
تحقيق لـ "نيويورك تايمز" يكشف تفاصيل صادمة عن الأطفال المختفين في سوريا
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن آلاف الأطفال في سوريا ما زال مصيرهم مجهولاً بعد سقوط نظام الأسد البائد، في واحدة من أكثر ملفات الحرب تعقيداً وقسوة، حيث تشير الوثائق والشهادات إلى عمليات إخفاء قسري واسعة شملت أبناء المعتقلين السياسيين ونقلهم إلى دور أيتام تحت هويات مزورة.
وأوضحت الصحيفة أن السوريين يحاولون منذ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر كشف مصير أكثر من 100 ألف شخص اختفوا في سجون النظام السرية، بينهم آلاف الأطفال الذين كان آباؤهم يُصنّفون كـ"غير موالين"، ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد وثق النظام ووكلاؤه إخفاءً قسرياً لما لا يقل عن 3,700 طفل، بينما يُرجّح أن العدد الفعلي أكبر بكثير.
فصل قسري ونقل سري
كشف التحقيق أن مئات من هؤلاء الأطفال فُصلوا قسراً عن عائلاتهم ونُقلوا سراً إلى دور أيتام، بينها ست منشآت تديرها منظمة "قرى الأطفال SOS" الدولية، حيث مُنح بعضهم هويات مزيفة لمنع أقاربهم من العثور عليهم.
وذكرت "نيويورك تايمز" أنها حصلت على نسخ من عشرات الوثائق السرية التي تعود إلى عهد نظام الأسد، إضافة إلى قواعد بيانات ضخمة أنشأها جهاز المخابرات الجوية المسؤول عن العملية، وهذه الوثائق أظهرت أن الأوامر بفصل الأطفال عن ذويهم صدرت من كبار مسؤولي المخابرات الجوية.
وفي العديد من المذكرات، كُلّفت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو محافظ ريف دمشق بالبحث عن أماكن لإيداع الأطفال، مع اشتراط الحصول على موافقة أمنية مسبقة قبل اتخاذ أي قرار بشأن مصيرهم.
دور مؤسسات الأيتام
بيّنت الوثائق أن الوزراء والمحافظين أصدروا تعليمات مباشرة لدور الأيتام بإبقاء الأطفال مخفيين ومنع الكشف عن أي بيانات تعريفية، وتم إرسالهم إلى ما لا يقل عن تسع منشآت، ست منها تابعة لـ SOS.
وأجرت الصحيفة مقابلات مع عدد من أبناء المعتقلين السياسيين الذين غُيّرت أسماؤهم أثناء فترة احتجازهم، بينهم اثنان وُضعا في منشآت SOS. وأكد متحدث باسم المنظمة أن الأجهزة الأمنية السورية نادراً ما قدمت وثائق رسمية، ما جعل من الصعب التحقق من دقة الأسماء، لكنه نفى أن تكون SOS قد طُلب منها تغيير أو اختلاق هويات للأطفال تحت رعايتها.
لجنة تحقيق حكومية جديدة
في أيار/مايو الماضي، شكّلت الحكومة السورية الجديدة لجنة للتحقيق في ملف الإخفاء القسري للأطفال، ومنذ ذلك الحين، اعتُقل واستُجوب عدد من مديري دور الأيتام السابقين ووزيرين سابقين للشؤون الاجتماعية والعمل، بينما تظهر توقيعات 12 مسؤولاً رفيع المستوى على الوثائق التي حصلت عليها نيويورك تايمز، من دون أن يخضع أيٌّ منهم للتحقيق حتى الآن، وتشير التقديرات إلى أن عدداً من مسؤولي نظام الأسد السابقين يختبئون خارج سوريا.
أطفال بلا ذاكرة عن أصولهم
حتى الآن، حدّدت لجنة التحقيق 314 طفلاً من أبناء المعتقلين انتهى بهم المطاف في دور أيتام، وهو رقم غير كامل بسبب تدمير أو تزوير سجلات في بعض المرافق. كثير من هؤلاء الأطفال كانوا صغاراً جداً عند فصلهم عن آبائهم إلى درجة أنهم لا يتذكرون شيئاً عن أصولهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن اختبار الحمض النووي قد يكون وسيلة أساسية للتعرف على هؤلاء الأطفال وربطهم بذويهم، غير أن سوريا تفتقر حالياً إلى القدرة على تنفيذ هذه الاختبارات على نطاق واسع دون دعم خارجي من فرق دولية تضم خبراء في الطب الشرعي.