مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٦ يونيو ٢٠١٦
لا حلّ يناسب إيران في سورية موحّدة

لا حل قريباً في سورية، ولا في العراق، ولا في لبنان. فتّش عن إيران. ستكون «معجزة» مفاجئة أن تظهر بداية حلٍّ في اليمن، وهي لن تحصل إلا اذا نال أتباع ايران تنازلات تمكّنهم لاحقاً من استعادة زمام المبادرة لإعادة الأزمة الى مربعها الأول. فالمشترك بين هؤلاء الاتباع أنهم لا يولون أهمية لـ«السلم الأهلي» أو لـ«الاستقرار» أو لمستقبل بلدانهم دولاً ومجتمعات، وتلك هي على ما يبدو احدى أكثر «قواعد الملالي» وتعليماتهم خطورةً وبشاعةً. البقاء في السلطة أو الاستحواذ عليها بالقوة هو الأهم عندهم: انظروا الى تهوّرات حكومات قاسم سليماني في بغداد، الى جرائم بشار الأسد وبراميله من أجل البقاء، الى إصرار الحوثيين على مصير لتعز لا يختلف عن مصير حلب، الى تعطيل «حزب الله» الدولة والمؤسسات وتوجّهه الى العبث بالنظام المالي وهو آخر ما تبقّى من مقوّمات الاستقرار في لبنان.

الحل في سورية، كما يراه الإيرانيون، هو مفتاح الحل في العراق، وفي لبنان. بل حتى في اليمن لكن مع بعض الفوارق لأن طهران لم تستطع استكمال «تطييف» المواجهة بسبب عدم استعداد اليمنيين لتجرّع السموم التي ضُخّت في مجتمعهم. أي حل مبني على بقاء سورية «موحّدة» سيشكّل نكسة كبرى لمشروع الإيرانيين وأطماعهم، حتى لو انبثق هذا الحلّ من مفاوضات تبذل فيها موسكو كل جهد لإفراغ بيان جنيف والقرارات الدولية من أي مضمون يشير الى «انتقال سياسي». ففي سورية موحّدة لا تطمئن طهران الى أي حكم اذا لم يكن بشار الأسد نفسه على رأسه، ولا تطمئن الى أي بديل يماثله أو ممن ارتبطوا بها وقدّموا اليها فروض الولاء والطاعة. ونُقل عن مصدر أممي أن ستافان دي ميستورا طرح مرّة على محاوره الايراني فرضية أن الأسد قد يختفي من المشهد لسبب أو لآخر، وسأل: ما هو موقفكم في هذه الحال؟ أجاب الآخر: هذه فرضية مستبعدة تماماً ولا نفكّر فيها.

وفي سورية موحّدة تعود ايران الى مواجهة واقع وحقيقة ليسا في مصلحتها، اذ لن يكون في الإمكان تجاهل التركيبة الديموغرافية، المختلفة هنا عمّا هي في العراق حيث ابتلع شيعة ايران الشيعة العرب ووظّفوا تغليب الأكراد عرقيّتهم على سنّيتهم ليتمكّنوا من تهميش السنّة وعروبتهم. أمّا في سورية فيراد للأقلّيات أن تهمّش ما يزيد عن ثلثي الشعب، لكن مهما قُدِّمت مسألة «حماية الأقليات» أو غُلِّبَت كأولوية لا يمكن اعتبارها أساساً لوضع عادل ودائم ومستقرّ. واذا كانت التجربة الأسدية (العَلَوية) وفّرت نموذجاً يناسب إسرائيل وإيران في آن، بالاضافة الى روسيا، إلا أنها كانت كارثية على مستوى الداخل، ليس فقط بالنسبة الى الغالبية السنّية بل كذلك للأقليات الطائفية والعرقية كافة، ورغم ضراوة الصراع الحالي لم تنزلق سوى فئات محدودة في المعارضة الى الهاجس الطائفي، لأن المشكلة لم تكن في طائفة الاسد أو مذهبه بل في سلوكه الاستبدادي المفرط، ولذلك فإن مصيره في سورية الموحّدة، أو «المفيدة»، أو المقسّــمة، لن يختلف، ولا بقاء له كمـــا لا بقاء لحلفائه الايرانيين في أي ســـورية إلا بدوام الحرب الراهنــــة الى ما لا نهاية. أما تحدّياته في خطابه الأخير فلا تقلق ارهابيين أو غير ارهابيين بمقدار ما تقلق جمهوره وبالأخص أبناء طائفته.

قد لا تختلف الولايات المتحدة وروســـيا وإســـرائيل كثيراً عن إيران والنظام في كونها لا تريد أيضاً نهايةً قريبة لهذه الحرب. فلديها نظـــام يلائمهـــا جميعاً، لهذا السبب أو ذاك، لكنه لا يصلح للمضي معه نحو أي حل، أياً تكن صيغته. ولديها شعب لا يلائمها جميعاً، لأسباب شتّى جعلتها تجهله وتتجاهله يوم كان صامتاً وخائـــفاً، ولم تشأ أن تعرفه وتعترف به منذ انتفض لحرّيته وكرامته. والأهم أن لدى هذه الدول تصــوّرات متباينة بل متناقضة للحــــلّ الذي يمكن أن ينهي الحرب. لم يعد مجهولاً أن «الحلّ السياسي» لا ينفـــك يضيع بين الهدنات المتساقطة وقوافل المساعدات المحتجزة والهجمات التي يبرمجها النظام وايران ويتكيّف معها الروس.

وقائع كثيرة في هذه المرحلة باتت تذكر بأساليب اسرائيل والولايات المتحدة في إحباط القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، أو حتى اتفاقات مع الفلسطينيين، بإغراقها بالتفسيرات وتمييعها لتفقد تباعاً زخمها ثم جدواها ثم أي مغزى وفاعلية قانونيين، فيما تمضي اسرائيل في تغيير الوقائع على الأرض. إذ تضافرت جهود روسيا وايران والنظام لإحالة القرار 2254 و «بيان جنيف» ومختلف مرجعيات التفاوض الى مرحلة لاحقة. وكما كان ولا يزال يُقال للفلسطينيين انتظروا الادارة الأميركية المقبلة، يقال اليوم للسوريين لا أمل يرتجى مع اوباما انتظروا من سيأتي بعده. والمشكلة في هذه الوصفة المسكِّنات هذه أنها لم تأتِ يوماً بأي جديد يمكن الرهـــان عليه، طالما أن المصالح هــــي المصالح. لكن، في الانتظار، يريد الاــــسد «استعادة كل شبر من الأرض السورية»، هكذا قال عشية اجتماع وزراء الدفاع الثلاثة في طهران، ولا شــــك في أن الايرانيين متّفقون معه، أمــا الروس فراغبون لكنهم لم يحسموا أمرهم بعد. ذاك أن المزيد من التغيير في الخريطة الميدانية بات يعني سلسلة من المذابح الكبرى، وليس سفك الدماء ما يستدعي تردّد موسكو إلا أنه يتطلّب ارسال مزيد من القوات والاستعداد للتورّط أكثر، وهو ما لا تزال تتجنّبه. وعدا ذلك فإن الحل العسكري المطلوب ايرانياً وأسدياً لا يقتل كل حلٍّ سياسي فحسب بل يعدم أي توازن في عموم المنطقة.

اعتمد نظام الأسد وإيران على القوة العسكرية والثقل الدولي لروسيا التي غيّرت معادلات الصراع لمصلحتهما، لكنهما يعتمدان الآن على نقاط ضعفها وهي تكمن في حساباتها الاستراتيجية في مواجهة اميركا، وفي الأهداف التي حددتها لتدخلها في سورية، وفي تراجع خبراتها وإمكاناتها لإدارة بلد في حال حرب أهلية بعيداً من حدودها وعن الجمهوريات الهشّة التي تهيمن عليها. ويعرف نظاما الاسد والملالي أنهما عملا على تعقيد الواقع داخل سورية بحيث يصعب على أي قوة خارجية الاقتراب منه وترويضه. لذلك تبخّر الكثير من الأفكار والخطط التي تحدّث عنها الروس في البداية، ولعل أكبر خيباتهم أنهم لم يتمكّنوا من وضع الجيش في الواجهة واضطروا للتكيّف بقبول الميليشيات، وهي عماد الاستراتيجية الايرانية في سورية وسواها. ومن خلال سيطرتهما على الواقع يكون نظاماً الاسد والملالي قد تموقعا للتحكّم بأي تسوية للصراع السوري.

كانت موسكو مدركة هذا الوضع الإشكالي، ولذلك سارعت الى اقامة تنسيق عسكري مع إسرائيل ودفع العلاقة معها الى أقصى حالات التقارب، وهو ما لم يُغضب الأسد فيما واجهه الإيرانيون بالصمت المطبق رغم الكلفة العالية التي يتحمّلونها سواء بالخسائر التي يتكبّدها «حزب الله» من قادته وكوادره أو على الأقل بالانكشاف التاريخي لزيف شعارات الممانعة والمقاومة التي يرفعونها. كما أن موسكو استخدمت لقاءات فيينا للتسلّح بغطاء دولي لـ «مشروعية» دورها وتعويض النقص في أهليتها لقيادة الملف. فبعد تجربة الهدنة، وبعد اخفاق الاجتماع الأخير لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في تحديد موعد لاستئناف مفاوضات جنيف، وكذلك بعد افتضاح العجز عن إيصال المساعدات الانسانية الى المناطق المحاصرة، بات الجميع يعرف أن الكلمة العليا ليست لروسيا وإنما لنظام الأسد وإيران، والأخيرة مشاركة في لقاءات فيينا. وفيما ترى عواصم أوروبية عديدة أن التطورات تجاوزت «صيغة فيينا»، فإن السؤال يُطرح بإلحاح الآن عمّا اذا كان الروس والاميركيون بلغوا أقصى ما يستطيعون، وهل يطلبون مساعدة ايران، وبأي ثمن؟

اقرأ المزيد
١٦ يونيو ٢٠١٦
باسيل وترامب والأسد

لم يخف تكتل الضابط السابق ميشال عون «للإصلاح والتغيير» امتعاضه الشديد من تدفق اللاجئين السوريين (السنّة) إلى لبنان ورأى فيهم «تهديداً لوجوده»، وحذر بشكل متكرر ومبالغ فيه من احتمال «توطينهم». واعتبر البعض ذلك وجهة نظر طرف سياسي لبناني، على رغم الخلفيات العنصرية والطائفية التي تشوبه. أما أن يقوم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، صهر زعيم التكتل نفسه وممثله الرئيسي في الحكومة، بتحذير دولة أوروبية من الخطر الذي يشكله النازحون السوريون والعراقيون على «ثقافتها وصورتها»، فأمر يدخل في باب النفاق السياسي والأخلاقي.

