
توحد في زمن الحرب: معاناة مضاعفة لأطفال سوريا وأمهاتهم
تراقب أمهات مرضى التوحد أبنائها بصمت يثقله القلق والخوف، يلازمهن شعور دائم بالمسؤولية والذنب، يشغلها عن التفكير بنفسها وبما يجري حولها من أحداث، فمنذ لحظة تشخيص الطفل بالتوحد، تتغير تفاصيل حياتهن اليومية لتدور في فلك المرض، وأعراضه، وسبل التعامل معه وعلاجه.
اصطدمت عوائل مرضى التوحد بجملة من العقبات خلال رحلة علاج أولادها في ظل الحرب التي شهدتها البلاد في سوريا، وما فرصته من ظروف قاسية تمثلت بالفقر والنزوح والخوف والرعب وغيرها من الصعوبات التي أُضيفت إلى معاناتهم الأساسية المتمثلة بمرض أبنائهم.
والتوحد هو اضطراب تطوري يؤثر على قدرة الطفل في التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويظهر عادة في السنوات الأولى من العمر، ويعاني المصابون بالتوحد من صعوبات في التعبير عن مشاعرهم وفهم الآخرين، وقد تظهر لديهم سلوكيات متكررة أو اهتمامات محدودة، لكن التشخيص المبكر والعلاج المناسب يمكن أن يساهما في تحسين مهارات الطفل وتعزيز نموه الاجتماعي والمعرفي.
وفيما يتعلق بأعداد مرضى التوحد في سوريا، لا يوجد إحصائية دقيقة، لكن سنوات الحرب في سوريا ساهمت في ازدياد نسبة الحالات، وبحسب تقارير صحفية عن مرضى التوحد في المناطق التي كان يسيطر عليها النظام البائد، فإن أعدادهم في عام 2018 هو 1130 حالة تطور، وارتفعت في عام 2019 إلى 3803 حالة، وازدادت في عام 2021 إلى 4603 حالة، ثم ارتفع في العام التالي إلى 5167 حالة.
وتُرجِّح مصادر طبية بأن العدد في طريقه نحو الازدياد أكثر، لاسيما أن المنطقة شهدت حرباً قاسية من شأنها أن تغذي العوامل المساعدة على انتشار مرض التوحد بين الأطفال، بسبب تأثيراتها السلبية على صحة الأجنة، والتمثيل الغذائي والحالة النفسية لدى الأمهات اللواتي شهدن وقائع شاقة كالنزوح والفقد وغيرها.
وتبعاً لـ قصص رصدناها خلال العمل على هذا الموضوع، فإن العقبات التي عانى منها أهالي مرضى التوحد بدأت بصعوبة تشخيص المرض، ثم تقبل الأمر بأن الطفل لن يكون مثل بقية أقرانه، وأنه سوف يعاني من مشاكل في المستقبل، بالإضافة إلى طريقة تعامل المجتمع المحيط معه.
تحكي مؤمنة المصطفى، لم أتخيل يوماً أن واحداً من أبنائي لن يكون طبيعياً كباقي الأولاد، ببداية تأكدي بأنه مريض بالتوحد، دخلت في أزمة نفسية صعبة، صرتُ كل ما ألاحظ أحد عوارض المرض عليه أتألم، خاصة عندما يرفض النظر في عيني، وعندما يدور حول نفسه أو يرفرف بيديه، فتطلب الأمر مني وقتاً طويلاً حتى تأقلمت.
وتبرز العقبات أكثر خلال رحلة العلاج، خاصة بالنسبة للعائلات التي تُعاني من ظروف اقتصادية قاسية، تمنعهم من متابعة مراحل العلاج كما ينبغي، بالإضافة إلى بُعد المراكز المتخصصة بتتقدم خدمات لمرضى التوحد، وصعوبة الوصول إليها بحكم ظروف النزاع والنزوح التي شهدتها البلاد، كما تسبب موضوع وقف الدعم عن مراكز أخرى بحرمان أطفال التوحد من الخدمات المجانية.
وأشار أهالي إلى أنه يوجد مراكز خاصة للعلاج، لكنها تتطلب تكاليف باهظة مقارنة بوضعهم المعيشي، فعلى سبيل المثال ذكرت واحدة من السيدات أن الاشتراك الشهري في أحدها 150 دولار، في حين أن مدخولهم المالي أقل من ذلك.
في الوقت الذي يُعد العلاج أمراً بغاية الأهمية لا يمكن تخطيه، وتبعاً لمصادر طبية فإن أطفال التوحد بحاجة إلى مراكز علاج سلوكي متخصصة للأطفال من عمر سنة إلى سبع سنوات، ومدارس دمج تتوفر فيها كوادر متخصصة، ويحتاجون إلى دورات تدريبية لتنمية مهارات الأطفال، وتوجد طرق أخرى تساعد في التخفيف من أعراض التوحد، مثل العلاج البدني، الغذائي، والمعرفي السلوكي، مما يعزز من فرص تحسين حياة الأطفال المصابين.
في المقابل تعيش أمهات أطفال التوحد حالة من القلق والتوتر عليهم، بأن يتعرضوا للاعتداء أو التحرش دون أن يملكوا القدرة على الدفاع عن أنفسهم أو الإفصاح عن هوية المعتدي. عدا عن كونهم لا يستطيعون بناء علاقات مع الأطفال الذين بعمرهم، ولا يعرفون كيف يعبرون عن حاجاتهم، سوى بالبكاء أو الصراخ.
تقول خديجة عدنان: "لا أفكر بشيء سوى ابني محمد المريض بتوحد، أقلق عليه كثيراً، أسأل نفسي دوماً ما ذا سيحل به لو أصابني مكروه، وكيف سيكون مستقبله، حتى نظرات الشفقة من الأخرين تجاهه تؤلمني".
يطالب أهالي في سوريا أن يتم إنشاء مراكز مجانية لتغطية مرضى التوحد، بناء على إحصاءات دقيقة لعدد المصابين أو على الأقل أن تكون تكاليف العلاج في تلك المراكز مقبولة مقارنة بظروفهم المعيشية، مما يساهم في تخفيف العبء عن أُسر المرضى.
كما تحاول أمهات الاستعانة بالانترنت ومتابعة قنوات واختصاصين يتحدثون عن التوحد، ويقدمون نصائحاً مناسبة للتعامل مع الأطفال في هذه الحالة، مع تقديم أنشطة تدريبية يمكن تطبيقها على الأطفال في المنزل.
ويبقى مريض التوحد في حالة حساسة تتطلب دعماً وعلاجاً واهتماماً من قبل العائلة والوسط المحيط، وتحتاج عائلاته من يدعمها مادياً ومعنوياً في رحلة العلاج الطويلة والغنية بالعقبات حتى تصل إلى المرحلة المرجوة من العلاج.