زواج الحيار: عادة اجتماعية تثير القلق وتدفع الى تعزيز التوعية
تعاني بعض البيئات التقليدية والعشائرية في سوريا من انتشار عرف اجتماعي يُعرف بـ“زواج الحيار”، حيث تُربط الفتاة بأحد أقاربها منذ طفولتها على أن تتزوّجه بعد أن تكبر، بغضّ النظر عن رغبتها أو خيارها.
هذا النمط من الزواج يقيّد حق الفتاة في اتخاذ القرار، وغالباً ما يقود إلى آثار سلبية تطال الاستقرار الأسري والصحة النفسية نتيجة غياب القناعة والقبول، فضلاً عن زيادة مخاطر الأمراض الوراثية المرتبطة بزواج الأقارب، إلى جانب تداعيات أخرى محتملة على المدى البعيد.
يُعزى استمرار هذا العرف في بعض البيئات، ولا سيما العشائرية منها، إلى مجموعة من الدوافع المتداخلة. في مقدّمتها التمسّك بالعادات والتقاليد الموروثة، إضافةً إلى استمرار الهيمنة الذكورية والنظرة التي تعتبر المرأة جزءاً من “ملكية العائلة” ولا ينبغي أن تتزوج خارجها.
كما يسهم العامل المتعلق بالإرث والحفاظ على الممتلكات داخل العائلة في تكريس هذا النمط من الزواج، إلى جانب أسباب اجتماعية أخرى تعزّز بقاء العرف رغم ما يحمله من تبعات على الفتيات والأسر.
في هذا السياق، تبرز قصة نجوى الرشيد (35 عاماً) من إحدى القرى في ريف إدلب الجنوبي. تقول لشبكة شام الإخبارية إن اسمها رُبط بابن عمّها منذ طفولتها، ولم تكن تتوقّع أن يتحوّل ذلك إلى أمر ملزم. وعندما وصلت إلى مرحلة الخطبة والزواج، بدأ ابن عمها يعترض على أي شاب يتقدّم لطلب يدها، بحجّة أنها “مخطوبة له منذ الصغر".
وتوضح نجوى أنها خُطبت في إحدى المرات بشكل رسمي، وقُرئت الفاتحة، غير أنّ ابن عمها وعائلته تدخّلوا مباشرة وتسببوا بمشكلة كبيرة مع عائلة العريس ومع أسرتها، لينتهي الأمر بفسخ الخطبة. وتضيف أنها بقيت بعد ذلك سنوات من دون زواج بسبب هذا العرف، إلى أن استسلمت في النهاية للضغوط وتزوّجت ابن عمها.
يمكن أن يفضي هذا النوع من الزواج إلى جملة من التداعيات، من بينها زيادة احتمالات الخلاف بين الزوجين، ولا سيما عندما لا يكون أحد الطرفين مقتنعاً بالآخر. كما يُحرم كثير من الفتيات من الإحساس بالاستقرار والرضا عن قرار الزواج.
وتُظهر الدراسات الطبية أنّ الزواج بين الأقارب، ولا سيما من الدرجة الأولى أو الثانية، يرتبط بارتفاع احتمال الإصابة ببعض الأمراض الوراثية لدى الأجنّة والمواليد. وتشمل المخاطر زيادة معدلات التشوّهات الخَلقية وعيوب القلب والجهاز العصبي، إلى جانب الأمراض الوراثية المتنحية التي قد تظهر عندما يحمل الأبوان الجين المسبِّب نفسه للمرض. كما يمكن أن ترتفع احتمالات الإعاقات الذهنية أو التطورية وتأخر النمو لدى الأطفال.
ومع ذلك، فإن هذه المشكلات لا تقع في كل حالات زواج الأقارب، لكنها تصبح أكثر احتمالاً مقارنةً بالزواج غير القرابي، وهو ما يدفع الجهات الصحية إلى التوصية بالاستشارة الوراثية وإجراء فحوصات ما قبل الزواج، ولا سيما عند وجود تاريخ عائلي معروف لمرض وراثي، إضافةً إلى المتابعة الطبية الدقيقة خلال الحمل.
ومن جانبها تقترح نور عويس، المحامية والباحثة القانونية، تنفيذ حملات توعوية في المجتمعات التي تنتشر فيها حالات زواج الحيار، بهدف توعية الآباء والأمهات بأهمية منح الفتاة حرية اختيار شريك حياتها وعدم إجبارها على الزواج، إضافة إلى توضيح الآثار السلبية المترتبة على هذا النمط من الزواج، بما في ذلك الانعكاسات الاجتماعية والصحية. وتؤكد عويس أن التوعية يمكن أن تتم كذلك عبر وسائل الإعلام، من خلال إنتاج مواد مكتوبة ومسموعة ومرئية تناقش القضية بشكل منهجي وتسلط الضوء على مخاطرها.
في الختام، يبقى زواج الحِيَار ممارسة ذات تبعات نفسية واجتماعية وصحية على الفتيات، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى توعية الأهالي بهذه الآثار، وإلى العمل على أطر قانونية تحمي حقوقهم.