
لمدة ستة أشهر .. مجلس الأمن يُجدد تفويض قوة "أوندوف" في الجولان السوري المحتل
اعتمد مجلس الأمن الدولي، اليوم، قراراً بالإجماع يقضي بتمديد ولاية قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان السوري المحتل (أوندوف) لمدة ستة أشهر إضافية.
ووفق ما نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، صوّت الأعضاء الخمسة عشر في المجلس لصالح القرار الذي يحمل الرقم 2782، خلال جلسة رسمية عُقدت في نيويورك، مما يضمن استمرار مهام القوة الأممية في المنطقة حتى نهاية العام الجاري.
تجدر الإشارة إلى أن "أوندوف" تأسست في 31 أيار/مايو 1974، عقب توقيع اتفاق فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل، ومنذ ذلك الحين تواصل مهامها في مراقبة وقف إطلاق النار والإشراف على تنفيذ الاتفاق في المنطقة العازلة.
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، قد شدّد الأسبوع الماضي على أهمية دور "أوندوف"، مؤكداً أن القوة الأممية لا تزال تؤدي مهاماً حيوية في الحفاظ على الاستقرار وبذل كل الجهود الممكنة لضمان تطبيق التفاهمات العسكرية في المنطقة.
وسبق أن أكد وزير الخارجية السوري السيد "أسعد الشيباني"، خلال مؤتمر صحفي مع المفوضة الأوروبية لمنطقة المتوسط، دوبرافكا شويتزا، في دمشق، أن سوريا لا تسعى إلى الحرب، وملتزمة باتفاقية فض الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974، يأتي ذلك بالتزامن مع استمرار التصعيد الإسرائيلي براً وجواً خلف خط الاشتباك المذكور جنوبي سوريا.
وأضاف الشيباني أن "الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية انتهاك لسيادة سوريا وتفتح المجال أمام الجماعات التي تهدد أمنها لزعزعة الاستقرار"، ودعاً "إلى تطبيق اتفاقية عام 1974"، وقال إن سوريا أعربت دائماً عن نياتها بأنها لا تسعى للحرب، بل إلى إعادة الإعمار.
واتفاقية "فض الاشتباك" وُقعت عام 1974 بين سوريا وإسرائيل عقب حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما، وتضمنت الاتفاقية ترتيبات لفصل القوات، وحددت خطين رئيسيين، عُرفا بـ"ألفا" و"برافو"، ويفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية. كما أنشئت منطقة عازلة بين الخطين، وتخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة تعرف بـ"الأندوف".
وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت إسرائيل انهيار الاتفاقية، وقالت إن مجلس الوزراء قرر احتلال منطقة جبل الشيخ الحدودية السورية المحاذية للجولان المحتل، وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن "الجنود السوريون تخلوا عن مواقعهم"، وأنه لن يسمح لأية قوى معادية بالتموضع قرب الحدود بين البلدين، وأن الجيش الإسرائيلي سيكون "القوة التنفيذية" بالمنطقة.
تاريخ الاتفاقية
شنت مصر وسوريا في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، حربا ضد إسرائيل لاستعادة أرض سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، قبل أن يتوقف إطلاق النار في 24 من الشهر نفسه.
في 31 مايو/أيار 1974 انتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية بين سوريا وإسرائيل، ومصر وإسرائيل، ووافقت تل أبيب على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر، مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.
وعمل وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر وسيطا بين سوريا وإسرائيل، وعقدت المفاوضات في العاصمة الأميركية واشنطن، انتهت بموافقة إسرائيل على الاتفاقية المقترحة في 29 مايو/أيار 1974، ووقعتها يوم 31 من الشهر نفسه، في مدينة جنيف السويسرية، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
تتكون الاتفاقية من قسمين رئيسيين، الأول مرتبط بآلية فض الاشتباك، أما الثاني فهو البروتوكول الخاص بعمل قوة مراقبة فض الاشتباك (الأندوف) التابعة للأمم المتحدة في المنطقة العازلة.
وجاءت في نصوص القسم الأول من الاتفاقية، المكوّن من 8 بنود رئيسية الأول أن تلتزم كل من سوريا وإسرائيل بالوقف الكامل لإطلاق النار تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 لسنة 1973، والثاني أن يُفصل بين القوات العسكرية الإسرائيلية والسورية وفق ما حُدد بالخطين (أ) و(ب).
وحددت الاتفاقية آلية للتنفيذ حيث تنتشر جميع القوات الإسرائيلية غرب الخط "أ"، وغرب الخط "أ-1" في القنيطرة، وتكون الأراضي شرق الخط "أ" تخضع للإدارة السورية، ويعود المدنيون السوريون إليها، وتكون المنطقة بين الخطين "أ" و"ب" منطقة فصل تقع تحت إشراف قوة مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة.
كما تتمركز جميع القوات السورية شرق الخط "ب"، مع إقامة منطقتين متساويتين لتقييد التسليح والقوات، غرب الخط "أ" وشرق الخط "ب"، ولكل طرف حرية العمل الجوي حتى خطوطه الخاصة دون تدخل من طرف آخر.
