مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٥ يونيو ٢٠١٦
سوريا: التصعيد حتى الربيع المقبل

لن ينتهي الصراع في سوريا وعليها في العقد الحالي. أقصى ما يمكن طموحه، تحقيق حالة من الهدنة الهشة التي تتخللها عمليات إرهابية وتصفوية، لتبريد بعض «الرؤوس الحامية« التي تتمنع أو تستقوي في الوقت الخطأ. محاولة أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وأخرى إقليمية في مقدمتها إيران والسعودية وتركيا وحلفاء كل واحدة منها، تحقيق التفوق في منطقة الشرق الأوسط التي تتسع فيها يومياً الفوضى، يفرض المزيد من الغموض حول الأهداف الحقيقية لها، خصوصاً كل ما يتعلق بمدى استعدادها للقبول بقواعد التسوية وحجم التنازلات التي ستقبل بها.

التصعيد العسكري القائم في سوريا مستمر ولن يتوقف هذا العام. لن ينتصر أحد ولن يهزم أحد. كل شيء بحساب. من لا يصدق أو يقبل ليراقب مؤشر الأرباح والخسائر لدى الأطراف في المعارك اليومية حتى نهاية العام الحالي، حيث سيتبين التعادل. ليس في هذا سخرية وإنما هذا هو الواقع. المطلوب أن تصرخ القوى المشاركة من الألم والتعب، أو التعب والإرهاق.

قبل عام بالضبط خطب الرئيس بشار الأسد معلناً تقريباً خسارة الحرب لأن «الجيش منهك والخسائر تتزايد والتراجع قائم». لم يكن ينقص هذا الخطاب إلا إعلان انسحابه الى دولة تضمن له السلامة. بعد عام كامل خطب الأسد من المكان نفسه في مجلس الشعب معلناً، «متابعة الحرب ضد الإرهابيين وكل المعارضة المسلحة إرهابية». التدخل الروسي والجمود الأميركي، قلبا الوضع فتقدمت القوات الأسدية وتراجعت القوى المعارضة». الآن تتزايد ضربات المعارضة من جهة بعد أن وجدت الحلول التقنية لاستخدام المعارضة للأسلحة المتقدمة، المدفع الذي حصد تسعة مقاتلين من «حزب الله« استخدم من مقاتل سوري دربه الأميركيون وأخذوا بصمته ووضعوها على المدفع بحيث لا يمكن لغير المقاتل الذي بصمته موجودة استخدامه وضد الهدف الذي يتم تصويره حتى تتأكد المخابرات الأميركية من صحة الواقعة.

روسيا الدولة الكبرى، مثال كبير على احترامها للقواعد الميدانية. موسكو تنسق ليلاً ونهاراً مع واشنطن وتل أبيب، الى درجة أنه: حتى عندما تحلق طائرة روسية باتجاه موسكو، فإن واشنطن تعرف باكراً قبل التحليق نوعية الطائرة وخط تحليقها. بدورها فإن إسرائيل تطلع على كل التحركات والأهداف، وهي مطمئنة الى أن قوات المعارضة والجيش السوري اللذين لا يبعد أحدهما عن الحدود أكثر من مائة متر، لن يطلقا طلقة واحدة ضدها. وقائع اكتمال «العجة« السورية تفرض الالتفات الى الخلف وليس الى الأمام حيث يقف الجندي الإسرائيلي.

تركيا استوعبت بعكس إيران الطموحة جداً، كما يبدو الوقائع والتحولات أن عليها تقديم التنازلات وبالتالي خفض سقف طموحاتها. يوم غد، أو قبل نهاية الشهر الحالي إذا وقع أي طارئ ستتصالح أنقرة مع تل أبيب، وستبدأ مساراً جديداً بعيداً عن الحرب حتى النصر. أما إيران فإن مسارها نحو التغيير والاعتدال ما زال طويلاً، لم تستوعب طهران أن نقطة ضعفها مهما بلغت من القوة تكمن في كونها شيعية في بحر من السنة. هذا التناقض أساسي وفي صلب التحولات. مما يطيل الخيارات الإيرانية أن الخارج فيها متداخل مع تشكلات الداخل بين المعتدلين والمتشددين.

تبقى الولايات المتحدة الأميركية. لن يقع أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية. حتى مذكرة الديبلوماسيين الأميركيين لم تطالب بأكثر من تغيير في تكتيك الرئيس القادم سواء هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب هو الذي سيقرر أي تغيير استراتيجي ولذلك يجب انتظار العام المقبل.

سؤال ميداني طرحته صحيفة «لوموند« الجدية: كيف حصل «داعش» على مليار دولار من العوائد المالية من بيع النفط؟ وكيف نجح في اختراق «الحصون» المصرفية لاستخدام هذه الأموال واستثمارها رغم الحرب الدولية ضده؟ لا جواب لدى «لوموند« رغم أنها على الأرجح تعرف بعض أو أغلب مفاتيح هذا السر، لكن ليس كل ما يُعرف يُقال، حتى تدق الساعة. عندئذٍ يُعرف الخيط الأبيض من الأسود.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٦
العراق وسورية 2030

كيف ستكون حال العراق وسورية بحلول 2030؟ سيئاً، فلا شيء في الأفق يدعو إلى التفاؤل، ذلك أننا - العرب - نحسن القفز في الحروب والفوضى، ولكننا لا نحسن الخروج منها! حال العراق السيء لم يبدأ بسقوط الموصل بيد «داعش» قبل عامين، حاله سيئة منذ الغزو الأميركي عام 2003، وعلى رغم كل المال والجهد والنفط والماء لم يخرج من عثرة إلا إلى أخرى.

عمر الأزمة في سورية خمس سنوات، ولا أمل بحل قريب. لنتذكر أن الحرب الأهلية في لبنان استمرت 15 سنة، ومن يتذكر متى انهارت دولة الصومال؟ قبل أكثر من ربع قرن. لذلك من العبث التفاؤل بخروج آمن قريب من دون مشروع جاد للتدخل ووقف حال الانهيار. ثم إن موعد 2030، الذي اختارته السعودية ومصر وقطر وأبوظبي موعداً لتحقيق نهضة تنتقل فيها بلادهم إلى عالم مستقبلي قريب جداً، ما يعني أن عليهم الانشغال أكثر بإعادة الاستقرار إلى العراق وسورية، إذا استطاعوا الاتفاق على خطة مشتركة، فهذان البلدان، اللذان يشكلان جل المشرق العربي، ليسا بهامشيين يمكن استمرار حياة جيرانهما بسلام من دونهما.

يمكن أن تنتهي الحروب في أيام، حصل هذا في البوسنة عام 1994، وبعدها تبدأ عملية إعادة بناء قد تؤتي أكلها خلال عقد واحد، وقد حصل هذا أيضاً في البوسنة، التي استقرت وباتت اليوم تستقطب استثمارات أجنبية وخليجية، ولكنه يستلزم عزيمة صادقة لفعله، وهو ما يفتقده المجتمع الدولي أو تحديداً اللاعب الأساسي (الولايات المتحدة) الغائبة الحاضرة في سورية والعراق، ومن الخطأ المراهنة على تغير حقيقي في السياسة الأميركية على يد رئيس جديد، إذ لا ضمانات لذلك، وأثبتت تجربة السنوات الأخيرة مرارة الاعتماد على واشنطن فقط.

ستنتصر قوات الحكومة العراقية وميليشياتها في الفلوجة، بل قد تستعيد حتى الموصل، فهي تتلقى دعماً غير مسبوق من الأميركيين والإيرانيين معاً، يا للغرابة! وغضت واشنطن والمجتمع الدولي الطرف عن وحشية ميليشياتها ضد المدنيين. ولكن لن يكون هذا كفيلاً حتى بإعادة العراق إلى «استقرار صدام حسين»، بلد موحد تحت سيطرة استخبارات قاسية، وإنما سيكون صفحة أخرى من صفحات الفوضى، تمرداً آخر يحمل اسم غير «داعش»، قد يكون أكثر أناقة أو بشاعة، ولكنه سيبقى تمرداً يأكل مزيداً مما تبقى من «الدولة العراقية»، مولّداً صراعاً قبيحاً آخر يأتي من رحم صراعات عدة تتوالد في رحم الفوضى والحروب والفشل العربي. وعندما يطفح بقبحه ينسحب الرئيس الأميركي وقواته مما اقترفت أيديهم في المنطقة، ثم يسرب تصريحاً أحمق لمجلة أميركية يقول: «مللت من الشرق الأوسط، هؤلاء العرب والمسلمون يعشقون الحروب». ويمضي بعيداً، وبراءة الأطفال في عينيه أو عينيها!

لماذا يحصل هذا في عالمنا؟ لماذا نعجز عن النهوض بالمقارنة مع أوروبا، التي أعادت ترتيب بيتها سريعاً بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك كوريا، بل حتى فيتنام؟! إنها التدخلات الخارجية والإقليمية السلبية، وكذلك غياب توافق إقليمي على مشروع واحد يقود المواجهة والنهوض.

في المنطقة معسكران متباينان متورطان في صراعات المشرق العربي، وكلاهما يفتقد رؤية مشتركة بين مكوناتهما، فالروس والإيرانيون مثلاً، متفقان في سورية ضد الثورة، ولكن لكل منهما رؤيته للمستقبل وأسبابه للتورط في الصراع، الروس يريدون إعادة بناء نظام قمعي يشبه النموذج الذي صنعوه في الشيشان، ويكون تحت حمايتهم، ويوفر لهم مساحة نفوذ في شرق المتوسط، في مقابل ترك سورية للإيرانيين يتمددون فيها بمشروع طائفي خرافي لا يوافق مزاجهم العلماني الحاد، رؤيتان لا تستحقان الحياة في عالم متحضر، ولا بد أن تصطدما.

في الجهة المقابلة، نجد السعوديين والأتراك والقطريين والأميركيين والفرنسيين متفقين فقط على مبدأ إسقاط النظام «الذي فقد شرعيته»، وقد قالوا ذلك منذ خمسة أعوام، ولكنهم مختلفون في ما عدا ذلك، على الثوار الذين يستحقون الدعم والذين لا يستحقونه، وعلى الأولويات، وهل هي «داعش» أم النظام؟ وعلى السلاح الذي يمكن دعم المعارضة به، بل حتى على مذكرة المفاوضات، ما أدى إلى كثير من الشكوك في النيات، وخصوصاً مع الجانب الأميركي، يغطونه بعبارات تزعم الاتفاق وتنفي الخلاف. لقد حصل انسجام كبير خلال العامين الماضيين بين الدول الثلاث الأولى، وحققت فيه تقدماً طيباً على الأرض، أجهضه الروس بتدخلهم الصيف الماضي، ولكنه لا يزال يفتقد الرؤية الواحدة.

هذه التباينات تدعو إلى التشاؤم بأن عمر أزمة المشرق العربي سيطول، ذلك أنها ستمنع أي طرف من تحقيق انتصار حاسم. ولنأخذ معركة الشمال السوري نموذجاً. التوافق السعودي - التركي - القطري مكّن الثوار من تحقيق انتصارات واسعة هناك، حتى اقتربوا من الساحل العام الماضي، وتراجع مع انتصاراتهم حتى «الدواعش» والأكراد، ولكن التدخل الروسي أحبط ذلك وخلط أوراق اللعبة دولياً ومحلياً. الأسبوع الماضي شهد دورة أخرى لمصلحة الثوار بدعم من الحلفاء الثلاثة، إذ استعادوا المبادرة وأثخنوا في «حزب الله» و»الحرس الثوري» الإيراني، ولكن لا شيء يضمن ألاّ تكون هذه دورة من دورات الحرب، فليس مستبعداً أن تتدخل إيران في شكل مباشر أكبر، وترسل آلافاً من قواتها إلى سورية، منتشية بالتقدم الذي حققته في العراق، ومستفيدة من تحسن علاقاتها مع الأميركيين، الذين باتوا شركاء لها في معركة الفلوجة، ولكن السعوديين لن يستسلموا لو حصل هذا، وسيعيدون الكرة، فثمة قاعدة استراتيجية لن تحيد عنها الرياض مهما كلف الأمر، وهي منع إيران من الانتصار في سورية والهيمنة عليها. الخلاصة أنها دورة عنف يدفع ثمنها الشعب السوري والمنطقة بما تطفح به من إرهاب، كحادثة مهاجمة مخفر أردني متاخم للحدود السورية، الأسبوع الماضي، سقط فيها ستة من رجال الأمن هناك.

