
بعد صمت المدافع.. الألغام تواصل حصد الأرواح في سوريا
لم تنتهِ معاناة السوريين بانتهاء المعارك. فمخلفات الحرب من ألغام وذخائر غير منفجرة ما تزال قابعة في المناطق التي شهدت قتالاً عنيفاً، تحول دون عودة الحياة إلى طبيعتها. فما بين الفترة والأُخرى، يسقط ضحايا جدد بين قتلى وجرحى، بعضهم من الأطفال الذين تعثروا بألغامٍ لم يميزوا خطرها، أو من العائدين إلى منازلهم ليجدوا أن أرضهم لم تعد آمنة.
ليست الألغام مجرد بقايا حرب انتهت، بل أصبحت سلاحاً بطيئاً يقتل ويشوه، ويطيل أمد المعاناة حتى بعد صمت البنادق. ففي القرى والمدن المحررة، تتحول فرحة العودة إلى مأساة عندما تنفجر ذخيرةٌ مدفونة تحت الأنقاض، أو تُمزق لغمٌ عائلاً جسدَ فلاحٍ كان يحاول إحياء أرضه. هذه ليست أزمة مؤقتة، بل إرثٌ ثقيل سيبقى لفترة طويلة، ما لم تُبذل جهودٌ حقيقية لتنظيف الأرض ومساعدة الضحايا.
مؤخراً نقلت مؤسسة الدفاع المدني حادثة لاقت فيها سيدة وطفلها حتفهما، وأُصيب رجل وطفلان آخران بجروح متفاوتة، وجميعهم من عائلة واحدة، إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات قوات نظام الأسد البائد، أثناء مرورهم بسيارتهم في منطقة سكيك قرب خان الشيح بريف دمشق الغربي، وأسعف المدنيون في المنطقة الجرحى، بينما نقلت فرق الدفاع المدني السوري جثماني السيدة وطفلها إلى مشفى المواساة في مدينة دمشق.
وأكدَّت الخوذ البيضاء، أن الألغام ومخلفات الحرب تُشكّل تهديداً خطيراً لحياة المدنيين في سوريا، وتعيق سبل العيش وعودة المهجرين إلى منازلهم، كموت مؤجل زرعه نظام الأسد البائد، بتأثير يمتد لسنوات، ويطال الأبرياء في كل لحظة.
كما قُتل طفل أثناء رعيه للأغنام في قرية أم رجيم بريف إدلب الشرقي، صباح يوم الأربعاء الفائت 6 آب/ أغسطس الجاري، إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب، فيما انتشلت فرق الطوارئ في الدفاع المدني السوري جثمان الطفل وسلمته لذويه.
وقال حميد قطيني، مسؤول إعلامي في الدفاع المدني السوري، في تصريح خاص لشبكة شام، إن من بداية العام الحالي 2025 حتى يوم 20 تموز، استجابت فرق الدفاع المدني السوري لـ 105 انفجارات لمخلفات الحرب والألغام وذخائر، تسببت هذه الانفجارات بمقتل 102 مدنياً بينهم 22 طفلاً و 27 امرأة، وإصابة 185 مدنياً بينهم 66 طفلاً و 26 امرأة بجروح منها بليغة.
تظل الألغام ومخلفات الحرب خطراً خفياً يتربص بالسوريين في كل مكان - بين أنقاض المنازل المدمرة، وفي الحقول التي يعملون بها، وحتى قرب المدارس التي يلجأ إليها أطفالهم. لا تأخذ هذه المخلفات شكل الألغام التقليدية فحسب، بل تتوارى أيضاً في صورة قذائف لم تنفجر، وصواريخ عالقة بين الركام، وعبوات ناسفة تعجّ بها الأرض. أي خطوة عابرة أو لمسة طائشة قد تحوّل لحظة عادية إلى مأساة.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد دعت الحكومة السورية لتشكيل هيئة ومركز وطني لإدارة شؤون الألغام بقيادة مدنية، مشددة على ضرورة توفير الدعم المالي اللازم لعمليات نزع الألغام، إلى جانب تقديم مساعدات عاجلة ومنصفة للمتضررين.
يؤكد الخبراء المحليون على ضرورة تبني استراتيجية شاملة للحد من مخاطر الألغام، تبدأ بتكثيف حملات التوعية المجتمعية وإدراج مفاهيم السلامة في المناهج التعليمية، مروراً بتطوير قدرات فرق الإزالة عبر تزويدها بتقنيات متقدمة، وصولاً إلى إخلاء المستودعات العسكرية من المناطق السكنية وتأسيس أنظمة للإبلاغ الفوري عن أي أجسام مشبوهة، مما يشكل حلقة متكاملة للوقاية والمواجهة.
مخلفات الحرب في سوريا ليست مجرد بقايا صراع انتهى، بل تحوّلت إلى أزمة مستمرة تهدد حياة المدنيين وتعيق إعادة الإعمار. رغم الجهود المحلية، تبقى الموارد غير كافية لمواجهة حجم الكارثة. الحل يحتاج إلى استجابة عاجلة تشمل التمويل الكافي، ونقل الخبرات، وتعزيز التوعية، لأن كل يوم تمرّ فيه الألغام دون إزالة يعني المزيد من الضحايا الذين كان يمكن إنقاذهم.