تحذير باسيل خلال زيارته الحالية إلى هلسنكي من أن تؤدي الهجرة الجماعية إلى «زعزعة الأسس التي بني عليها الاتحاد الأوروبي كمجموعة من القيم وجماعة من الشعوب»، وأن «تهدد التنوع» في القارة العجوز و»تفتح الباب أمام الإرهابيين»، انعكس تعليقات ساخرة في الصحافة الفنلندية، علماً أن نظيره الوزير الفنلندي تيمو سويني الذي ينتمي إلى حزب معاد لأوروبا، كان أقل حماسة من باسيل بكثير في استعراض المخاطر على بلاده، وهو عضو في حكومة عرض رئيسها تقديم منزله الخاص لاستضافة لاجئين من الشرق الأوسط.

وتحت عنوان «وزير خارجية لبنان قلق على صورة فنلندا»، قالت صحيفة «فنلند توداي» أنه «على رغم المسافة الشاسعة التي تصل إلى 3200 كيلومتر بين البلدين، إلا أن وزيري خارجية لبنان وفنلندا لا يتقاسمان فقط المعتقدات الدينية (كلاهما كاثوليكي، وهذا تفصيل مهم في فنلندا التي ينتمي 78 في المئة من سكانها إلى الكنيسة اللوثرية)، بل توافقا أيضاً على الحاجة إلى وقف الهجرة الجماعية»، مضيفة أن باسيل «تساءل عما إذا كانت فنلندا ستستطيع الحفاظ على ثقافتها وصورتها التاريخية» بعد استقبالها نحو 35 ألف لاجئ، مع أن مساحتها تبلغ عشرات أضعاف مساحة لبنان، واقتصادها بين الأكثر ازدهاراً في أوروبا.

وكأن الوزير اللبناني، مع الفوارق الكبيرة والكثيرة، يستعير أفكار وتعابير المرشح الجمهوري الأخرق للرئاسة الأميركية دونالد ترامب الذي يرى في استقبال بضعة آلاف من اللاجئين السوريين تهديداً «إرهابياً» للولايات المتحدة، ويدعو إلى منع المسلمين من دخول بلاده وإلى بناء سور على الحدود مع المكسيك بسبب مخاطر الهجرة على «القيم الأميركية».

ولو دقق الفنلنديون قليلاً في المعلومات عن باسيل لوجدوا أن حماه (والد زوجته) عون، مؤسس الحركة التي ينتمي إليها، كان لاجئاً في فرنسا طوال 15 عاماً، وأن الذي هجّره إليها هو والد الرجل الذي يهجّر اليوم ملايين السوريين داخل بلدهم وإلى خارجه، بسبب خيار «الحل العسكري» الذي يتبناه ويؤيده فيه باسيل عندما يصرح بأن «الإرهاب» هو سبب موجة النزوح الهائلة من الشرق الأوسط وليس النظام المستبد في دمشق وحلفاؤه الروس والإيرانيين وتوابعهم.

تبدو تصريحات باسيل عن اللاجئين، سواء في لبنان أو الخارج، مفتعلة تتقصد النيل من ثورة الشعب السوري ومعاناته، وتحريفاً مقصوداً لحقيقة أن السوريين لم يكن لهم خيار في اضطرارهم إلى ترك بيوتهم وقراهم ومدنهم، والهرب من العنف والقتل الجمعي في بلدهم بسبب حاكم يرفض التغيير ويعتبر المطالبة به «خيانة وإرهاباً». ولا تخرج مواقف الوزير «البرتقالي» عن كونها مجرد تغطية بائسة لاستمرار بشار الأسد في تهجير المزيد من مواطنيه، بعد توعده الأخير بـ «تحرير سورية كلها».

اقرأ المزيد
١٦ يونيو ٢٠١٦
الائتلاف وهيئة التنسيق.. اجتماع رومنسي فوق حدود عقولنا و أكبر من مداركنا ؟؟

احتجت لقرابة ٢٤ ساعة حتى تمكنت من الولوج في تفاصيل اللقاء التاريخي الذي جمع الائتلاف بهيئة التنسيق في أرض الحياد "بروكسل" ، و برعاية حنونة من الاتحاد الأوربي، اجتماع أقل ما يوصف بأنه "تأريخي" ، مع تهميز على الألف، و خرج بمجموعة من التوصيات التي تتناسب و روعة المرحلة و قرب الانتصار المدوي للمعارضة السورية السياسية بشقيها الداخلية و الخارجية، و لم يبق إلا الرفض للاحتلال و التدخل الخارجي .

صورة جماعية لـ ٢٠ شخصية ، كجزء من فسيفساء المعارضة السورية، تدل على عمق المباحثات و هدوئها و نجاحها في الوصول إلى مفاهيم أساسية تتمثل في ضرورة توحيد الرؤى و الجهود و صوبها في بودقة الحل للخروج من "الأزمة" نصرة للشعب السوري، طلب بتشكيل "ترويكا" و من الممكن أن تكون ٥+١ للمساهمة في حل الأمور و انهاء الحرب و تشكيل الدولة.

الغريب هذه المفاهيم البسيطة السهلة احتاجت مني لساعات طويلة لفهم عمقها و أهميتها المصيرية في المستقبل السوري، والمنطقة العالم أجمع، فالمجتمعون رؤوس المعارضة السورية، الذي لا يملك أي منهم الحق في الدخول إلى سوريا دون موافقة، أو التجوال فيها دون اذن أو حماية ، و لا يمونون على سائق سيارته حتى يحدد هوية و مستقبل سوريا، و يحدد الخيارات المطروحة و يؤطرها وفق ما يريد، مع التأكيد على الأهم لا يملك بندقية أو كلمة على حامل بندقية، فهو في أحسن الأحوال دشمة قابلة للاستهداف في أي وقت .

الجميل هو عزف مقطوعة "الأكراد" و ضرورة تمثيلهم في المعارضة ، و التأكيد على دورهم و حضورهم، و لم أفهم ماذا يريد البيان ايضاحه ، فالأكراد يملكون أراض آمنة و وواسعة، لا قصف فيها للطيران و لا قتلى بعبثية، يحظون بدعم أمريكي روسي و من النظام أيضاً، و لهم ممثلين في الائتلاف و هيئة التنسيق و بكل شيء، ولكن العمق الغابر للمتباحثين لا ندركه نحن، فأهالي حلب و ادلب هم نخب غير مهم و لم يذكروا بكلمة، فهم يزعجون هيئة التنسيق التي قال في يوم من الأيام منظرها العام أن البراميل سلاح قد يخطئ.

أفضل ما خرج به الطرفان " الائتلاف – هيئة التنسيق" هو رفض الاحتلال والتدخل الخارجي، ولكن أي احتلال لم أعرف و عن أي تدخل يقصدون، و لكنه مصطلح جيد و يستحق التصدر، فهم توصلوا لاتفاق الرفض دون تحديد المرفوض ، فالغاية في الرفض بحد ذاته، و لم يجرئ الائتلاف بوفده كاملاً على التشبث بهذه الكلمة و تحديد الإرهاب ، و ترك رهاب داعش و عبثيته، و التي باتت أكثر تهديداً من حزب اله و فيلق قدس و الزينبيون و الفاطميون و العراقيون بشتى صنوفهم، داعش التي باتت تؤرق الائتلاف و بقية الأطياف أكثر من الأسد ذاته، للعلم أن داعش لم تقصف سوري واحد بالطيران.

نعود على ذي بدئ ، الصورة التي جمعت العشرين شخصاً، كم هي معبرة عن حال سوريا من وجود كتلة هلامية غير متجانسة تبحث عن مكان تنسكب فيه ، قبل أن تتطاير من شدة الخفة .

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٦
سورية بين الاستعصاء وإعادة تأهيل النظام

الوضع في سورية في حالة استعصاء، وهذا بات معروفاً، فلا النظام يستطيع القضاء على الثورة، على الرغم من كل ترسانة الأسلحة التي يمتلكها، والإسناد العسكري اللامحدود له (فوق السياسي والمالي) من روسيا وإيران والمليشيات التابعة لها. في المقابل، أيضاً، ما زالت الثورة لا تستطيع إسقاط النظام، على الرغم من كل معاناة السوريين وتضحياتهم وبطولاتهم.

وصلنا إلى هذا الوضع المؤسف، أولاً، بسبب بطش النظام، وانتهاجه سياسة الأرض المحروقة في مواجهة البيئات التي يعتبرها حاضنةً للثورة، ما نجم عنه إضعاف طابعها الشعبي، بعد تشريد الملايين، أو وضعهم تحت الحصار والقصف العشوائي الوحشي والمجنون، والتحول تالياً إلى الصراع المسلح مع كل ما يتبع ذلك من مخاطر وتبعات وارتهانات.