دورة العنف هذه ستتكرر في الموصل، التي لن تقبل أنقرة ولا أكراد العراق أن تستقر لحكومة بغداد ومن خلفها طهران، وكذلك في منبج والرقة، التي تراها خاصرة رخوة تهدد أمنها القومي، وسترفض تمدد حزب كردي معاد فيها، تعلم أنها لا تستطيع تغيير موقف واشنطن الغريب الداعم لبغداد (ومن خلفها طهران) والأكراد، بعدما ضيعت أكثر من فرصة للتدخل مبكراً في سورية قبل أن يستفحل الوضع ويصبح تدخلها مستحيلاً من دون موافقة أميركية، ولكنها تعلم أيضاً أن الانتصارات العسكرية و«فتوحات» المدن لن تأتي بالاستقرار من دون توافق دولي وإقليمي، لذلك تستطيع وحلفاؤها تعطيل أي انتصارات لخصومها في الموصل والرقة ومنبج، مستفيدة من وجود رفض للفاتحين الجدد.

في الأفق تحول أميركي قادم، تجلى في خطاب 51 ديبلوماسياً بالخارجية الأميركية يحتجون على سياسة حكومتهم في سورية، احتجاجهم ليس مهماً لو توقف في أروقة الوزارة، ولكنه بدأ يحدث تأثيراً في واشنطن، يعززه الضغط السعودي، وعلى رغم عدم وجود تنسيق بين الطرفين فإنه يكاد يكون الخطاب نفسه، وجاءا في الوقت نفسه، إذ يدعوان إلى الاستمرار في المفاوضات، ولكن مع ضغط عسكري أميركي على النظام السوري، وهو ما لم يفعله أوباما، وتراجع عنه أكثر من مرة حين أتته الفرصة.

وزير خارجيته جون كيري التقى الديبلوماسيين، وقبلهم ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المنشغل هو أيضاً بسورية وبالموقف الأميركي الغريب فيها. تدريجياً عاد التشدد إلى الخطاب الأميركي وانتقد بحدة الدور الروسي فيها، ولكنه توقف هناك، وسيكون من السذاجة أن تترك دول المنطقة اختياراتها المستقلة، وتنظر إلى واشنطن، مؤملة بأن تتغير في آخر خمس دقائق من ولاية الرئيس أوباما!

باختصار، ما لم تطور الرياض وأنقرة والدوحة التنسيق بينها إلى مشروع إقليمي متكامل لا يعتمد على واشنطن أو غيرها، تعيد به ترتيب المنطقة من حولها، فحال الفوضى والانهيار ستستمر معنا حتى 2030، ولن نملك حينها غير الدعاء بالسلامة من شرر كالقصر يرمى علينا بين آونة وأخرى من هلالنا، الذي كان يفترض أن يكون خصيباً.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٦
نحو مجموعة سُداسية لمعالجة الأزمة السورية

دعا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى تشكيل مجموعةٍ دوليةٍ تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، للإشراف على العملية التفاوضية السورية، على غرار المجموعة التي عكفت على الإشراف على مفاوضات الملف النووي الإيراني، ونجحت في مهمتها، وإن استغرقها الأمر وقتاً طويلاً (نحو عشر سنوات!).

عبر عن الدعوة رئيس "الائتلاف"، أنس العبدة، في بروكسيل، في أعقاب المباحثات التي جرت بين الائتلاف وهيئة التنسيق الوطني السورية (برئاسة حسن عبد العظيم)، وتوجّه العبدة بدعوته هذه إلى الاتحاد الأوروبي الذي وعد، حسب ممثليه في ذلك اللقاء، بدراسة الدعوة باهتمام.

مبعث الدعوة هو استشعار الطرف السوري المعارض أن الثنائية الأميركية الروسية لم تحقّق تقدماً يُذكر على طريق الحل السياسي، ولم تضع حداً لتغوّل النظام على المدنيين وعلى المرافق المدنية، وأن اندفاع موسكو إلى الانخراط في الحل السياسي السوري تجلى في اعتماد الحل العسكري على نطاق واسع، والإجهاز عملياً على الحل السياسي في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في محاولات موسكو الدؤوبة الالتفاف على مرجعية العملية (جنيف1) ومحاولة تفريغها من مضمونها، وقد تبدّى ذلك بوضوح شديد في تبني الرئيس فلاديمير بوتين، أخيراً، فكرة "حكومة وحدة وطنية" التي يروّجها النظام بديلاً لمشروع الانتقال السياسي الذي يحظى بأوسع تأييد دولي وإقليمي. علماً أن الانتقال السياسي هو الذي يضمن تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ فعلية. علاوة على اندفاع موسكو، بصورةٍ منهجيةٍ، باستهداف المدنيين، وبالذات في مناطق إدلب وريف حلب. وهو ما جعل موسكو جزءاً من المشكلة، لا الحل. فضلاً عن الاستخدام الروسي الأراضي السورية، وفق أجندة خاصة بها، منصةً للاحتكاك مع تركيا، مع السعي الروسي إلى تمكين الاتحاد الديمقراطي الكردي من الاقتراب من الشريط الحدودي مع تركيا، وذلك من أجل إلهاب المسألة الكردية في الداخل التركي.

لهذه الأسباب، يبدو الدور الروسي على جانبٍ كبير من السلبية. ويكتسب هذا الدور مزيداً من الاندفاع في أجواء "الانكفاء" الأميركي الذي عبّر عنه الرئيس باراك أوباما، أخيراً، في رده على رسالة 50 دبلوماسياً أميركياً، بقوله إنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية، على الرغم من إدراك البيت الأبيض أن هناك حلاً عسكرياً ناشطاً ومحموماً، تؤديه موسكو مع طهران ومع قوات النظام. قد يؤدي إلى انهيار تام لا سمح الله. كما حذّر بوتين نفسه، ولكن، من دون أن تغيّر حكومته سلوكها في دعم الحل العسكري الذي لا يُبقي ولا يذر.

تتماشى الدعوة إلى تشكيل مجموعةٍ دوليةٍ سداسيةٍ للإشراف على العملية السياسية تماماً مع رسالة الأمم المتحدة وميثاقها، ومع دور مجلس الأمن الذي أبدى انشغالاً دائماً بالأزمة السورية. ولكن، من دون تحقيق نتيجة تذكر، توقف خيار التدمير. وليس هناك أي مسوّغ جدّي، يمنع تشكيل هذه المجموعة التي ستضم، في حال الأخذ بها، روسيا، إلى جانب ألمانيا وبقية الأعضاء الدائمين. ألمانيا قريبة من قضايا المنطقة، وسبق أن لعبت دوراً تمهيدياً في مفاوضات الملف النووي الإيراني، كما عملت، أكثر من مرة، وسيطاً تفاوضياً بين حزب الله وإسرائيل. هذا علماً أنه ليس هناك منطق في اقتصار المهمة على دولتين فقط، أياً كانت منزلتهما. ونحن نعلم أن مفاوضات جنيف حظيت، منذ بدايتها في العام 2012، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة، نظراً لأهمية الملف السوري.

فشلت الثنائية الروسية الأميركية فشلاً ذريعاً، وأدّت إلى تراجعٍ مستمر في حظوظ العملية السياسية، حتى أنها أوقفت مفاوضات جنيف، وجعلت الهدنة (وقف الأعمال العدائية) تترنح باستمرار، وقد ساهمت موسكو، من جانبها، مساهمةً نشطة في خرق الهدنة، وقامت، في الوقت نفسه، بالتغطية الدائمة على الخروق التي لا تتوقف للنظام.

في هذه الأيام، تدعو موسكو إلى عودة سريعة إلى المفاوضات، ومن اللافت أنها تطلب من المعارضة عدم وضع شروط مسبقة، ويُخشى أن موسكو باتت تعتبر التمسّك بمرجعية العملية السياسية شرطاً مسبقاً (!)، وهذه، إذا صحّ هذا التقدير، حيلةٌ مكشوفة لترويج التخلي عن هذه المرجعية. أما البدء مجدداً من نقطة الصفر، والدوران في حلقة مفرغة، فالخشية أن يكون عين الحكمة في أنظار للدبلوماسية الروسية.

علاوة على ما تقدّم، فإنه قد يُراد من الإلحاح الروسي على واشنطن على استئناف التفاوض، في هذه الآونة بالذات، منع فكرة إنشاء مجموعةٍ دوليةٍ من التفاعل، بهدف الإبقاء على الثنائية، والحؤول دون توسيعها، ومواصلة عزل أطرافٍ دوليةٍ فاعلةٍ، مثل الاتحاد الأوروبي والصين، عن مجرى العملية السياسية، ومواصلة العبث بها، والأسوأ من ذلك العبث الأسود بمصير ملايين السوريين ومصير وطنهم.

تحتاج فكرة المجموعة الدولية الى متابعةٍ حثيثة، من "الائتلاف" بالذات، من أجل كسب أوسع تأييد لهذه الفكرة الإيجابية التي تمثل أفضل ردٍّ على الفشل الروسي الأميركي، ومن شأنها أن تضع المجتمع الدولي مجدداً أمام مسؤولياته المباشرة، كما تستعيد الدور الغائب لمجموعة "أصدقاء سورية"، وتقوم بتفعيل دور مجلس الأمن وأعضائه الدائمين حيال القضية الأكثر أهمية في عالمنا، والأشد استعصاءً، والأكثر تعريضاً لحياة المدنيين للخطر الداهم والمتحقق.

ولعل الأمر يحتاج إلى جهدٍ، وإلى مبادرةٍ من أجل استصدار قرار جديد لمجلس الأمن، يوسّع الجهة المنوط بها الإشراف المباشر والتام على العملية السياسية، ولا شك أن فرص صدور مثل هذه القرار متوفرة، فليس لدى واشنطن أو موسكو ما يسوّغ استبعاد الأعضاء الدائمين، والحصيلة البائسة للثنائية تُملي التحرّك على هذا الطريق، بما يُيّسر استئناف التفاوض في ظروفٍ أقلّ سوءاً، إن لم تكن تحمل بشارة أمل بأن المجتمع الدولي، بمكوناته الرئيسية، قد جدّد عزمه على إنهاء المأساة، والبدء بتحقيق تطلعات الشعب السوري، وتوفير ظروفٍ أفضل وأكثر نجاعة لمكافحة الإرهاب، بمختلف أشكاله ومصادره، وفي المقدمة منه إرهاب تنظيم داعش.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
ورحل البطل "خالد" شامخاً .. و ترك ارثاً ثقيلاً واجب الإتمام

غادرنا منذ قليل أحد أبطال الثورة السورية، الذين كان لهم الدور الأبرز في عكس صورة الثورة بأفراحها و أتراحها، بنصرها و دمها ، ناقلاً الصورة الحقيقة التي حاول العالم بأسره تغييبها ، لكنه نقلها بكل رجولة و بطولة قد تساوي بطولات الحرب و إن كانت تفوقها.

خالد العيسى الذي لم يكمل عامه الـ٢٤ ، كان من ذلك الجيل الذي نبضت الثورة بهم ، و انتقلت لكل مكان و انعكست بكل الأرجاء، اجتهد و تحول من هاو إلى متمرس ، و الأهم كان شجاعاً لحد لايدركه كل من يقف خلف حاسوب أو يتابع الأخبار وهو بعيد مئات أو آلاف الكيلومترات.

