مخيم اليرموك شهيداً مرة أخرى
مخيم اليرموك شهيداً مرة أخرى
● مقالات رأي ٦ أبريل ٢٠١٥

مخيم اليرموك شهيداً مرة أخرى

ما البطولة في مهاجمة مخيم جائع وعطش ومحاصر؟ وأي معنى للنصر على الجائعين ودعوتهم إلى التوبة؟ وللتوبة عن ماذا، عن جوعهم؟

لن نجد أحداً يجيب عن هذه الأسئلة، لكنها أسئلة تحمل أقصى السخرية من قاع المرارة الفلسطينية المستمرة في مخيم اليرموك، في ظل المحرقة السورية المستعرة، منذ ما يزيد على أربع سنوات. ولا تفسير لهجوم داعش، أخيراً، على مخيم اليرموك، سوى أن هذا التنظيم، الموغل في دم الناس، يحتاج إلى ادعاء نصر ما في محيط مدينة دمشق التي يتقلص فيها وجوده إلى أماكن محدودة جداً، ومن هذه الأماكن إمارة حي الحجر الأسود على حدود مخيم اليرموك جنوباً. فأبطال الظلام في بحثهم عن انتصار، لم يجدوا سوى الجائعين والمحاصرين لينتصروا عليهم، بوصفهم الطرف الأضعف في المنطقة الجنوبية لمدينة دمشق. وهم يدركون سلفاً سهولة الانتصار على الضحايا المحاصرين الجائعين، الذين تركهم الجميع، بمن فيهم فصائلهم الفلسطينية، في مهب الرياح السورية العاتية والمشتعلة، لتتلاعب بهم كيفما كان، في الوقت التي ترفع فيه منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية شعار "عدم التدخل في الشؤون العربية"، حتى لو كانت الدماء الفلسطينية تسفك في هذا الشأن العربي.

يعيد مخيم اليرموك المحاصر والمجوع من النظام، والمهاجم من داعش، طرح مأساة الفلسطينيين في سورية. فالتجمع الفلسطيني في مخيم اليرموك، منذ بداية الانتفاضة السورية، لم يختر حمل السلاح، بل اختار أن يتضامن مع الضحايا إنسانياً باحتضانهم، فكان المكان الذي استقبل نازحين كثيرين من المناطق المحيطة التي شهدت اشتباكات مسلحة قبل نكبة اليرموك، فكان من الطبيعي أن يتضامن الفلسطينيون الضحايا مع الضحايا السوريين، ويردون لهم جزءاً من ديْنهم لهم، واحتضاناً سابقا في نكبتهم. خصوصاً أن اليرموك عاش، عقوداً، تعايشاً فلسطينياً ـ سورياً منقطع النظير. فالمخيم المعروف بكونه مخيما فلسطينيا، كان أغلب سكانه سوريين، في وقت عاش فيه نحو 150 ألف فلسطيني، كانوا يعيشون بين 500 ألف سوري من سكان المخيم. فهو تأسس مخيماً فلسطينياً، وبقي معروفاً كذلك، لكنه، منذ ثمانينيات القرن، أصبح الفلسطينيون فيه أقلية. في اليرموك، لم يكن هناك تمييز بين فلسطيني وسوري، ولم يحصل أي صدام بين الفلسطينيين والسوريين، على خلفية الانتماءات الوطنية.

لم تكن، في مخيم اليرموك، تستطيع تمييز السوري عن الفلسطيني. طبعاً، هذا لا يعني أنه كان تجمعاً من الملائكة، فهو تجمع سكاني يعاني من مشكلات كثيرة، بحكم الاكتظاظ السكاني، وغيره من المشكلات المعروفة في تجمعات العشوائيات. لكن المقصود، هنا، أن المخيم لم يشهد طوال تاريخية صداماً هوياتيا بين فلسطينيين وسوريين على أي خلفية كانت. وكان التعاطف الفلسطيني مع السوريين في ثورتهم على النظام كبيراً، وصلت عند بعض الفلسطينيين إلى حد الاندماج في الحراك. فالنظام القمع الشمولي في دمشق وحّد الجميع في سياساته القمعية، وزج الجميع في السجون، لم يفرق بين فلسطيني وسوري، وشهد فلسطينيون كثيرون الاعتقال في سجون النظام السوري، قله منهم بسبب انتمائهم إلى المعارضة السورية السرية، وأكثرهم بسبب انتمائهم لفصائل فلسطينية. وكانت أكبر حملة اعتقالات شهدها الفلسطينيون على يد النظام السوري، تلك التي شهدتها التجمعات الفلسطينية بعد الخلاف بين النظام وحركة فتح في العام 1983، وأدت إلى صدام مسلح في البقاع اللبناني ومدينة طرابلس اللبنانية، وأدت إلى خروج فلسطيني آخر من لبنان، بعد أقل من عام من الخروج الفلسطيني من بيروت على يد إسرائيل في 1982. وكانت حصيلة المعتقلين الفلسطيني المتهمين بالانتماء لحركة فتح والقوى الصغيرة الحليفة لها أكثر من خمسة آلاف، أقلهم قضى في السجون السورية خمسة أعوام. وهو رقم كبير إذا عرفنا أن عدد الفلسطينيين في سورية لم يتجاوز في ذلك الوقت 220 ألفاً.
"ليس مع الفلسطينيين في سورية أحد، حتى قياداتهم والمفترض أنها مسؤولة عنهم، تصمت عن قتلهم اليومي"

المخزي فلسطينيا في الموقف من مأساة المخيم أن القوى الفلسطينية، وفي مقدمتها منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح، وعلى الرغم من شعارات "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية" فهم عملياً يقفون إلى جانب النظام في حربه على السوريين والفلسطينيين السوريين، فهم، ببساطة، يتبنون رواية النظام عن المؤامرة والإرهاب وعما يجري في سورية. وفي المقابل، لم يقوموا بأي فعل جدي من أجل حماية الفلسطينيين في سورية، أو في مخيم اليرموك الذي يعاني من نكبة مستمرة منذ نهاية العام 2012. فهم يتضامنون مع المخيم وكأن ما يجري، لا يجري لفلسطينيين هم المسؤولون عنهم، بل كأنهم يتضامنون مع فيضان في الهند، يرسلون طروداً غذائية، وكفى المؤمنون شر القتال. والمفارقة الساخرة الحمقاء أنهم يحتفلون مع رجال النظام بذكرى انطلاقة حركة فتح، ويقطعون قالب كاتو على شكل علم فلسطين. يقطعون علم فلسطين، لك أن تتخيل رمزية المشهد.

يقول الدرس المتكرر/ الجديد، اليوم، إن الفلسطينيين، مرة أخرى، في العراء تنهشهم الذئاب من كل جانب. هذه المرة أقسى من كل مرة، ففي المرات السابقة التي نهشت الذئاب الفلسطينيين كانت القيادة الفلسطينية معهم، أو على الأقل جزء منها كان يصرخ أن هناك فلسطينيون يذبحون. اليوم، ليس مع الفلسطينيين في سورية أحد، حتى قياداتهم والمفترض أنها مسؤولة عنهم، تصمت عن قتلهم اليومي، بالقصف والجوع والاعتقال، اليوم بهجوم داعش الظلامي.

ليس للفلسطينيين أحد، آه "يا وحدنا" في مثل هذه اللحظات القاسية والمؤلمة، نفتقد رجلاً اختلفنا معه، كان فيه كل العيوب، لكنه ما كان ليصمت على آلام شعبه، اليوم نفتقد ياسر عرفات.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: سمير الزبن
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