جميعنا يعلم المبدأ القائل "لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم" وما ورد في الحديث "لا يحل لثلاثة نفر يكونون بفلاةٍ من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم"، ولربما انطلاقاً من ذلك اتخذت كل جماعة في الداخل المحرر قائداً لها وأميراً يقوم على أمورها ويتولاها سعياً منها لتجنب الفوضى، لكن رغم ذلك لا زلنا نرى الحيرة والضياع والتشرذم والفوضى في أمر الجماعات التي تتخبط خبط العشواء لسان حالها يقول: أسير على نهجٍ يرى الناس غيره لكل امرئٍ فيما يحاول مذهب، فهل غاب عنها ألا صلاح لها إذا ما ساد جهالها أمر العامة ونطق الرويبضة؟ وهل الأزمة الحقيقية اليوم هي أزمة قياداتٍ ورجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه أكثر مما هي أزمة شعوب وأفكار نتيجة لفقدان المعايير الصحيحة لاختيار القادة المعول عليهم في ذلك؟

إن المتأمل لعملية اختيار القيادات والأمراء في فصائلنا يرى أنها تخضع في كثيرٍ من الأحيان لمعايير سلبية، بعيداً عن مبادئ الكفاءة والقوة والأمانة، وبعيداً عن مبدأ التخصص ـ الفريضة الغائبة عن واقعنا ـ ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، هذا مما انعكس سلباً على الواقع وكان سبباً في فقدان الثقة من جهة، ومن أخرى وصلنا بموجبها إلى الفشل الذي لاتزال تتخبط فيه إلى يومنا هذا جل الفصائل.

ولعل من أبرز وأهم هذه المعايير التي اعتمدتها قيادات أكبر وأقوى الفصائل والجماعات في الداخل السوري المحرر لاختيار القادة والأمراء وكانت وبالاً عليه، هو الاعتماد على أولي العلم الشرعي ذوي الخلفية والمنهج الواحد دون غيرهم في كل المجالات والشؤون ذات الأهمية وإهمال الجوانب الأخرى من التخصص والكفاءة و ...الخ، في الوقت الذي تقول فيه الحكمة إنه يكفيك أن تتعلم شيئاً عن كل علم، و أن تتقن كل شيءٍ عن علمٍ واحدٍ فقط في إشارةٍ لأهمية التخصص في مجالٍ معينٍ والذي يجعلك تلم بكل جوانبه، ويجعلك قاب قوسين أو أدنى من النجاح، فلكل مجالٍ متميزوه  ولا يلزم من تميز شخص في مجال ما استصحاب ذلك التميز والظهور عند انتقاله لمجال آخر، فالمنطق يرفض مثل ذلك ولو كان المتجاوز لغير تخصصه أباً للعلم الذي برز فيه، فمن أراد أن يقيم مجتمعاً ناجحاً، فعليه اختيار الشخص المناسب، ليكون في المكان المناسب، و لا يمكن لمجتمعٍ يعتمد في العلاقات بين أفراده على أهل الثقة (اولي العلم الشرعي) دون الكفاءة أن ينهض، ولا يمكن أن تأتي الكفاءة دون تخصص، وفي ظل التطور الهائل في مختلف المجالات أصبح التخصص فريضةً ينبغي الالتزام بها وتطبيقها، غير أنها غائبةٌ عن واقعنا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فانشتاين أكبر فيزيائي في العالم كان بليداً في بعض المواد كالإنشاء والرسم، ولكنه لما توجه لاختصاصه (الفيزياء) أتى بالعجب العجاب. ومثله سيبويه إمام النحو وعبقري الدنيا طلب الحديث فلم يكن من اللامعين فيه، فلما طلب النحو أدهش العالم لأن مواهبه تناسب مادة النحو، وكم رأينا من طالبٍ فاشلٍ في بعض العلوم عبقريٍ في علوم أخرى فلو أن كل طالبٍ وُجِّه إلى ما يناسبه لَكثر العباقرة والمنتجون.

وكذلك شأن صاحب العلم الشرعي المتدين الورع الخلوق إذا لم تكن له بصيرةٌ في شؤون الحكم والإدارة، قد يكون عرضةً لخديعة أصحاب الأهواء والمضللين ـ كما هو حال الكثير من القادة اليوم ـ أما المحنَّك المجرَّب صاحب الاختصاص في مجاله يعرف من النظرة السريعة، معاني الألفاظ وما وراء معانيها.

هناك لا شك معايير 5 أخرى سلبية للاختيار الخاطئ للأمراء إلى جانب المعيار السابق ليس أقلها: ـ المعرفة والاجتهادات الشخصية للقيادات العليا وبناء عليه يخضع تعيين هذا الأمير أو ذاك لرأي القائد الشخصي أو معرفته به ربما في فترة سابقة (سجن صيدنايا).

ـ الولاء للأمير والطاعة العمياء له فصاحب الهوى لا يولي إلا الذي يوافقه في صفاته التي تحقق له مصالحه الخاصة، وإن كان فيها ضرر على عامة الناس، فتجد أكثر الناس حظاً في الإمارة والمناصب هو أكثرهم إخلاصاً وطاعةً له وتنفيذاً لأوامره دون تردد (فتاوى سفك الدماء ومنفذيها على الأرض).

ـ المحسوبية والمكانة الأسرية وبموجبها يصار لتعيين من للأمير هوىً فيه ومصلحةً يبتغيها من ورائه من أبناء بلدته وعشيرته والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى.

ـ الانتماء الفصائلي(المنهج) ولعل هذا المحدد الأساسي في الاختيار الذي لايمكن تجاهله، فيحال تعيين من هو خارج الفصيل ممن لا يوافقه المنهج أو الطريقة ولو امتلك الكفاءة والتخصص والخبرة الكافية المطلوبة.

ـ أضف إلى كل ذلك النفاق والتملق الذي لم يخلُ منه زمان ومكان.

يلاحظ أن جملة هذه المعايير تفتقد لأدنى درجات الموضوعية والكفاءة والاستحقاق في الاختيار والتعيين، وهذا ما أخلى الساحة من أهل التخصص فليس كل أحدٍ يصلح لأي منصبٍ أو وظيفةٍ أو ولايةٍ، فلابد إذا ما أراد الأمراء الخير للساحة من الاعتماد على أولي العلم ليس الشرعي فقط لأن أولوا العلم في كل موضع بحسبه، ففي الأمور الشرعية يستشار أهل العلم الشرعي، وفي الأمور الحربية يستشار أهل العلم بالحرب، وأمور الصناعة تُستنبط من أهل العلم بها، وفي أمور الزراعة يؤخذ العلم من أربابها وهكذا... لأن كل أحدٍ يدرك ما لا يدركه الآخر. فعندما يسند الأمر لأهله نجد القيادة الناجحة والتي هي حجر الأساس في استنهاض طاقات الناس والأخذ بيدهم نحو الخير والنجاح.

المصدر: شبكة شام الكاتب: نصار نصار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