قبل أيام قليلة من استهدافه و هادي العبدالله ، كان حاضراً في مواجهة البراميل، نالهما الأذى و الإصابة، و لكن لم يتوقفا أبدا ، بل كانت وقوداً لمواصلة المشوار بعزيمة و إصرار أكثر ، ضاربين بعرض الحائط كل الخطر الذي يحيط بهما، فهما المستهدفين الأوائل، فهم العين التي لا تنام أو تغفى عن الجريمة، التي لابد أن تنقل ، و يسمع بها كل أصم و يراها كل متعامي.

 الثورة السورية ععندما تفقد كل اعلامي و حامل للكميرا، تفقد عيناً لها و روحاً  و نبضاً ، و يجعلها أقل تأثيراً، فكل شخص له أسلوبه و طريقته التي توصل الرسالة لشريحة ما، و لكن أمثال خالد و هادي كانوا من أصحاب القاعدة الواسعة و الاستقطاب الأكبر و الأكثر تأثيراً على مختلف الفئات المحلية و العربية و العالمية.

خالد رحل تاركاً ارثاً كبيراً، و كذلك حملاً ثقيلاً على الجميع لاسيما العاملين في الحقل الإعلامي أن يكونوا، أكثر جديدة و إصرار على مواصلة المشوار، وفاء له و لمئات آلاف الشهداء، إذ الحق لايمكن أن ينطفئ و لكن يتعرض للظلم و التغيب، مالم يصرخ به أحداً.

عزاؤنا لجميع السوريين عموماً ، و لعائلته خصوصاً ، و لهادي العبدالله أيضاً الذي يودع هو الآخر رفيقاً جديداً، بعد أن فقد طراد الزهوري، وعرفت هادي و طيبته و تأثره حينها .

خالد العيس و طراد الزهوري هم مثال لمئات الناشطين و الإعلاميين الذين غابوا عن سماء الثورة و لكنهم بقوا نجوماً تضيء الدرب الذي يجب أن يكتمل.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
هل تستطيع روسيا حسم الصراع في سوريا

بفضل السياسة الأمريكية تظن روسيا أنها أصبحت هي الآمر الناهي في الصراع الجاري في سوريا، بعد خمس سنوات من الحرب فيها من دون نهاية. فأمريكا وهي تسعى لاستدامة القتال والمعارك في سوريا سعت إلى توسيعها، ولم تمنع أي مغامر من القدوم إليها والمشاركة في معاركها وحربها وتدميرها وقتل أهلها.

وقد عملت أمريكا منذ السنة الأولى للاقتتال في سوريا على إمساك مجريات المعارك فيها، بحيث لا يتمكن أحد من حسمها لصالحه مهما بذل من جهود عسكرية، ومهما امتلك من قدرات عسكرية وطائرات حربية متقدمة، أو صواريخ باليستية وغيرها، ومهما أرسل من جنود أو متطوعين، سواء كانت إيران أو روسيا أو غيرها، فامريكا لن تسمح لإيران بالقضاء على المعارضة السورية، كما لن تسمح للسعودية وتركيا وقطر ومن معها بالقضاء على الأسد ومحوره الطائفي، وبذلك فإن أمريكا ما لم تتدخل فعلاً وليس قولا لحل هذه الأزمة فإن القتال في سوريا سوف يتواصل لسنوات طويلة.

وعندما تشعر أمريكا بالحرج من إيران، أو من السعودية بناء على وعودها واتفاقياتها المتناقضة مع أطراف الصراع، فإنها ترجع الأمر إلى حجج كثيرة، كان آخرها إلقاء المسؤولية على الطرف الروسي، الذي أتت به أمريكا على مراحل للتورط في سوريا، كان آخرها تدخله العسكري المباشر بتاريخ 30/9/2015 ثم إعلانه الرسمي في بداية شهر مايو 2016 عن الانسحاب العسكري من سوريا، من دون ان ينسحب سياسيا ولا يتوقف عن دعم جيش الأسد ومحور إيران، وبالأخص بعد توقيع اتفاق 22 شباط 2016 بين روسيا وأمريكا، باسم وقف الأعمال العدائية في سوريا، الذي تبنته الأمم المتحدة بتاريخ 27/2/2016.

كانت روسيا قد أبدت تغييراً مفاجئاً ثم أعلنت تدخلها أولاً، ثم عندما أعلنت عن انسحابها العسكري بعد تدخل دام خمسة أشهر تقريبا، ثبت لها بوجه قاطع أن محاولتها القضاء على الثورة السورية عسكريا مستحيل، ثم تبين لها ان الضغط العسكري الهائل الذي ضربت فيه مناطق المعارضة وفصائل الثورة السورية بالطائرات والصواريخ الباليستية الروسية لم يستطع أن يفرض عليها الهزيمة، ولا قبول الحل السياسي الذي تطرحه روسيا بالنيابة عن الأسد وإيران في جنيف 3 على يدي دي مستورا. وبعد تأكد روسيا فشل ضغوطها العسكرية والسياسية، فإنها لا تريد الاعتراف بعجزها عن حل المسألة السورية، وسمحت لبشار الأسد بأن يواصل جرائمه بقتل الشعب السوري واستعمال البراميل المتفجرة، بل أجرت تطويرا عليها بالخراطيم المتفجرة لتقتل أعدادا أكبر من الشعب السوري، ومعها المليشيات الإيرانية الطائفية التي تقتل على الهوية الطائفية بكل قسوة، سواء في دمشق أو في حلب أو في إدلب أو غيرها، وحيث أن روسيا تعلم أن أمريكا لا تمانع هذا القتل والتدمير الممنهج على الشعب السوري بغض النظر عن مصدره، فإنها أي روسيا أصبحت تمارس عمليات القتل نفسها للشعب السوري، وهي تدعي السياسة الأمريكية نفسها بالسعي للحل السياسي في جنيف، بخداع أطراف الصراع في سوريا، بأنها ترعى حلاً سياسياً ومفاوضات بين بشار والمعارضة في جنيف، ولذلك أخذت روسيا تكذب على الدول العربية، وبالأخص الخليجية منها، بأنها طرف قادر على الحل السياسي وراع له، لأن روسيا تريد المساعدة من الدول العربية والتغطية على جرائمها بسكوتها عن قصف الطائرات الروسية للمدنيين، وتدميرها للأسواق المستشفيات والمساجد وغيرها، أو خداعها كما حاولت خداع الحكومة التركية قبل إسقاط الطائرة الروسية المعتدية على الأجواء التركية.

ولكن روسيا بحكم وجودها العسكري أكثر من أمريكا داخل سوريا، وبحكم شراكتها في محور الأسد وإيران في قتل الشعب السوري فإنها أقدر من امريكا في ادعاء أنها قادرة على إيجاد حل سياسي، بدليل أنها تفرض الاتفاقيات والهدن بين المتقاتلين مع أمريكا أو بدونها، كما فعلت في الهدنة الأخيرة لمدة ثمان وأربعين ساعة، وهي تعلم انها تفرض الهدنة لصالح الطرف الذي يمارس القتل، وهو جيش الأسد وميليشيات إيران المقبلة من ايران والعراق ولبنان وغيرها، فكان آخر الهدن التي أعلنت عنها روسيا في حلب اعتبارا من منتصف ليل الخميس 15/6/2016، بعد أن خسر الأسد كثيرا من المعارك مع المعارضة السورية، بينما قالت وزارة الدفاع الروسية مساء الأربعاء في بيان لها إنه «بمبادرة من روسيا يدخل نظام تهدئة حيز التنفيذ في حلب لمدة 48 ساعة في 16 يونيو بهدف خفض مستوى العنف المسلح وتهدئة الوضع»، فروسيا تتدخل لفرض هدنة عندما يحتاجها جيش الأسد والإيرانيون وحزب الله اللبناني فقط.

المؤسف أن هذا القرار العسكري من وزارة الدفاع الروسية جاء وكأنه رد فعل على تحذير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لروسيا وبشار الأسد من مغبة عدم احترام وقف الأعمال العدائية، وقول كيري وزير الخارجية الأمريكي بعد لقائه نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، خلال زيارة للنرويج «على روسيا أن تفهم أن صبرنا ليس بلا حدود، وهو في الواقع محدود جدا في ما يتعلق بمعرفة ما إذا كان الأسد سيوضع أمام مسؤولياته أم لا»، بينما كانت هناك مساعدة لجيش الأسد ومحور ايران، وهذه المساعدة قضية متفق عليها بين روسيا وأمريكا.

فمن يصدق أن يصدر هذا التحذير الأمريكي بحضور وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى روسيا، بينما الجيش الإيراني وميليشيات الحرس الثوري الإيراني هي التي تسيطر على الأراضي التي يحكمها بشار الأسد وروسيا معا، فلماذا لم يوجه كيري هذا التحذير إلى جواد ظريف وهو يقف إلى جانبه، إن في ذلك دلالة على أن إيران لم تعد صاحبة القرار في سوريا، أو هكذا يريد كيري أن يوهم العالم، وإذا كان ذلك صحيحا فإن إيران وجيشها وحرسها الثوري ومليشياتها العالمية أصبحت مجرد أداة عسكرية قاتلة بيد الروس والأمريكان معا أولاً، وفي هذا التصريح الأمريكي دلالة على أن أمريكا قادرة على فعل شيء إذا نفد صبرها ثانيا، أي أنها هي صاحبة القرار مع روسيا أيضاً، ولكن وبعد خمس سنوات من قتل الشعب السوري، وقتل أكثر من نصف مليون سوري، وتشريد أكثر من عشرة ملايين في كل أنحاء العالم، لم ينفد صبر امريكا بعد، وربما تحتاج أمريكا إلى خمس سنوات اخرى حتى ينفد صبرها.

هذا التصريح الأمريكي أو التحذير لروسيا ينبغي أن يدفع السياسة الروسية إلى البحث عن حلول أخرى في سوريا، غير العسكري والإبادة البشرية التي مارسها الجيش الروسي في الأشهر الخمس الأولى من تدخل روسيا العسكري، وغير الحلول السياسية العقيمة التي تبقي القاتل بشار الأسد في الحكم، لأنه بقاءه في الحكم الشكلي هو استمرار لتوريط روسيا في سوريا، وهي تمارس القتل في الشعب السوري، بينما كيري ومن يحمل وجهة نظره من الساسة الأمريكيين يستمتعون برؤية الموت والدماء والقتل في سوريا، فالهدن التي تدعو لها روسيا لن تساعد على الحل، كما أن الأعمال العسكرية لم تساعد على الحل، وفشل روسيا في إلزام بشار الأسد على الرحيل يتم بضغوط أمريكية عن طريق إيران، وهذا سوف يورط روسيا أكثر وأكثر في سوريا، وهذا يعني أن الطرفين الدوليين روسيا وأمريكا عاجزتان وحدهما عن إيجاد حل عسكري وسياسي للصراع، او انهما راغبتان باستمراره وترعيانه ولا ترعيان عملية السلام في جنيف إلا إعلامياً، وإلا فإن روسيا عاجزة عن الحل العسكري والسياسي، وهي متورطة في سوريا مثلها مثل إيران وتوابعها الطائفية، ولن تستطيع التخلص من الصراع في سوريا إلا وهي خاسرة ولو بعد حين.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
حسابات موسكو وطموحات طهران

لم يعد هناك من شكوك في أن العلاقات الروسية- الإيرانية والروسية - السورية تواجه خلافات كبرى تنعكس على أداء كل من الأطراف الثلاثة على الصعيد الميداني في شكل موجع كما أظهرت الأيام الماضية في ريف حلب الجنوبي، حيث كبرت الخسائر الإيرانية والسورية النظامية وخسائر الميليشيات التابعة لكل منهما في مواجهة الفصائل المسلحة السورية على اختلافها.

