مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١١ أغسطس ٢٠١٧
حل غير تقليدي في سوريا

تقسيم سوريا ليس حتمياً، وقد لا يكون مرجحاً، رغم المعطيات التي تدفع بعض المراقبين للاعتقاد بأنه قادم لا محالة. لا تتوفر مقومات حياة مستقلة في أي من المناطق التي لا يسيطر عليها نظام الأسد. وينطبق ذلك على الأقاليم الثلاثة التي أعلن «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» إجراء انتخابات محلية وتشريعية فيها خلال الفترة بين سبتمبر ويناير المقبلين. فالرغبة في الاستقلال لا تكفي لانفصال أية منطقة إذا لم يتوفر فيها حد أدنى من المقومات الاقتصادية.

كما أن التقسيم متعذر عملياً لأن الحرب خلقت، وما زالت، تداخلاً في مناطق نفوذ الأطراف المتحاربة، والقوى الدولية والإقليمية التي تدعمها أو تقف وراءها.

لذلك يظل ممكناً التوصل إلى حل يحافظ على وحدة سوريا، رغم أن المسافة بين نظام الأسد ومعظم الأطراف المعارضة ما زالت أبعد من أن تسمح بفتح ثغرة في الجدار السميك الذي يمنع الانتقال إلى مفاوضات جدية. وهذا يفسر تحول لقاءات جنيف إلى «طقس» سياسي تقتصر وظيفته على إبقاء الأمل في الحل، وتركيز لقاءات آستانة على خفض التصعيد في بعض المناطق.
ورغم أن المنهج الذي اتُبع في أستانة قوبل باستهانة في البداية، بدأت النظرة إليه تتغير بعد إنجاز اتفاقية لخفض التصعيد في الجنوب (درعا والقنيطرة والسويداء) ثم في دمشق والغوطة الشرقية. ولعل أهم ما يُبشر به هذا المنهج هو إمكان الوصول إلى حل تدريجي للأزمة السورية عبر اتفاقات منفصلة في المناطق التي يتيسر فيها ذلك.

فقد ثبت عقم محاولة حل الأزمة من أعلى عبر صفقة شاملة، وأصبح ضرورياً البحث عن حل يبدأ من أسفل، أي من القرى والبلدات والمدن. ويبدو أن منهج الحل من أسفل بات ممكناً بعد التوصل إلى اتفاقين لخفض التصعيد في منطقتين واسعتين. لكن تفعيله يتطلب صيغة جديدة تقوم على بناء ترتيبات لامركزية انطلاقاً من اتفاقات خفض التصعيد، وكذلك التسويات المحلية التي عُقدت منذ أوائل 2016، في إطار تصور لتطويرها تدريجياً. ومن شأن هذه الصيغة أن تترك مساحات من سوريا تحت سيطرة فصائل المعارضة المعتدلة، لكي تديرها بطريقة مستقلة مع ربطها رسمياً بمركز الدولة في دمشق، والذي يصير في هذه الحالة مركزاً رمزياً لا يملك صلاحيات مطلقة، ويفتقد القدرة على فرض إرادته في المناطق المستقلة ذاتياً. وينبغي تصميم هذه الصيغة بطريقة تضمن عملاً مشتركاً عبر وسطاء أميركيين وروس بين هذا المركز والوحدات المستقلة ذاتياً في محاربة الإرهاب.

ويمكن أن يؤدي نجاح هذا العمل المشترك في الحرب على الإرهاب إلى تقويض ذرائع بقاء الميليشيات التابعة لإيران. وعندئذ يصبح إخراجها ضرورة لنجاح الترتيبات الجديدة في سوريا، والحرب على الإرهاب، في آن معاً. ويمكن لهذا العمل المشترك أن يؤدي أيضاً إلى إعادة هيكلة الجيش وقوى الأمن بشكل تدريجي. كما يتيح فرصة لبناء الثقة بين الوحدات المستقلة ذاتياً والمركز على نحو يمكن أن يُسهل إعادة ترتيب الأوضاع في دمشق، ويُتيح إمكانية لتشكيل سلطة انتقالية تكون –والحال هكذا– نتيجة متغيرات كبيرة ومعطيات جديدة توفر لها أسساً واقعية، وليست مصنوعة من أعلى.

وعندما نتأمل هذه الصيغة نجد أنها ليست غريبة بالنسبة لروسيا التي قامت بالدور الرئيس في اتفاقات التسوية المحلية التي أدارها ضباطها من قاعدة «حميميم» طوال أكثر من عام. كما أن اتفاقات خفض التصعيد التي تبنت فكرتها منذ إطلاق مسار أستانة، يمكن أن تكون أساساً لتوسيع تلك التسويات التي تقوم على وقف القتال ومنح البلدات والقرى استقلالاً ذاتياً في إدارة شؤونها.

وحين يراجع أركان إدارة ترامب ما طرحته مراكز التفكير الأميركية في الفترة الأخيرة سيجدون فيه أفكاراً في هذا الاتجاه بشكل أو بآخر. فقد أصدر معهد راند في العام الماضي تقريراً مهماً حول تقليص صلاحيات السلطة المركزية في دمشق، ومنح سلطات واسعة لمجالس محلية في إطار حكم ذاتي.

كما قدم معهد بروكينجز في مطلع العام الجاري تصوراً مؤداه أن تسعى واشنطن إلى إقامة مناطق متمتعة بحكم ذاتي واسع في شمال سوريا وشرقها، على أن تبقى مرتبطة بالمركز ولا تنفصل عنه، في إطار خطة لمرحلة انتقالية تقود إلى مؤتمر دستوري لبناء اتحاد يتم الاتفاق على إطاره القانوني وترتيباته العملية.

لقد حان الوقت لحل غير تقليدي لأزمة استعصت على الحلول التقليدية.

اقرأ المزيد
١١ أغسطس ٢٠١٧
امتحان الثورة في سوريا

ليس سراً أن هناك توجهاً دولياً لإبقاء الأسد رئيساً في المرحلة الانتقالية، سيليه توجه أشد لمشاركته في الانتخابات المقبلة بعد الحل السياسي، وربما لتنفيذ الشعار الشهير «الأسد للأبد».

