إنقاذ «جنيف» قبل النفاذ!
إنقاذ «جنيف» قبل النفاذ!
● مقالات رأي ١٥ يوليو ٢٠١٦

إنقاذ «جنيف» قبل النفاذ!

قبل وقف محادثات «جنيف» كان الحديث منصباً على ضرورة إنقاذ سوريا بالسلام، طبعاً هذا لم يتحقق خلال كافة الجولات الماضية، ومن الطبيعي أن شيئاً اسمه السلام لم يدر بخلد أحد بعد وقف تلك المحادثات. فكان الحل هو البحث الجاد ليس عن إنقاذ سوريا في هذه المرحلة التي قضت ست سنوات خلالها في الوحل والسحل، بل إنقاذ «جنيف» المجهول من الانهيار، وإن كان الانهيار مستداماً في سوريا بالتتابع.

قبل أسابيع اجتمع وزراء خارجية عشرين دولة من المجموعة الأوروبية لدعم سوريا وبحث ملفها الذي طال عليه الأمد وقست قلوب كل الأطراف وعصي على التوصل إلى أي حل يرضي الجميع. وفي اجتماع أبريل الأخير تجمدت الأزمة وانسدت طرقاتها بالثلوج الكثيفة بعد أن أعلنت المعارضة السورية الرئيسية تعليق مشاركتها بسبب تواصل أعمال العنف التي زادت جرعة الهشاشة في الهدنة وخفتت جرأة التوصل إلى الحسم الدولي وعاد الحديث يدور حول «الأسد» من جديد. حيث قال بعض مرافقي كيري إلى ذلك الاجتماع المجمّد «إن واشنطن ما تزال مصممة على رحيل الأسد، على أن يتم بحث كيفية الوصول إلى تحقيق ذلك قبل شهر أغسطس»، مع أن الكل يدرك جيداً ويعلم أن الرئيس السوري الذي تدعمه إيران وروسيا و«حزب الله» اللبناني لم يُظهر، وقد لا يُظهر أبداً، أي بوادر للرحيل، ولذا فإن بعض حلفاء واشنطن يشككون في إمكانية تحقيق الطلب المتعلق برحيل الأسد بحلول أغسطس.

وعندما بدأ جليد المفاوضات في الذوبان بعد أسابيع التجمد القاسية ليعلن كبير مفاوضي المعارضة السورية عن استقالته بسبب فشل «جنيف» الذريع، في تحقيق أي تسوية سلمية أو تخفيف الضغوط على السوريين الذين يعيشون في مناطق تحت الحصار المزدوج من النظام المتورط بالتعاون مع «داعش» لإتمام مهمة إبادة الشعب السوري. وكذلك رئيس وفد المعارضة السورية أكد بدوره ترك منصبه في الهيئة العليا للمفاوضات. وقال أحد مصادر المعارضة إن الزغبي تم عزله في تعديل لفريق الهيئة العليا للمفاوضات الذي يشمل فصائل عسكرية وجماعات سياسية.

وبما أن خيار السلم قد تجمد في «جنيف» وتجمدت «جنيف» ذاتها عن الحراك نحو الأمام فقد حدا ذلك بالجبير القول إن الوقت قد اقترب للتفكير باعتماد «بدائل» لتسوية الأزمة السورية إذا رفض الأسد الامتثال للجهود المبذولة لتثبيت وقف لإطلاق النار في كل الأراضي السورية «ونحن نعتقد بأننا كان يجب أن ننتقل إلى خطة بديلة منذ زمن طويل». وأضاف قائلاً: «إن خيار الانتقال إلى خطة بديلة تتضمن تسليح المعارضة السورية، هو خيار يبيد نظام بشار بشكل كامل، فإذا رفض النظام الالتزام بما يقرره المجتمع الدولي علينا التفكير بالخطوات الأخرى التي ينبغي اتخاذها».

إذا كان الخيار أو البديل هو إبادة شعب أو إبادة نظام فلا نعتقد أن تحديد الأولوية يخفى على أي سياسي لديه قدر من الحنكة في التعامل مع الأزمات المتقابلة. فالعلاقة بين إبقاء النظام على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة حتى وهو في العناية المركزة، يعني الإمعان في إبادة المزيد من السوريين ولا نقول القتل، لأن مرحلة القتل والحل قد تعدتها الأزمة منذ سنوات.

فعلى الساسة في العالم البحث عن وسيلة أو خطة بديلة لإنقاذ الشعب السوري من الإبادة، وليس التفكير في كيفية إنقاذ اجتماعات «جنيف» الثالثة، والرابعة معلقة في الطريق الوعر. فإزالة نظام دموي أولى من الصبر على استمراره في ممارسة كل ما يصنف في خانة جرائم الحرب بلا مواربة، وليس هناك حتى الآن أي مؤشر على هذا الأمر أو هذه الخطوة التي ستنقذ السوريين من الأزمة التي بدأت بالمطالبة بحق العيش الكريم والكرامة وإعادة الإنسان السوري إلى مكانه الصحيح في سلم الإنسانية العالمية، إلا أن هذه المطالب انتهت بين مخالب النظام السوري والتدخل الروسي والإيراني من قبل إلى شيء يصعب أن نجد له مسمى واضحاً في القاموس السياسي فضلاً عن الإنساني.

«جنيف» تدور حول نفسها والنظام يدور حول ذاته والمعارضة تتفكك «براغيها» أو مفاصلها، وإذا كان هذا هو الهدف الحقيقي الذي يراد تحقيقه على أرض الواقع، فإن سوريا مقبلة إما على فوضى لا مرد لها أو تقسيم يُنسي العالم أنه هناك كان، يوماً، بلد اسمه سوريا التاريخ والعراقة والحضارة.

المصدر: الاتحاد الكاتب: عبدالله العوضي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