أما فينا يتعلق بالمنطقة بين الخط "أ" والخط "أ-1" فتكون منطقة خالية من الوجود العسكري، وتوقَّع الاتفاقية من الممثلين العسكريين للجانبين في موعد أقصاه 31 مايو/أيار 1974، وتبدأ عملية فض الاشتباك في فترة 24 ساعة، على أن تنجز العملية في موعد لا يتجاوز 20 يوما، ويُراقب تنفيذ بنود الاتفاقية قوة مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة، على أن يُعاد جميع أسرى الحرب في فترة 24 ساعة من توقيع الاتفاقية.
ووفقا للأبجدية الصوتية لقوات حلف شمال أطلسي (الناتو) -أبجدية من 26 كلمة تستخدم في الاتصالات العسكرية- أطلق على الخط "ب" من جهة الشرق اسم "برافو"، أما الخط "أ" من الغرب "ألفا".
ويبلغ طول المنطقة العازلة حوالي 80 كيلومترا، ويتراوح عرضها ما بين 500 متر و10 كيلومترات، بمساحة تصل إلى 235 كيلومترا مربعا. وتمتد المنطقة على الخط البنفسجي (خط وقف إطلاق النار) الذي يفصل بين مرتفعات الجولان وبقية سوريا، ويحدها من الشمال الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل، وتبعد عن حدود الأردن كيلومترا واحدا من الجنوب.
وكانت أُنشئت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 350، في 31 مايو/أيار 1974، ويخضع مباشرة لسلطة المجلس، وتهدف "الأندوف" إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، ومتابعة عملية فض الاشتباك بين القوتين، والإشراف على مناطق الفصل والحدود، وفق ما نصت عليه الاتفاقية.
وحدد القرار الأممي عدد أعضاء القوة بحوالي 1250 فردا، يختارهم الأمين العام بالتشاور مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي ليست عضوا دائما في مجلس الأمن. وتُجدد ولاية القوات كل 6 أشهر.
وتعرضت اتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين إسرائيل وسوريا لخروقات عدة، توغلت في معظمها القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية في منطقة الجولان، وكان مجلس الأمن الدولي قد أعرب في ديسمبر/كانون الأول 2018، عن "جزعه من خطر اندلاع نزاع خطير في المنطقة جراء العنف الدائر في سوريا، وقلقه من الانتهاكات التي طالت اتفاقية فض الاشتباك".
وشدد مجلس الأمن حينئذ على وجوب عدم ممارسة أي نشاط عسكري من أي نوع في المنطقة العازلة، بما في ذلك العمليات العسكرية التي تجريها القوات المسلحة السورية، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، أهمية وجود قوة "الأندوف" لمراقبة فض الاشتباك، وشدد على ضرورة التزام الطرفين بشروط الاتفاقية.
وكانت أعلنت إسرائيل من طرفها في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، انسحابها من اتفاقية فصل القوات مع سوريا، واحتلت منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة بين البلدين، بعد إعلان سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتمكن المعارضة من السيطرة على جزء كبير من البلاد، أهمها العاصمة دمشق.
وقال نتنياهو "تمت السيطرة على هذه المنطقة منذ نحو 50 عاما. وانهارت اتفاقية فصل القوات لعام 1974، بعد أن تخلى الجنود السوريون عن مواقعهم"، وأضاف "لن نسمح لأي قوة معادية بالتموضع على حدودنا".
وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي "جنبا إلى جنب مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس، وبدعم كامل من المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر (الكابينت)، أصدرت تعليماتي للجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على المنطقة العازلة ومواقع السيطرة المجاورة لها".
وكانت قالت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، نقلاً عن مسؤولين، إن من المستبعد أن يوافق الرئيس السوري أحمد الشرع على توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل دون انسحابها من هضبة الجولان المحتلة، وذلك في ظل تسارع الحديث عن إمكانية توقيع اتفاقية سلام تاريخية بين الطرفين قبل نهاية عام 2025.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أن الولايات المتحدة على علم بمضمون المفاوضات الجارية بين دمشق وتل أبيب، والتي لا تقتصر فقط على الترتيبات الأمنية، بل تشمل أيضاً قضايا سيادية مثل مستقبل الجولان، الذي احتلته إسرائيل عام 1967 وضمتّه لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي سوى الولايات المتحدة.
يُذكر أن إسرائيل تحتل نحو 1200 كيلومتر مربع من الجولان السوري منذ عام 1967، وتُعد هذه المنطقة من أهم ملفات الصراع السوري-الإسرائيلي. وقد صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مؤخراً أن تل أبيب لا ترى أي سلام دون الاحتفاظ بالجولان، في وقت تؤكد فيه دمشق أن استعادة الأراضي المحتلة شرط غير قابل للتفاوض في أي اتفاقية سلام محتملة.
تؤكد هذه التسريبات المتزايدة أن التفاوض السوري-الإسرائيلي دخل مرحلة حساسة ومعقدة، مع وجود خلاف واضح حول الجولان، وتقاطع مصالح إقليمية ودولية. وبينما تبدي دمشق استعداداً للانخراط في سلام مشروط، فإن ثوابت السيادة الوطنية تبقى حاكمة لموقف القيادة السورية، وسط ترقب واسع لمسار مفاوضات يُرجح أن يُحدد مستقبل المنطقة لعقود مقبلة.