هذا ما تريده روسيا وما أعلنته منذ بداية تدخلها غير المباشر في الدفاع عن النظام، وقد صار هدفاً لها بعد التدخل المباشر قبل عامين، ولم يكن أحد يوافقها أو يفوقها حماسة للدفاع عن بقاء الأسد غير إيران، فهي تعتقد أن غياب الأسد سيعني غياب حضورها كله في المنطقة، فهو مفتاحها لدخول لبنان والسيطرة على مقدراته، وهو داعم امتلاكها للقرار في العراق. ولن أتحدث عن الموقف الإسرائيلي الذي يخشى انتصار الثورة السورية، فما يعنيني هنا هو موقف أصدقاء سوريا الذي يشهد تبدلات حادة ربما عبر عنها إعلان ماكرون وقبله جونسون وقبلهما نيكي هايلي التي صرحت ثم اعتذرت. وثمة التصريحات والتلميحات في الحديث المتواتر عن ذريعة عدم وجود بديل للأسد، ومثل هذا الكلام ليس فيه احترام لائق لشعب سوريا العريق ممن لا يرون فيه رجلاً واحداً جديراً بأن يكون رئيساً لجمهورية مدنية ديمقراطية، وشعبنا لا يبحث اليوم عن ديكتاتور أو مستبد.

لقد كانت الإدارة الأميركية السابقة أول دولة أعلنت أن الأسد فقد الشرعية، وكادت تشن حرباً بعد أن أدين عالمياً باستخدام الكيماوي في الغوطة، والجميع يعلمون أن الجهد الروسي نجح في إيقاف الحرب الدولية، واكتفى الجميع بإلقاء القبض على السلاح وترك المجرمين بلا عقاب أو مساءلة. وحين جاء الرئيس ترامب جدد إنذاره إلى حد قصف المطار الذي استخدم منه النظام السلاح الكيماوي ضد خان شيخون، وسبق لي أن وصفت تلك الضربة بأنها ضربة على الطاولة للتحذير من استخدام الكيماوي، ومع أنني ضد أي تدخل أجنبي عسكري في سوريا، فقد كنت منذ البداية من دعاة الحل السياسي، إلا أنني والكثرة من السوريين فقدنا ثقتنا في جدية موقف المجتمع الدولي (على الأعم) من الجرائم الكبرى التي ترتكب ضد شعب قتل منه نحو مليون إنسان وتعرض نحو مليونين منه للإعاقة، واعتقل منه نحو مليون، وشرد منه 14 مليوناً بين نازح ومهجر قسري ولاجئ! ومع ذلك يريد بعض المجتمع الدولي أن يكافئ من ارتكب كل هذه الجرائم فيمنحه شرعية جديدة، غير مبال بمشاعر ملايين السوريين من ضحايا هذا النظام المسؤول وحده عما حدث، فهو الذي اختار الحل العسكري منذ بداية الأحداث، وهو الذي دمر القرى والمدن واستباح دماء السوريين وقادهم إلى القتال مجبرين للدفاع عن حياتهم وأعراضهم، وقد استمروا في احتجاجاتهم السلمية ثمانية أشهر يتحملون الموت اليومي، ولولا أن النظام زج الجيش بكل قواه لمحاربة الشعب لما انشق آلاف الضباط الذين أسسوا الجيش الحر وبدؤوا الدفاع عن أهلهم.

ولقد فوجئ الشعب بكون النظام يستقدم المحتلين إلى سوريا، فقد أدخل جيوش «حزب الله» وإيران، وميليشيات الإرهاب الدولي حتى باتت بمئات الأسماء، وأطلق سراح المتطرفين والمتشددين دينياً كي يخلط الأوراق وهو يعرف أن هؤلاء لا يملكون مشروعاً وطنياً وأنهم سيحاربون الجيش الحر والثوار، وسيرفعون شعارات تؤكد دعواه بأنه يواجه متطرفين.

وما أظن دولة في العالم يخفى عليها سر «داعش» وأمثالها، فهي لم تنبت في الأرض السورية ولم تخرج من جوف المجتمع السوري، وزعماؤها جميعاً استقدموا من الخارج، ورعتهم إيران بوصفها الدولة الراعية للإرهاب في العالم.

ومشكلتنا اليوم لم تعد مع النظام وحده، فحين تعرضت سوريا للاحتلال، صارت القضية أخطر وأعم، فظهرت مواقف مستجدة من المعارضة، وسعت نظرتها للقضية، فبات همها استقلال سوريا وطرد الغزاة منها، وإيقاف نزف الدم، وإنهاء معاناة الشعب التي بلغت حداً لا يحتمل ولا يطاق على صعيد إنساني، وقبلت الهيئة العليا للمفاوضات بتشاركية مع النظام، وأعلنت ذلك في رؤيتها بدوافع واقعية، لكنها اشترطت في بيان مؤتمر الرياض بألا يكون للأسد ومن شاركه من المجرمين دور في المستقبل السياسي، وأن تنتقل صلاحيات الرئاسة إلى هيئة حكم انتقالي، كما في بيان جنيف والقرارات الدولية. ومع ظهور توجهات دولية تروج لبقاء الأسد وظهور حملات شعبية سورية ترفض ذلك رفضاً قاطعاً، جاءت تصريحات الخارجية السعودية تشد أزر الشعب السوري، وتطمئنه إلى ثبات مواقف الأشقاء، وتكشف زيف ما تشنه الحملات المضادة والهادفة إلى زعزعة الثقة. ولا يخفى على أحد أن بقاء الأسد سيجدد الصراع ويعيد الحال إلى نقطة الصفر، وأي انتصار عسكري للنظام لن يكون ضمان استقرار ما لم يتحقق حل عادل ومقبول على صعيد شعبي.

ومن غرائب ما يحدث في المجتمع الدولي أن يقول بعض أصدقاء سوريا إنهم معنيون بمحاربة الإرهاب، وتبريرهم هو حاجتهم إلى أن يقوم النظام بمساعدتهم بمحاربة الإرهاب.

اقرأ المزيد
١١ أغسطس ٢٠١٧
في انتظار مذبحة إدلب

بات لدى الادارة الاميركية اعتقاد راسخ، نتيجة منطقها السياسي الذاتي او بإيحاء روسي، بأن قبولها ببقاء بشار الاسد في السلطة سيتيح لها لاحقاً التأثير في خياراته، وإبعاده تدريجاً عن حليفه الإيراني. وينعكس هذا التفكير الساذج والقاصر عن ادراك حقائق السياسة في الشرق الاوسط وفهم ألاعيبها، في استمرار التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا في الشأن السوري، على رغم التوتر القائم بين الدولتين بسبب مسألة التدخل في الانتخابات الاميركية، وتبادل فرض العقوبات.

