احذروا غضبة الشعب .... فمنه بدأتم وإليه عودتكم
احذروا غضبة الشعب .... فمنه بدأتم وإليه عودتكم
● مقالات رأي ١٤ أكتوبر ٢٠١٦

احذروا غضبة الشعب .... فمنه بدأتم وإليه عودتكم

مما لا شك فيه أن الشعب هو منبع كل ثورة تخرج ضد الظلم و الطغيان ، و أساس كل تحرك يهدف إلى تغيير نظام حكم اضطهده و سلب حقوقه و حاربه بلقمة عيشه ، و لا ريب أنه المحرك و المولِّد لكل انتفاضة تخرج ضد نظام أو حزب استبدادي تطالبه بالرحيل و تنشد التغيير ، و من هنا من هذا الشعب تولد الثورات، تبدأ بحدثٍ صغير يكون تلك “القشة التي قصمت ظهر البعير” و لا يلبث أن يتحول الحدث إلى شرارة يشتعل بها أتون الغضب و الحقد على من استبد و ظلم و تحكم ، و لا تلبث هذه النيران المتقدة بالقلوب و العقول ، المتولدة من جحيم المعاناة و التعب و شظف العيش ، أن تتحول إلى ثورة عارمة .. يحوطها الشعب ويرعاها.. يؤيدها ويكلؤها بعين رعايته، يأمن لها أسباب العيش و الاستمرار و يوفر لها الحضن الدافئ و الحامي.

هي الثورة السورية كما كل الثورات على مر التاريخ، ولدت من رحم الشعب، و خرجت من خاصرته بما رافق هذا الخروج من الم و مكابدة وصبر، لتنتفض ضد نظام استبد بوطن ما يزيد على خمسة عقود، نظام استبد و قتل و أجرم و سرق و نهب.

 هي ثورة فطرية عفوية بدأت بكتابات أطفال على جدران مدارسهم لتستعر كما النار بالهشيم و تنتقل من جدران مدرسة لتغدو على مساحة كل شبر بأرض الوطن، ثورة بدأت سلمية و استمرت كذلك ما وسعها الأمر ، و بفطرتها السليمة كذلك و عفويتها بدأت بالتحول للعسكرة لتدافع عن نفسها ضد بطش لم يُشْهد له نظير بالتاريخ، حملت السلاح لتطبق معايير كل الديانات السماوية و الأعراف الإنسانية بحق رد الظلم و حفظ النفس ، و بدأت كتائب الثوار بالتشكل و الظهور ، فظهر الجيش الحر الذي كان ابن ثورة الشعب البكر ، يحمل خصائصه و تفاصيله ، يحوي أطيافه و اثنياته، و يرفع راية استقلاله عن المستعمر، لا يتميز فيه ثائر عن ثائر إلا بالخلق و الشجاعة و الإقدام و ما يحمله من فكر و حرية ، ليظهر بعده تشكيلات مختلفة و فصائل متعددة و رايات متباينة ، كل منها له هدف و يقوده منهج و يحركه فكر ، منها المعتدل و الإسلامي و المتطرف والمغالي بالتطرف.

تحولت الثورة للعسكرة، و باتت تشكيلاتها تتنازع المناطق و الأهداف و الوجود و الموارد، و لم تنسَ هذه الفصائل بطبيعة الحال أهم سبب من أسباب قوتها و اهم مصدر من مصادر شرعيتها، و أقوى محرض على استمراريتها و هو الشعب .. تلك الحاضنة الاجتماعية الأساس و المركز، فسعت التشكيلات و الفصائل إلى كسب ودها و استقطابها كل منهم على حساب الفصائل و التشكيلات الأخرى ، و كما تعددت مشارب و أهداف هذه الفصائل فقد تعددت أساليبهم بجذب هذه الحاضنة الشعبية تجاههم، فمنهم حاورها و اندمج بها و أعانها قدر استطاعته، و منهم من تكبر عليها و أهملها و منهم من حاول سوقها بالحديد و النار و القهر و الإرهاب ، و منهم من ظن انه الوصي الشرعي عليها بعد تقهقر النظام من بين ظهرانيها ، و مارس أغلبهم البراغماتية المحضة بداية بالتزلف لنيل رضاها و التقرب منها ، ثم اظهر وجهه القبيح بأهدافه المناطقية أو الشخصية أو الأيدولوجية، فلفظته الحاضنة الشعبية التي عولت عليه و عول عليها .. لينتهي التشكيل أو يضمحل أو يتقوقع على نفسه برأس جبل أو بطن وادي.

الثورة السورية ثورة مُمحِصةٌ كاشفة، و الحاضنة الشعبية تحوي بوعيها الجمعي حضارة عمرها آلاف السنين، و الشعب الذي أطلق هذه الثورة “بمشيئة الله” قادر على أن يميز الخبيث من الطيب ، و أن يفرق بين الغث و السمين، و لكنه شعب كَهلْ صقلته التجارب و السنون، يعطي الفرصة لمن يطلبها، و يتمهل بالحكم ليرى النتائج، و لكنه لا يصبر على ضيم، و لن يستبدل مستبد بمستبد .. فليعي من يتطلع ليلي أمره بالسلاح أو بالسياسة .. أن يحقق طموحات هذا الشعب و أن يلامس ألمه و أن يثبت عزمه على تحقيق أمله .. فبهذا يستمر و بهذا يحوز رضاه و بهذا يمتلك قلوب و عقول “الحاضنة الشعبية”.

المصدر: شبكة شام الإخبارية الكاتب: أحمد نور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