مستقبل العلاقات التركية الإيرانية والروسية
مستقبل العلاقات التركية الإيرانية والروسية
● مقالات رأي ٢٦ يونيو ٢٠١٨

مستقبل العلاقات التركية الإيرانية والروسية

تعرضت العلاقات التركية الإيرانية والروسية لاضطرابات كبيرة في السنوات القليلة الماضية، بسبب سوريا وما صاحبها من تدخلات سياسية وعسكرية إيرانية وروسية خلاف الرؤية التركية، وكادت في بعض حالاتها ترتفع وتيرتها إلى مستوى الاشتباكات المسلحة، وبالأخص بين روسيا وتركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية «سوخوي 24» بتاريخ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وذلك بعد التدخل الروسي العسكري على الشعب السوري بتاريخ 30 سبتمبر (أيلول) 2015، وكان هذا التدخل بعد أسبوع واحد من الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي إردوغان إلى موسكو للمشاركة في افتتاح مسجد موسكو الكبير بتاريخ 23 سبتمبر 2015. في تلك الزيارة كان الرئيس إردوغان يعوّل كثيراً في نجاحه على تصويب مسار التأييد السياسي الروسي للنظام السوري وبشار الأسد، وكذلك في تغيير الموقف الروسي من التدخل الإيراني أيضاً، فحاول إردوغان الاتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تشكيل لجنة ثلاثية لمتابعة الصراع في سوريا وإيجاد حل سياسي لها، وكانت وجهة النظر التركية في ذلك الوقت أن تكون اللجنة الثلاثية مكونة من تركيا وروسيا والولايات المتحدة، وقد غادر الرئيس التركي موسكو وهو يثق بوعد بوتين لتشكيل هذه اللجنة الدولية الثلاثية.
ولو نجح إردوغان في ذلك لتمكنت تركيا من الجمع بين جميع أطراف الأزمة السورية من الناحية الدولية المؤثرة أولاً، ولتمكنت من إحداث شرخ أو إبعاد بين روسيا وإيران ثانياً، وكان هذا سوف يحرر الموقف الروسي من الضغوط الإيرانية ثالثاً، ولما وُجدت حاجة إلى مؤتمر آستانة بعد ذلك، فما يواجهه مؤتمر آستانة وما تمخض عنه من اتفاقيات خفض التصعيد لا يمكن أن يؤدي إلى حل نهائي للأزمة السورية ولا الانفراد بوضع دستور مستقبلي لسوريا دون موافقة مؤتمر جنيف ومن يمثله من دول كبرى في مقدمتها أميركا وفرنسا، فأميركا شجعت فرنسا في الأشهر الأخيرة لإرسال قوات لها إلى سوريا، وكذلك تعمل مع بعض الدول العربية، حتى تصبح هذه الدول التي لها قوات عسكرية في سوريا شريكة في الحل السياسي، مشاركة على طاولة المفاوضات الدولية لكتابة الدستور السوري، أو فرض مرحلة انتقال سياسي، وتوزيع كنتونات سياسية على تلك القوات الدولية، بما تمثله من أجزاء من الشعب السوري.

وما أنقذ العلاقات التركية الروسية من الاصطدام العسكري والسياسي أيضاً حاجة كلتا الدولتين إلى التعاون الوثيق في المجالات الاقتصادية، فاجتماعات القمة التركية الروسية كانت تتطلع إلى تبادل تجاري في حدود مائة مليار دولار، وبين إيران وتركيا في حدود أربعين مليار دولار، والدول الثلاث تركيا وإيران وروسيا تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة، وبالأخص أن إيران كانت لا تزال تعيش مرحلة الآمال للخروج من العقوبات الاقتصادية قبل توقيع الاتفاق النووي مع الدول الست (5 + 1) في يونيو (حزيران) 2015، ومع عودة احتمالية فرض العقوبات الأميركية بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع إيران، ومع تزايد درجة العقوبات الاقتصادية الأميركية على روسيا في ظل التوتر الأميركي الروسي في عهد الرئيس الأميركي ترمب، فإن هذه الدول الثلاث، تركيا وروسيا وإيران، تجد نفسها بحاجة إلى مزيد من التعاون الاقتصادي، وتحسين علاقاتها بعضها ببعض في علاقاتها الثنائية والثلاثية أيضاً.