لكنه تنسيق يبدو راجحاً بوضوح لمصلحة موسكو التي تعرف ما تريد، وتخطط له بدأب. وهذا ما تعكسه تصريحات الطرفين عن الوضع في إدلب التي سبق للروس ان أدرجوها في قائمة مناطق «خفض التوتر» قبل ان يبدأوا الحديث عن صعوبة تحقيق ذلك. وجاراهم الاميركيون في تأكيد ان المحافظة الشمالية باتت «ملاذاً آمناً» لتنظيم «القاعدة» في شكله الجديد: «هيئة تحرير الشام» بعد «النصرة».

ثعلب الديبلوماسية الروسية لافروف صرّح بعد نقاشات مستفيضة وتفصيلية حول سورية مع نظيره الاميركي تيلرسون قبل أيام في مانيلا، بأن «الاتفاق على معايير منطقة خفض التصعيد في ادلب ليس بالأمر السهل». وجاءت هذه التصريحات لتزكّي تصريحات أدلى بها الموفد الاميركي الخاص لدى «التحالف الدولي ضد داعش» بريت ماكغورك عن تحول إدلب «منطقة آمنة لإرهابيي القاعدة»، متهماً تركيا بتقديم «السلاح والمال والدعم اللوجستي لهم» وبأنها كانت «الطريق الوحيد لعبور مقاتلي القاعدة إلى سورية».

ومع انه لا يمكن الدفاع عن تركيا ودورها في سورية، واستخدام استخباراتها كل الطرق والوسائل لتعزيز نفوذها هناك، بما في ذلك نسج علاقات مشبوهة مع متطرفين واستخدام قضية النازحين لاغراض سياسية بحتة، إلا ان الموقف الاميركي يتجاهل حقيقة ان روسيا وايران والقوات السورية النظامية هي المسؤولة الى حد كبير عن ايصال الوضع في إدلب الى ما هو عليه، بعدما عملت هذه القوى على تشجيع المقاتلين المعارضين، وخصوصاً من متشددي «القاعدة»، على الخروج بأسلحتهم من مناطق شهدت اجراء «مصالحات»، وتسهيل انتقالهم الى ادلب.

كان الهدف الأولي لهذه السياسة زيادة عدد المتطرفين في المحافظة لمواجهة المعارضين من «الجيش الحر» والفصائل المعتدلة. وهذا تماماً ما حصل وأدى الى مواجهات بين الطرفين انتهت بسيطرة «النصرة» على معظم المحافظة وعلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

اما الهدف الأبعد، فهو التذرع بسقوط ادلب في يد المتشددين تمهيداً لاقتحامها، مثلما حصل في حمص وحلب. من سيقوم بذلك؟ الروس والجيش النظامي والميليشيات الايرانية، وربما بمشاركة جوية اميركية.

لكن هل يعقل ان الاميركيين غافلون عن هذه الخديعة؟ بالطبع لا، إلا انهم على ما يبدو اخذوا مقابلاً في مناطق اخرى: منطقة «خفض التوتر» الجنوبية (درعا) ومناطق سيطرة «قوات سورية الديموقراطية» الكردية شمالاً. لكن السؤال هو: هل يستطيع الأميركيون ضمان انهم لن يضطروا لاحقاً الى التخلي عن هؤلاء بعد انتهاء المعركة مع «داعش»؟

الواضح ان الاميركيين «وقعوا في الفخ» بإرادتهم. فقرار الوثوق بالكرملين في التخطيط لمستقبل سورية يتجاهل اموراً عدة، أولها ان روسيا لا ترغب ولا تريد ان يشاركها احد نفوذها في هذا البلد، باستثناء قوى الامر الواقع الايرانية، وثانيها ان الاسد لا يستطيع، ولو رغب، التخلي بسهولة عن ايران لمجرد ان الاميركيين قبلوا الاقتراح الروسي ببقائه في الحكم.

السياسة الاميركية اذاً تحتاج الى تصويب، اذ لا يمكن ضمان الروس ولا الاسد. اما ايران فيستدعي اخراجها من سورية مواجهة مباشرة معها.

وقد تكون الاتهامات الاميركية الى تركيا مجرد محاولة لابعاد الاتراك عن معركة ادلب، او لردعهم عن التدخل ضد الاكراد في شمال سورية بعدما بدأوا تعزيز قواتهم قبالة مناطق انتشارهم. لكن ما هو مؤكد، ان معركة إدلب تقترب بأسرع مما هو متوقع، ولن يكون فيها تمييز بين متطرف ومعتدل، او بين مسلح ومدني، وقد يكون الهجوم بالسلاح الكيماوي على خان شيخون مجرد عينة مما ستشهده.

اقرأ المزيد
١١ أغسطس ٢٠١٧
الثورة السورية ومأساة المعارضة الداخلية والخارجية

لا تكاد تذكر الثورة في سوريا إلا ويتبادر لذهنك القتال والمعارك الطاحنة التي تدور على كل الأراضي السورية والقتل والدمار والسجون والمعتقلات والأهوال التي لا تخطر على بال والتضحيات التي يعجز شعب في الوجود عن بذل مثلها في سبيل الحرية، والبطولات التي حققها الثوار في معاركهم ضد قوات النظام على الرغم من عدم التكافؤ لا بعدة ولا بعتاد، ويتبادر للذهن أيضاً كيف زج النظام بهؤلاء الطيبين في غمار هذه الحرب ليقتل الأخ أخاه والجار جاره والجيش شعبه الذي ولد من صلبه.

وفي الطرف الآخر يتبادر للذهن مجريات الأحداث السياسية وكيف تحولت الثورة إلى حالة من الفوضى والاقتتال بين أخوة السلاح وبين الذين من المفترض أنهم في خندق واحد وأنهم حملة مشروع واحد ليصبح حلم الناس في بلدٍ خالٍ من الظلم والاضطهاد وهّماً ليس فيه من الحقيقة شيء ثم تتحول سوريا إلى ساحة لحرب مفتوحة تحركها مصالح الدول السياسية ويدفع ثمنها الشعب السوري بكل ما يملك وتتحول الثورة من حق مشروع إلى حالة مرضية لا يرجى لها برء.