ثانياً، ضعف البيئة العربية المؤيدة، لاسيما بعد انتكاس الثورة المصرية، وتضارب إرادات الدول المؤيدة للثورة، والمداخلات المضرّة في شؤونها.

ثالثاً، عدم حسم المعسكر الدولي موقفه من ثورة السوريين، ووقوفه موقف المتفرّج إزاء حالة القتل المستمر التي ينتهجها النظام، ومعه، فيما بعد، القوات الحليفة له المشاركة في قصف السوريين.

لكن هذا القول، أي الحديث عن الظروف الموضوعية الصعبة، لا يعفي المعارضة من مسؤولياتها، فهي على الرغم من كل ما قامت به، وما تنوي أن تفعله لتطوير أوضاعها، مازالت بحاجة إلى توسيع إطاراتها لتشمل أوسع قطاع من السوريين المؤيدين للثورة، كما أنها بحاجة إلى تطوير أحوالها، وهيئاتها، ومد الجسور بينها وبين مجتمعات السوريين في الداخل، وفي الشتات، كما أنها بحاجة إلى استعادة خطابها الأول المتعلق بإسقاط النظام الاستبدادي، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، تكفل لجميع الأفراد من مواطنيها العيش بحريةٍ ومساواة، في نصوصٍ يتم تأكيدها في الدستور، وتكفل استعادة سورية دولة تعدّدية متنوعة.

بيد أن مشكلة السوريين لا تتحدّد بواقع المعارضة فقط، على أهميته، إذ باتت، منذ زمن تتحدّد بناء على المعطيات المحيطة، أو بناءً على صراعات القوى الدولية والإقليمية في سورية، وعلى سورية، وهذا يعني أن الوضع خرج من كونه صراعاً محلياً على السلطة، وأن القرار بشأن سورية بات بأيدي الخارج، أي لا النظام ولا المعارضة. وفي نقاشنا الوضع الدولي، أو البيئة الدولية، المحيطة بالوضع والثورة السوريين، يجدر لفت الانتباه إلى الجوانب الآتية:

1 ـ ليس لدى القوى الدولية، ولاسيما الإدارة الأميركية، قرار الحسم بخصوص سورية، وهذا يفيد بأنها ستحافظ على "الستاتيكو" القائم، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، لا المعارضة ولا النظام. وهذا يعني، أيضاً، أن الصراع سيدوم إلى حين وصول القوى الدولية إلى قرارٍ بشأن مستقبل سورية.

2 ـ لا ينبغي أن نستنتج مما ذكرناه أن القوى الدولية (خصوصاً الولايات المتحدة) تشتغل على إعادة تأهيل النظام، فهذا غير صحيح، ولا ينبغي الوقوع في فخ هذه المقولة التي يروجها النظام وحلفاؤه، فما يجري لا علاقة له بذلك، بقدر ما له علاقة بترتيب الأوضاع في سورية، بما يتناسب مع القوى الدولية الفاعلة. ونحن نتحدّث، هنا، عن الولايات المتحدة بشكل خاص وبعدها روسيا.

3ـ واضح أن الولايات المتحدة، في إدارتها الوضع السوري، اشتغلت على توريط كل الأطراف من روسيا وإيران وتركيا والسعودية في هذا الصراع. في حين تقف هي في موقع الحكم والمتفرج، أي أنها بحكم قدرتها، تقف في مكان موزّع التناقضات، وموزع الغنائم، من موقعها في إدارة الوضع ومكانتها قوة مقرّرة، مع ملاحظتنا أنها تفعل ذلك بأقل أثمان ممكنة.

4 ـ على هذا الأساس، يبدو أن المصلحة الأميركية في الوضع السوري تتمثل بالحفاظ على بيئة استراتيجية آمنة لإسرائيل، عقوداً، وهذا يشمل عدم قيام وضعٍ يمكن أن يهدّدها للمستقبل، من العراق إلى سورية، ما يفسر السكوت الأميركي أو اللامبالاة إزاء ما يجري في سورية والعراق منذ سنوات، وضمنه تفكك عرى الدولة والمجتمع في هذين البلدين الأساسيين في المشرق العربي.

أخلص من ذلك كله إلى القول إن هذا الوضع يفترض أن يأخذنا إلى اتجاهين. أولهما، إعادة بناء أوضاعنا الذاتية، بما في ذلك توسيع إطار الائتلاف (فلنفعل ذلك بأنفسنا، قبل أن يفرضه أحد علينا، أي لننفتح على الأطراف الأخرى والشخصيات ذات المصداقية التي تقف مع موقفنا السياسي، بما يتعلق بإنهاء النظام الاستبدادي الحالي وبناء نظام جديد). كما يفترض ذلك منا تطوير خطابنا السياسي، بالتأكيد على مقاصد ثورتنا الأساسية، وهي تغيير النظام، وإقامة دولة ديمقراطية مدنية، دولة مواطنين متساوين وأحرار، من دون أن ندخل في جدالاتٍ عقيمةٍ مع هذه الجهة أو تلك، فهذه هي هوية ثورتنا السورية العظيمة والنبيلة. أما ثاني الاتجاهين، فيتمثل بضرورة الانفتاح على مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، وإقامة هيئاتٍ تمثيليةٍ تنبثق من مؤتمراتٍ عامة، وهذا وضع ينبغي الاشتغال عليه، على أسسٍ وطنية، وليس على أسسٍ حزبية، ولتكن هذه تجربتنا الديمقراطية لسورية المستقبل، بعيداً عن العصبيات والأنانيات الحزبية والمناطقية.

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٦
كفى رقصا على جثث السوريين

بعد كل مجزرة يرتكبها نظام الأسد الإرهابي أو حليفه الإرهابي الروسي يصبح لدى الفضائيات مادة جديدة إضافية.

قناتا «فرانس 24» و«بي بي سي» ذكرتا هذه المرة أن الطائرات الروسية هي من قامت بمجزرة إدلب الأخيرة ولكن لم تستطيعا إلا أن تبررا إجرامها و إرهابها ذاك بحديثهما عن أن المدينة تقع تحت سيطرة جيش الفتح الذي يضم جبهة النصرة و كأن ذلك يبرر قصف وقتل الأطفال والمدنيين.

ربما هناك من يقول أن الفضائيات تنقل معاناة السوريين وتسعى الى ايصالها، وكنت لفترة أتفق مع هذا الرأي ولكن لمن تنقل هذه المعاناة؟ هل تنقلها إلى السوريين في المخيمات أو بلدان اللجوء ممن يمزقهم البحث عن لقمة العيش أم الى العرب أم إلى المسلمين على اختلاف ظروفهم ومعاناتهم وحتى تخاذلهم أيضا أم إلى عالم جرب سابقا بالكثير مما يماثل ما يحدث في سوريا فوقف مع الجاني ضد الضحية كما يحدث الآن في سوريا، لا يهم أن أشاهد والملايين من أمثالي المجازر اليومية التي يقترفها نظام الأسد وحلفاؤه بدم بارد بحق السوريين إذا كنا لا نملك أن نفعل لها شيئا.

رفع اردوغان شعار رابعه خلال احتفاله بذكرى فتح القسطنطينية هذا أكثر ما تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، مع كل التضامن والتقدير لثوار ومعتقلي وشهداء مصر لكن احذروا فقد تعهد نفس الرجل في بدايات الثورة السورية بعدم السماح بتكرار مجازر حماة وحمص التي اقترفها الهالك حافظ الأسد لكن للأسف لم يستطع أن يفعل شيئا تجاه المجازر اليومية التي يقترفها الابن الذي لم يكن سر أبيه بل فاقه إجراما وإرهابا، حتى إدانة تركيا لمجزرة إدلب الأخيرة ومطالبتها المجتمع الدولي لأخذ موقف تجاه روسيا كانت متزامنة مع طلب تركي بإعادة العلاقات التركية الروسية إلى ما كانت عليه قبل إسقاط تركيا للطائرة الروسية التي ربما ندموا كثيرا على اسقاطها؛ يبرهن على ذلك اعتقال تركيا لمواطنها الذي قتل الإرهابي الروسي قائد تلك الطائرة.

لا أحد يملك أن ينكر على أي دولة أن تسعى وراء مصالحها ولكن ينبغي أن لا يكون ذلك على حساب استمرار المحرقة في سوريا التي تعجز الكلمات عن وصفها فمن أجل أهداف اقتصادية أو حتى في سبيل حماية مناصب بعض زعماء المنطقة وإبقاء الحرب بعيدا عن مضاربهم يضحى بشعب بأكمله.

ما أبلغ وصف كلمات مارتن لوثر كينغ لما يشابه هذا التخاذل بقوله: لست محاسبا على ما تقول أنت أيضا محاسب على ما لم تقل حين كان لابد أن تقول.

أكلت حين أكل الثور الأبيض عبارة لا شك أن السياسيين يعرفونها جيدا ولكن لم يستفيدوا منها ويصرون على عدم الاستفادة منها ربما حتى يلقوا مصير ذلك الثور نفسه. إخراج صدام من الكويت وضع حكام الخليج أمام مصيرهم الحالي وكان نذير شؤم بإطلاق يد إيران في المنطقة كما هي الآن ولكن إلى الآن لما يتعظ أحد فما يقترف في سوريا لم يكن ليتخيله أكثر السوداويين تشاؤما ولكنه لم يحدث فقط بل ويزداد الأمر سوءا.

وهذا ما ليست أية دولة في المنطقة ببعيدة عنه، بل لا ريب أنه سيتكرر في كل دول المنطقة ولو بعد حين وهذا الحين ليس بالبعيد.