قد لا تغير موقعة قرية خلصة خيارات إيران و «حزب الله» في الميدان السوري بعد الخسائر الكبيرة فيها، وقد لا تعدّل في التعاطي مع ساحة النفوذ السورية التي يعتبرانها حيوية، وفق قول مسؤولين إيرانيين العام الماضي إن خسارة سورية تعني أن القوات الإيرانية ستضطر إلى «مقاتلة الأعداء في طهران». وعلى رغم مغالاة قادة الملالي المتشددين في إيران بهذا الاستنتاج، فإن تعظيم الحاجة إلى التمدد في النفوذ على أنه مصيري بالنسبة إليهم، يأتي من باب التضخيم الذي اعتاد عليه هؤلاء في التعبئة السياسية والإعلامية لشحن أهدافهم التوسعية بما تمليه عليهم سياسة تصدير الثورة والأحلام الإمبراطورية من جهة، ولتصوير خسائر تدخلاتهم في دول الإقليم على أنها «مظلومية» تلحق بهم، وليست ظلماً يلحقونه بشعوب الدول التي يمعنون في التسبب بالضرر والتفتيت والشرذمة الطائفية في نسيجها الوطني والاجتماعي منذ عقود.

نشوة «الانتصارات» الموضعية التي حققها المحور «الممانع» منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي في سورية باستعادة النظام وحلفائه من الميليشيات الإيرانية بعض الأراضي، أعمت بصيرة قادة طهران ومعهم «حزب الله» عن تلك القاعدة التي كانوا ينبهون بشار الأسد إليها منذ انخراطهم العلني في المحرقة السورية عام 2013، حين كانوا يقولون لحاكم دمشق إن دعم موسكو له «ناجم عن مصلحة، أما دعمنا نحن فهو ناجم عن التزام أخلاقي ودفاع عن محور المقاومة».


عمى البصيرة هذا يشمل:
- أن موسكو حققت هدفاً رئيساً من تدخلها العسكري الجوي بضمانها حماية دمشق وبقاء الأسد وإبعادها تركيا من التدخل المحتمل في الداخل السوري ومنعها من إقامة منطقة آمنة تكون حاضنة لنفوذها. إعلان موسكو في آذار(مارس) الماضي سحب الجزء الأكبر من قواتها الجوية كان إشارة إلى اكتفائها بما حققته، بدليل انتقاد ديبلوماسييها حديث الأسد عن تحرير كل سورية.

- التمهيد لحل سياسي استناداً إلى ميزان القوى المحلي مع إبقاء مصير الأسد في يدها، من طريق الاتفاق على انتخابات رئاسية وتشريعية يشترك فيها جميع السوريين بمن فيهم النازحون، برقابة دولية، مقابل المطالبة بتنحيه. وهي ضمنت نفوذها في المنطقة انطلاقاً من سورية بتسليم من الإدارة الأميركية، عبر تحويل مشروع الحل إلى قرار من مجلس الأمن.

- سايرت موسكو طموح طهران والأسد في استعادة حلب عبر قصف همجي نفذته طائراتها بالتزامن مع محادثات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة في نيسان (أبريل) وأيار (مايو) الماضيين، ما أدى إلى فشلها وتعليقها مرتين. لكن القوات النظامية والإيرانية والميليشيات عجزت عن إحداث تقدم في حلب، في وقت أخذت تظهر أسلحة نوعية في أيدي الثوار، ما شكل رسالة بأن الولايات المتحدة والدول الداعمة للمعارضة قد تفرج عن مزيد من الأسلحة التي كانت محرّمة على فصائلها، وهو ما يفسد أولوية الحل السياسي على قاعدة ميزان القوى الحالي، لأنه يهدد بعودة الأرجحية لمصلحة المعارضة. والأهم أنه يقوض رهان بوتين على الإقلاع بالحل السياسي في عهد أوباما تجنباً لمخاطرة مجيء إدارة أميركية غير متحمسة مثله للتعاون مع موسكو في هذا الصدد.

- أن أولوية محاربة «داعش» كنقطة اتفاق بين موسكو وواشنطن واجهت مفارقة في الميدان السوري، فبينما تدعم واشنطن والدول الغربية قوات «سورية الديموقراطية» و «الجديدة» ضد التنظيم الإرهابي، وتخوض فصائل أخرى من «الجيش الحر» معارك مع التنظيم على الحدود التركية، تتجاهل قوات النظام وإيران و «حزب الله» المعارك مع «داعش» الذي تدعي أن هدفها الأول دحره، فتحشد إمكاناتها العسكرية حول حلب لاستعادتها. ومع حصول الخطأ الروسي بقصف «قوات سورية الجديدة» الذي أثار حفيظة واشنطن، فإن موسكو استدركت الأمر سريعاً، لأن أولوية محاربة «داعش» جزء من عقيدة بوتين العسكرية، فالقيصر مهتم بأن تشترك القوى الدولية والفصائل السنية بمحاربة الإرهاب حتى لا يثير انفراده بذلك المسلمين الروس (20 مليوناً).

حسابات روسيا المختلفة عن حسابات إيران سبق لوزير الدفاع سيرغي شويغو أن أبلغها إلى نظيريه السوري والإيراني قبل أسبوعين خلال اجتماعهم في طهران. لكن من الصعب على الأخيرة، وبالتالي على «حزب الله» إعادة حساباتهما.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
أميركا خسرت مزاعم التفوق الأخلاقي بسبب سياستها السورية

بدا البيت الأبيض ضعيفاً وهو يدافع عن سياسات الرئيس باراك أوباما نحو سورية رداً على مذكرة قاسية لـ51 ديبلوماسياً أميركياً وموظفاً في وزارة الخارجية، دعت إلى «الاستخدام المدروس لأسلحة بعيدة المدى وأسلحة جوية» ضد نظام بشار الأسد، معتبرة أن الوضع القائم في سورية ما زال يؤدي إلى «أوضاع كارثية في المجال الإنساني وعلى الصعيد الديبلوماسي والإرهاب». وأكد موقعو المذكرة أن «المنطق الأخلاقي للتحرك من أجل وقف المجازر وآلاف الضحايا في سورية بعد خمس سنوات من حرب رهيبة، واضح وغير قابل للجدل». تلك الصفعة التي أشارت إلى «المنطق الأخلاقي» هي التي أدت بالبيت الأبيض إلى الرد بنبرة دفاعية وبطرح أسئلة تعجيزية تبريراً لسياسات الإدارة. فلقد بات تعبير «وما هو البديل» أو «اعطونا الخيار الآخر» جزءاً من السياسة الأوبامية وبين مفردات أعضاء الإدارة الحاكمة. والرسالة ذاتها واضحة وهي: أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً ضد النظام في دمشق، ومعركتها الأولى اليوم هي ضد «داعش» وليس ضد بشار الأسد. لذلك، فإن إدارة أوباما تحاول أن تتملّص من المعارضة السورية المسلحة المتمثلة في «الهيئة العليا للمفاوضات» وتوافق ضمنياً مع روسيا على استبدال تلك المعارضة على الأرض بقوات كردية وعشائرية تشكل «قوات سورية الديموقراطية»، مهمتها الأولى محاربة «داعش» لا إسقاط النظام. هذا التوجه يتزامن مع تقاعس دولي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، حيث يتم عملياً اختزال المسألة السورية إلى أزمة لاجئين ومأساة إنسانية تتطلب التركيز على إدخال المعونات الإنسانية بعيداً من تصنيفها سياسية مع إبعادها عمداً عن مسار المحاسبة على ارتكاب الجرائم والفظائع. فلقد تم إجهاض «بيان جنيف» الذي تحدث عن عملية سياسية انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة. وحققت «عملية فيينا» التي ولّدتها روسيا ما تبتغيه وتوقفت حيث خططت لها موسكو أن تتوقف. أعضاء مجلس الأمن تقوقعوا في بيانات خالية وانحنوا أمام ما فرضته السياسة الروسية – الإيرانية بإذعان بلا «الخطة باء». الأمانة العامة للأمم المتحدة بلعت كلامها عن «المحاسبة» وخضعت للشريكين الروسي – الأميركي في إدارة المأساة السورية من دون أن تجرؤ على الاحتجاج. وهكذا خسرت الأمم المتحدة القيادة الأخلاقية، وتخلّت عن مبادئ المحاسبة، وتراجعت عن القيم، ورضيت بأن تكون أداة تنفيذية لإلغاء «بيان جنيف»، واختبأت في ثوب ضعفها عندما داهمها موعد آخر لعملية سياسية هو الأول من آب (أغسطس) حين كان من المفترض أن تبدأ عملية سياسية انتقالية أقل حزماً من التي أطلقها «بيان جنيف». مواساتها الوحيدة هي أن القيادة الأميركية والقيادة الروسية فقدتا البوصلة الأخلاقية في سورية قبل أن تضطر قيادة الأمم المتحدة للالتحاق بهما.

هذا الأسبوع، وصل عدد اللاجئين والمشردين في العالم إلى 65 مليوناً، ولسورية حصة كبيرة من هذا الرقم المذهل يفوق 10 ملايين لاجئ ومشرد. الأمم المتحدة توقفت عن تعداد القتلى في سورية الذين تؤكد إحصاءات أخرى أن عددهم تجاوز 400 ألف في غضون 5 سنوات. كل ذلك بدأ عندما سارت احتجاجات مدنية مطالبة بالإصلاح في الشوارع السورية، فقرر النظام أن يتعاطى معها أمنياً لا سياسياً وتفاوضياً. والبقية تاريخ. ذلك أنه كان واضحاً منذ البداية أن إطالة المعالجة الأمنية بلا محاسبة واستخدام الإرهاب عذراً لتجنب الإصلاحات سيؤديان إلى إنماء الإرهاب في سورية على أيدي النظام وعلى أيدي معارضيه من الخارج وعلى أيدي الذين قرروا تحويل سورية إلى ساحة لاستدعاء الإرهابيين من بلادهم حيث يُحارَب الإرهاب بعيداً من المدن الروسية والأميركية وغيرها. فلا أحد بريء من سورية.

فشل هذا التفكير واضح في العمليات الإرهابية التي طاولت أوروبا والولايات المتحدة وقد تطاول روسيا في مرحلة ما. إنما الآن، تعتقد القيادات الأميركية والروسية والأوروبية أن الأولوية هي للحرب على «داعش» في عقر الدار السورية وكذلك العراقية. في العراق بدأت عملية استدعاء الإرهابيين كي لا تحاربهم الولايات المتحدة في المدن الأميركية، كما قال الرئيس جورج دبليو بوش حينذاك.

في العراق، بدأت عملية اضمحلال الجيش عندما قررت الولايات المتحدة تفكيكه بقرار سياسي اتخذته إدارة بوش عمداً، وليس خطأً كما يقال اليوم. فالجيش العراقي كان بين أقوى الجيوش العربية وكان يمثّل خطراً على إسرائيل وإيران معاً. كان الجيش العراقي الأقوى في المعادلة العسكرية الاستراتيجية العربية – الإسرائيلية، وكان مدهشاً قرار سورية الالتحاق بحرب ضد العراق تدمّر الوزن العربي في المعادلة الاستراتيجية العسكرية مع إسرائيل. هكذا، بدأ تفكيك الجيوش العربية في حرب العراق، فاستفادت إسرائيل واستفادت إيران التي لن تنسى للدول الخليجية دعمها للعراق أثناء الحرب العراقية – الإيرانية مع أنها تناست دور الولايات المتحدة دعماً لصدام حسين في تلك الحرب نفسها.

في العراق اليوم، تتحكّم الميليشيات بالساحة العسكرية. تحل الحشود الشعبية مكان الجيش. يتظاهر الجيش العراقي بأنه متماسك. تلتحق «الصحوات» بحروب على الإرهاب من «القاعدة» إلى «داعش». النتيجة نفسها وهي أن الميليشيات حلّت مكان الجيش.

وكذلك في سورية حيث الميليشيات التي تديرها إيران هي التي تتحكم بالساحة العسكرية وتتهكم على الجيش السوري. روسيا مستاءة لأنها تفضّل الجيش على الميليشيات، لكنها وجدت نفسها خاسرة أمام الإصرار الإيراني على فوقية الميليشيات على الجيش في سورية.

الأهم لروسيا هو ألا يحل مكان النظام في دمشق أي إسلاميين، فهي منذ البداية حاربت «الربيع العربي» لأنها عارضت صعود الإسلاميين إلى السلطة، ودعمت بشار الأسد لأنها افترضت أن البديل المطروح هو صعود الإسلاميين إلى السلطة. وهي مصرّة على عدم استبعاد الأسد من الترشح للرئاسة لأنها ترفض أن تقع سورية في أيدي قيادة إسلامية. وهي تتمسك بكلمة «علمانية» تحت كل ظرف لأنها لن تسمح بأن تحكم سورية الجديدة قوى إسلامية.