ولعل أول المسامير التي دقت في نعش الثورة وأدت إلى حرفها عن سياقها الطبيعي والمنطقي الذي ولدت فيه كان عدم المقدرة على تحقيق تكامل بين مكونات الثورة السياسية والعسكرية واستمرار الهوة بالاتساع بين الداخل الذي لا صوت يعلو فيه صوت البندقية ولا أداة فيه سوى المدافع والقذائف ولا سبيل لتحقيق الهدف إلا المعارك والانتصارات، وبين الخارج الذي يمثل الجانب السياسي بما فيه من هيئات وأجسام يسعى كل منها لتحقيق مسكب سياسي على حساب الدم الذي لم يتوقف ولا يزال يزداد تدفقاً حتى كاد يغطي البلد بأكملها.

بل واستمر الرقع اتساعاً بين الجناح السياسي والعسكري حتى وصل إلى ما عرف اصطلاحاً بمعارضة الخارج والداخل أو بثوار الفنادق والخنادق ليأول الحال إلى عداء مستمر جعل من الهيئات السياسية والفصائل العسكرية أعداء ألداء يسعى كل واحد منهم لأن يكيل الاتهامات ويسوق الحجج والبراهين التي تثبت تورط الآخر وضلوعه فيما صار الوضع إليه وليصبح النظام هدفاً ثانوياً لم يعد يخطر على بال أحد.

ثم يستمر المشهد السياسي على هذا المنوال وتتحول الثورة التي خرجت ضد الظلم والتي كان مطلبها الإطاحة بالنظام إلى معارك طاحنة بين الفصائل العسكرية بحكم اختلاف الولاءات والداعمين ومعارك سياسية لا تقل حدة بين الهيئات السياسية التي يطمح كل منها لأن يسجل مكسباً سياسياً لتكون ثمرة هذه الغوغاء التي لم يتداركها السوريين للحظة انحسار الثورة إلى منطقة صغيرة وخروجها عن المشهد القائم وتحول البلد إلى ألعوبة في أيدي القوى العظمى التي لا تفكر فيما ثار الشعب لأجله ولا يعنيها من ذلك قيمة ولا مبدأ ولا فضيلة بل كل الذي يعنيها تأمين مصالحها وتحقيق مكاسبها السياسية والعسكرية في سوريا.

ولأن العقلية السورية أمنت بيئة خصبة لتنامي الخصومات وتزايد العداوات فاستطاع أعداء الثورة أن يفرقوا بكل هدوء بين جناحي الثورة السياسي والعسكري وأن يجندوا كلا الطرفين لخدمة مصالحهم في تقويض الثورة والقضاء عليها من خلال إرساء ثقافة الفرقة والاتهام والتخوين حتى أصبحت السمة التي صبغت الثورة بها بكل جوانبها الإغاثية والتعليمية والطبية والثقافية وغيرها فضاعت بذلك كل التضحيات هباء منثوراً وبددت كل البطولات كأنها لم تكن وتحولت الثورة إلى كيانات مفككة مبعثرة لا روح فيها عاجزة عن جمع المكاسب والحفاظ على الانتصارات التي تحققت في أعوام الثورة الأولى.

ولم تقف الحالة عند تحول الثورة إلى معارضة داخل وخارج بل تحولت إلى ثقافة مجتمعية عمودها الأول فرقة الصفوف وتقسيم الجماعات فبعد أن قضي على معظم الفصائل العسكرية ومعظم الهيئات السياسية تعاد حتى الآن وعلى ناطق أضيق من السابق ذات التجارب والخطوات وتظهر من جديد جماعات سياسية وهيئات مدنية تعيد الخطوات نفسها مؤمنة بما لدى عناصرها من صدق وإخلاص في أنها ستعيد الثورة إلى ما كانت عليه ولكن غياب العقل الجماعي وثقافة الاتهام والانتقاص من الآخر تغشي عيون الجميع وتعمي أبصارهم عن أن اتباع نفس الخطوات في انتظار نتائج مختلفة ليس من الحق في شيء.

ولعلنا اليوم قد وصلنا إلى آخر المشوار ولعلها الفرصة الأخيرة ولا سيما فيما تبقى من مناطق محررة في الشمال السوري تحتضر الثورة فيها ولا سبيل لإنقاذ ما تبقى إلا أن يؤمن العاملين في حقل الثورة بأن كل جهة أو هيئة أو مجلس ليست إلا أجزاء يكمل أحدها الآخر وأن العجز عن بناء جسم سياسي واحد يؤمن بأهداف الثورة ويحقق تطلعات الشعب الذي قدم الغالي والرخيص ويلم الشمل ويجمع الفرقة ويرص الصفوف ويحسن التمثيل سيؤدي في النهاية إلى خسارة لا يؤمل بعدها بوطن ولا بمستقبل فتكون الثورة التي أرادت أن تنقذ البلد من غاصب قد سلمته لعشرات الغاصبين.

اقرأ المزيد
١٠ أغسطس ٢٠١٧
السؤال المرعب

سنة 1974 كنت أعمل ليلا نهارا لإتمام رسالة الدكتوراه وموضوعها التجارب الطبية على الإنسان. كنت لا أكاد أصدق ما أقرأ وأنا منغمس في وثائق محاكمة نورمبرغ للأطباء النازيين الذي مارسوا أبشع التجارب على سجناء الحرب والمساجين السياسيين وخاصة اليهود والغجر.

ما مثل لي سرّا استعصى لليوم على الفهم هو كيف يمكن لبشر عاديين ارتكاب موبقات يحمرّ منها وجه ابليس؟
بعض النماذج: بتر ذراع لسجين لمحاولة زرعه على جندي فقد ذراعه، دراسة كمية الاشعة لتعقيم النساء، حقن الرجال بكل أنواع الجراثيم لدراسة تطور المرض إلى لحظة الموت.

استوقفني أحد الأطباء واسمه الدكتور براون لا لفظاعة التجارب التي قام بها فقط وإنما لخاصية شدت انتباهي. فالرجل حسب التقارير شخص بالغ اللطف في حياته العادية ويحب اللعب مع ابنته الصغيرة ومن عشاق الورد والموسيقى خاصة موسيقى شوبرت...شخص بوسعي التماهي معه خاصة وأنني أنا أيضا أعشق موسيقى شوبرت.
من يستطيع أن يفسّر لي كيف لشخص يحب الورد وشوبرت وابنته الصغيرة أن يذهب صباحا إلى المختبر ليجرب على سجين أعزل هذه المادة القاتلة أو تلك بكل برودة دم وتجرّد '' علمي '' ؟

إنها نفس الدهشة التي كانت تنتابني في التسعينات عندما كنت رئيسا للرابطة أتابع يوميا فظاعات التعذيب وصولات شخص كنت أسمع اسمه المستعار يتردد برعب أكثر من مرة: بوكاسا.
يا إلهي كيف يمكن لبشر لهم أمهات وزوجات وبنات أن يغتصبوا امرأة أمام زوجها السجين وأن يضعوا خازوقا في دبره؟ الأغرب أنني سمعت عن بعضهم أنهم يصلون ويصومون ومنهم من ذهب للحج.

