صورة من ريف إدلب
صورة من ريف إدلب
● مقالات رأي ٢٣ يناير ٢٠٢٤

"قوة التعليم: بناء الحضارات وصقل العقول في رحلة نحو الازدهار الشامل"

من المسلّم به أنّ للتّعليم دوراً رائداً وحيويّاً في بناء الحضارات وتنوير العقول، وتكوين الثّقافات وتحقيق الطّموحات والأهداف، إضافةً إلى أهمّيته في توفير المهارات والأدوات اللّازمة لتحقيق الازدهار الثّقافي والاقتصادي والاجتماعي والصّحي والعمراني، وهو بحق أحد الرّكائز الأساسية لتحسين مناحي الحياة في كلّ المجتمعات، وللتّعليم أيضاً مكانة مرموقة في الأديان السّماويّة والتّشريعات البشريّة والمجتمعات الإنسانيّة كافّة.
وعلى الجانب الآخر، فإن الجهل والأميّة يمثلان خطراً وجوديّاً وحقيقياًّ على المجتمعات والأمم، إذ أنّ انتشارهما يتلازم طرداً مع انتشار العنف والجريمة والخرافات، وتدني المستوى الثّقافي والأخلاقي والإنتاجي، وتدمير القيم التي تعتمدها المجتمعات الإنسانيّة لتحقيق التّطوير والنمو والبقاء.

 انطلاقاً من تلك الأهميّة العظمى لدور التّعليم، وبالتّزامن مع احتفال العالم باليوم الدولي للتّعليم، يلزم القول أنّ التّعليم ليس مسؤولية الأفراد وحدهم، بل هو مسؤولية عامّة تتشاركها الدّول والمنظّمات الدّوليّة والمجتمعات والمؤسسّات الحكوميّة وغير الحكوميّة، حيث ينبغي أن يدرك الجميع تلك المكانة، وضرورة الالتزام الإنساني والأخلاقي لتحقيقها، وأن تتحمّل كلّ جهة مسؤوليتها وتقوم بما يقع على عاتقها وتمليه التزاماتها، لتعزيز الوعي بأهميّة التّعليم، وخلق بيئة تعليميّة مناسبة وآمنة ومحبّبة لأفراد المجتمع، نصل من خلالها إلى نظام تعليمي وتربوي يمكّن الإنسان من حقّه في التّعليم، ويحقّق الأهداف المنشودة في التّنمية المستدامة والتّقدم المجتمعي الشّامل وعلى مختلف الأصعدة.