لذلك، تلتقي روسيا والولايات المتحدة اليوم على دعم «قوات سورية الديموقراطية» باعتبارها من وجهة نظر موسكو البديل العلماني عن القوى المعارضة الأخرى في سورية على نسق تلك الممثلة في «الهيئة العليا للمفاوضات»، ومن وجهة واشنطن، القوى القادرة على محاربة «داعش» عملياً على الأرض. وكلاهما يوافق على وجهة نظر الآخر.

فلقد كانت إدارة باراك أوباما داعمة صعود الإسلاميين إلى السلطة في مطلع «الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا واليمن. واجهتها القيادة الروسية على مستوى الرئيس فلاديمير بوتين مواجهة شرسة إلى أن التقيا في سورية وتمكنت موسكو تدريجاً من سحب واشنطن إلى معسكرها، باستثناء الخلاف بينهما على تركيا وكذلك مصر إلى حد ما.

موسكو متمسكة بالعلاقة المتينة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي العازم على منع «الإخوان المسلمين» من المشاركة في الحكم في مصر. واشنطن تعارض تجاوزات السيسي، لكنها تحاول إصلاح العلاقة الأميركية – المصرية بعدما دمّرها الرئيس أوباما بمواقفه الداعمة رئيس «الإخوان المسلمين» محمد مرسي.

بوتين في عداء واضح مع تركيا لأن الرئيس رجب طيب أردوغان يُعتبر نموذج صعود الإسلاميين إلى السلطة. أوباما وقع في حب نموذج تركيا واعتبره الصالح للعالم السنّي أجمع، قبل أن يعيد النظر اضطراراً لا اقتناعاً.

ما يقوله المطلعون على تطورات الساحة السورية هو أن واشنطن وموسكو تبدوان متفقتين الآن على الحد الأدنى من التوافق وهو «قوات سورية الديموقراطية» المكونة من الأكراد والعشائر العربية، وأن الخبراء الأوروبيين والأميركيين على الأرض لمساعدة هذه القوات لتحارب «داعش» أولاً. فهذه القوات تشمل أقليات وليس فيها حركات سلفية أو جهادية. وهي تبدو البديل الذي يتم إعداده لقوات المعارضة السورية تحت لواء «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تلقى دعم تركيا والسعودية وقطر وغيرها.

السؤال الذي تتداوله الأوساط المتابعة لهذه التطورات هو: هل تدرك المعارضة السورية المسلحة المنتمية إلى «هيئة المفاوضات» أبعاد نقطة تقاطع المصالح الأميركية – الروسية على مصيرها لا سيما أن «قوات سورية الديموقراطية» تقوم بعمليات أساسية في ريف حلب وتتوجه نحو تحرير الرقة؟ وهل لديها أي خيار طالما لا تحصل على المعونات العسكرية التي تمكّنها من استعادة الزخم والمبادرة؟ وما هي آفاق الرفض أو الموافقة السعودية والتركية على هذه التطورات؟

ديبلوماسياً وتفاوضياً، هناك شبه إلغاء الأمر الواقع للمعارضة السورية من خلال الصمت على الرِّجل الثالثة من طاولة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا والمتمثلة في العملية السياسية التي كان يفترض أن تبدأ في الأول من آب. هذا الإلغاء يتم عبر التركيز على التمسك بوقف العمليات العدائية وإدخال المساعدات الإنسانية، وكلاهما لا يصبو إلى شيء يُذكر.

موسكو ربحت ما راهنت عليه. فلقد حوّلت المعركة من إلغاء النظام إلى إلغاء المعارضة مروراً بإلغاء «بيان جنيف» وإلغاء استحقاقات «عملية فيينا» وهي عاكفة على تكريس بقاء النظام في دمشق برئيسه حالياً حتى إشعار آخر.

فلاديمير بوتين وطاقمه الديبلوماسي والعسكري نفذوا ما تعهدوا به ولم يخف بوتين ما في باله سوى أنه، أحياناً، لعب ورقة الأسد بإرضاء موقت للرغبة الأميركية برحيله. روسيا كانت واضحة في ما أعلنته وفعلته ونفذته، على عكس إدارة أوباما التي توعّدت وترددت وتلكأت وتراجعت، ثم شاركت. وها هي الآن تدافع عن نفسها بتبريرات دفاعية.

الناطق باسم البيت الأبيض، جوش إرنست رد على المذكرة الاحتجاجية للديبلوماسيين الأميركيين مشككاً في إمكان تجنب حرب شاملة مع سورية في حال استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد. قال: «أعتقد أن ذلك يعني أنه ينبغي علينا أن نوجه قوة الجيش الأميركي ضد نظام الأسد، وأعتقد أن الأمر يثير الكثير من الأسئلة: أولاً، كيف يمكن القيام بذلك من دون إيذاء المدنيين الأبرياء؟ ثانياً، لست متيقناً من التفويض القانوني الذي سيستند إليه الرئيس للقيام بأمر مماثل. ثالثاً، يبدو الأمر كمنزلق، فهل تقتصر المسألة على جولة واحدة من الضربات الصاروخية، ثم نمضي بعد ذلك شهراً ونحن نحاول التفاوض مجدداً؟ وفي حال لم يتحقق أي شيء، هل نشن مزيداً من الضربات الجوية، أم علينا أن نواصل تصعيد عملنا العسكري؟ وما هي نقطة النهاية؟ يصعب أن ينتهي الأمر من دون حرب على أمة ذات سيادة تتلقى الدعم من روسيا وإيران».

يا للهول! إن لم يكن هناك تكتيك ركيك للدفاع عن سياسة فاشلة بهذا المقدار من الإهانة لذكاء 51 ديبلوماسياً، فما قاله جوش إرنست هو المسودة الكلاسيكية. لا داعي لتفنيد كل جملة نطق بها، فكل كلمة تشكل دليلاً وقاموساً للسياسة الأوبامية.

هذا الرد يفضح ما خلفته السياسة الأميركية نحو سورية وهو افتقاد أي أساس للزعم بأن للولايات المتحدة الأرضية الأخلاقية العليا. هذه السياسة سلبت الولايات المتحدة من القدرة على القول أنها ذات قيم أعلى من الدول الأخرى. لذلك، أتى الاحتجاج الجريء لهذا العدد الكبير من الديبلوماسيين الأميركيين الذين أرادوا للولايات المتحدة ألا تخسر التمييز في هذه المرتبة المهمة عالمياً.

مثل هذا الاحتجاج ما كان ليأتي من الديبلوماسيين في روسيا ولا من الموظفين في الأمم المتحدة. الولايات المتحدة لا تتوقف عند إدارة أو عند سياسة أو عند رئيس ما. وأقل ما يمكن الاعتراف لها به هو أهمية جرأة ديبلوماسيين أميركيين أن يعارضوا رئيسهم ويقولوا له: «خذلتنا أخلاقياً وإنسانياً وقيماً».

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
رسالة إلى نصر الله: جعلت نفسك عدواً للشعب السوري

سماحة السيد حسن نصر الله
في رسالتي الأولى إليك، طلبت منك تنفيذ وعدك بالتدخل لحل المعضلة السورية الذي كنتَ قد قدّمته في خطبةٍ لك ألقيتها في الضاحية. وقد مهّد لرسالتي تلك حديث دار في تونس بين الدكتور علي فياض، السياسي والمثقف المقرب منك، وبيني، استمعت خلاله بأناةٍ إلى أطروحتكم حول المؤامرة التكفيرية التي يتعرّض لها النظام الممانع. يومذاك، سألته إن كنتم راغبين في وقفها، وحين رد بالإيجاب، مستشهداً بما قلته أنت، كتبت لك رسالة مفتوحة نشرتها جريدة السفير، رجوتك فيها تنفيذ وعدك. بعد أيام، أتاني ردّك عن طريق الدكتور فياض: "القصّة أكبر منا".

سماحة السيد:
يبدو اليوم بوضوح أن القصّة أكبر منكم، وأن تقديرك كان صحيحاً في حينه، فلماذا، إذن، قرّرت إرسال مقاتلي حزب الله إلى سورية، إلى مكانٍ قصّتُه أكبر منكم، ليست طوع بنانكم، ولستم قادرين على اتخاذ موقفٍ مقرّرٍ أو مستقلٍّ حيالها، وإلا لكنتم حاولتم، على الأرجح، الوفاء بوعدكم المعلن، والسعي إلى حلها! لم يكن في وسعك حل قصّةٍ أكبر منكم، لكنك أرسلت، مع ذلك، رجالك إلى حربٍ، ستقتلون فيها شعباً ليس معادياً لكم، ولا يهدّدكم. كان من الجلي لكل ذي عينين، ولكم، أنها أكبر منكم بكثير، وأن المنخرطين فيها، والقائمين على إدارتها قوى عظمى تتصارع بضراوةٍ على سورية وفيها، لها من القدرات ما تستطيع معه ممارسة تصعيدٍ غير محدودٍ للقوة، واستخدام أسلحةٍ يصعب أن تجاريها أسلحتكم، المشتراة من بعضها، أو المصنوعة في إيران، فلماذا فعلت ما فعلت، وانصعت لقرارٍ كنت تعلم أن نتائجه ستكون صعبةً على رجال حزبك، أنت الذي كنت تبرز دوماً حرصك الشديد عليهم، وتعتبرهم خميرة تحرير أرض لبنان المحتلة، وطليعة جيش تحرير فلسطين؟

أعتقد أن المبرّر الأكثر قبولاً كان ما راج، يومذاك، حول تكليفٍ شرعي لا حيلة لك فيه، يلزمك انتماؤك إلى نظرية ولاية الفقيه، وانصياعك لخامنئي كولي فقيه للمسلمين بتنفيذه، من دون نقاش أو اعتراض. بذلك، تكون قد لحست كلامك عن القصة التي هي أكبر منكم، وأرسلت مقاتليك إلى مكانٍ من الخطأ إرسالهم إليه، لأن معركتهم فيه أكبر منهم، أي أنها ستكون خاسرةً بالضرورة، خصوصاً وأن قرارك بُني على معطياتٍ كان يجب أن تملي عليك عكسه. ينطبق شيء مماثلٌ على ما قلته عن حربكم ضد التكفيريين، فأنت ملزمٌ بالذهاب، مهما كانت طبيعة من سيحاربه الحزب، وليس قصة التكفيريين غير مسوّغٍ لانصياعك الحتمي لقرار الزعيم الإيراني، ورفضك القيام بأي جهدٍ لوقف مأساة سورية التي ادّعيت، دوماً، أنك أردت منعها من الامتداد إلى لبنان، وكان مما يضفي الصدقية على قولك قيامك بجهدٍ ما لوقفها في سورية.

