
محاكمة مرتقبة في كوبلنز: اتهامات لخمسة أشخاص بارتكاب جرائم حرب في مخيم اليرموك
بدأ مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني إجراءات قانونية ضد خمسة رجال يُشتبه بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، وذلك استنادًا إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية.
ومن المتوقع، في حال تأييد التهم، أن يُحاكم أربعة من المتهمين لانتمائهم إلى ميليشيا "حركة فلسطين الحرة" الموالية لنظام الأسد، إلى جانب عميل سري سوري يُعتقد أنه عمل لصالح الحركة، بتهم تشمل القتل والتعذيب والحرمان من الحرية، إلى جانب استخدام وسائل قتال محظورة.
وكانت السلطات الألمانية قد ألقت القبض على المتهمين في تموز/يوليو 2024، ومنذ ذلك الحين هم رهن الحجز الاحتياطي، في انتظار قرار محكمة كوبلنز العليا حول إحالة القضية إلى المحاكمة خلال الأسابيع المقبلة.
الحصار والقمع في "عاصمة الشتات"
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهد مخيم اليرموك احتجاجات واسعة ضد نظام الأسد، قابلها الأخير بالقمع عبر الميليشيات المتحالفة معه، أبرزها "التيار الوطني الحر" المسيطر على المخيم آنذاك، وفق إفادة المدعي العام الألماني. وفي 13 تموز/يوليو 2012، تدخل عناصر تلك الميليشيات لقمع مظاهرة سلمية بالقوة، أعقبها فرض حصار خانق على المخيم بدأ في كانون الأول من العام نفسه، ما فاقم معاناة آلاف المدنيين المحاصرين.
قال أيهم أحمد، موسيقي وناجٍ من حصار اليرموك: "لن أنسى أبداً كيف تُركنا نموت جوعاً. طبخنا العشب وأكلنا القطط، وفقدنا كل شيء. كدنا أن ننقرض". وأضاف: "سقوط نظام الأسد خطوة جيدة، وهذه المحاكمة تمنحني أملاً بتحقيق العدالة".
وبحسب منظمات حقوقية، أودى الحصار بحياة نحو 200 مدني نتيجة الجوع والمرض، فيما مُنعت عن 18 ألف شخص أية مساعدات إنسانية، إلى أن تعرّض المخيم في عام 2015 لقصف واسع بالبراميل المتفجرة، دمّر أغلب بنيته التحتية.
سوابق قانونية: إدانة منفردة وانتقادات دولية
في شباط/فبراير 2023، أدانت المحكمة الإقليمية العليا في برلين أحد عناصر ميليشيا موالية للنظام بتهمة القتل وارتكاب جرائم حرب في اليرموك، بعد أن ألقى قنبلة يدوية على مدنيين كانوا ينتظرون مساعدات إنسانية. لكن هذه الإدانة واجهت انتقادات لعدم شمولها الطابع المنهجي للحصار، ما يسلط الضوء على محدودية المقاربة القانونية آنذاك.
أندرياس شولر، مدير برنامج الجرائم الدولية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، أشار إلى أن المحاكم الألمانية لم تُحقّق حتى الآن في سياسة الحصار والتجويع الممنهجة في اليرموك، قائلاً: "الإجراءات الجديدة يجب أن تردم هذه الفجوة، وتتناول قانونياً الهجمات الوحشية على أحياء بكاملها، كما نراها اليوم في غزة".
منبر للعدالة الانتقالية في سوريا
منذ سنوات، شكّلت المحاكمات خارج سوريا، وخاصة في ألمانيا، وسيلة أساسية للضحايا لملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة في ظل غياب المساءلة داخل البلاد. وأكد فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن المحاكمات القائمة على الولاية القضائية العالمية تُعدّ جسرًا حيويًا نحو مستقبل العدالة الانتقالية في سوريا، مضيفًا: "لم نتمكن حتى الآن من إجراء ملاحقات جنائية ميدانية، لكن ما يحدث في ألمانيا يشكل دفعة قوية يمكن البناء عليها لاحقًا".
جهود مستمرة ودعم للناجين
منذ عام 2012، يعمل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان على توثيق الجرائم المرتكبة في سوريا، ودعم الناجين من مخيم اليرموك في مساعيهم للانضمام إلى الإجراءات القضائية كمدّعين مشتركين، في إطار سعيه لإرساء محاسبة حقيقية للجناة، واستعادة كرامة الضحايا.