وفي الوقت الذي حقق فيه قطّاع التّربية والتّعليم قفزة نوعية في الدول المتقدّمة من حيث النّوعيّة والشّموليّة والجودة، لكنّه على الضّفة الأخرى لازالت تعترضه التّحديات والصّعوبات في الكثير من البلدان، خاصّةً تلك التي تعرّضت للحروب وعانت شعوبها من النّزوح والتّهجير، والكوارث الطّبيعية وغير الطّبيعية، كما في سوريا وبالتّحديد مناطق شمال غرب البلاد، حيث تلقي تبعات الأزمة المستمرّة والمتفاقمة بظلالها على التّعليم ومختلف القطّاعات الحياتيّة الأخرى، وتتمثّل هذه التّحديات في:
-نقص عدد المدارس وانخفاض طاقتها الاستيعابيّة قياسا على عدد الطّلاب.
-النّقص الهائل في الدّعم المالي لقطّاع التّعليم.
-الدّمار الذي طال العديد من البنى التّحتيّة التّعليميّة.
- التّسرّب المدرسي وصعوبة الوصول إلى المدارس خصوصا المخيمات العشوائيّة.
 -تأثير الحرب والزّلزال على الصّحة النّفسيّة للطّلّاب.
 -صعوبة تأمين مناهج تعليمية كافية.
-النزوح المتكرّر وعدم الاستقرار والفقر والبطالة وبعض التقاليد البالية عوامل لها تأثيرات سلبيّة ومباشرة في حرمان الأبناء من التّعليم.
-عدم امتلاك الكثير من العائلات للوثائق الرّسمية مثل دفتر العائلة وعدم تسجيل الأطفال جعلهم عرضةً للحرمان من التّعليم.
-انقطاع الكثير من الطّلاب عن التّعليم، مثل طلاب المعاهد والجامعات، الذين اضطروا إلى ترك دراستهم إبّان بدء حراك الشّارع السّوري، خوفاً من الاعتقال كما أنّ سلطة النّظام امتنعت عن منح هؤلاء الطلاب ثبوتيات وكشوف امتحانيّة تمكّنهم من استكمال دراستهم في المناطق التي نزحوا إليها بل بات الكثير منهم يتعرضون للابتزاز ويقعون ضحايا النصب والاحتيال ويضطّرون لدفع الرّشاوي لموظفي الجامعات أو لبعض المتنفّذين في مناطق النّظام وذلك بهدف ألا تضيع سنوات الدّراسة الجامعية سدىً، ولاتزال هذه الجريمة بحق الطلاب دون حلولٍ ملموسة.
لا ريب أنّ التّصدي لهذه العقبات يتطلّب إرادةً فعليةً وجهوداً ملموسةً وشراكةً حقيقيةً من قبل الجهات المعنية المسؤولة فالإنسان السّوري الّذي عانى ويلات الحرب والكوارث يستحق أن يحصل على حقّه وحق أبنائه في التّعليم سواء للجيل الحالي أو الأجيال القادمة.
بناء على ما تقدّم نخلص إلى القول أنّ التّعليم كي يكون ناجحاً ومثمراً يجب أن يكون متاحًا للجميع دون أيّ تمييز وبشكل مجاني، وإلزامي في مرحلة التّعليم الأساسي ويجب التّحقق من سهولة الوصول إليه وضمان استمراريته وتطويره، علاوةً على كونه السبيل الأنجع للقضاء على التّحديات، وتعديل السلوكيات المنحرفة التي تواجه المجتمعات، وطريق لتحقيق المساواة والعدالة، ومساهمته في تعزيز ثقافة الاحترام والتعاون وخلق الفرص، وهذه الأهداف الجوهرية يتطلب تحقيقها مجموعة أدوات وعوامل منها:
-حماية المدارس والمنشآت التّعليميّة من كافّة أشكال الاعتداءات وبناء منشآت تعليميّة كافية وملبّية للغرض وترميم المتضرر منها.
-تحسين جودة التّعليم ووضع خطط فعّالة ومرنة لتطويره ومواجهة التّحديات المستقبليّة.
-دعم المعلّمين من خلال إيجاد حلول ماليّة تضمن تأمين رواتبهم والمصّاريف التّشغيليّة اللّازمة للعملية التّعليمية، وتوفير الأدوات المساعدة والبيئة المناسبة وتدريبهم على الطّرائق التّعليمية الفعّالة والحديثة. 
-دعم الطّلاب من خلال تأمين منهاج مدرسي متكامل وقرطاسيّة ولباس مدرسي. 
وفي هذا السّياق نشير أنّ المنتدى السّوري كان في طليعة المنظّمات التي عملت على دعم التّعليم، حيث أولى التّعليم مكانةً خاصّةً في برامجه واعتبره في قائمة أولويّاته، عبر المشاريع التّعليمية التي تمّ تنفيذها في سوريا من خلال بناء وترميم العديد من المدارس وتأمين الدّعم اللّازم لها، إضافةَ إلى مساهمة برنامج الحماية عبر خدمات إدارة الحالة، وجلسات رفع الوعي بأهمية التّعليم، وأنشطة الدّعم النّفسي الاجتماعي والتّرفيهي ضمن المدارس وخارجها، غير أنّ هذه البرامج والمشاريع تحتاج إلى مزيد من التّطوير والشّموليّة والاستمراريّة حتّى تصل إلى المبتغى المنشود.

وينبغي أيضا عدم إغفال فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة، والعمل على تجهيز المدارس ومرافقها بمستلزمات تساعدهم في حصولهم على التّعليم، والاهتمام بالأنشطة الرّياضية والإبداعيّة والتّرفيهيّة ضمن المدارس والنقاط التّعلمية. وبذل كل الطّرق التي تُمَكن من تطوير التّعليم والنهوض به لأعلى المستويات.
يجدر أيضا بالجهات الفاعلة إيلاء دوراً خاصاً للتّعليم المهني، لأهميته في بناء جيل متمكن، وضرورته لتزويد المتعلّمين بالمعارف والمهارات اللازمة وتوفير فرص العمل والحدّ من البطالة والفقر.
أخيرا، العلم هو النّبراس الّذي يضيء الحياة، ويجعل الإنسان قادراً على البناء والإبداع، وهو المفتاح الذي نلج من خلاله بوابة الإنجازات والابتكارات، ونستطلع واحات الفكر والمعرفة، وبالتّعليم تبنى الأمم وتحلّق نحو الرّفاه، وتتحلّل النّفوس من القيود، وترتقي الشّعوب حتّى تبلغ قمم المجد، كما أنّه من الحقوق الأساسيّة للإنسان، وبه يعرف حقوقه وواجباته، وهو أساس الاستقرار والسّلام الّذي يحتاجه ويتطلّع إليه البشر، وبتضافر الجهود والإخلاص في العمل وتحمّل المسؤوليّة يصبح الجهل شيئًا من الماضي، ويغدو التّعلم حقّاً متاحاً وحلماً سهل المنال.

محمود العبدو 
قسم الحماية / المنتدى السّوري 

الكاتب: محمود العبدو  قسم الحماية / المنتدى السّوري 
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