التوتر التركي الروسي: محرك إضافي للتسوية في سوريا
التوتر التركي الروسي: محرك إضافي للتسوية في سوريا
● مقالات رأي ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥

التوتر التركي الروسي: محرك إضافي للتسوية في سوريا

بعد يومين فقط من حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية، ظهرت ملامح “الانتقام” الذي يخطط له القيصر الروسي الجريح في ظهره بعد “الطعنة” التركية المفاجئة. ما لم يتضح حتى الآن هو المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في ردة فعلها، وما إذا كانت التطورات الأخيرة قد عرقلت مسار التسوية السياسية في سوريا.

حدث التصعيد بين تركيا وروسيا قبل إسقاط الطائرة الحربية، وذلك عندما طلبت تركيا من مجلس الأمن مناقشة الهجوم الروسي على جبل التركمان وتهجير الآلاف من المدنيين من المنطقة المحاذية لحدودها، واستدعت السفير الروسي لتبلغه غضبها. لكن أنقرة، وبعد يوم واحد، استغلت انتهاكا قامت به طائرة حربية روسية لمجالها الجوي دام أقل من دقيقة واحدة لتعبر عن غضبها بطريقة فريدة وخطيرة وذلك عبر إسقاط الطائرة.

لا يقتصر الأمر إذن على اختراق السيادة التركية الذي تكرر مرارا من قبل الطائرات الروسية وبات يخضع لاتفاقيات عسكرية بين الجانبين، بل إن للأمر علاقة أكثر بردة فعل تركية على التصعيد العسكري الروسي في سوريا، وخصوصا محاولة قلب ميزان القوى لصالح الأسد بالتعاون مع الآلاف من المقاتلين من الحرس الثوري الإيراني.

حالة الصدمة والغضب دفعت المسؤولين الروس خلال الأيام الماضية إلى الحديث عن رد متعدد المستويات يشمل الجانب الاقتصادي فضلا عن الدبلوماسي والعسكري. ليست الحرب مع تركيا من ضمن الخيارات المطروحة كما صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ولكن توسيع وتكثيف الحرب الباردة معها يبدو أنه سيشكل رأس الحربة في الرد الروسي.

أعلنت موسكو عن سلسلة قرارات اقتصادية سوف تتخذها لمعاقبة أنقرة من بينها حظر استيراد الخضار والسلع الغذائية وتقييد أعداد السياح الروس الذين بلغ عددهم العام الماضي 4.5 مليون سائح. في حال طبقت موسكو ما تلوّحُ به من عقوبات اقتصادية فسيلحق ذلك خسائر معتبرة بتركيا التي تصدر إلى روسيا ما قيمته 6 مليارات دولار تضعها في المرتبة السابعة للدول المصدرة، كما تبلغ قيمة استثمارات شركاتها في روسيا نحو 4 مليارات دولار.

ولكن الحرب الاقتصادية الروسية تعتبر سلاحا ذا حدين، إذ قد تفتح الباب لرد فعل تركي وهو ما لا يرغب القيصر الروسي في رؤيته في الوقت الحاضر. ذلك أن تركيا هي الحريف الثاني لشركة “غاز بروم” المملوكة من قبل الدولة الروسية والتي تمول جزءا كبيرا من مغامرات بوتين الحربية في سوريا وأوكرانيا حاليا. كما أنه من المتوقع أن تزداد حاجة تركيا لاستيراد الغاز الروسي في السنوات القادمة بما يجعلها الشريك الأول لروسيا.

ضيق مساحة المناورة على المستوى الاقتصادي قد يدفع موسكو إلى التركيز على الجانب العسكري، وذلك باستخدام إسقاط طائرتها كذريعة لتوسيع تواجدها العسكري في سوريا وتكثيف عملياتها الحربية ضد المعارضة السورية وهو ما باشرت بفعله منذ يومين.

استغلت موسكو حقيقة أن مختلف دول العالم، وخصوصا تركيا، باتت مهيئة لتلقي ردة الفعل الروسية ومتفهمة لها باعتبارها خطوة “مشروعة”، فأعلنت عن تصعيد عملياتها العسكرية في سوريا وعن تشغيل منظومة صواريخ حديثة هي “إس 400” والتي كانت قد نقلتها إلى الساحل السوري قبل إسقاط الطائرة بكل تأكيد.

كما كثفت الطائرات الحربية الروسية استهدافها لبلدات جبل التركمان وواصلت عمليات التهجير للمدنيين من ريف اللاذقية عموما في محاولة لتحقيق أكبر قدر من التصعيد قبل أن يستفيق العالم من صدمة إسقاط الطائرة الروسية ويطفئ الضوء الأخضر للرد الروسي.

إطفاء الضوء الأخضر سوف يعني انطلاق جولة خطيرة من التصعيد العسكري في الشمال السوري ستشارك فيها جميع الأطراف: روسيا وتركيا وأميركا، بالاعتماد على مقاتلي المعارضة السورية والمقاتلين الأكراد وقوات الأسد. وهو ما بات يهدد بعرقلة مسار فيينا التفاوضي كما عبرت بوضوح وزيرة الخارجية الألمانية أنجيلا ميركل.

يبدو مسار التسوية الذي انطلق من محادثات فينا معقدا وهشا للغاية ولكن محركات إنعاش ذلك المسار ودفعه إلى الأمام لا تزال قائمة، وهي أزمة تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا والتدخل الروسي الذي سلط الضوء على الصراع في سوريا بصورة أكبر. من الممكن أن تعمل حادثة إسقاط الطائرة الروسية والتوتر بين أنقرة وموسكو كمحرك إضافي لتحفيز المحادثات السياسية وخصوصا أن جذور ذلك التوتر لا تتصل بإسقاط الطائرة الروسية بل بالحرب الباردة المندلعة بين الجانبين في سوريا والتي لا يمكن إنهاؤها إلا بوقف الصراع في سوريا.

هكذا، فليس وقوع حوادث من قبيل إسقاط الطائرة الروسية ومقتل جنديين روسيين وإصابة محتملة لقاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني هي ما يعرقل الحل السياسي في سوريا، بل على العكس من ذلك، هي ما يعزز حظوظ التسوية السياسية ويسرع خطوات تحقيقها.

المصدر: العرب الكاتب: سلام السعدي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