
ما الذي يعنيه عودة سوريا إلى نظام “سويفت”؟
في واحدة من أبرز العلامات على خروج سوريا من العزلة المالية الدولية، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أن البلاد ستُعاد ربطها بنظام التحويلات المصرفية العالمي سويفت (SWIFT) خلال الأسابيع المقبلة. تأتي هذه الخطوة في إطار الإصلاحات العميقة التي تنفذها الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بعد رفع العقوبات الأميركية والدولية، وبدء مرحلة جديدة من إعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي.
وقال حصرية في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز إن هذه العودة “ستُعيد سوريا إلى قلب النظام المالي العالمي، وتفتح الباب أمام الاستثمارات والتجارة وتحويلات المغتربين”، مؤكدًا أن البنوك السورية حصلت على رموز سويفت وأن المراسلات المالية ستُستأنف تدريجيًا مع الشركاء الدوليين.
ما هو نظام سويفت؟
سويفت ليس بنكًا، ولا يُحوّل أموالًا بحد ذاته، بل هو شبكة اتصال دولية آمنة تستخدمها البنوك والمؤسسات المالية حول العالم لإرسال رسائل مشفّرة لتنفيذ التحويلات المالية.
لنشرحها بمثال بسيط:
تخيّل أن “فاطمة” في دمشق تريد أن ترسل 1000 دولار إلى أخيها “خالد” في ألمانيا. تذهب فاطمة إلى البنك، ويقوم هذا البنك بإرسال رسالة إلكترونية آمنة جدًا عبر شبكة “سويفت” إلى بنك خالد في ألمانيا، تقول الرسالة: “رجاءً أودِعوا 1000 دولار في حساب خالد”. بناءً على هذه الرسالة، يتم تحويل المبلغ رسميًا، دون الحاجة لأي وسطاء أو طرق التفافية.
قبل العقوبات، كانت البنوك السورية جزءًا من هذه الشبكة. لكن عقب اندلاع الثورة عام 2011، وفرض العقوبات الغربية على نظام الأسد، تم فصل سوريا عن سويفت، ما جعل نظام الأسد والمواطنين مضطرين لاستخدام شبكات غير رسمية ومكلفة لإجراء التحويلات.
ما الذي تغيّر الآن؟
بعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة وسقوط النظام السابق، بادرت الدول الغربية والعربية إلى رفع العقوبات المالية، ما سمح لسوريا بالعودة إلى المنظومات المالية العالمية، وعلى رأسها سويفت.
عودة سويفت ليست مجرد “خط إنترنت بنكي”، بل تعني اعترافًا دوليًا بمشروعية الحكومة الجديدة، واستعدادًا دوليًا للتعامل معها اقتصاديًا ومصرفيًا، بعد سنوات من القطيعة.
لماذا تُعد هذه العودة مهمة لسوريا؟
وفقاً لحصرية، فإن عودة سويفت ستُحدث تحولات كبرى على عدة مستويات:
•تسهيل التجارة الخارجية: يمكن للمستوردين والمصدرين السوريين الآن دفع واستلام الأموال عبر البنوك الرسمية، مما يُقلّل التكاليف ويُعيد الثقة بالمعاملات التجارية.
•جذب الاستثمار الأجنبي: المستثمرون بحاجة إلى آلية آمنة لتحويل أموالهم، وسويفت هو المفتاح لذلك. الربط من جديد يعزز الثقة بسوريا كوجهة أعمال مستقرة.
•تحويلات المغتربين: ملايين السوريين في الخارج سيتمكنون من إرسال الأموال لعائلاتهم في الداخل دون الحاجة إلى الصرافين أو السوق السوداء، مما يُزيد من دخول العملة الصعبة.
•محاربة الفساد وغسل الأموال: النظام المصرفي الرسمي سيستعيد دوره، مما يُقلل من الاعتماد على قنوات غير شرعية كانت مزدهرة خلال سنوات العزلة.
•دعم الليرة السورية: تدفق العملات الأجنبية عبر النظام الرسمي يعزز الاحتياطيات ويُساعد على استقرار سعر الصرف، خاصة في ظل خطة الحكومة لـ”تعويم مُدار” لليرة.
لماذا سويفت مهم عالميًا؟
شبكة سويفت تخدم أكثر من 11,000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة، وتتبادل ما يفوق 47 مليون رسالة مالية يوميًا. وتُعد هذه الشبكة حجر الزاوية في حركة الأموال عبر العالم، حتى إن فصل دولة ما عنها يُستخدم كأداة عقوبات دولية قاسية، كما حدث مع إيران وروسيا سابقًا.
عودة سوريا إلى نظام سويفت تعني أن العالم بدأ ينظر إلى سوريا كدولة يمكن الوثوق بها مجددًا ماليًا. وهي لحظة فاصلة في طريق إعادة الإعمار، إذ لا يمكن بناء اقتصاد سليم من دون ربطه بباقي العالم عبر قنوات رسمية شفافة وآمنة.
بالنسبة للحكومة الجديدة، فإن هذا الإنجاز يُعزّز من مكانتها داخليًا وخارجيًا، ويُترجم عمليًا سياسة “الاستعادة السلمية للسيادة” التي وعد بها الرئيس الشرع منذ توليه الحكم. أما بالنسبة للمواطن السوري، فربما تكون هذه الخطوة أول إشارة عملية إلى أن العزلة انتهت، والطريق إلى التعافي بدأ.