ذلك كان سيحتسب لك، كرجل يقود معركةً ضد عدوٍّ يتطلب نجاحها تعبئة جميع القوى داخل لبنان وخارجه، وليس الانخراط في حربٍ ضد الشعب السوري الذي عرف دوماً باحتضانه جميع من قاوموا أو قاتلوا هذا العدو، وبأن رفضه نظامه هو، في جزءٍ رئيسٍ منه، رفض لتلاعبه بالقضية الوطنية السورية، وتعايشه مع الاحتلال، وقصر ممانعته على العرب، وخصوصاً منهم عرب فلسطين وسورية والعراق ولبنان، وقيام مؤسسه حافظ الأسد بتسليم الجولان لإسرائيل عام 1967. بهذا، يكون ما قلته حول مسوّغات دخولك إلى سورية مجرّد تحريضٍ مذهبي ضد شعبٍ بكامله، استهدفته بحربك امتثالاً لأمر خامنئي بالدفاع عن نظام الأسد الطائفي، وليس لأنه كان يقاتلك، أو لأنه اعتدى على لبنان أو دخل أراضيه. ولعلمك، فأنا أفترض، هنا، ما لا يجوز قبوله، وهو أنك الجهة المسؤولة عن أمن لبنان واستقلاله، ولا حاجة بك إلى موافقة حكومته وجيشه، وبقية أطرافه السياسية ومواطنيه، على ما تتخذه من قراراتٍ تهدّد وجوده ككيان وطني، بحجة حمايته، لكنها جرّته، في الواقع، إلى حافة هاويةٍ، لن يكون قادراً على مقاومة السقوط فيها لأمد طويل، فإن سقط، لا قدّر الله، كانت نهايته كدولة وكمجتمع، علماً أن سقوطه يمكن أن يحدث في أي وقتٍ، يقرّر فيه "تكفيريو" سورية الردّ عليك، والدخول إلى لبنان للاقتصاص من حزبك الذي يقتل أطفالهم، ردّاً على شعارك الذي جعلهم تكفيريين، وبرّر، بهذه الفرية، دخوله عليهم بالسيف، وقتل أطفالهم ونسائهم وتدمير بيوتهم على رؤوس شيوخهم، واحتلال قراهم وبلداتهم، والقضاء على كثيرٍ منهم بجرمٍ لم يرتكبوه، هو اختلافهم عنه في المذهب، مع أنهم مسلمون مسالمون، كانوا طوال أعوام وعقود من المعجبين برجالك، ومن حاضنته الاجتماعية. لذلك، كرّموا الذين فرّوا من إخوتهم، شيعة لبنان، إلى سورية أيما تكريم، وتقاطروا من جميع أنحائها إلى دمشق لأخذ "حصة" مدنهم وبلداتهم منهم، وأسكنوهم في بيوتهم، ولم يتركوا أي واحدٍ منهم يبيت في العراء، أو يسكن في خيمة، أو يعاني الجوع والمرض. لم يصدّق السوريون ما شاع حول دور وشيكٍ سيلعبه حزبك في بلادهم، يناهض تطلعهم إلى الحرية، ويدعم نظامهم الفاسد والاستبدادي/ الطائفي، غير أن السوريين أدركوا، بعد غزوكم القصير، وما عاشته من مجازر وتهجير وتغيير ديمغرافي، بحجة حماية بعض القرى الشيعية التي لم تكن مهدّدة، ولم يستهدفها أحد، أن جريمتهم تكمن في رفضهم نظاماً تحرّك قادته أحقادٌ أقنعتهم أنهم يستطيعون تصحيح تاريخ عربي/ إسلامي انحرف بعد وفاة الرسول (ص)، وأن من حقهم تنصيب أنفسهم محاربين من أجل حق الإمام علي (ر) في الخلافة، وما يتطلبه ذلك من عقابٍ لا بد أن ينزل بأهل السنة، الذين أتوا ظهيرة البارحة بأبي بكر الصديق (ر) خليفة للمسلمين، عوض مستحقّها الوحيد: سيدنا الإمام علي (ك)، أو قتلوا صباح الأمس سيدنا الحسين، على كتف نهر بردى في حي الصالحية!

سماحة السيد:
لا أعتقد أنك تصدّق نفسك، وتؤمن حقاً بأنك تحارب في سورية التكفيريين، وليس المطالبين بحرّيتهم، وبإضفاء طابع إنساني على وجودهم. إنْ كنت قد صدّقت نفسك البارحة، عليك أن تكذّبها اليوم، بعد أن أبلغك عديد من مقاتليك ما يفعله جند "الممانعة الأسدية" بالشعب السوري، وكم هي شرسة مقاومة مقاتلي الحرية ضد النظام، وكم هؤلاء "دهريون" ونزّاعون إلى العيش الحر، وأية روحٍ إنسانية تملي عليهم تصرفاتهم. ألم يخبرك من وقعوا في الأسر بما عاشوه بينهم من تعاملٍ كريم، وأي نوعٍ من البشر هم، وكم في صفوفهم من متعلمين ومحامين ومثقفين وخريجي جامعاتٍ وإداريين وموظفين سابقين وعمالٍ موصوفين وفنانين وإعلاميين، وشبان يقاتلون من أجل المستقبل، ولا يموتون في سبيل الماضي. هم مؤمنون، ولكن باعتدال السوريين المعروف الذين لطالما كرهوا العنف، وامتنعوا قروناً عن ممارسته، وثاروا لكي يضعوا حدّاً له، بين جوانب أخرى لظلمه واستبداده.

سأفترض، الآن، أنك لم تلتق أحداً من رجالك العائدين من سورية. لذلك أسألك: ألم تشاهد جموع من بقوا أحياء من السوريين، وهم يهتفون للحرية وشعب سورية الواحد، في مختلف قراهم وبلداتهم التي عاشت هدنةً قصيرة، عبّروا خلالها عمّا يجيش في صدورهم، وتختزنه عقولهم من قيم ومبادئ، فإذا بهم يرفضون رفع علم تكفيري واحد، أو شعار تكفيري واحد، أو يطلقون هتافاً تكفيرياً واحداً، ويتصدّون سلمياً كعادتهم للتكفيريين الذين منعوا مظاهراتهم في بعض المناطق، وسقط منهم شهداء خلال تعرّضهم لإطلاق النار من هؤلاء؟ ألم تقنعك أعلام الثورة الخضراء أنها خيار شعبٍ، لم يرفع علماً أسود واحداً، طوال نيّف وشهر، على الرغم مما شاع، في العالم بأسره وخلال أعوام عديدة، عن تحوّل ثورة الحرية إلى المذهبية والطائفية والأصولية والإرهاب؟

أعتقد أن رجلاً له خبرتك ودرايتك يعرف معنى هذا، ويدرك أنه جانب الصواب، عندما ادّعى أنه دخل سورية لمحاربة التكفيريين، وأن من قتلهم حزب الله يختلفون عمّن تظاهروا ضد التكفير، وفي سبيل حرية شعب سورية الواحد، أي العلويين والمسيحيين والدروز والسنة والشيعة باللغة الدينية، والعرب والكرد والتركمان والشركس والأرمن والآشوريين والسريان والشيشان باللغة القومية، فهل بعد هذا تدّعي محاربة التكفيريين، وأنت تعلم أنك لا تحارب غير خصومهم ورافضيهم من السوريات والسوريين، وأن هؤلاء هم الذين يقاتلون رجالك، وهم الذين يلحقون بهم الخسائر المتزايدة، والمؤلمة، وهم الذين سيهزمونك.
بالمناسبة: ما دمنا قد وصلنا إلى الحديث عن الخسائر. أنت كنت تتحدّث عن حتمية هزيمة جيش إسرائيل في مواجهته مع حزب الله، وتفسر ذلك بعجز جيش نظامي عن هزيمة مقاتلي حرب عصابات منظمين ومصممين على القتال. لا أعتقد أن فارق القوة بين جيش إسرائيل وحزبك أصغر من فارق القوة بين حزبك والجيش السوري الحر، وغيره من قوى المقاومة التي تخوض ضدكم حرب عصابات منظمة، تتسم بأعلى قدر من التصميم.

أنت، سماحة السيد، لا تستطيع خوض حرب عصاباتٍ في سورية، لافتقارك الحاضنة الاجتماعية والمعلومات الاستخبارية وخطوط الإمداد والتموين التي تمر في مناطق صديقة، فكيف ستهزم من يقاتلونك من محاربي العصابات الذين يتفوّقون عليك في العدد، ويعيشون بين أهلهم، ويجمعون معلومات دقيقة عن مقاتليك، ويمتلكون بنية تحتية تموينية وتسليحية متماسكة؟ ألا يفسر تزايد خسائر حزبك أنه دخل نفقاً مظلماً يتخبط فيه، وها هم رجاله يسقطون قتلى، في كل مكانٍ من أرض سورية، ويقعون أسرى تنشر الصحف والتلفازات صورهم، ويتحدّثون بيأسٍ عن أوضاعهم في بلادنا، حيث هم محتلون ومرتزقة غزوا شعباً كان دوماً صديقاً لهم، يعلمون اليوم أنه قد لا يسامحهم بعد انتصار ثورته وانهيار موازين وعلاقات القوى بينه وبينكم.

والآن، ألا يحميهم ويحمي حزبكم قرارٌ تتخذونه على مسؤوليتكم الشخصية، يسحبهم من مكان ٍ لم يكن من الجائز أصلاً ذهابهم إليه. إن قراراً كهذا سيحسب لك، وسيظهرك بمظهرٍ سياسيٍّ واقعي، وقد يبدّل ما يعتقده السوريون اليوم، وهو أنك عميل إيراني تسيّره أحقاد طائفية، كالتي تسيّر الأسد ونظامه، لم يقاتل إسرائيل إلا ليحوز على مكانةٍ معنويةٍ تمكّنه من مقاتلة العرب بحد أدنى من الاعتراض، لكونه بطلاً قومياً، حقق حزبه ما لم يستطع جيشٌ عربي تحقيقه، وكان على حقٍّ في ما فعله ضد إسرائيل، فلا بد أن يكون على حقٍّ أيضاً في معاركه الإيرانية ضد العرب عامة، والسوريين بصورة خاصة؟
أليس انسحابكم بقرارٍ مستقل أفضل لكم من الانسحاب تطبيقاً لقرارٍ إيراني أو روسي، أو بسبب تصاعد القتال إلى حدٍّ يتحدّى قدراتكم التي تتآكل بسرعة، بينما تتأكد قطاعاتٌ أوسع فأوسع من عرب ومسلمي زماننا أنكم مجرد طعام مدافع، يدفع إلى الموت، بدل جنود إيران التي تستخدمكم وحداتٍ احتياطية من جيشها، وتمارس بواسطتكم مهامّ يقوم بها عادةً مرتزقة يقتلون الناس على الهوية، مثلما تفعلون اليوم في بلادنا.

سماحة السيد:
يخامرني شعورٌ قويٌّ بأنك تدرك هذا، وتفكّر، قبل أن تنام، في قرار يخلص أهل الجنوب والبقاع ولبنان من الكارثة التي رميت بهم إليها، والحزب الذي جعله امتثالك لخامنئي عدواً للعرب والمسلمين، بعد أن كان مفخرتهم ومناط أملهم، وجعل شخصاً مثلي يقول، ذات يوم، لأعضاء في الكونغرس الأميركي، انتقدوا حزبك: "نحن ننام باطمئنان في دمشق، لأن حزب الله يحمي حياتنا ويسهر على أمننا". وحين عبّروا عن رغبتهم في بقاء الأسد خشية بقاء سورية من دون جيش بعد الثورة، قال لهم: "سنُدخل حزب الله إلى الجولان كي يحمينا، ريثما نبني جيشاً جديداً. ولعلمكم، نحن نرى في حزب الله أفضل جيش لنا".
في النهاية، عندما جاء اللبنانيون إلي سورية هرباً من عدوان إسرائيل، قدم رجل أعمال من دير الزور إلى دمشق، ومعه أربعة وخمسون باصاً كبيراً لأخذ حصة المدينة من الإخوة اللبنانيين. عند وصول من صار اسمهم "ضيوف الدير" إلى المدينة الفراتية، وجدوا بانتظارهم وليمة مناسف فاخرة. بعد العشاء، سلمت كل عائلة مفتاح بيت جديد، لأن رجل الأعمال كان قد انتهى من بناء عماراتٍ جديدة باع بعضها، واستلم عربون بعضها الآخر. لكنه، وقبل ذهابه إلى دمشق، أعلم من اشتروا بيوتاً، أو دفعوا قسطاً من ثمنها أن "الضيوف" سيسكنون في بيوتهم، فإنْ كانوا يرفضون ذلك اشتراها منهم أو أعاد أقساطها مع شيء من التعويض والربح إليهم. لم يرفض أحد طلب رجل الأعمال، مع أن بعضهم كانوا ينتظرون بيوتهم الجديدة منذ أعوام. هكذا نزل "الضيوف" في مساكن جديدة معزّزين مكرّمين. هذه المدينة، يقال إنك أرسلت مقاتلين لمحاربة التكفيريين فيها. هل تضمن سماحتك أنهم لن يقتلوا تكفيرياً كهذا الرجل؟