أمام الأمريكيين حوالي العقدين ستكون أسعار النفط فيها رخيصة نسبيا كما الآن؛ يسعون خلالها لإعادة تقسيم منطقة الشرق والخليج العربي وترتيب المنطقة حيث سيتبقى القسم الأكبر من إحتياطي النفط العالمي سهل الإستخراج ومنخفض التكاليف بعد أن ينفد خلال هذه الفترة النفط في الكثير من الدول وكذلك سينتهي النفط الصخري الأمريكي ذو العمر القصير جدا، ترغب الولايات المتحدة بإعادة ترتيب المنطقة على نحو جديد يتوافق مع مصالحها وهذا ما تستغل في سبيله السكين الطائفية إضافة لورقة الدولة الكردية وهي القومية الوحيدة التي لم تمنحها سايكس بيكو دولة، حيث يشكل غلاة الاكراد والإيرانيون رأس حربة المشروع الأمريكي لتقسيم المنطقة من جديد.

ففي سوريا يسعى النظام لكسب الوقت ويهجر ويحاصر عددا من المناطق ويفرغها يوما بعد يوم من سكانها السنة، كما تدور الحرب في مناطق السنة لتبقى مناطق العلويين خارج دائرة الدمار ولكن هل كان سيستمر نظام الأسد إلى الآن لو نقلت الحرب إلى مناطق العلويين؛ الجميع يعي أنه لن يسقط إلا في مناطق أنصاره لكن أقصى ما يفعله من يدعي مناصرة الثورة السورية هو التنديد بارهاب نظام الأسد وقد أصبح ذلك التنديد ترفا لا يحظى به الشهداء السوريون عقب كل مجزرة.

أين هي الخطة الأمريكية «ب» في حال فشل مفاوضات جنيف وقد فشلت. و أين هي الطائرات والقوات السعودية التي تقاطرت إلى تركيا بالتزامن مع بدء أولى جولات تلك المفاوضات؟ يستطيع أي أحد إضرام النار ولكنه قد لا يتمكن من إطفائها وقد تحرقه، فحريق بحجم هذا الذي يستعر في سوريا والعراق وما يخفي الرماد المصري من نيران لا يغيب عن أحد تزايد إضطرامها يوما بعد يوم ينبئ بمستقبل غير سار لأعداء الأمة، تحتم قدومه حركة التاريخ لا محالة و الله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٦
نتنياهو وبوتين غرام الأفاعي ومصير الأسد!

يحوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول موسكو كما يحوم الطائر حول عشه، إلى درجة زيارته موسكو أربع مرات منذ التدخل العسكري الروسي إلى جانب نظام الأسد علناً في سبتمبر أيلول الماضي.

ووفقاً للصحف الإسرائيلية، وبيان صادر عن ديوان نتنياهو، فإن بوتين ورئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي سيبحثان الملف السوري تحديداً، والتعاون الأمني بين البلدين، ومسألة مدفوعات التقاعد للمهاجرين الروس الذين هاجروا إلى «إسرائيل»، وتوقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات مختلفة. كم بحث الرجلان طلب إسرائيل من روسيا عدم تزويد إيران و«حزب الله» بأسلحة متطورة، والمخاوف الإسرائيلية من وصول هذه الأسلحة الكاسرة للتوازن إلى أيادي حزب الله.

في الزيارة الأولى التي أجراها نتنياهو بعد نشر القوات الروسية في سوريا، اتفق الطرفان على إنشاء خط ساخن بينهما للتنسيق من أجل تجنب وقوع حوادث في الأجواء السورية. ما يزال ذلك الخط مشفراً، ويحرص الطرفان على عدم كشف الأحاديث التي تجري عبره في هذه المرحلة.

رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد كشف في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عن خرق المقاتلات الروسية للمجال الجوي الإسرائيلي؛ واقع الأمر هو لم يقل خرقاً، بل سماه «عبوراً للمجال الجوي الإسرائيلي»، وأكد أن «إسرائيل» تدرك «الخطوات التي يجب القيام بها وكيفية منع التصعيد». عقب تصريح جلعاد، وقبل الاجتماع الاسرائيلي ـ الروسي الأخير في 6 حزيران/ يونيو، زار نتنياهو بوتين مرتين.

ويلاحظ بعد ذلك أن العملية العسكرية الروسية رسمت حدوداً واضحة لها، لم تتجاوز حدود محافظة حمص نحو الجنوب إلا مرات نادرة.

وفي مقابل ذلك، تم إخماد الجبهة الجنوبية قرب الجولان بشكل فعال، بعد إقامة خط ساخن مع الأردن وغرفة الموك، فتوقف إطلاق الرصاص في تلك الجبهات. وانتقلت المليشيات الإيرانية، وحزب الله، إلى الحرب في الشمال، بغطاء جوي من المقاتلات الروسية.

الرئيس الروسي أكد خلال اللقاء مع نتنياهو أن الوضع الصعب في الشرق الأوسط بما في ذلك في سوريا يفرض على البلدين «الحليفين» روسيا وإسرائيل مواجهة الإرهاب معاً، ، وأكد أنه يتواصل مع نتنياهو دائماً، واعتبر أن هذا الأمر «يؤكد على المستوى العالي للعلاقات بين روسيا وإسرائيل»، متوقعاً تعزيزها في المستقبل. واشار بوتين إلى أن روسيا تولي اسرائيل «أهمية كبيرة»، ووصفها بأنها «دولة محورية بالنسبة للشرق الأوسط»، وأثنى على «الجسور» التي تربط الجانبين عبر يهود الاتحاد السوفيتي سابقاً، الذين هاجروا إلى اسرائيل إبان احتلالها الأراضي الفلسطينية.

لكن نتنياهو فجر قنبلة إعلامية من العيار الثقيل عندما كشف عن موقف حكومته من نظام الأسد والذي تطابق فيه مع الموقف الروسي، رغم حرص كيان الاحتلال الإسرائيلي على تجنب اتخاذ أي موقف مما يجري في سورية، حيث أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عن قناعته بضرورة تسوية ما سماها الحرب في سورية، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن مسألة مصير بشار الأسد ستكون ثانوية وأن بلاده لن تتدخل فيها. وأشار نتنياهو في تصريحات تداولتها وسائل إعلام روسية، إلى أنه تم التوصل إلى نتيجة مفادها أنه يجب القيام بكل شيء ممكن حتى لا يؤدي الوضع في سورية إلى حدوث مأساة جديدة وقيام تهديدات لدول. وأضاف خلال لقائه الجالية اليهودية في موسكو: «في هذا السياق، فإن المستقبل الشخصي للرئيس الأسد، من وجهة نظري أمر ثانوي».

ولفت إلى أن معظم الدول حول إسرائيل تفككت، وذلك في إشارة إلى سورية والعراق وليبيا واليمن.

نتنياهو أعرب عن قناعته أن إسرائيل لها أعداء كثيرون في سورية. وقال: «نهتم بألا تتحول سورية إلى بؤرة للهجمات على إسرائيل، سواء من القوات السورية أو الإيرانيين أو «حزب الله» أو القوى الإسلامية التي تعمل على الأراضي السورية».

نتنياهو الذي التقى بوتين في إطار زيارته الرسمية إلى روسيا بمناسبة ذكرى مرور 25 عاماً على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يدرك تماماً أن حليفه الأمريكي مشغول بانتخابات الرئاسة، وهو يفضل الآن الحليف الروسي لنيل ما يريده في سورية من دون الاقتراب من طبخة العملية السياسية أو العسكريةن وبالمقابل، تدرك موسكو ان وجود إسرائيل إلى جانبها وموافقتها على كل تحركاتها العسكرية والسياسية في سورية يشكل أكبر ضامن سياسي لها في المنطقة وأمام المجتمع الدولي لما لها من وزن لدى الدول الغربية واللوبيات الموجودة فيها.

إذن.. تحقق هدف نتنياهو وحكومته في سورية والدول المحيطة بها، وتم تفكيك كيانات كانت تمثل خطراً على دولة الاحتلال من مثل سورية والعراق وليبيا، فيما تنشغل دول أخرى بمشاكلها الداخلية كمصر وتونس والجزائر وحتى الأردن ودول الخليج، أما مسألة مصير الأسد، فهي لا تشغل بال نتنياهو الذي يستمتع بتعذيب حليفه «الصغير» في محلة «المهاجرين» الذي ينتظر موقف نتنياهو من مصيره على أحر من الجمر!

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٦
أنا صحافية سورية.. سأكتب عن المكياج
 عندما أتعرف على أناس جدد، وبعد أن أقول أسمي، أردف أنني صحافية سورية.
أنا صحافية سورية بلا أي قيمة في عالم لا يحتاج للصحافة، ربما يجدر بي أن أتفرغ للكتابة عن المكياج والموضة، فأتحول لصحافية تجد من يسمعها على الأقل بين النساء.

أنا صحافية سورية من بلد الموت، أجلس مع معارضين، فيتباكون على مؤتمرات وصلوا لتوهم من مقراتها، ويتشاكون من شعب لا يتفق إلا على أن لا يتفق، فأخفض بصري وأفكر بالموت من الجوع في حمص والمعضمية ومضايا وداريا والغوطة، ولا أحاول أن أقطع سلسلة أفكارهم، فأفكارهم أثمن من أن تُقطع من أجل خبر عن بضعة شهداء.

أنا صحافية سورية، أقرأ مقالاً للمعارض المسيحي ميشيل كيلو يتباكى فيه على الطائفة المظلومة بعد 5 سنوات من الثورة والموت، هو نفسه ذلك الذي تغنى بالنصرة ذات يوم، وتفنن بإحداث بلبلة ضمن ما يسمونه "الائتلاف السوري المعارض"، وأما أن تكون الطائفة مظلومة أم ظالمة فهو حديث آخر له مكان وزمان آخرين، وأما لمن يتوجه كيلو بمقاله "اللاطائفي"، فبالتأكيد ليس لنا كسوريين ولا كصحافيين، ربما يكمل مسيرة التسول على أبواب الدول الغربية لحجز مكان مناسب له.
التباكي، موضة العصر لمعارضين سوريين حملوا صفة "سياسيين" غدراً وعدواناً، فتلخصت إنجازاتهم ببعض التباكي والكثير من المؤتمرات، والغياب التام عن سوريا والسوريين.