هذه الدهشة الموجوعة هي التي تداهمني اليوم أمام الذين يتدافعون عند بشار الأسد ليعتذروا له عن '' الغلطة '' التي ارتكبتها بقطع العلاقات مع نظامه سنة 2012.

أولا دهشتي أمام الشخص نفسه. هو أيضا رجل عادي أتصور أنه بدون نواجذ تقطر دما ولا أظافر طولها كيلومتر وأنه يشبه في مظهره كل إنسان ولو كان الدكتور الألماني براون والجلاد التونسي بوكاسا.
 
ثمة ثانيا دهشتي من مواطنيّ الذين يتدافعون لزيارته وتقديم اعتذارات لم يكلفهم بها أحد.

منهم الكثير من الديمقراطيين والتقدميين وحتى الحقوقيين الذين عرفت أحدهم  في الرابطة يوم كانت لنا رابطة لحقوق الإنسان.

هؤلاء الناس الطبيبين العقلانيين العاديين الذين لا أشكّ في محبتهم لعائلاتهم وفي إنسانيتهم العادية يتزاحمون على باب رجل ورث سلطة استبدادية من والده... أهله أغنى الناس في سوريا...رفض أبسط الحقوق لشعب بقي على ثورة سلمية طيلة سنة وقبل ظهور الدواعش ...انجرّ عن سياسته تدمير شعب من أرقى الشعوب ...هجّر نصف سكان وطنه  ليشحذ أطفال سوريا الأنفة والإباء والشمم في شوارع مدن أوروبا .... تتهمه العفو الدولي ب 13000 إعدام خارج القضاء في سجن صديانا .... خرجت حماس من عاصمته حتى لا يستغل قضية الشعب الفلسطيني لتبرير ضرب قضية الشعب السوري ... لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل ودمّر المخيمات الفلسطينية ...وضع بلاده تحت وصاية الدول الأجنبية التي تحمى كرسيه الطافي على بحار من الدماء ...

لكن لماذا مواصلة قائمة  الجرائم المعروفة للجميع وشعار الجماعة  الذين لا أتصور أنهم كانوا يقبلون الواحد في المليون من هذه الفظاعات في تونس
لقد أنلتك إذنا غير صاغية ورب مستمع والقلب في صمم.

نعم إنها دهشتي المتواصلة أمام السرّ الأعظم: كيف يمكن لبشر يبدون عاديين إلى حد الابتذال تبرير ما لا يُبرّر، قبول ما لا يُقبل وأحيانا فعل ما لا يُفعل، ووراء ابتسامة الملاك تكشيرة الشيطان.

من منكم يعرف الإجابة؟

بحثت عنها طوال حياتي ولا زلت أجري وراءها.

جازى الله خيرا من عرف السرّ ولم يقتله الرعب عند اكتشافه وهو مستعدّ لكشفه لنا جميعا على مسؤوليتنا....ولو أنه -بيني وبينكم - لم أعد متأكدا أنني أرغب في معرفته.

اقرأ المزيد
١٠ أغسطس ٢٠١٧
سوريا المقبلة في رؤية نظام الأسد

لفترة طويلة من التاريخ المعاصر، نظر نظام الأسد إلى سوريا، باعتبارها مزرعة تخص العائلة ورأس العائلة ليس إلا؛ ولهذا لم يكن من الغريب أن تسمى بـ«سوريا الأسد»، وبالتبعية فإنه لم يكن ينظر للسوريين، إلا باعتبارهم أتباعاً وعبيداً في «سوريا الأسد»، لا دور لهم في الحياة إلا خدمة العائلة ورأسها، والتصرف وفق رغباتها ومصالحها الضيقة. ولهذا؛ فقد كان من الطبيعي ولعقود طويلة مكتوب لكل سوري يحقق إنجازاً في مجال ما، أن يهديه للرئيس، الأب والقائد وصاحب المكرمات إلى آخر القائمة، التي تجعل من السوريين مجرد أتباع، يستجيبون لرغبات رأس السلطة الذي اختار لمرحلة وراثته ابنه باسل، وهيأ السوريين لتقبل الفكرة، وعندما مات باسل في حادثة ملتبسة سرعان ما استبدله بوريث آخر، سلمه سدنة النظام الورثة قبل أن يجف الماء على قبر أبيه.

ولأن الأسد الأب استطاع الحفاظ على سلطته في سوريا المكتوبة على اسمه وسط معادلات محلية وإقليمية ودولية، ضمنت بقاءه لثلاثين عاماً متواصلة على سدتها. فإن وريثه، فشل في تحقيق تلك المعادلة؛ مما عزز عوامل التفجير في مزرعة أبيه، فانفجرت ثورة السوريين من أجل مطالب الحرية والكرامة والعدالة، ومن أجل مستقبل مختلف لسوريا والسوريين.

ومرة أخرى، أثبت الوريث فشله في استخدام أدوات السيطرة، التي كانت خليطاً من الإكراه والمراضاة، واستخدام القوة العارية، واقتصر على الأخيرة باعتبارها الطريق الوحيدة والممكنة من أجل إعادة سيطرته وعائلته على البلاد وأهلها؛ مما عمق الاختلالات في المعادلات الداخلية من جهة وفي المعادلات الخارجية؛ الأمر الذي دفعه للارتماء في أحضان تحالف إقليمي دولي، لم يكن أبداً بين خيارات أبيه القريبة، فأصبح الابن رهينة خياراته الإيرانية - الروسية من جهة، ورهينة ما أفرزه الصراع الداخلي في سوريا، وهما العاملان الأساسيان اللذان يرسمان صورة سوريا المقبلة في رؤية النظام.

