معركة حلب.. السياسة والسلاح
معركة حلب.. السياسة والسلاح
● مقالات رأي ٢٩ ديسمبر ٢٠١٦

معركة حلب.. السياسة والسلاح

عندما يعلو صوت السلاح، تصبح المعارك المسلحة ومشاهدها الدامية أكثر استحواذاً على اهتمام المتابعين من الاتصالات السياسية. وهذا أمر طبيعي من زاوية أن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى.

لكن الامتداد المقصود هنا يحمل معنى التفاعل، وأحياناً التداخل، وليس بالضرورة معنى التتابع الزمني. صحيح أن الحرب تبدأ حين تفشل السياسة في منعها. غير أن نشوب الحرب لا يؤدي في كل الحالات إلى توقف السياسة، إلى أن يقول السلاح كلمته. ولا يقتصر دور السياسة خلال الحرب على الجهود التي تُبذل سعياً إلى حل أو تسوية، بل يشمل عقد صفقات قد لا تكون لها علاقة بمثل هذه الجهود، ولكنها تؤثر في مسار المعارك الدائرة.

ولذلك لا تُعد معركة حلب فريدة من حيث إن متغيرات سياسية أتاحت عقد صفقات أثرت في مسارها وساهمت في حسمها عسكرياً، وأتاحت لنظام بشار الأسد والميليشيات التي تُدَّعمه تحقيق ما عجزت عنه منذ أن بدأت تلك المعركة للمرة الأولى في يوليو 2012. فقد اقترن الحسم العسكري في شرق حلب بصفقات سياسية عدة بين قوى دولية وإقليمية منخرطة في الأزمة السورية بدرجات متفاوتة وفي اتجاهات مختلفة، إلى جانب نظام الأسد الذي منحه هذا الحسم «قُبلة الحياة».

لم تكن تلك الصفقات سهلة، ولا هي مُرضية بدرجة كافية لكل أطرافها، خصوصاً إيران والميليشيات التابعة لها، والتي اضطلعت بالدور العسكري الرئيس على الأرض في معركة حلب. ويمكن أن نتبين ملامح الصفقات التي أثرت في مسار هذه المعركة اعتماداً على قراءة تضاريس الجغرافيا العسكرية لمحافظة حلب في مجملها، حيث توجد ثلاث مجموعات أساسية من القوى المسلحة. تستحوذ المجموعة الأولى على القسم الأكبر من المحافظة، وهي قوات نظام الأسد والميليشيات المحلية والأجنبية التي تسيطر على مدينة حلب وريفها الجنوبي، وبعض المناطق في ريفها الشمالي الغربي.

وتضم المجموعة الثانية عدة فصائل من «الجيش السوري الحر» مدعومة بقوات تركية على الأرض في إطار ما تسميه أنقرة «عملية درع الفرات». وهي تسيطر على مناطق في ريف حلب الشمالي والغربي، وتتقدم بخطى حثيثة لانتزاع مدينة الباب في ريف حلب الشرقي من تنظيم «داعش».

وتقود القوات المسماة «قوات سوريا الديمقراطية» المجموعة الثالثة التي يُعد «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» محورها الرئيس، ومعه فصائل محلية أغلبها كردية وبعضها عربية. وهي تسيطر على جزء يُعتد به من أرياف حلب، وتتطلع للتمدد في محافظة الرقة معقل تنظيم «داعش» في سوريا، بعد أن سيطرت على منطقة واسعة في الريف الغربي لهذه المحافظة.

وتفيد قراءة تطور دور تركيا في شمال حلب خلال الفترة الأخيرة أنها قررت التخلي عن ورقة حلب التي كانت تستخدمها للمساومة، عندما ضمنت تدخلاً روسياً وأميركياً لإلزام «قوات سوريا الديمقراطية» بالتراجع إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، والتخلي بالتالي عن سعيها إلى تواصل جغرافي للأقاليم الكردية. وهذا يفسر لماذا استقدمت تركيا قسماً كبيراً من القوات الموالية لها التي كانت موجودة في حلب الشرقية ضمن تحالف «فتح حلب»، وضمتها إلى عملية «درع الفرات»، وأوقفت بالتالي دعمها للمسلحين، الأمر الذي ساهم في إضعافهم وعجَّل بانهيارهم.

ورغم أن صفقات سياسية نجحت على هذا النحو في إعادة رسم الخريطة العسكرية في حلب، فإنها لم تفتح طريقاً واضحاً للخروج من النفق السوري المظلم.

لذلك لن يكون هناك مفر في النهاية من التفاوض رغم كل الصعوبات التي تواجه إطلاق مسار سلمي جاد، وأهمها عدم استعداد نظام الأسد، ومن ورائه إيران، لأي حل سياسي لا يقوم على استسلام كامل للمعارضة. كما أن الفصل بين قوات «جفش» (النصرة سابقاً) وفصائل مسلحة يصعب التوصل إلى حل سياسي بدونها أصبح أكثر صعوبة.

فقد نُقلت مشكلة «فصل القوات» من حلب إلى إدلب، التي صارت مكتظة بمسلحين توافدوا عليها من مناطق عدة أُخرجوا منها، وأعداد يصعب حصرها من المدنيين الذين نزحوا إليها، فضلاً عن سكانها الأصليين والقوى المسلحة الموجودة فيها من البداية.

لذلك ربما نشهد سباقاً بين السياسة التي قد يكون إعلان موسكو الثلاثي الصادر الأسبوع الماضي (الروسي –الإيراني –التركي) هو عنوانها في الفترة المقبلة، وبين السلاح الذي قد تكون محافظة إدلب هي وجهته القادمة.

المصدر: الاتحاد الإماراتية الكاتب: وحيد عبد المجيد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