أنا صحافية سورية، أتابع غياب الهيئة العليا للمفاوضات التي تتحدث باسمنا، وغياب الائتلاف عن كل ما يأتي تحت بند الإعلام، وفي حالات الاستيقاظ النادرة، يصدر عنهم بيان أو محضر جلسة لاجتماع بلا لون ولا نكهة، وكأنهم يتابعون المسيرة الخشبية البعثية إعلامياً وسياسياً، وعلي أنا كصحافية سورية أن أبقى متفرجة على تخبطهم وتخشبهم صامتة انطلاقاً من ضرورة وحدة الصف..لكن أي صف؟ 
أنا صحافية سورية، طالبت باستبعاد قيادي جيش الإسلام من هيئة التفاوض، على خلفية الاقتتال بين كتائب الغوطة، والتورط بدم سوري مدني، فاستقال الرجل، وعلق استقالته باحتجاجه على عدم جدوى المفاوضات، ليخرج منتصراً على كل السوريين، وأول انتصاراته كانت على الهيئة نفسها التي ارتبكت وتخبطت، وباركت وصفقت، وكأنها تقول "هو شريف ونحن لسنا كذلك"، فأي صحافة سأكتبها مع وعن هؤلاء.

أنا صحافية سورية، تلقيت خبر دعوة بثينة شعبان المنغمسة بدم السوريين للمشاركة بندوة صحافية أمريكية عن الإرهاب، ممثلة إرهابيين تحاضر عن الإرهاب في عقر دار أعداء الإرهاب، تابعت تصريحاتها المتماهية مع تصريحات الأسد، وإنكارها لوجود الجوع في سوريا، وقرأت الصحافة الأمريكية المنقسمة ما بين شجب وتنديد، وأخرى مديح، لسلاطة لسان شعبان ولوقاحتها، وفتشت عن امرأة سورية معارضة واحدة يمكنها أن تواجه الإعلام الغربي بحقائق ما يحدث في بلدي، أن تقف أمام كاميراتهم، تروي لهم قصة أم سورية واحدة، تريهم صور داريا ومضايا وحلب، فلم أحظى بأكثر من سهير أتاسي وسميرة المسالمة وفي أحسن الحالات خطرت ببالي ريما فليحان، وجميعهن غائبات عن الحدث السوري على الأرض حاضرات في البيانات والفيسبوك.

أنا صحافية سورية، أتخذ موقفاً من الصحافة العربية والغربية على حد سواء، أعرف أن بضاعتي من الكلمات لا سوق لها ضمن الأخبار الترويجية لمسابقات ملكات الجمال، ولتأفف أوروبا من اللاجئين السوريين، وللاتفاق التركي الأوروبي الذي حكم بالإعدام علينا، ولتصريحات كيري التي لا تنتهي، ولاحتساب النظام أخيراً كمحارب للإرهاب في صف واحد مع أميركا، بعد أن مللنا وحفظنا وكررنا مطالبات أمريكا بإسقاط الأسد، الذي يجلس اليوم على أحضانها أمامنا نحن السوريين.

أنا صحافية سورية، أستمع لمخططات أمريكا وروسيا حول بلدي، يتملكني شعور بأن هذا الكلام لا يعنيني، سيسقطون المساعدات جواً؟ لا أنتظر جواباً لأنني لا أسأل ولا أجيب، فلا مساعدات ستصل، ولا أمم متحدة ستتابع، ولا أطفال سيبقون على قيد الحياة، وإن بقوا، فلن يكونوا أكثر من أجساد تهيم، وأرواح تبكي على ذل لم يعرفه القرن الواحد والعشرين.

أنا صحافية سورية اليوم بقلم مكسور،  أستمع لنشرة الأخبار وأعيد على مسامع التلفزيون "الذي لا يسمعني" المعلومات الناقصة "التي لن يعلنها"، أفكر أن أخترع كذبة تلهيني عن بلدي، ربما أشتري خاتماً غاليا "حتى لو استدنت ثمنه"، لإقناع الجميع أن حبيبي أهداني خاتماً، وعندما سيسألني أحدهم عن عملي وجنسيتي، سأقول له "جنسيتي هناك بين أهلي في بلد اسمه سوريا"،  وأما عن الغصة فأعرف تماماً أن جميع كتب التاريخ لن تذكرها، ولن يعرف أحد أن ثمة صحافية سورية ماتت كمداً وخوفاً وشعوراً بالذنب على أناس يموتون من الجوع في بلدها، بينما العالم يتراقص على دمهم، ومعارضتهم تأبى إلا أن تكون خرساء لا تجد لنفسها محل من الإعراب.
اقرأ المزيد
١٤ يونيو ٢٠١٦
عودة الجغرافيا في الصراع السوري

يتبلور الصراع في سورية، يوماً بعد آخر، صراعاً جغرافياً خالصاً، وتكاد الأبعاد الأخرى تتحوّل إلى مجرد أدواتٍ تخدم البعد الجغرافي، فعلى الرغم من كل ادعاءات أطرافٍ كثيرة عن وحدة سورية الإقليمية، أو الحفاظ عليها موحّدةً ضمن نسقٍ سياسيٍّ، إقليمي ودولي، فإن ذلك لا يعدو أن يكون أداةً تفاوضية تكتيكية، من أجل تعزيز المواقف الهادفة أصلاً إلى كسب مزيدٍ من الجغرافية المفيدة والنافعة.

وتكتشف أطراف الصراع، وخصوصاً نظام الأسد والأطراف الداعمة له، وعبر التجربة العملية، أن ما كانت تعتبره سورية المفيدة لا يمكن أن تكتمل فائدته إلا إذا أضيفت إليه الأقاليم الأخرى، ذلك أن كل إقليم يتمتع بمزايا اقتصادية وطبيعة استراتيجية تجعل السيطرة عليه أمراً لازماً، تهون أمامه التكاليف البشرية والمادية، بالإضافة إلى الحاجة الأمنية التي تفرضها طبيعة التداخل الجغرافي، وقرب المناطق من بعضها، وصعوبة الفصل بينها.

ينطبق الأمر نفسه على أطراف الصراع الإقليمية والدولية التي تنخرط في الصراع السوري، حيث تشكّل الجغرافية عنصراً مقرّراً وشارطاً لبلورة النفوذ وتظهيره في الحيز السوري والغلاف الإقليمي المحيط به، بل أكثر من ذلك، تصبح الجغرافيا العامل الذي يرسم حدود السيطرة وحجم النفوذ، ومن دونه تبقى تلك المسائل معلّقة وضبابية، وذات قابلية للتأويل والتفسير.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٦
معركة الرقة وتغير الخرائط الإستراتيجية

شكل إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية أبريل/ نيسان الماضي بزيادة عدد القوات البرية الأميركية في سوريا مقدمة تمهيدية لإطلاق معركة الرقة التي تأخرت كثيرا. وجاء إعلان "قوات سوريا الديمقراطية" في 24 من الشهر الماضي إطلاق معركة الرقة تتمة لإعلان الرئيس الأميركي.

لكن فجأة تتغير المخططات، وتقرر الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية وقف المعارك في الرقة والانتقال إلى ريف حلب الشرق وفتح معركة منبج ضد تنظيم الدولة.

هذا التغير ترافق مع تغير آخر في الخطط لدى النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني، فبعد أن كانت دير الزور عنوان المعركة المقبلة عقب استعادة تدمر، يتحول الزخم فجأة نحو الرقة من ناحية جنوبها الغربي عند الحدود الإدارية لحلب وحماة.

ما هي الأسباب التي دفعت المحورين إلى تغيير خططها؟ وهل ثمة تنسيق خفي غير معلن يتقاسمان بموجبه محافظة الرقة؟ أم أن الرقة عنوان للصراع بينهما خلال المرحلة المقبلة؟


الأكراد وأميركا
تأسست قوات سوريا الديمقراطية في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بهدف الاستعداد لتحرير الرقة من تنظيم الدولة، ولكن سرعان ما أوقفت معركة الرقة وفتحت معركة الحسكة.

كان السبب وراء ذلك عدة اعتبارات، منها: رفض قوات حماية الشعب الكردي خوض معارك في بيئة ديمغرافية غير حاضنة لها (الرقة) أولا، والخوف من دفع عرب السنة إلى الانضمام لتنظيم الدولة بعيد تجربة الأكراد في تل الأبيض شمالي الرقة ثانيا، فالأكراد ليس لديهم قاعدة شعبية في الرقة، بل عكس ذلك أدت تجربتهم في الحكم داخل مدن الرقة ومنها تل أبيض على سبيل المثال إلى وجود شرخ بينهم وبين السكان العرب الذين وجدوا أنفسهم أقرب إلى التنظيم من الأكراد نتيجة الأخطاء التي ارتكبها الأكراد في المحافظة.

وثالثا، عدم وجود قوة عسكرية كافية لمواجهة التنظيم في معقله، فالوضع في الرقة يختلف تماما عن الموصل في العراق، فلا يوجد جيش نظامي حليف في الرقة، وقوة الأكراد وبعض العرب لا تكفي لشن عملية تحرير واسعة لمحافظة الرقة، كما أن التنظيم مازال يحتفظ بدعم بعض العشائر العربية كعشيرتي السبخة والعفادلة.

ورابعا، لأن الأكراد وجدوا في معركة الجيش العراقي مع التنظيم في سنجار فرصة مهمة لا يمكن تفويتها في الحسكة، من أجل قطع تواصل التنظيم بين العراق وسوريا.

استمرت الاستعدادات الأميركية والكردية لأشهر عدة، حتى 24 من الشهر الماضي حين أعلنت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة الرقة، غير أن حسابات الحقل لم تتوافق مع حسابات البيدر، فقد اكتشفت القوات التي يغلب عليها الطابع الكردي أن التنظيم قوي جدا في الرقة، وكشفت المعارك حجم الخسائر في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، ولهذا السبب تم التراجع عن العملية العسكرية والاكتفاء بالإعلان أن هدف العملية تحرير شمالي الرقة فقط.

ربما تكون هذه الأسباب وراء وقف العملية العسكرية في الرقة والانتقال إلى ريف حلب الشرقي والشمالي وفتح معركة منبج، ولا يتعلق الأمر هنا بالسعي لتحقيق أهداف الأكراد المتعلقة بوصل كانتون عفرين غربا بإعزاز في الشمال تمهيدا لربط مناطق غربي الفرات بشرقها، والسيطرة على كامل الحدود الشمالية السورية مع تركيا، فهذا الهدف وإن كان قائما بالفعل وسيظل نصب عين حزب الاتحاد الديمقراطي برئاسة صالح مسلم، إلا أنه لا يكفي وحده لنقل المعركة نحو الريف الحلبي بعد الاستعدادات التي تمت في الرقة.

ولعل الصمت التركي حيال ما يجري في حلب مؤشر على وجود ضمانات أميركية بأن المعركة جزء من الحرب على تنظيم الدولة، وليس لها أهداف أخرى، وتصريح رجب طيب أردوغان بأن الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطي عربي يؤكد الضمانات الأميركية.

يتعلق الأمر بنقطتين أخريين بالغتي الأهمية:
1ـ الخوف من أن تؤدي معارك الرقة وهجوم قوات سوريا الديمقراطية من شمال المحافظة نحو (مدينة الرقة) إلى دفع التنظيم للهروب نحو ريف حلب الشرقي، وتحديدا نحو مدينتي منبج والباب، وفي حال حصل ذلك، فإن تداعياته على مجمل الخارطة الإستراتيجية في حلب ستكون كارثية لكل أطراف الصراع المحليين والإقليميين، باستثناء تركيا التي ستجد في ذلك فرصة لمعركة كبرى ستكون على حساب الأكراد في حلب، وهو أمر لا تستطيع واشنطن السماح به.

2ـ ولذلك كان الهدف هو فصل خطوط الترابط للتنظيم بين الرقة وحلب. ومدينة منبج هي الخطوة الأولى في تحقيق ذلك قبيل الانتقال نحو مدينة الباب معقل التنظيم في محافظة حلب.

الهدف الأميركي الكردي يتمثل في إطباق الحصار على التنظيم داخل حدود محافظة الرقة التي تبلغ مساحتها نحو عشرين ألف كيلو متر مربع، وهي مساحة كبيرة ترتبط بحدود إدارية مع خمس محافظات (حلب، حماة، حمص، دير الزور، الحسكة)، قبيل الانتقال إلى المعركة الكبرى (تحرير الرقة).


النظام وروسيا
بعد استعادة النظام السوري لتدمر بفعل الدعم الجوي الروسي توجهت الأنظار إلى دير الزور كعنوان رئيسي للمعركة المقبلة، خصوصا أن قوات النظام بدأت إعادة ترتيب وضعها شمال تدمر، غير أن اشتداد المعارك في حلب دفع النظام وروسيا إلى تثبيت الوضع في تدمر ومحيطها وتأجيل معركة دير الزور التي تتطلب تجهيزات كبيرة لا إمكانية لها في هذا الوقت، فضلا عن بعدها وضعف تأثيرها الإستراتيجي على طبيعة الصراع في سوريا مثل حلب أولا والرقة ثانيا.

الأولوية بالنسبة للنظام وروسيا وإيران -كل حسب أهدافه- هي إحراز أكبر قدر ممكن من الانتصارات في محافظة حلب على حساب فصائل المعارضة أولا ثم على حساب تنظيم الدولة ثانيا.

لكن إعلان قوات سوريا الديمقراطية فتح معركة الرقة ثم الانتقال إلى منبج لقطع أوصال التنظيم، جعل النظام وروسيا يعيدان ترتيب أولوياتهما، فأصبحت معركة الرقة، أو على الأقل الحدود الجنوبية الشرقية لمحافظة الرقة جزءا لا يتجزأ من معركة حلب، حيث يخشى النظام والروس كما الأكراد والولايات المتحدة من خسارة المكتسبات التي تحققت في حلب إذا ما قرر تنظيم الدولة الهروب من الرقة تحث ضغط المعارك والتوجه غربا نحو معاقله في حلب (منبج، الباب).

هدف النظام كما هو واضح من خط سير قواته هو السيطرة على المناطق الجنوبية الغربية من محافظة الرقة وصولا إلى مدينة الطبقة، وهو بذلك يكون قد حقق أهدافا عدة:

أولا، تأمين خط خناصرـ إثريا الذي يعتبر خطا إستراتيجيا (200 كلم) كونه يربط عمق ريف حلب الجنوبي الشرقي بريف حماة الشمالي الشرقي.

ثانيا، تأمين منطقة واسعة تمتد من الرقة شرقا إلى خناصر غربا، وهي منطقة ستسمح للنظام بالتحرك شمالا نحو مدينة الباب في حلب، والتحرك إلى الجنوب الشرقي نحو السخنة في ريف حمص الشرقي.

ثالثا، الوصول إلى الطبقة سيسهل على النظام استكمال السيطرة على ريف الرقة الجنوبي خلال المرحلة المقبلة، وهي خطوة ضرورية لتطويق التنظيم في دير الزور من جهتين (جهة الرقة، جهة تدمر).

فضلا عن ذلك، يحاول النظام أن يكون له تواجد في جغرافية الرقة وأن لا يتركها للأكراد والقوى العربية المتحالفة معها، لا سيما بعيد كشف حزب الاتحاد الديمقراطي عن مخططاته لتشكيل فيدرالية لن تكون ممكنة من دون الرقة، وقد زاد من اهتمام النظام بالرقة تصريح صالح مسلم بأن الأكراد لن يسلموا المحافظة للنظام عقب تحريرها من تنظيم الدولة.

وأغلب الظن أن يستغل النظام وروسيا عجز قوات سوريا الديمقراطية عن التقدم من شمالي محافظة الرقة نحو مدينة الرقة، ليستكمل طريقه إلى المدينة بعد مرحلة استعادة مدينة الطبقة التي يبدو أنها ستسقط بفعل القصف الروسي الكبير.

وإذا كانت محافظة حلب عنوانا للتفاهم الأميركي الروسي المضمر، فإن محافظة الرقة إما أن تكون العنوان الأكثر تنسيقا بين الطرفين، أو تتحول مستقبلا إلى عنوان للصراع بينهما.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٦
«حزب الله» ونهاية الزمن المصرفي الجميل

يتوجه «حزب الله» بالوعد والوعيد لحاكم مصرف لبنان ولمصرف لبنان وللقطاع المصرفي اللبناني، بعد انتهاء فترة من «الواقعية المتبادلة»، تمكن الحزب من خلاله أن يجمع بين صفته كـ»خارج عن القانون» بالنسبة الى كتلة الدول الغربية، وبين بقائه «متصلاً»، ولو مواربة بالنظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه المؤسسات المالية لأعدائه العالميين هؤلاء، وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة الأميركية. يريد الحزب الآن الشيء ونقيضه: الاحتقان والسخط بوجه المعادلات المصرفية والمالية اللبنانية لأجل اعادة نسج شبكة حمائية جديدة له، لأجل التفتيش عن حيل جديدة تمكنه من الإبقاء على رئة اتصاله بالنظام المالي العالمي.

يبقى ان هذه اللعبة لا تنحصر في الحزب والمصرف المركزي، كما أنّ الحزب والمصرف المركزي على حد سواء لا يستطيعان الافلات من منطق له، غربياً وعربياً، ترجمات عدة، تلتقي جميعها في ان الحزب عليه ان يساعد نفسه، كي يتمكن الاخرون، في الداخل والاقليم والخارج من مساعدته على الخروج من دائرة معاملته كتشكيل ارهابي. أما أن يكون الباب الى ذلك هو الترهيب فهذا، بقطع النظر عن الموقف منه، لن يخدم كثيراً. يفترض ان الحزب يعي بما فيه الكفاية ان الكرة ليست في ملعب النظام المالي اللبناني، وان هذا النظام سعى حقيقة، لتجنب عواقب الامور، والبحث عن حلول توفيقية ما أمكن، لكن هنك حدود لك شيء، ولم يعد من الممكن ايجاد غطاء لبناني للحزب لا ديبلوماسياً ولا مالياً ولا من اي نوع، طالما ان الحزب لم يقم بعد بأي جهد يذكر لاظهار انه قادر على التكيّف، بانعطافة، نحو الهدوء.

التضييق على الحزب من النظام المالي العالمي ليس بالأمر السهل حتى بالنسبة للبنانيين من أخصام الحزب كونه يفرض عليهم اعباء جديدة، مالياً واقتصادياً وسياسياً وامنياً، ولهم بهذا المعنى مصلحة في موقف براغماتي في هذا الجانب، لكن لهذا الموقف شروطه، وهي لم تعد، والى حد كبير، تتعلق بالنظام المالي اللبناني، الذي كشف نفسه اكثر من اللازم للنظام المالي العالمي في السنوات الاخيرة، لجهة انه ساهم في تأجيل التصادم بين الحزب والعالم.