في هذا الخضم من النزاعات الدولية بين روسيا وإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى لا تملك تركيا أن تنحاز إلى أحد المحورين بالكلية، فالرئاسة والحكومة التركية حتى تاريخه كانت محكومة، للعلاقات التاريخية الوثيقة بين تركيا والغرب منذ تأسيس الجمهورية أولاً، وبين الجيش التركي والجيش الأميركي ثانياً، فقد كان للأخير الدور الأكبر في بناء الجيش التركي منذ عام 1947، وحتى دخوله حلف شمال الأطلسي (الناتو) 1952، فقد أصبح الجيش التركي يلعب دوراً بارزاً في مواجهة أعداء الغرب وأعداء أميركا ودول منظومة الناتو عسكرياً، أيام الحرب الباردة وما بعدها، وهو ما يتمسك به «الناتو» نحو تركيا حتى الآن، وكذلك وزارة الدفاع الأميركية أيضاً، وما توصُّل أميركا إلى اتفاق مع تركيا حول منبج إلا أحد مؤشرات ذلك، وما موافقة أميركا على تسليم تركيا المقاتلة الأميركية «إف 35» قبل أيام إلا مؤشر آخر على أن الجيش الأميركي لا يمكن أن يتخلى عن تحالفه مع الجيش التركي، ومع الرئاسة التركية أيضاً بعد انتخابات 24 يونيو 2018، لأن أميركا ستصبح علاقاتها مع الجيش التركي من خلال الرئاسة التركية بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، والخطوة الأخيرة التي وضعت الجيش التركي تحت سلطة الرئاسة التركية وحكومتها هو الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو (تموز) 2016، الذي يتحمل بعض الجنرالات الأميركيين بعض أخطائه الفاحشة، إما بغض النظر عنه أولاً، وإما بعدم التنديد بنتائجه ثانياً، فأميركا من وجهة نظرٍ تركية هي المتسببة في سوء العلاقات التركية الأميركية، وهو ما نجح الرئيس الروسي بوتين في استثماره منذ ليلة الانقلاب الفاشل بإرسال برقيات التهنئة بنجاح الشعب والرئاسة التركية في إفشال الانقلاب، وهو ما قابلته رغبة تركية كبيرة في إصلاح العلاقات التركية الروسية، بل والمساهمة في تطوير العلاقات التركية الروسية عسكرياً وبالأخص في مجال شراء معدات عسكرية روسية متطورة مثل صواريخ «إس 400»، وهو الأمر الذي تسبب بتوتر العلاقات مع الغرب وأميركا أيضاً.

إن منطلق السياسة التركية في السنوات الأخيرة هو زيادة عدد الدول الصديقة، والتقليل من الدول الأخرى، كما أن السياسة التركية تعلن صراحة أن تحسن علاقاتها مع روسيا تحديداً لن يكون على حساب علاقاتها مع الغرب سواء مع الأوروبيين أو الأميركيين، وأن مواقفها المتشددة في رفض التدخل في الشؤون التركية هو قرار سيادي، وحيث إن بعض العواصم الأوروبية أظهرت سياسة رافضة لإتمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأظهرت تباطؤاً في تطبيق الاتفاقيات مع تركيا بخصوص اللاجئين السوريين على أراضيها، وتقديم تلك العواصم مساعدات لوجيستية للتنظيمات التي تعلن عداءها لتركيا، فضلاً عن محاولة التأثير السلبي على الانتخابات التركية البلدية والبرلمانية والرئاسية في السنوات الأخيرة، وأخيراً وليس آخراً التأثير السلبي على سعر صرف الليرة التركية في السنوات والأشهر الأخيرة، فهذه المواقف السلبية الأوروبية نحو تركيا تجعل السياسة التركية تتجه نحو الشرق مضطرةً، وبالأخص نحو روسيا وإيران، أضف إلى ذلك المواقف الأميركية السلبية نحو السياسة التركية.

تُضاف إلى ذلك أيضاً صناعة أميركا كبرى محطات الخلاف التركي الأميركي المعاصر حول الأزمة السورية، حيث إن السياسة التركية وثقت كثيراً بالوعود الأميركية لتغيير النظام السوري منذ بدايتها، وبالأخص عند الحديث عن ضرورة تشكيل الائتلاف الوطني لفصائل المقاومة السورية بزعامة أحمد الخطيب أواخر عام 2012، بحجة إيجاد جهة سورية ممثلة للمعارضة السورية تشمل الفصائل السورية كافة، والعمل على التفاوض لتطبيق اتفاق «جنيف 1»، ولكن أميركا لم تكن حازمة في مساعدة الثورة السورية ولا فصائلها السياسية والمسلحة لتغيير النظام السوري، وهو ما جعل السياسة التركية تكفّ في لحظة ما عن التعامل بثقة من الوعود الأميركية نحو سوريا، بل وتصطدم معها في شمال سوريا، وبالأخص أن أميركا منذ بداية عام 2013 تساهلت مع، إن لم تكن شجعت، إيران على التدخل المدمر للثورة السورية في عهد الرئيس الأميركي أوباما.

إن أميركا بإخفائها حقيقة مشاريعها الخاصة في سوريا اضطرت السياسة التركية إلى التوجه نحو الشرق، وهو ما أحدث مزيداً من عدم الثقة المتبادلة بين تركيا وأميركا، ولكنه ما كان ليُحدث خروجاً كلياً لتركيا من الفلك الغربي وحلف الناتو، وإن أعطى فرصة للسياسة التركية لتوسيع وتنويع علاقاتها الدولية خارج التحالف الغربي، وبالأخص مع روسيا وإيران.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: محمد زاهد غل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