إن الأساس في اختلال المعادلات الداخلية عمليات القتل والاعتقال والتدمير والتهجير التي طالت غالبية السوريين وأغلب المدن والقرى السورية، وخلفت قطيعة بين أكثرية السوريين والنظام، وفتحت في الوقت نفسه، أبواب خيارات أخرى في عدادها السعي إلى دولة مدنية ديمقراطية، ومثله السعي إلى دولة إسلامية، وصولاً إلى دولة خلافة على نحو ما ترغب جماعات التطرف والإرهاب من «داعش» و«القاعدة» وأمثالهما.

وهكذا نرى أن الإيرانيين وميليشياتهم أقرب إلى مشروع سوريا محكومة بأنصارهم لضمان بقاء سوريا المستقبل في حدود السيطرة الإيرانية باعتبارها جزءاً من رقعة الانتشار الاستراتيجي الإيراني في الشرق الأوسط، وحلقة في الطريق من طهران إلى البحر المتوسط عبر العراق ولبنان، وتتجاوز حدود هذا الطموح البُعدين السياسي والعسكري إلى بعد آيديولوجي، تركز إيران من خلاله على أهمية حضورها الحاسم ومشروعها في سوريا والمنطقة؛ ولهذا السبب فإنها في التفاصيل تسعى لبناء وجود إيراني سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي في سوريا وبخاصة في العاصمة دمشق ومحيطها عبر شبكة معقدة من المؤسسات والعلاقات، وهي تضع وجود ونشاط الميليشيات الشيعية التابعة لها في خدمة مشروعها.

ولا يختلف هدف الروس الرئيس في سوريا كثيراً عن هدف إيران في ضرورة أن تكون سوريا المستقبل جزءاً من رقعة الانتشار الاستراتيجي في شرق المتوسط، بما يوفره الانتشار من مصالح سياسية وعسكرية واقتصادية، لا تتعلق بسوريا وحدها إنما بمحيطها الإقليمي وتفاعلاته القريبة والبعيدة، وهو الأساس الذي قام عليه التدخل والوجود الروسي وعلى أساسه، يمكن فهم السياسات والممارسات الروسية، التي تتغلغل في عمق الحياة السورية، وتنظم شبكة علاقات داخلية وإقليمية قوية ومعقدة، توظفها جميعاً لتعزيز وجودها الاستراتيجي في سوريا.

ورغم أن طموحات نظام الأسد بسوريا المستقبل، ليست بعيدة عما كانت عليه صورتها في الماضي، باعتبارها مجرد مزرعة لرأس النظام والعائلة، لكن بتعديلات، تضمن إبعاد بعض عوامل التفجير الداخلي الجغرافية والبشرية بواسطة جراحة العنف التي لجأ إليه نظام الأسد في السنوات الماضية دون توقف، وبالاستناد إليها، تم طرح مشروع سوريا المفيدة، والتي يمكن توسيع مساحتها أكثر، طالما كان الأمر متاحاً بمساعدة الإيرانيين والروس أو غيرهم، بمن فيهم الأميركيون والأوروبيون والإسرائيليون الذين لن يمانع نظام الأسد في القبول بمصالحهم، طالما تم الحفاظ على النظام ورأسه في السلطة.

سوريا المقبلة في رؤية نظام الأسد، هي سوريا الممكنة في المعادلة الداخلية - الخارجية، التي ترضي شهوة البقاء في السلطة واستعباد السوريين ولا شيء آخر.

اقرأ المزيد
١٠ أغسطس ٢٠١٧
تحولات الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران

كان من الواضح لعين كل متابع، ومنذ العام الأول، فشل الإطار الفلسفي الذي قام عليه الاتفاق النووي. فمن ناحية نظرية تقديم «الجزر» من أجل تحسين سلوك نظام سيئ، فإن سلوك النظام الإيراني لم يتغير، بل على العكس سمح له هذا الاتفاق بالتمدد أكثر وتكريس سلطته في أكثر من مكان.

أما من ناحية السلم العالمي ونزع السلاح النووي، فقد كان واضحاً كذلك عدم وجود أي ضمانات يمكنها تأكيد ما تمت الدعاية له في مرحلة ما قبل الاتفاق، ولو حتى على صعيد مجرد تأجيل حصول إيران على السلاح النووي. في الواقع فإن الأمر لم يكن يحتاج لكثير من العبقرية والذكاء من أجل التيقن، حتى قبل توقيع الاتفاق، من أن جمهورية الولي الفقيه صاحبة المشروع العالمي، لن تكتفي بمجرد الانخراط في المنظومة الدولية، والاستفادة من إيجابيات هذا الانفتاح الجديد، بما يخدم رفاه الشعب الذي عانى لعقود من عقوبات متنوعة وحصار.

حتى الآن لا نعرف السر خلف حماس الرئيس السابق باراك أوباما وبعض المقربين منه لتوقيع الاتفاق، وهو حماس جعلهم يرفضون قراءة الواقع، ويعلّقون آمالاً كبيرة على نجاحه وإن تسبب بتوتر علاقة بلادهم مع شركاء تاريخيين في المنطقة. أما عهد دونالد ترامب فقد بدا بداية مختلفة، حيث أعلن منذ أيام الحملة الانتخابية رفضه لهذا الاتفاق «الأغبى على الإطلاق»، متوعداً بتمزيقه بمجرد استلامه الرئاسة، وهو الأمر الذي أكد عليه بمجرد دخوله البيت الأبيض رئيساً، ولعلنا نذكر كيف كانت الأسابيع الأولى لحكمه فترة لتبادل التصريحات العدائية بين واشنطن وطهران. على عكس فترة الحملات الانتخابية، بدأ المراقبون بأخذ تصريحات الرئيس ترامب ضد الاتفاق وضد النظام الإيراني نفسه بشكل جاد ومختلف، فالأمر الآن لم يعد مجرد تصريحات لكسب أصوات بقدر ما هو قناعة وسياسة أمريكية جديدة في طريقها لأن تكون قيد التنفيذ.