سماحة السيد: غادر سورية، لتتوقف عن استهدافٍ مروعٍ لأناسٍ يُفترض أنهم أهلك: الشيعة والسنة والمسيحيون والدروز والآشوريون والسريان والعلويون والإيزيديون... إلخ، الذين لن يسامحوك، في حال واصلت قتل أطفالهم ونسائهم وتدمير وجودهم. أطالبك بهذا، لأنه لن يكون بعيداً، بعد الآن ذلك اليوم الذي لن تنفعك فيه إيران وتكليفات مرشدها الشرعية، لأنك وضعت نفسك في موقع العداء لشعب يهزم اليوم حزبك ومرتزقة إيران والأسد، وجيش بوتين: موقع قلما بلغه أحد قبلك، على امتداد تاريخ سورية والعرب القديم والحديث.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
من أجل الأسد ضاع البلد

لم يكذب أنصار الرئيس السوري، بشار الأسد، عندما أطلقوا شعارهم الشرّير الشهير، مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011: "الأسد أو نحرق البلد". فهم فعلاً حرقوا البلد ودمروها ومزّقوها إرباً، بحيث أصبح ملايين من شعبها نازحين ولاجئين، وقتلوا وجرحوا مئات الآلاف منهم، ودمّروا ودكّوا مدنها وقراها، وأوقعوا فيها من الفظائع ما يعجز المرء عن تصوّره ووصفه، وتركوها نهباً مستباحاً لحركاتٍ وجماعاتٍ مسلحة متطرفة، وأخرى إجرامية، وثالثة انفصالية. دع عنك رهن استقلالها وسيادتها لإيران وروسيا والولايات المتحدة، وكل من هَبَّ وَدَبَّ من دول الإقليم والعالم، ترسل طائراتها وجنودها ومرتزقتها، مستبيحةً أجواءها وأراضيها "السيادية". تم ذلك كله من أجل الحفاظ على الأسد رئيساً، وعلى نظامه حاكماً. ولكن، هل تحقق ذلك فعلا؟

لعلنا لا نضيف جديداً إذا قلنا إن الجواب هو لا كبيرة. نعم، قد يكون بقي الأسد، نظرياً، رئيساً، لسورية، لكنه، عمليا، موظف بمسمى رئيس، وليس حتى موظفاً برتبة رئيس، أما نظامه فقد تداعى إلى حدٍّ جعل أجنحته المهلهلة تدين بالولاء إلى جهاتٍ مختلفةٍ من داعميه. الأدهى أن الأسد اليوم لا يعمل موظفاً بمسمى رئيسٍ لدى جهةٍ واحدة، بل تتنازع خضوعه جهتان، فثمة إيران من ناحية، وروسيا من ناحية ثانية. ثالثة الأثافي، أن تكون عاصمة حزب الله اللبناني، الضاحية الجنوبية، في بيروت، أحد مراكز التحكّم الإيراني في سورية، ونظام الأسد، بل والأسد نفسه، بعد أن كان لبنان كله، وبيروت، بما فيها ضاحيتها الجنوبية، يوما تأتمر، عقوداً، بأمر دمشق وحاكمها. إلى هذا الحد، وصل الهوان بالأسد الذي حرقت سورية من أجل بقائه.

نسجل هذه الملاحظة المريرة المُغَمَّسَةِ بِسُمِّ الإهانة لنا، نحن العرب، بعد أن تابعنا، الأسبوع الماضي، كيف تم استدعاء "الموظف" بشار للمثول أمام وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في دمشق أو قاعدة حميميم الجوية الروسية في محافظة اللاذقية شمال غربي سورية، حيث لا نعرف، على وجه التحديد، أين تمَّ اللقاء، أو الاستدعاء، لنكون أدقّ، وإن زعم النظام أنه تمَّ في دمشق. بغض النظر أين كان الاستدعاء، فإن في الأمر إهانة على أي الوجهين، ذلك أن "رئيس" سورية لم يكن يعرف من سيلتقي في عاصمة دولته أو إحدى مدنها التي ما زالت تخضع بقوة لسيطرته، ورأيناه يجاهر ببلاهة: "أنا سعيد جدا بلقائكم اليوم، إنها مفاجأة سارة".. "ولم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيا"! وكما تمّ في حادثة استدعاء الأسد، العام الماضي، للمثول أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، رأينا الأسد يجلس أمام شويغو في غرفة لا تعكس أي طابع بروتوكولي أو سيادي ينبيك أنك في سورية، حيث جلس الأسد من دون مساعدين أو حرس معه، حتى وزير دفاعه لم يكن حاضراً كما يقتضي البروتوكول. أما عَلَمُ النظام، فغاب هذه المرّة على أرض سورية، كما غاب، العام الماضي، في جلسة المثول أمام بوتين في موسكو.

ولا تقف إهانات الروس لبشار ونظامه، بل حتى لإيران وحزب الله، عند ذلك الحد، فروسيا لا تتردّد أبداً في إعلان تنسيقها مع إسرائيل في خرق مقاتلات الأخيرة الأجواء السيادية السورية، وقصف ما تراه تهديداً لأمنها، وتدمير ما تزعم أنها شحناتٌ تسليحيةٌ لحزب الله. حدث ذلك غير مَرَّة، ولم ينطلق صاروخ واحد من منظومة الدفاع الجوي الروسي "أس400" المتمركزة في قاعدة حميميم. ولم تتردد موسكو في مضاعفة جرعة الإهانة لنظام الأسد، وذلك عندما قامت، قبل أكثر من أسبوعين، بإعادة دبابة إسرائيلية كان الجيش السوري قد غنمها في لبنان عام 1982، وأهدتها سورية إلى الاتحاد السوفييتي السابق. بل إن موسكو وتل أبيب يحضّران لمناورات عسكريةٍ مشتركة في البحر الأبيض المتوسط.

ما سبق، ينضاف، إلى تحييد إيران ونظام الأسد في مفاوضات الهدنة والمحادثات السياسية مع الولايات المتحدة، والتي قد يكون بند إزاحة الأسد على جداولها. بمعنى آخر، ترسل روسيا، رسالة واضحة للأسد وحلفائه من الإيرانيين، وأداتهم اللبنانية، حزب الله، مفادها بأنها ليست شريكاً لهم، وإنما هي صاحبة القول الفصل في سورية وما يتعلق بها. أما إنْ لم يعجبهم ذلك، فإن روسيا قادرة دوماً على تجميد ضرباتها الجوية، لتتكبّد قوات النظام وإيران ومقاتلو حزب الله الخسائر الفادحة، كما جرى، قبل أيام، في الهجوم المضاد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في محافظة الرقة.

باختصار، لم يكتف النظام السوري بحرق البلد من أجل الأسد، بل إنه وضع كل سورية تحت وصاية روسية - إيرانية، انتهى فيها من حُرِقَتْ البلد من أجله ليس أكثر من خادمٍ مطيعٍ لا يملك خياراتٍ ولا كرامة ولا استقلالاً، فهو أضعف وأتفه من أن يجلس ندّاً في حضرة الكبار، حتى أمام قادة حزب الله الذين أوكل إليهم، في مناطق كثيرة، قيادة وحدات عسكرية سورية وتوجيهها. أما من تأخذه عزة كرامةٍ من قادة النظام الأمنيين والعسكريين فتتم تصفيته. إلى هذا الحد، هانت سورية، وبعد ذلك يحدثونك عن "المؤامرة الكونية على سورية".. نعم، ثمة "مؤامرة كونية" على سورية، غير أن أبرز متآمر فيها هو الأسد ونظامه، على الأقل بإجرامهم وحماقتهم.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
الديمقراطيون العلمانيون وإنقاذ سورية

في مقابل البراميل وأصناف الجحيم التي يصبها النظام السوري على المناطق الخارجة عن سيطرته، في مسعى يائسٍ منه لاستعادة كل شبر فقده من سورية، كما صرح رئيس النظام أمام مجلس النظام، فإنه يصبّ على المناطق الخاضعة لسيطرته براميلَ وحمماً من نوعٍ آخر، براميل من الفساد والتشبيح والسلبطة والتضخم والغلاء إلى حد الجوع، وملاحقة الشباب في الشوارع لسوقهم إلى الخدمة العسكرية..إلخ. على هذا، قد تحوّل النظام السوري، اليوم، إلى آلةٍ جهنميةٍ تمتص خيرات "سورية المحكومة" وأرواحها، لكي تحيلها ناراً ودماراً على "سورية المتمردة". والمحصلة أن هذا النظام بات وبالاً على السوريتين. هذا يعني، بداهةً، أنه أصبح عدواً لأوسع الفئات الشعبية في سورية، الخاضع منها للنظام وغير الخاضع له، وبات الخلاص منه مصلحةً مشتركةً للغالبية الساحقة من السوريين. والسؤال هو: ما الذي يمنع هذه المصلحة المشتركة من أن تتجسّد واقعياً في صورة قوة سياسية موحدة؟

في المقابل، أثبتت الفصائل الجهادية صاحبة القوة العسكرية الأساسية في مواجهة النظام، أنها لا تقل سوءاً عنه في إدارة مناطقها، وفي نزوعها السلطوي الذي وصل، غير مرة، إلى قمعٍ مباشرٍ للأهالي، وإلى اقتتالٍ بيني خلّف مئات القتلى. وأثبتت أنها ليست سوى نسخة "إسلامية" عن النظام، من حيث الفساد والتسلط والإقصاء..إلخ. وأن محيطها الاجتماعي يتقبل سوء ممارساتها باعتبارها تواجه النظام الفاحش في بطشه، في صورةٍ معكوسةٍ عن حالة الموالين.

فما الذي يعيق نشوء قوةٍ سياسيةٍ جماهيريةٍ للخلاص من هذين الكابوسين معاً؟

تسيطر، عند الجمهور السوري، تصوراتٌ سياسيةٌ خاطئةٌ عن الصراع الدائر. وهي تصوراتٌ تقوم، في الصف الموالي، على مزيجٍ "إيديولوجي"، يجمع عناصر حديثة إلى أخرى قديمة، يجمع المرجعية الطائفية إلى المرجعية العلمانية اليسارية. يرتسم الصراع في ذهن قطاع من الموالين على أنه مواجهةٌ ضد قوى إسلامية سنية طغيانية تريد تهميش أتباع الأديان والمذاهب الأخرى، وسحقهم، أو ربما إبادتهم. ويرتسم الصراع نفسه في ذهن قطاع آخر من الموالين على أنه ضد قوى إمبريالية، تريد إكمال سيطرتها على المنطقة بضرب النظام "الممانع" كجزء من ضرب محور المقاومة. وعليه، تمكّن هذا المزيج من جمع فئاتٍ شديدة التباين. وبات أعداء الأمس حلفاء اليوم، بفضل هذا المزيج. وفي الواقع، يتعايش هذان التصوران معاً في جبهة واحدة، ويتكاملان في ردف النظام وتصوير القوى المناهضة له على أنها قوى طائفية أو عميلة، تستمد الدعم من أميركا والسعودية ودول الخليج.

تشكلت، إذن، في ذهن الجمهور الموالي قضية، ويحتل النظام موقع الطليعة في الدفاع عن هذه القضية التي تتطلب تضحياتٍ، وما الخسائر في الأرواح وجور النظام وتدنّي مستوى المعيشة إلى حدود الجوع..الخ، سوى من مفردات هذه الضريبة التي يجري قبولها، على قسوتها، لأنها تأتي في سياق دفع بلاءٍ أشدّ وأقسى.

هكذا يتصوّر الموالون ما يجري في سورية، أو لنقل إنهم يعون أنفسهم وموقعهم في هذا الصراع على هذا النحو، غير أن انعكاس هذا التصور الموالي في وعي الجمهور المقابل ليس مطابقاً لذاته. هنا، يبدو الكلام عن الإمبريالية والمقاومة، وما إلى ذلك، مجرد تغطيةٍ على نزعةٍ طائفية. ويبدو الخوف من مصير سيئ يتهدّد أبناء المذاهب غير السنية مجرد تغطيةٍ للدفاع عن امتيازات حالية. ويحاجج هؤلاء بالقول: من يحق له أن يخاف هم أهالي المناطق التي يستبيحها النظام بأسلحته الثقيلة، وليس مناطق النظام التي لم تتعرّض بعد كل شيء لجزءٍ يسير مما تتعرّض له المناطق الخارجة عن سيطرته.

