"داريا بعد عقد من الزمن: توثيق مجزرة"... تحقيق استقصائي يوثق التفاصيل الدقيقة للمذبحة
"داريا بعد عقد من الزمن: توثيق مجزرة"... تحقيق استقصائي يوثق التفاصيل الدقيقة للمذبحة
● أخبار سورية ٢٦ أغسطس ٢٠٢٢

"داريا بعد عقد من الزمن: توثيق مجزرة"... تحقيق استقصائي يوثق التفاصيل الدقيقة للمذبحة

مر عقد من الزمن على أفظع مجزرة دموية ارتكبت على يد قوات الأسد وميليشياته في مدينة داريا، بريف العاصمة دمشق، في وقت يواصل أبناء المدينة استذكار تاريخ المجزرة في يوم الخامس والعشرين من شهر أغسطس من كل عام، والتي أسفرت عن مقتل ما يقارب 700 مدني، إثر عمليات "تصفية وإعدام ميداني".

وحصلت المجزرة في شهر أغسطس عام 2012، أي قبل عقد من الزمن، وتم تصنيفها على أنها "الأفظع"، التي حصلت في بدايات أحداث الثورة السورية، ورغم مرور الوقت، لاتزال أصدائها كأنها اليوم، حيث عمل عدد من النشطاء على توثيق تفاصيل المجزرة بتحقيق استقصائي نشره "المجلس السوري البريطاني"، موثقا بالتفاصيل الدقيقة ما حصل قبل عقد في داريا، التي يطلق بات يطلق عليها اسم "مدينة العنب والدم".

وتعتبر داريا من أبرز المدن الواقعة في ريف العاصمة، التي شهدت مظاهرات سلمية مناهضة للنظام السوري، في بدايات أحداث الثورة السورية، وكانت من بين أشهر المناطق التي استهدفتها الحملات الأمنية والعسكرية للنظام السوري، وصولا إلى الحصار الذي فرض عليها، وانتهى في أغسطس 2016، بموجب اتفاق خروج مقاتلي "الجيش الحر" ومدنيين إلى الشمال السوري.

ويكشف التقرير الاستقصائي، تفاصيل تعرض لأول مرة حول "المجزرة الكبرى"، ويتألف التقرير من 45 صفحة، واستعرض فيها المعدون خرائط وتفاصيل "الجرائم" المرتكبة بحق المدنيين، إضافة إلى الوحدات العسكرية التي شاركت فيها، كما قدموا "الإطار القانوني" وما الذي سيتم العمل عليه، بعد عملية التوثيق. 

ووثق الفريق 23 شهادة لأشخاص عاينوا وعايشوا تفاصيل "المجزرة"، بينما قدموا معلومات تفصيليّة، بدءا من حصار قوّات النظام للمدينة في 20 أغسطس 2012، وقطع كل خطوط الاتصال معها ومنع السكان من مغادرتها، مرورا بالقصف المكثف والعشوائي على الأحياء السكنيّة والمدارس والمستشفيات.

واستمرت عملية التوثيق حتى يوم 24 أغسطس، والذي شهد اقتحام تلك القوات للمدينة و"ارتكابهم مجموعة واسعة من الإعدامات الميدانية"، مما أسفر عن مقتل عائلات بأكملها، بينهم رجال ونساء وأطفال.

وحسب الدكتورة ياسمين النحلاوي، المحققة الرئيسية في فريق "المجلس السوري -البريطاني"، يهدف التقرير إلى تحديد الأفراد والجهات المسؤولة عن الفظائع التي ارتُكبت في مدينة يعتبرها السوريون والسوريات "منارةً للحراك السلمي والكفاح غير العنيف"، وذلك بهدف تحقيق العدالة لجميع الذين فقدوا حياتهم، أو اختفوا دون معرفة مصيرهم حتى الآن.

وقالت النحلاوي لموقع "الحرة": إن "الشهود الذين تحدثنا معهم وصفوا لنا أعمال القتل والقصف والاعتقال والنهب التي شهدوها بأنفسهم، وقاموا بمشاركتنا صورهم وفيديوهاتهم"، وأكدت أن "تصميم الشهود على توثيق ما جرى معهم قوبِل بفشل ذريع من المؤسسات الدوليّة في تحقيق العدالة لهم ومحاسبة الجناة عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا".

وأضافت النحلاوي "نريد أن يعرف العالم كلّه حقيقة ما جرى في داريا قبل عقد من الآن. هذا التحقيق يجب ألا يبقى مُخزَّنا في قاعدة بيانات ما للأمم المتحدة دون محاسبة حقيقية لكل المتورطين في هذه المجزرة المروّعة".

واحتوى التقرير الذي نشر بعنوان: "داريا بعد عقد من الزمن: توثيق مجزرة" على سلسلة من الشهادات، شهادة رجل يبلغ من العمر 59 عاما، كان مسؤولا عن تحديد أماكن جثث ضحايا المجزرة وترتيب دفنها. 

وانتشل هذا الرجل بنفسه 50 جثة من ثلاجة بشاحنة تابعة لمستشفى حكومي في دمشق وأعادها إلى مدينة داريا لدفنها، كما وصفت سيّدة من المدينة كيف اقتحم "الجيش السوري" منزلها واعتقل زوجها في يوم المجزرة، والذي لا زال مختفيا حتى الآن.

وجاء، حسب ما قالت في شهادتها لمعدي التقرير: "كنتُ أسألهم باستمرار لماذا وإلى أين تأخذونهم.. كنتُ أتوسّل إلى الضباط أن يخلوا سبيلهم. وسط بكاء أطفالي، قال لي أحد الضباط: إذا استمريتي بالكلام سأطلق النار على أطفالك أمامك"، وتضيف السيدة "لن أنسى، أنا وأطفالي، هذه الحادثة ما حيينا. حتى ابني الذي كان يبلغ عامين ونصف وقتها لا يزال يذكر ما جرى حتى اليوم".

يشرح نشطاء ممن شهدوا على أحداث "المجزرة" قبل عشر سنوات، كيف أن قوات النظام السوري فرضت حصارا على المدينة في يوم 20 من أغسطس 2012، وقطعت عنها الكهرباء والاتصالات، لتتجه فيما بعد إلى تنفيذ عمليات قصف عنيفة بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ.

واستمرت هذه العمليات حتى يوم 24 من الشهر المذكور، لتقدِم قوات النظام السوري على تنفيذ الاجتياح البري من عدة محاور، ومن ثم تنفيذ الإعدامات الميدانية بحق مئات المدنيين "العزل".

محمد همّر، ناشط من داريا وأحد شهود العيان على "المجزرة الكبرى" روي لموقع "الحرة" كيف أقدمت وحدات متفرقة من قوات النظام السوري على تنفيذ هذه الجريمة، التي تعتبر "الأكبر من نوعها، بعد مجزرة الكيماوي التي حصلت في الغوطة الشرقية"، حسب تعبيره.

وأوضح أنه على رأس هذه الوحدات: "الحرس الجمهوري" و"الفرقة الرابعة" و"الفرقة السابعة" و"قوات من حزب الله اللبناني" و"المخابرات الجوية"، وقال: "شهدتُ ما حصل على مدى السنوات الكاملة من حصار داريا. لكن لا أنسى حتى الآن يوم تنفيذ المجزرة. لم نشهد يوما مثله في تاريخ الحصار، وما قبل التهجير القسري".

وكان القصف العشوائي من جانب قوات النظام السوري، الذي استمر لثلاثة أيام، قد دفع مقاتلين في داريا تقدر أعدادهم بـ300 مقاتل إلى الخروج من المدينة، قاصدين مناطق محيطة، مثل المعضمية وأحياء أخرى، في يوم 24 من أغسطس.

وفي اليوم التالي، 25 أغسطس، اتجهت قوات النظام السوري لتنفيذ عمليات الاقتحام، باتجاه الأحياء السكنية، والتي كانت في ذلك الوقت "كمدينة أشباح"، ويضيف الناشط "بدأت قوات الأسد حملات تمشيط في الحارات والأحياء السكنية. جمعت الكثير من الشبان والنساء والشيوخ. سمعنا أصوات رصاص وعساكر. لنتفاجأ، بعد يوم من انسحابها إلى الأطراف في 26 من أغسطس 2012، بمئات الجثث".

ويشير إلى أنه "تم إحصاء 700 شهيد، بينما هناك عدد كبير من المختفين والمعتقلين. القتل كان عشوائيا. لم يكن هناك أي جيش حر أو ثوار. رائحة الدم في كل مكان. الصدمة كبيرة. والأشد أن الأهالي لم يعرفوا لماذا حصلت المجزرة؟".

ويعتبر شاهد العيان، همّر، أن النظام السوري أقدم على تنفيذ "المجزرة" "رغبة منه "في القضاء على روح الثورة في داريا، والتي اشتهرت في حراكها الثوري، وكانت أقرب النقاط الثورية المشتعلة بالقرب من مركز دمشق"، ويضيف "كان يريد تأديبها والقضاء على الثورة فيها. وهذا الأمر لم يحصل، لأن المجزرة تبعتها أكبر عملية عسكرية ضد قوات النظام السوري".

ولا تعتبر "مجزرة داريا" الوحيدة التي وُثِّق ضلوع قوات النظام السوري في تنفيذها، بل كان إلى جانبها الكثير، سواء في محيط العاصمة، دمشق، أو في باقي المحافظات السورية، التي اشتعلت عقب عام 2011.

وخلال السنوات الماضية برزت سلسلة من التوثيقات الخاصة بمسار "المحاسبة والعدالة"، لكنها استهدفت بشكل أساسي "الجرائم الكبرى" مثل "مجزرة الكيماوي" التي حصلت في الغوطة الشرقية، في أغسطس من عام 2013.

يوضح مازن غريبي، المدير التنفيذي لـ"المجلس السوري البريطاني"، أن التقرير الاستقصائي الخاص بـ"مجزرة داريا" هو الأول من نوعه، وأخذ عملا توثيقيا استمر حوالي عامين، منذ 2020.

وإلى جانب الشهادات التي استعرضها التقرير والخرائط وتفاصيل "الوحدات العسكرية" المشاركة في "المجزرة" نشر المعدون صورا للمقبرة الجماعية، التي دفن فيها الضحايا، ويقول غريبي لموقع "الحرة": "نأمل من خلال التقرير أن تساهم نتائجه في مسار العدالة والمحاسبة في سوريا، وأن تساهم في مداواة جرح أهالي داريا. سيكون أحد التقارير الأساسية التي سيتم الاعتماد عليها في التحقيقات التي تجري بشكل متواصل بشأن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا".

وبحسب المدير التنفيذي للمجلس "السوري- البريطاني" فقد أرسلوا نسخا من التقرير إلى "الآلية الدولية المستقلة للتحقيق في سوريا، ووزارات خارجية دول عدة منها بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا، إضافة إلى الجهات ذات الصلة بالأمم المتحدة"، ويضيف المتحدث "نعمل على ألا يكون في أرشيف الأمم المتحدة. نعمل لأن يكون له صدى واسع وتنتج عنه آليات ونتائج ملموسة على أرض الواقع تساهم في مسار العدالة والمحاسبة في سوريا".

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