بطبيعة الحال، سيجد الحزب مصلحة له في التعطيل والتفريغ هنا ايضاً، كما وجدها حيال كل مسألة متعلقة بالمؤسسات والعلاقات في ما بينها في الدولة. لكن السلوك التعطيلي او الشغوري بازاء وظائف الفئة الاولى، كحاكمية المصرف وقيادة الجيش، وفي ظل شغور متمدّد لموقع رئاسة الجمهورية، يزيد الامور خطورة ومدعاة للقلق.

ليس بالمستطاع معالجة المشكلة الراهنة ببدعة «المقاومة النقدية» اي فائض القوة العنفية للحزب في نزاعات الداخل، هذا الفائض المستنزف بشكل دموي متواصل في سوريا. فائض القوة يبطش بالسياسة، لكنه هش أكثر حيال المعادلات المالية، تماماً مثلما كانت هذه المعادلات مطواعة أكثر معه في وقت سابق، وهو ما يجعل الحزب يعتقد انه برفع السقف الخطابي يمكنه ان يستعيد هذا «الزمن المصرفي الجميل» بالنسبة له. لكن هذا الزمن «الجميل» انتهى، ولن يرجع اذا بقي «حزب الله» على حاله، وما لم يسعَ، وبدلاً من ابتزاز مؤسسات الدولة والقطاعين العام والخاص، والحلفاء والاخصام، كي يؤمن له كل هذا شبكات تواصل غير مباشرة مع النظام العالمي، لا سيما النظام المالي العالمي، إلا الاستفادة من «فائض قوته» قبل فوات أوانها بغية تحويلها لأشياء أخرى ومفيدة، ولا يكون ذلك إلا بإعادة حصر نطاقه بلبنان: اذ لا يمكن الحزب ان يكون حزباً «عالمياً»، يحارب فوق كل ارض، وتكون مشكلته مع مصرف لبنان انه لا يتوسط له لدى النظام المالي العالمي. عندما يعود فيعطي الاولوية ثم الحصرية لعمله اللبناني تصير «الوساطة اللبنانية» له في الخارج مقنعة اكثر، وممكنة اكثر، وتصير طوعية اكثر، وليست حاصلة بالابتزاز. لكن من قال ان الحزب يريد كذلك؟ يريدها وساطة داخلية بشروطه الخطابية والأمنية هو، بما يعرف هو ان يؤديه ويحركه وينطق به.

هناك حد أقصى لما يمكن للمصرف المركزي ان يفعله، والحزب يعي ذلك ويكابر بدلاً من إعادة التموضع، بدءاً من القضايا المالية.

اقرأ المزيد
١٢ يونيو ٢٠١٦
وظيفة الجولان بين الأب… والابن

كان الخطاب الذي ألقاه رئيس النظام السوري بشّار الأسد في الجلسة الأولى لمجلس الشعب السوري الجديد (مجلس النوّاب) في غاية الأهميّة. كان الخطاب منعطفا تاريخيا، لا لشيء سوى لأنّه جاء ليعكس جديد سوريا. يأتي هذا الجديد بعد خمس سنوات ونصف السنة على اندلاع الثورة الشعبية فيها.

جديد سوريا أنّ رئيس النظام يعتبر أنّه وجد معادلة جديدة للبقاء في دمشق، أي لاستكمال عملية تفكيك البلد وتدمير كل مدينة وبلدة وقرية فيه. تقوم المعادلة الجديدة على التخلي عن الجولان نهائيا لإسرائيل من جهة وعلى الاستعانة بالروسي والإيراني من جهة أخرى. يحدث كلّ ذلك من أجل البقاء في السلطة ولا شيء غير ذلك. إنّها السلطة العارية من أيّ شرعية من أيّ نوع، خصوصا أن الانقلابات العسكرية لم تكن يوما أساسا صالحا لأيّ شرعية في أيّ بلد من بلدان العالم.

قبض حافظ الأسد ثمن تسليم الجولان إلى إسرائيل في العام 1967 عندما كان وزيرا للدفاع. ليست معروفة، إلى اللحظة، الظروف التي أدّت إلى احتلال إسرائيل للجولان بسرعة البرق، خصوصا بعد صدور أوامر للجيش السوري بالانسحاب من الهضبة بكل الوسائل المتاحة. هذا ما حصل بالفعل وذلك قبل أن يصل الإسرائيليون إلى الهضبة.

لم تحصل وقتذاك أيّ مقاومة. ارتدى الجنود والضباط السوريون ملابس مدنية وخرجوا من الجولان بالتي هي أحسن على الرغم من أن الموقع الطبيعي للهضبة والتحصينات المقامة فيها، كانت تسمح بالمواجهة، إضافة إلى أن الاندفاع والوطنية والشجاعة والاستعداد للتضحية لم تكن تنقص العسكري السوري في تلك الأيّام.

في كلّ الأحوال، بعد تسليمه الجولان في العام 1967، صار سهلا على حافظ الأسد احتكار السلطة في العام 1970، خصوصا بعدما تبيّن أن خصومه هواة من المنتمين إلى اليسار الطفولي في حزب اسمه حزب البعث. لم يكن هذا الحزب بفكره المتخلّف سوى مطيّة لمجموعة من الانتهازيين الذين قضوا على كلّ ما هو حضاري في سوريا، بما في ذلك الحياة السياسية الطبيعية فيها.
   
سمح تسليم الجولان لإسرائيل، بطريقة حبيّة، لحافظ الأسد بحكم سوريا بطريقة مطلقة ثلاثين عاما بالتمام والكمال. سعى إلى اكتساب شرعية لنظامه غير الشرعي في العام 1973 عندما شارك أنور السادات في شنّ “حرب تشرين” أو “حرب أكتوبر” في التعبير المصري.

في حين استطاع أنور السادات توظيف “حرب أكتوبر” في استعادة سيناء، بما في ذلك حقول النفط والغاز فيها، بقي الجولان المحتلّ الهمّ الأخير لحافظ الأسد الذي فضّل المتاجرة بالهضبة المحتلّة على أيّ شيء آخر. توصّل إلى اتفاق فكّ الارتباط مع إسرائيل في العام 1974 وانطلق من ذلك في اتجاه السيطرة على لبنان مستغلا الوجود الفلسطيني المسلّح فيه وبداية ظهور ميليشيات مسيحية معادية لهذا الوجود في ظلّ رئيس للجمهورية، هو سليمان فرنجية الجدّ، لا يعرف شيئا عن المعادلات الإقليمية وتعقيدات المنطقة.

كان الجولان المحتلّ رأسمال حافظ الأسد. كانت إسرائيل تعرف ذلك تماما لذلك لم تقدم يوما على خطوة جديّة يشتمّ منها أيّ عداء لنظامه. في المقابل، لم يبق أمام بشار الأسد من رأسمال سوى تسليم الجولان نظرا إلى أنّه لم يعد ورقة مساومة لديه في اللعبة الإقليمية التي خرج منها.

كانت بداية النهاية للنظام السوري خروجه من لبنان بالطريقة التي خرج بها في نيسان ـ أبريل من العام 2005. ضاقت أمامه كلّ الخيارات، خصوصا بعدما أكّد السوريون بأكثريتهم الساحقة أن ليس في استطاعتهم القبول بنظام لا يتقن سوى الابتزاز ولعبة الإرهاب مع الخارج ومع جيرانه من جهة وقمع شعبه في الداخل وإفقاره من جهة أخرى.

كان خطاب بشّار الأسد في مجلس الشعب بداية لمرحلة جديدة تقوم على تناسي وجود الجولان المحتل. ليس صدفة أن يلقي رئيس النظام السوري خطابه، أمام مجموعة من النوّاب المهرّجين، فيما بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يؤدي زيارة لموسكو في مناسبة مرور ربع قرن على إعادة العلاقات الديبلوماسية بين روسيا الحالية (الاتحاد السوفياتي سابقا) وإسرائيل.

ألقى الأسد الابن خطابه الذي اعتبر فيه الشعب السوري مجموعة “إرهابيين” مؤكّدا أنّه سينتصر عليهم، بينما كان فلاديمير بوتين يقدّم لـ”بيبي” ما يمكن وصفه بالرمز الجديد للعلاقات الوثيقة بين روسيا وإسرائيل على حساب كل الاعتبارات الأخرى ذات الطابع الإقليمي.

كان هذا الرمز دبابة إسرائيلية غنمتها القوات السورية في معركة بين الجانبين في بلدة السلطان يعقوب في البقاع اللبناني. كان ذلك في العام 1982 في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي كشف حجم التواطؤ بين النظام السوري وإسرائيل ووجود اتفاقات كان على الجانب الإسرائيلي احترامها، بما في ذلك عدم تجاوز خطوط معيّنة. وكان أن التزمت إسرائيل تلك الخطوط بدقّة متناهية في مرحلة ما بعد معركة السلطان يعقوب التي سقط فيها قتلى إسرائيليون، بينهم ثلاثة جنود ما زالت جثثهم مفقودة. ستكون الدبابة الإسرائيلية بمثابة مزار لعائلات هؤلاء الجنود تعويضا عن فقدان العسكريين الثلاثة.

سلّم بوتين الدبابة إلى نتانياهو، علما أنّها هدية سورية كان يجب أن تبقى في متحف روسي خاص بمثل هذا النوع من الهدايا. لكنّ موسكو فضّلت إعادة الدبابة إلى أصحابها لتأكيد عمق العلاقة الجديدة بين روسيا وإسرائيل، فضلا عن طبيعة التعاون القائم بين الجانبين في سوريا.

بات هذا التعاون الجديد الروسي ـ الإسرائيلي في سوريا جديد التطورات في هذا البلد حيث يرفع النظام المتحالف مع ايران وذراعه اللبنانية ، أي “حزب الله”، شعاري “المقاومة” و”الممانعة”.

هل لا يزال في الإمكان الحديث عن “مقاومة” و”ممانعة” بعد انكشاف حقيقة العلاقة الروسية ـ الإسرائيلية وبعدما تبيّن بكلّ وضوح أن هناك وظيفة جديدة للجولان. تتمثّل هذه الوظيفة في عدم لعب إسرائيل أيّ دور في سوريا خارج التفاهم مع روسيا والتنسيق معها، ما دام مصير الهضبة صار معروفا. إلى إشعار آخر، تبدو موسكو متمسكة ببقاء بشّار الأسد في دمشق إلى أن يأتي اليوم الذي تجد فيه الصفقة المناسبة التي تسمح لها بالمقايضة على رأسه، في مقابل الثمن المناسب.

جديد سوريا كان الجولان. كشف الخطاب الأخير لبشار أن الجولان لم يعد سوى ورقة تصلح لإقناع إسرائيل بدعم النظام أو باتخاذ موقف محايد منه. الواقع أن إسرائيل حصلت على ما تريد بعدما عقد “بيبي” مجلس الوزراء في الهضبة المحتلة قبل بضعة أسابيع وبعدما اطمأنّ إلى أنه لن تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام ما دام بشّار موجودا في دمشق.

من حافظ الأسد، إلى بشّار الأسد، تغيّرت وظيفة الجولان. هل التخلي عن الهضبة كاف لبقاء النظام، ولو على جزء من الأرض السورية؟ من الصعب تصوّر ذلك. لو كان النظام الأقلّوي قادرا على الاستمرار، لما كانت إيران قبلت بأن يكون لها شريك في قصر المهاجرين. كانت تريد أن يبقى بشّار تحت وصايتها وحدها. لم تعد هذه الوصاية حكرا عليها، بل صار فلاديمير بوتين يمتلك في سوريا من النفوذ ما يجعل هديته السورية لإسرائيل حدثا أقلّ من عادي، خصوصا لدى المتشدّقين بـ”المقاومة” و”الممانعة”!

اقرأ المزيد
١٢ يونيو ٢٠١٦
السوريون بانتظار «نوفمبر» أميركا

نشرت «الشرق الأوسط» في عدد  أمس السبت نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية أن ستافان دي ميستورا، المبعوث الدولي لسوريا يتعرّض إلى ضغوط روسية أميركية الغاية منها دفعه لعقد جولة مفاوضات جديدة في جنيف.

في وضع طبيعي لا حاجة إلى ضغوط، لكن ما تعيشه الأزمة السورية تجاوز كل الحدود. واضطرار الأمم المتحدة لتوسّل نظام بشار الأسد و«قوى الأمر الواقع» فقط للسماح بإدخال الغذاء والدواء للمناطق المحاصرة – وبعضها محاصر منذ 2012 – دليل دامغ على هذا الوضع.

ثم ما عاد مفهومًا المعنى الحقيقي لمسمى «المجموعة الدولية لدعم سوريا». أي «سوريا» هذه المراد دعمها؟ وما هو مستوى التجانس والتنسيق بين أعضاء هذه «المجموعة»؟ وما هي أهمية أن تكون «دولية» عندما تتحوّل روسيا – إحدى القوى العظمى الراعية إلى قوة تدخل واحتلال، وتمنحها القوة الأخرى، الولايات المتحدة: «شيكًا على بياض» لتفعل ما تشاء، وتفسّر القرارات الدولية على هواها، ثم تبارك لها ما تفسره وتنفذه!

بمرور الأيام، وتساقط «الخطوط الحمراء»، انتهت أكذوبة «أصدقاء الشعب السوري» بعدما تبيّن أن عدد هؤلاء بالكاد يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

واليوم مع التماهي الروسي - الأميركي والتواطؤ الصيني المطلق مع موقف موسكو، والإحباط والعجز الأوروبيين إزاء سياسة واشنطن السورية ها هي صدقية «المجموعة الدولية لدعم سوريا» تنهار.. لاحقة بـ«أصدقاء» الجعجعة بلا طحين.

لقد كان الكثير من اللوم قد ألقي على المبعوث دي ميستورا خلال السنتين الأخيرتين، لكن من الواضح أن الرجل يعمل مغلول اليدين في جوّ غير مساعد على الخروج بأي نتيجة. ذلك أن موسكو ما عادت مستعدة للتخلي عن «أفضلية» ميدانية وسياسية كسبتها في منطقة استراتيجية كانت إلى عهد قريب شبه محظورة عليها.

ولا واشنطن فيما تبقى من عهد باراك أوباما راغبة في إحداث أي تغيير يمس في تفاهمها مع قيادة إيران، لا في الجوهر ولا في التفاصيل، حتى على حساب استقرار الشرق الأوسط ووحدة أراضي دوله. ولا طهران، المحكومة بغطرسة الملالي ودموية «الحرس الثوري»، والمستفيدة من تفاهماتها مع الروس والأميركيين، في وارد التفريط في فرصة تاريخية سانحة للثأر من العرب ومسابقة الأتراك على زعامة العالم الإسلامي.

على أساس المعطيات هذه.. كيف يلام نظام قاتل على الاستقواء بمناخين إقليمي ودولي للمضي قدمًا في جرائمه؟

ثم هناك، في خلفية كل ما ذكرناه، الموقف الإسرائيلي الملتبِس في «براغماتيته»، وهو يقوم على سلسلة اعتبارات لا تعوزها الفطنة، أبرزها:

أولاً، أن إسرائيل كانت دائمًا «مرتاحة» في تعاملها مع نظام آل الأسد الذي مرّت يوم أول من أمس الذكرى السنوية السادسة عشرة على وفاة مؤسسه حافظ الأسد، مبتكر مفهوم «التعايش» الفعلي مع إسرائيل وراء واجهة «ممانعتها» منذ 1973. والقيادة الإسرائيلية، من واقع الخبرة الطويلة، تجيد التمييز بين الأقوال والأفعال، وبالأخص، عندما تأتي من أولئك المزايدين لفظًا في عدائها... والراغبين ضمنًا في التعايش معها.

ثانيًا، أن سوريا اليوم باتت أقرب ما يكون إلى كيان خاضع لحكم مشترك condominium، ذلك أنه ما عاد هناك وجود فعلي لنظام آل الأسد من دون دعم إيران وروسيا، طبعًا بمباركة أميركية وإسرائيلية. وما زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتتالية إلى موسكو، وسط الصمت المطبق لـ«ممانعي» دمشق و«مقاومي» بيروت، سوى تأكيد للسقوف والتفاصيل التي ترسم المحاذير وهوامش المناورة.

ثالثًا، أن إيران ما كانت في يوم من الأيام بعيدة عن المزايدة في موضوع «المقاومة»، وهي منذ الثورة الخمينية عام 1979، ثم فضيحة «إيران كونترا»، ما كانت تسعى لمواجهة إسرائيل بقدر سعيها لإسقاط الأنظمة العربية عبر «تصدير الثورة». وهذا ما أثبتته وتثبته الأيام والتجارب.. من العراق وسوريا ولبنان واليمن.. إلى قلب فلسطين ذاتها، حيث رعت طهران وما زالت ترعى تمزيق النسيج الفلسطيني من الداخل لضمان انعدام أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

رابعًا، لن تُقلق اليمين الإسرائيلي المتشدّد «حرب» مذهبية إسلامية على مستوى الشرق الأوسط بأسره بين السنة والشيعة، لأنها ستخدم مصلحته سواءً لجهة صرف الأنظار عن مشاريع التهويد والاستيطان و«الترانسفير» المتحمس لها، أو لجهة إنهاك وتفتيت جبهة معادية محتملة تهدّد تلك المشاريع. وبالتالي، لا مصلحة لهذا اليمين – تحت قيادة «الليكود» وزعيمه نتنياهو – في رحيل نظام يعرفه جيدًا ولا يخشاه، بل كل ما يريده راهنًا هو التحكم في توزيع حصص النفوذ الإقليمي عن طريق ضبط حصة إيران أو وضع حدود لمطامعها برعاية كل من موسكو وواشنطن.

عودة إلى الضغوط على دي ميستورا، تبدي المصادر الدبلوماسية الغربية تشاؤمها من فعالية أي تحرّك دولي في ضوء ما تصفه بالسياسة الأميركية «الرخوة» إزاء إمساك موسكو بالكثير من الأوراق السورية. وتذهب بعيدًا للقول: إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «سلّم» عمليًا الملف السوري للروس، وإن كيري ومعه الرئيس باراك أوباما ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» يمثلون اليوم توجّهًا لا يرى في الشرق الأوسط سوى خطر لتنظيم داعش. ومن ثم، فهم يعتبرون أن كل الجهود يجب أن تصب لقتاله ولو اقتضى الأمر التعاون مع موسكو، لا بل، وربما، حتى الموافقة على بقاء الأسد إذا كان هذا هو الثمن الذي تريده موسكو لهذا التعاون. مقابل هذا الموقف – حسب المصادر ذاتها – هناك موقف وزارة الدفاع (البنتاغون) الذي لا يقتنع بصحة مقاربة البيت الأبيض، ولا يثق بالكرملين بل هو على قناعة تامة بأن محور «طهران – موسكو – نظام الأسد» يسعى للحل العسكري ويعمل على تطبيقه.

وهكذا، في ظل استبعاد أي تبدّل في موقف أوباما مع تسارع العد العكسي لرئاسته، وتزايد ملامح التقسيم الفعلي لسوريا وتعمّد القضاء على الاعتدال
داخل المعارضة، من المرجح تفاقم معاناة السوريين.

... وفي ظل السلبية الأميركية والعجز الدولي، لم يعد أمام السوريين إلا انتظار انتهاء عهد أوباما قرب مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى