متلازمة "درع الفرات" و "المفسدون في الأرض"
متلازمة "درع الفرات" و "المفسدون في الأرض"
● مقالات رأي ٩ أكتوبر ٢٠١٧

متلازمة "درع الفرات" و "المفسدون في الأرض"

تواجه فصائل الجيش السوري الحر المنضوية ضمن غرفة عمليات "درع الفرات" بريف حلب الشمالي، حملات إعلامية متلاحقة لتشويه صورة هذه الفصائل وتعميم صورة "الفساد والعمالة والارتزاق" المطلق، والتي باتت تطغى على نظرة المدنيين وتؤثر بشكل كبير في النظر لهذه الفصائل التي تسيطر على مساحة كبيرة بريف حلب الشمالي.

هذه الحملات التي تديرها ماكينات إعلامية كبيرة تتشارك فيها عدة جهات منها داخلية في الطرف المقابل لهذه القوات المتمثلة بمناصري الفصائل الإسلامية التي حاربت هذه الفصائل وطردتها من ريف إدلب وفق عمليات استئصال متلاحقة، بتهم الفساد والعمالة حتى تفردت في الساحة وباتت هي القوة المتحكمة، حتى أنها لم تكتف بقتال فصائل الجيش الحر بهذه التهمة بل تعداها لتطال فصائل قريبة منها كأحرار الشام والتي نالت نفس الحملات من التشويه وملاحقة العثرات وتضخيمها.

فصائل "درع الفرات" تتكون من أكثر من 30 فصيلاً من الجيش السوري الحر، بينها فيلق الشام وجيش الإسلام وأحرار الشام والجبهة الشامية وجيش المجاهدين وفرق عدة، إضافة لمكونات الفصائل التي انهت وجودها تحرير الشام في إدلب منها حركة حزم وجبهة ثوار سوريا، والتي شكلت عناصرها وبعض قياداتها مكونات عسكرية جديدة بأسماء متنوعة، وانضوت ضمن غرفة العمليات، بعد أن تم ملاحقتها في إدلب بتهم الانتماء للفصيل الفلاني، فكان خيارها إما سجون العقاب أو الخروج من إدلب والانضواء مع فصائل الجيش الحر في شمال حلب، إضافة لأبناء الريف الحلبي الشمالي الذين انضوا في صفوف هذه الفصائل وهم من خيرة الثوار.

شكلت غرفة عمليات درع الفرات بقيادة القوات التركية في 24 آب 2016 حيث أعلنت حينها تركيا دعم فصائل الجيش السوري الحر في ريف حلب الشمالي والفصائل التي شكلت من عناصر الفصائل التي خرجت من إدلب، ودربت في معسكرات ضمن الحدود التركية، اطلاق معركة لتحرير الريف الشمالي لحلب بعد أن غدت المنطقة محط أنظار قوات قسد وتنظيم الدولة اللذان تشاركا بدعم روسي في السيطرة على غالبية مناطق الريف الشمالي، بالتوازي مع تضييق نظام الأسد الخناق على مدينة حلب.

عملية "درع الفرات" التي بدأت بتحرير مدينة جرابلس ثم توسعت بشكل كبير باتجاه دابق وصولاً حتى مدينة الباب ومناطق شاسعة تقدر مساحتها بـ 5000 كيلومتر مربع، باتت منطقة آمنة بتفاهمات دولية تقودها تركيا التي قدمت الدعم الكامل لفصائل الجيش السوري الحر وساندته جواً وأرضاَ في عملية تحرير المنطقة من قبضة تنظيم الدولة، وقطعت الطريق على توسع قوات قسد في النيل من ريف حلب الشمالي والتي حاولت جاهدة السيطرة على إعزاز قبل انطلاق الحملة.

لا يمكن إنكار التجاوزات الكبيرة التي طالت فصائل "درع الفرات" وانضمام شخصيات فاسدة ضمن صفوفها شوهت مسيرة هذه الفصائل التي قدمت مئات الشهداء في معارك التحرير في إدلب وحماة وحلب والرقة وآخرها في ريف حلب الشمالي ضد تنظيم الدولة، كما أنه لا يمكن إنكار وجود فصائل باتت مستعدة للتعاون مع أي طرف بدافع الانتقام من تحرير الشام التي طردتها من أرضها التي حررتها وكان لها بصمة كبيرة في إخراج قوات الأسد وحلفائها منها ودفعت دماء كبيرة لذلك، إلا أن هذا الفساد المستشري والارتباط الخارجي موجود لدى جميع الفصائل على تنوعه ولعل التطورات الأخيرة أثبتت ذلك لدى الجميع أنه مرهون بطرف خارجي يدعمه ويتحكم في قراره وكل الشعارات عن الاستقلالية والقرار الداخلي والحر ما هي إلا شعارات براقة قدمت للشعب المعذب للحصول على دعمه.

لعل البعض يقول أن فصائل "درع الفرات" لا تملك أي قرار ولا تستطيع فتح أي جبهة لاستعادة القرى التي سيطرت عليها قسد في ريف حلب الشمالي، وأن القرار في كل أمر لتركيا، كذلك هو الحال اليوم في إدلب فمنذ سقوط حلب لم تبادر الفصائل كافة في إدلب لفتح جبهات حقيقية في حلب او حماة أو الساحل ومن يمنعها من ضرب عقر الأسد في الساحل إلا بضع معارك في مناطق ليست ذات تأثير تكشفت دوافعها في إسقاط البعض والارتباط بأجندات كبيرة لايمكن أن ننكرها، وبالتالي بات الحال واحداً مع اختلاف التبعية والتوجه والأجندات.

تعميم الفساد على فصائل الجيش السوري الحر، حتى بات اسم "درع الفرات" مرتبط كمتلازمة مع "المفسدون في الأرض" والتي دأبت الماكينات الإعلامية على الترويج لها وإقناع الحاضنة الشعبية بفسادهم، مستغلة سلسلة التجاوزات التي تقوم بها عناصر هذه الفصائل وتضخيمها ونشرها بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي واستغلال أي حادثة للطعن والإساءة لهذه المكونات، في الوقت الذي تغفل فيه متابعة التجاوزات التي لاتقل بل تزيد من طرف عناصرها بحق المدنيين والحاضنة الشعبية.

استغلت في ذلك الشعارات البراقة والتستر بعباءة الدين في محاربة الخصوم، وتبييض صورة فصيل معين على حساب الجميع ليغدو هو "الخير المطلق والحامي والناصر والمحرر والحق الكامل" في الوقت الذي تعمم صورة "الفساد والعمالة والارتزاق" على غيرها من المكونات العسكرية، بهدف تشويه صورتها ودفع الحاضنة الشعبية للتخلي عنها ثم إنهاؤها والسيطرة على مقراتها وسلاحها والظهور أمام الشعب بأنها تحميهم وتدافع عنهم وتبعد الفساد الأكبر.

فكما للجيش الحر أخطاء وعثرات وفساد في بعض قادتها وعناصرها كذلك هو الأمر لدى الفصائل الإسلامية وفي مقدمتها تحرير الشام من فساد وتجاوزات في الكثير من قادتها وعناصرها بحق المدنيين والحاضنة الشعبية، أما التبعية فقد كشف الغطاء عن كل هذه الشعارات الزائفة التي تستر البعض خلفها، فيما تبقى المعضلة الأكبر هي تعميم الفساد ما يضيع صورة الصادقين في كل الفصائل ويغلب الصورة السيئة على الصورة المشرقة الساطعة التي لا تخدم إلا أعدائنا.

الكاتب: أحمد نور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