لدى جمهور الثورة، جرى انزياحٌ مهم في الوعي، له أسبابه المفهومة، لكنه خطير ومضاد للثورة. محصلة هذا الانزياح أن الصراع بات يُفهم على أنه صراع هويات، صراع غير سياسي. تراجع، مثلاً، التوصيف الاستبدادي للنظام، ليطغى عليه التوصيف الطائفي، وبات التحليل الطائفي دارجاً، واختفى البعد السياسي الحقيقي للصراع. المأزق الذي وصل إليه الصراع يتمثل في أن المصلحة المشتركة للسوريين في الخلاص من النظام والجهاديين معاً تفشل في شق طريقها إلى مستوى الوعي السوري العام. الجمهور السوري صاحب المصلحة المشتركة يحمل وعياً منقسماً ومتعادياً. مصلحة مشتركة ووعي غير مشترك.

لا يمكن لسورية الخروج من هذه الحلقة الشريرة، إلا عبر ممرٍّ واحدٍ، يقع بين النظام والجهاديين، وهذا الممر الذي يحاول النظام والجهاديون معاً تضييقه وإغلاقه، هو الممر العلماني الديمقراطي. لا تفتقد سورية لقوى علمانية ديمقراطية، طرحت على الدوام مقترحاتٍ وتصوراتٍ وبرامج للخروج بسورية من محنتها، لكن لغة السلاح ومصالح الداعمين طغت. تفاقمت المشكلة مع التحاق غالبية أصحاب هذه الأفكار بمسار النظام أو الجهاديين. في حين على الديمقراطيين والعلمانيين واليساريين عموماً، أن يضمنوا استمرار وجود الممرّ الديمقراطي العلماني، وأن لا "يؤجلوه" بزعم أو تكتيك فاشل يحكي بالشر الأهون. لا يوجد شر أهون في سورية. سورية اليوم تصارع الموت بين فكّين، ولا معنى للمفاضلة بين أداتي القتل هاتين، أو الرهان على غلبة أحدهما.

المطلوب من الديمقراطيين أن يحافظوا على استقلاليتهم، وأن لا يسمحوا بأي اشتباهٍ لمفاضلةٍ بين النظام والجهاديين. ليس فقط لأن للجهاديين، كما للنظام، منطق استبدادي واحد، بل أيضاً وبلغة سياسية مباشرة، لأن المجتمع الدولي، وأميركا بالتحديد، لن تسمح بسيطرةٍ "جهاديةٍ" في سورية، وربما مالت إلى إعادة تأهيل النظام، فيما لو باتت أمام هذين الخيارين، والدليل الجديد رفض الرئيس باراك أوباما المذكّرة التي تقدم بها أكثر من خمسين من رجال الصف الثاني في الخارجية الأميركية الذين لهم علاقة بالشأن السوري، والتي تطالب بموقف أميركي عسكري أكثر حزماً تجاه نظام الأسد، شرطاً للخلاص من "داعش".

خروج الديمقراطيين، أولاً ونهائياً، من إسار هذا الاستقطاب هو بداية تشكيل قطبٍ ديمقراطي مستقل، يكون العنصر الذاتي المكمل للعنصر الموضوعي الذي تحدّثنا عنه في البداية، وهو المصلحة المشتركة لغالبية السوريين في الخلاص من النظام والجهاديين معاً.

اقرأ المزيد
٢٣ يونيو ٢٠١٦
«شدة أذن» روسية للأسد

في وقت تسعى روسيا الى امتصاص الضغوط الأميركية المتزايدة عليها، في الملف السوري خصوصاً، جاء قرار دمشق وطهران بتصعيد العمليات العسكرية في حلب وجوارها ليتناقض مع أولويات موسكو، وكان لا بد من تذكير نظام بشار الأسد والميليشيات الإيرانية بضرورة التزام قائمة أولويات موسكو التي عبرت عنها بوضوح في اجتماع طهران الثلاثي، ويتصدرها اتفاقها مع واشنطن على «مرحلة انتقالية» تناقش في جنيف وتشكيل «حكومة مختلطة» بين النظام والمعارضة.

وكانت واشنطن سربت خبراً عن حادثة وقعت قبل أيام وكادت تؤدي إلى مواجهة بين طائرات أميركية وروسية في الأجواء السورية، وأعقب ذلك تسريبها معلومات عن رسالة وقعها أكثر من خمسين ديبلوماسياً أميركياً وأبدى وزير الخارجية جون كيري شبه تأييد لها، تدعو إلى توجيه ضربات جوية وصاروخية لنظام بشار الأسد بسبب استمرار خرقه وقف إطلاق النار واستبعاده أي تسوية تخرج عن شروطه.

وتزامن ذلك مع قرار حلف شمال الأطلسي نشر أربع وحدات عسكرية في أوروبا لمواجهة عدوانية موسكو تجاه حلفائها السابقين في حلف وارسو، وقرار الاتحاد الأوروبي أول من أمس تمديد العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، على رغم أصوات طالبت بتخفيفها تدريجاً.

وكانت أوساط النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانبه بررت هزائم أخيرة منيت بها قواتها في منطقة حلب وغوطة دمشق بانعدام الغطاء الجوي الروسي، وأيضاً السوري، بعدما وضعت القوات الجوية النظامية بإمرة الروس العملانية كشرط مسبق لتدخل موسكو.

وتكرر الأمر في محافظة الرقة الخاضعة لتنظيم «داعش»، والتي دخلتها القوات النظامية ثم انسحبت منها تحت ضغط هجوم مضاد لم يواجه بمساندة جوية.

وسبق لكيري أن أشار بعد بدء معركة حلب إلى «نفاد صبر» بلاده من الانتقائية التي تمارسها دمشق وموسكو في تطبيق وقف إطلاق النار.

ويبدو أن الروس استاؤوا من عدم التزام الجيش السوري والميليشيات الإيرانية الهدنة التي أعلنتها موسكو في حلب لمدة 48 ساعة بعد الاحتجاج الأميركي وتعرض قوات تدعمها واشنطن لقصف جوي، فأرسلوا وزير دفاعهم إلى قاعدة حميميم واستدعوا الأسد إلى لقائه لتذكيره بأنه لا مجال للمناورة عندما يتعلق الأمر بالتزامات موسكو الدولية التي تتخطى بكثير الحسابات المحلية، لا سيما بعد حملة إعلامية متذمرة قادها الإيرانيون عن «تخلّ» روسي متعمد.

فروسيا التي تتصرف باعتبارها «ندّاً» للولايات المتحدة في الملفات الدولية، وبينها سورية، لا تستطيع القبول بعجزها عن فرض هدنة ليومين على نظام تعتبر أن مصيره بيدها.

وسبق للروس أن وجهوا رسائل «إخضاع» مماثلة إلى الأسد، سواء عبر تصريحات تستنكر مواقف متصلبة أبداها، وتتناقض مع اتفاقهم مع الأميركيين على الحلحلة، أو عبر قرارات اتخذوها بخصوص انتشار قواتهم في سورية من دون العودة إلى دمشق. وهم في كل حال ينطلقون من رؤية أشمل لمصالحهم في المنطقة وموقعها في مجمل استراتيجيتهم الدولية.

ومن الواضح أن حاكم دمشق يعاني من اضطراره إلى التوفيق بين متطلبات حليفيه الروسي والإيراني التي قد تصل أحياناً حد التناقض، نتيجة الحسابات الخاصة لكل منهما، لأنه قد يسرع سقوط نظامه إذا تخلى عن دعم أحدهما. فعندما تصعّد طهران يستجيب لها بتصريحات نارية، وعندما تضغط موسكو يذعن ويتراجع ويلتزم. لكن الكلمة الأخيرة تبقى للروس، مثلما هو واضح، لأن «الحرس الثوري» و «حزب الله» وسائر الميليشيات الإيرانية، لم يثبتوا قدرتهم على إحداث فارق نوعي في سير القتال، ولم يستطع الجيش النظامي أن يتحدث عن تحسن في أوضاع قواته المتناثرة إلا بعد تدخل موسكو.

اقرأ المزيد
٢٣ يونيو ٢٠١٦
صرخة من القلب لسوريا

صرخة اخلاقية من القلب اطلقها 51 مسؤولاً وديبلوماسياً أميركياً من المعنيين بالحرب في سوريا اعتراضاً على سياسة حكومتهم التي أخفقت، بعد خمس سنوات من الاقتتال المروع، في المساهمة في اخراج سوريا من محنتها التاريخية. لكنها أيضاً صرخة مبنية على تحليل واقعي للاوضاع العسكرية السائدة في سوريا، تضمنت توصيات عسكرية عملية ومبنية على الاستخدام المحدود للقوة العسكرية لارغام نظام الاسد على التفاوض بجدية، " لان اعتماد موقف عسكري أوضح بقيادة أميركية سوف يعزز المبادرة الديبلوماسية".

ما فعله الديبلوماسيون، ومعظمهم من الشباب من ذوي المناصب الوسطى والأولى، هو جزء من تقليد ديبلوماسي يعود الى حرب فيتنام ويقضي بالسماح للموظفين والديبلوماسيين في وزارة الخارجية بكتابة "مذكرات معارضة" لسياسة حكومتهم، ونشرها داخلياً، من غير ان يتعرضوا لاي محاسبة. وخلال حرب فيتنام وحروب البلقان في تسعينات القرن الماضي استقال عدد من موظفي وديبلوماسيي وزارة الخارجية احتجاجاً على سياسات حكوماتهم. المفارقة هي ان من يكتب هذه المذكرات ومن يستقيلون من مناصبهم كخطوة احتجاجية هم عادة من الموظفين ذوي المرتبة الوسطى وما دون. وآخر مسؤول بارز استقال احتجاجاً على قضية مبدئية كان وزير الخارجية سابقاً سايروس فانس الذي ارتأى الاستقالة لمعارضته لقرار الرئيس كارتر انقاذ الرهائن الاميركيين المحتجزين في مقر السفارة الاميركية السابق في طهران.

وكما كان متوقعاً، رفضت الحكومة الاميركية هذه التوصيات، بما فيها الاستخدام المحدود للقوة لارغام الاسد على التفاوض وفق مقررات مؤتمر جنيف. وقال الناطق باسم الخارجية جون كيربي: "ليست هناك أي جهود لاستهداف بشار الاسد. هذا ليس جزءاً من حساباتنا. وكل الخيارات المطروحة (في المذكرة) ليست أفضل من السياسة الراهنة".

هذه المذكرة تعتبر ادانة لسياسة مفلسة ومضللة آتية من مسؤولين شرفاء رأوا الفظائع الشريرة في سوريا وحاولوا وقفها.

وقد قوضت ادعاء ادارة أوباما ان الذين يطالبون باستخدام القوة ضد الاسد (الذي تحمله المذكرة المسؤولية الاساسية عن المأساة السورية) هم المتطرفون الذين يعتقدون ان القوة العسكرية وحدها قادرة على حل مثل هذه الازمات، أو المحافظون الجدد الذين دعوا الى غزو العراق. ومجرد ان يوقع 51 مسؤولاً أميركياً مثل هذه الادانة الاخلاقية لسياسة بلادهم حيال سوريا، وهم المطلعون على كل تعقيدات الوضع وعلى الوعود والتهديدات غير الجدية التي قطعها أوباما منذ بداية الحرب، فهذا أمر محرج للغاية لرئيس يدّعي انه يعرف أكثر من أي مسؤول اميركي آخر قدم له المشورة في موضوع سوريا. الوزير كيري، الذي يتعاطف مع بعض طروحات المحتجين، اجتمع بممثلين لهم، لكنه قطعاً لن يستقيل.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى