
أطفال في انتظار آبائهم: آثار غياب الوالد بسبب الاعتقال في سوريا
حُرِم آلاف الأطفال في سوريا من آبائهم نتيجة الاعتقالات الممنهجة التي مارستها قوات الأسد البائد خلال سنوات الثورة، فتذوقوا مرارة الاختفاء القسري للأب في مرحلة مبكرة جداً من حياتهم، ما جعلهم يواجهون صعوبات يومية كبيرة، خاصة أن وجوده يعدّ حاجة ماسة لنموهم النفسي والعاطفي.
الحاجة للأب في لحظات الضعف
وتفاوتت الفترات التي انتظر فيها الأطفال آباءهم بحسب تاريخ الاعتقال، وظلوا يعلقون أملهم في عودتهم في أي لحظة. وكانت الأمهات، والأقارب ينمّون هذا الأمل في قلوبهم ليكملوا حياتهم، إلا أنهم في المقابل كانوا يواجهون مواقفاً صحية واجتماعية أشعرتهم بضرورة الاعتماد على الوالد لدعمهم وإرشادهم.
واحدة من التجارب
يروي أحمد، 16 عاماً أحد الذين عاشوا هذه التجربة خلال الطفولة، لشبكة شام، قائلاً: "عندما اعتقل والدي في السنوات الأولى من الثورة كنت في الخامسة من عمري. قضيت سنوات طويلة أنتظر عودته، وكنت دائمًا أتخيل أن يطرق الباب ويدخل. أحيانًا، عندما كان يُطلب مني في المدرسة إحضار ولي أمري، أشعر بالقهر الداخلي لغياب والدي".
تحررت البلاد من النظام البائد في 8 ديسمبر عام 2024، لكن والد أحمد لم يعد، وفيما بعد عثر أعمامه على اسمه ضمن قائمة المساجين المتوفين، لتكون هذه واحدة من أكبر الخيبات التي واجهها في حياته، حسب وصفه.
تداعيات نفسية
وبحسب أخصائيي النفس، فإن غياب الأب عن الطفل في السنوات الأولى من حياته يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية، أبرزها: شعور الطفل بانخفاض الثقة بالنفس وتقدير الذات، ومواجهة مشكلات سلوكية وعاطفية مثل العدوانية أو الانطواء.
أهمية دعم الطفل ومتابعة تعليمه
كما قد يؤثر الغياب على التحصيل الدراسي والاجتماعي للطفل نتيجة صعوبات في التركيز أو التعلم بسبب التوتر النفسي. ويعاني الطفل أيضاً من مشاعر الحزن والخيبة المستمرة الناتجة عن الفقدان والإحباط، بالإضافة إلى خوفه من فقد الأشخاص المهمين في حياته والشعور بعدم الاستقرار أو التهديد.
يشير الأخصائيون إلى أن الطفل في هذه الحالة يحتاج إلى دعم الأمهات والأقارب، الذين يجب أن يعملوا على توفير بيئة آمنة ومستقرة لهم، وأن يشعرونه باهتمامهم به في حياته اليومية، ومساعدته على مواجهة التحديات، إلى جانب ضرورة متابعة التحصيل الدراسي لهؤلاء الأطفال وتقديم الدعم الأكاديمي عند الحاجة.
الاعتقال القسري لا يؤثر فقط على المعتقل نفسه، بل يترك أثره على العائلة، وخاصة الأطفال الذين يُحرمون من وجود الأب. هؤلاء الأطفال، يشعرون بنقص كبير نتيجة غياب الأب. لذلك، من المهم أن توفر لهم الأمهات والأقارب الدعم، وأن يكونوا بجانبهم، ليتمكنوا من الاستمرار في حياتهم رغم القهر والغياب.