هل حاولنا التعرف على “عبد الحميد اليوسف” الذي فقد ٢٠ من عائلته في كيماوي خان شيخون ؟
في أعلى الصورة (على اليسار) ، أحمد و آية عندما دخلا حياتي ، و التي بجانبها صورة أخرى لهما عندما ملئا الدنيا علي بصوت ضحكاتهما و بكائهما المتزامنين ، أما الصورتين الأخريتين فلهما مالهما ، و عليهما ما عليهما .
حال “عبد الحميد اليوسف” ، لا يشبه أي حال شهدته سوريا طوال السنوات الست الماضية ، حال لا يمكن فهم ما يحتويه من مزيج مرعب من كل شعور أو إحساس ينم عن الفاجعة و الألم و القهر المغلفين جميعاً بالعجز التام ، بعد أن وجد نفسه صباح يوم الثلاثاء الرابع من نيسان من عام ٢٠١٧ ، وحيداً ، محصوراً داخل مكان مظلم و ضيّق لا يتجاوز المتر المربع ، رغم أن المساحات حوله قد تتسع للمليارات ، و لكنها لا تتسع لذرة مما فيه.
فقد اليوسف ، صباح ذلك اليوم ، ٢٠ من أفراد أسرته ابتداء من الحلقة الضيقة و انتهاء بالأبعد فالأبعد حتى الحلقة الرابعة من سلسلة القرابة ، ليكون الناجي الوحيد من بين قائمة تضم ٢٠ شهيداً ، غادروا الحياة بعد ليلة عليل هواءها ، مسمم فجرها.
ليس بإمكان عبد الحميد أن يمضي في أي حديث حول الصورتين الأخيريتين ، فكما يقال في مهنة الصحافة أن الصورة تعبر عن ألف خبر ، ووحدهما قادرتين و كافيتين للتعبير عن جزء صغير ، من مصابه المتوزع على عشرين روح كل منها ، لها مكانها الخاص في روحه و عقله ، و أشدهما قسوة هما أحمد و آية .
أظن أن عبد الحميد و لأول مرة يحسد طفليه و زوجته على وفاتهما اختناقاً ، و يتمنى أن يصاحبهما في رحلتهم الأبدية ، لكن ليس بإمكانه ذلك ، ورغم اليقين التام بانعدام الامكانية إلا أنه يمني نفسه بها و ينتظرها ، فبعدهم الحياة لا حاجة فيها لنفس يدخل و يخرج ، وهو ذات النفس الذي خان عائلة.
عبد الحميد اليوسف ، الذي نحاول الحديث عن مصابه ، هو جزء من أهالي خان شيخون الذين بالأمس واجهة الكارثة الكيميائية وحيدين ، في عالم يضم قرابة السبعة مليارات من البشر ، ساهموا بفعل أو صمت أو عجز.