بالنسبة لإيران فقد كان الوضع ملتبساً، حيث اعتاد النظام هناك على التصريحات الغربية، خاصة الأمريكية الناقدة لسلوكها، بل إن فترة الرئيس أوباما نفسه، وهو الذي كان يعتبر قريباً من المسؤولين الإيرانيين، لم تكن تخلو من تصريحات لاذعة تقابلها ردود ساخطة من الجانب الإيراني، إلا أن كل ذلك لم ينجح في تعطيل النظام، سواء على صعيد مشاريع تطوير السلاح في الداخل، أو كان على مستوى التدخلات الخارجية، خاصة في العراق وسوريا واليمن، مستندة إلى تجربتها مع الإدارة الأمريكية السابقة، وعلى وجهة نظر مفادها أن من الصعب على الولايات المتحدة إلغاء الاتفاق. قامت إيران بفعل ما سيعتبره الرئيس الجديد استفزازاً، بتجربة علنية لصاروخ باليستي متوسط المدى، ما يتنافى مع أهم بنود الاتفاق القاضية بتجميد مثل هذه العمليات. تزامن ذلك مع استهداف مجموعة الحوثي المدعومة من نظام الملالي لقطعة بحرية سعودية. لم يكن الغضب الذي ظهرت به الإدارة الأمريكية الجديدة مفتعلاً أو مسرحياً، على غرار الغضب والاستياء الذي كان يعبر عنه الرئيس السابق من حين لآخر، بدون اتخاذ إجراءات فعلية. ترامب الذي قال إن إيران « لم تقدّر» ما منحه لها باراك أوباما، عمد إلى تفعيل عقوبات اقتصادية قاسية طالت الكثير من الكيانات الإيرانية. من النقاط الفارقة في مسار قضية الاتفاق النووي والعلاقات الأمريكية الإيرانية بشكل عام، كان تعيين ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية. كان الرجل يمثل الصوت الدبلوماسي للسياسة الأمريكية. صوت يسعى لأن يكون مقبولاً وواقعياً في مقابل الصوت الاستفزازي و الصادم أحياناً للرئيس الأمريكي. ومقابل الرئيس الذي كان يتحدث عن تمزيق الاتفاق ورميه، وهي العبارات التي كانت تلقى قبولاً كبيراً عند منتقدي الاتفاق، كان تيلرسون يقول إن ذلك غير واقعي وأنه من الواجب العودة مرة أخرى إلى الحوار حول الاتفاق. فسّر كثيرون رأي تيلرسون هذا بأنه انحياز جديد لإيران، لكن تصريحات الرجل ومواقفه المتعددة كانت تؤكد إيمانه بدور إيران التخريبي في المنطقة وإن كان، وبحكم الكثير من الخبرة، ينظر للأمور بعين مختلفة.

حاول تيلرسون على سبيل المثال أن يشرح للمتحمسين أن هذا الاتفاق ليس اتفاقاً ثنائياً بين الولايات المتحدة وإيران، وإن كانت الأولى هي الطرف الأعلى صوتاً في الحديث عنه، بل هو في حقيقته اتفاق بين إيران ومجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي. يتوجب على الولايات المتحدة بحسب ذلك أن تتعامل وفق حجمها الطبيعي كأحد أطراف الاتفاق. بهذا المنطق يكون الحديث عن إلغاء الاتفاق أو تمزيقه، مجرد حديث للاستهلاك الشعبوي، أما واقعياً، فلا يملك الأمريكيون أي تفويض للحديث عن ذلك نيابة عن الآخرين. استناداً إلى ذلك دعمت الدبلوماسية الأمريكية مقاربة عملية ومختلفة فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية، وهي مقاربة تستند إلى محورين: المحور الأول، هو محور المواجهة الذي تعمل فيه الولايات المتحدة بشكل لصيق مع جيران إيران المتضررين من سياساتها ونواياها من أجل إجبارها على التراجع عن ميادينها ومكتسباتها الاستراتيجية على الأرض، وهو ما مثله بشكل واضح تجمع الرياض الذي ضم عدداً كبيراً من الدول العربية والخليجية والإسلامية. أما المحور الثاني فهو محور تصعيد العقوبات، بإضافة أفراد ومجموعات جديدة وبحجز الملايين من الدولارات التي كانت في طريقها لإنعاش الاقتصاد ورد العافية إليه. هذه المقاربة المزدوجة لم تلبث أن اصطدمت بثلاثة عراقيل مهمة:

ـ أول هذه العراقيل هو الأزمة الخليجية التي خلقت شرخاً مهماً في نسيج المعسكر المناهض للنفوذ الإيراني، والتي أظهرت الجانب العربي وكأنه ينطلق من سياسات ارتجالية وحالات مزاجية متقلبة، ما يجعل من الرهان المطلق عليه صعباً، وافتقاد الاستراتيجية جعل الكثير من الدول تبدأ في إعادة حساباتها محافظة على شعرة معاوية مع حكام طهران، برفض الانخراط في أي مشروع للتصعيد الجاد أو المواجهة المباشرة معها، وهو ما بدأته بالفعل دول مهمة ومؤثرة حتى قبل اندلاع الأزمة الخليجية الحالية.

ـ وثاني العراقيل المتعلق بمسألة العقوبات، من الناحية القانونية فإن الجهة الوحيدة التي بإمكانها معاقبة إيران على سلوكها هي مجلس الأمن، بعد توصية من وكالة الطاقة الذرية، وهي مسألة فنية معقدة وتأخذ وقتاً طويلاً. صحيح أن الولايات المتحدة استطاعت فرض عقوبات أحادية على طهران وهي عقوبات موجعة بلا شك، إلا أنها تظل عقوبات بلا سند قانوني واضح، وهو الأمر الذي ظل النظام الإيراني يكرره ضمن تحركات دبلوماسية كان آخرها بداية هذا الشهر حين تقدمت طهران بشكوى رسمية لمجلس الأمن، المكلف بمراقبة تنفيذ الاتفاق، ضد الولايات المتحدة. اعتبرت طهران في شكواها أن العقوبات المفروضة التي تستهدف الحرس الثوري والبرنامج الصاروخي، تنتهك الاتفاق النووي. من المهم أن نذكر هنا أن هذا التحرك الإيراني ليس منفرداً، وإنما يستند إلى دعم كثير من الدول التي يمكن أن يضرها نقض الاتفاق، وهو ما يشكل مزيداً من الضغط على الإدارة الأمريكية.

أما ثالث العراقيل فهو المتعلق بالبيت الداخلي الأمريكي نفسه، حيث يلاحظ كل مراقب أن الإدارة الأمريكية تتكلم بأصوات مختلفة وتمتلك رؤى متباينة للكثير من القضايا التي من بينها موضوع الاتفاق النووي والعلاقة مع إيران. هناك تغييرات كثيرة طالت، وما تزال تطال، شخصيات مهمة داخل البيت الأبيض ومؤسسات الحكم الأخرى، ما خلق حالة فريدة وغير مسبوقة من الارتباك وضباب الرؤية، بل إن مصادر إعلامية أمريكية كانت تتحدث قبل أيام عن نية وزير الخارجية نفسه تقديم استقالته بسبب اختلافه مع الرئيس ترامب حول عدد من المقاربات.

السيناريو الأسوأ بعد ذلك كله يبقى عودة الولايات المتحدة للمراهنة على النظام الإيراني كحليف وشريك في المنطقة على حساب الآخرين، وهو سيناريو غير مستبعد في ظل العمل الدؤوب الذي يقوم به ما بات يعرف باللوبي الإيراني في واشنطن، الذي لا يقابله من الجانب الآخر سوى الكثير من السلبية والتشرذم وفوضى الأولويات.

اقرأ المزيد
١٠ أغسطس ٢٠١٧
فلنعط القوس باريها

أوكل الأمر في الداخل المحرر لكثير من الأمراء بعيداً عن معايير الكفاءة والتخصص ووسد الأمر لغير أهله وضاعت الأمانة، فهل أظلنا زمن الرويبضة وكيف؟

جميعنا يعلم المبدأ القائل "لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم" وما ورد في الحديث "لا يحل لثلاثة نفر يكونون بفلاةٍ من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم"، ولربما انطلاقاً من ذلك اتخذت كل جماعة في الداخل المحرر قائداً لها وأميراً يقوم على أمورها ويتولاها سعياً منها لتجنب الفوضى، لكن رغم ذلك لا زلنا نرى الحيرة والضياع والتشرذم والفوضى في أمر الجماعات التي تتخبط خبط العشواء لسان حالها يقول: أسير على نهجٍ يرى الناس غيره لكل امرئٍ فيما يحاول مذهب، فهل غاب عنها ألا صلاح لها إذا ما ساد جهالها أمر العامة ونطق الرويبضة؟ وهل الأزمة الحقيقية اليوم هي أزمة قياداتٍ ورجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه أكثر مما هي أزمة شعوب وأفكار نتيجة لفقدان المعايير الصحيحة لاختيار القادة المعول عليهم في ذلك؟

إن المتأمل لعملية اختيار القيادات والأمراء في فصائلنا يرى أنها تخضع في كثيرٍ من الأحيان لمعايير سلبية، بعيداً عن مبادئ الكفاءة والقوة والأمانة، وبعيداً عن مبدأ التخصص ـ الفريضة الغائبة عن واقعنا ـ ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، هذا مما انعكس سلباً على الواقع وكان سبباً في فقدان الثقة من جهة، ومن أخرى وصلنا بموجبها إلى الفشل الذي لاتزال تتخبط فيه إلى يومنا هذا جل الفصائل.

ولعل من أبرز وأهم هذه المعايير التي اعتمدتها قيادات أكبر وأقوى الفصائل والجماعات في الداخل السوري المحرر لاختيار القادة والأمراء وكانت وبالاً عليه، هو الاعتماد على أولي العلم الشرعي ذوي الخلفية والمنهج الواحد دون غيرهم في كل المجالات والشؤون ذات الأهمية وإهمال الجوانب الأخرى من التخصص والكفاءة و ...الخ، في الوقت الذي تقول فيه الحكمة إنه يكفيك أن تتعلم شيئاً عن كل علم، و أن تتقن كل شيءٍ عن علمٍ واحدٍ فقط في إشارةٍ لأهمية التخصص في مجالٍ معينٍ والذي يجعلك تلم بكل جوانبه، ويجعلك قاب قوسين أو أدنى من النجاح، فلكل مجالٍ متميزوه  ولا يلزم من تميز شخص في مجال ما استصحاب ذلك التميز والظهور عند انتقاله لمجال آخر، فالمنطق يرفض مثل ذلك ولو كان المتجاوز لغير تخصصه أباً للعلم الذي برز فيه، فمن أراد أن يقيم مجتمعاً ناجحاً، فعليه اختيار الشخص المناسب، ليكون في المكان المناسب، و لا يمكن لمجتمعٍ يعتمد في العلاقات بين أفراده على أهل الثقة (اولي العلم الشرعي) دون الكفاءة أن ينهض، ولا يمكن أن تأتي الكفاءة دون تخصص، وفي ظل التطور الهائل في مختلف المجالات أصبح التخصص فريضةً ينبغي الالتزام بها وتطبيقها، غير أنها غائبةٌ عن واقعنا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فانشتاين أكبر فيزيائي في العالم كان بليداً في بعض المواد كالإنشاء والرسم، ولكنه لما توجه لاختصاصه (الفيزياء) أتى بالعجب العجاب. ومثله سيبويه إمام النحو وعبقري الدنيا طلب الحديث فلم يكن من اللامعين فيه، فلما طلب النحو أدهش العالم لأن مواهبه تناسب مادة النحو، وكم رأينا من طالبٍ فاشلٍ في بعض العلوم عبقريٍ في علوم أخرى فلو أن كل طالبٍ وُجِّه إلى ما يناسبه لَكثر العباقرة والمنتجون.

وكذلك شأن صاحب العلم الشرعي المتدين الورع الخلوق إذا لم تكن له بصيرةٌ في شؤون الحكم والإدارة، قد يكون عرضةً لخديعة أصحاب الأهواء والمضللين ـ كما هو حال الكثير من القادة اليوم ـ أما المحنَّك المجرَّب صاحب الاختصاص في مجاله يعرف من النظرة السريعة، معاني الألفاظ وما وراء معانيها.

هناك لا شك معايير 5 أخرى سلبية للاختيار الخاطئ للأمراء إلى جانب المعيار السابق ليس أقلها: ـ المعرفة والاجتهادات الشخصية للقيادات العليا وبناء عليه يخضع تعيين هذا الأمير أو ذاك لرأي القائد الشخصي أو معرفته به ربما في فترة سابقة (سجن صيدنايا).

ـ الولاء للأمير والطاعة العمياء له فصاحب الهوى لا يولي إلا الذي يوافقه في صفاته التي تحقق له مصالحه الخاصة، وإن كان فيها ضرر على عامة الناس، فتجد أكثر الناس حظاً في الإمارة والمناصب هو أكثرهم إخلاصاً وطاعةً له وتنفيذاً لأوامره دون تردد (فتاوى سفك الدماء ومنفذيها على الأرض).

ـ المحسوبية والمكانة الأسرية وبموجبها يصار لتعيين من للأمير هوىً فيه ومصلحةً يبتغيها من ورائه من أبناء بلدته وعشيرته والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى.

ـ الانتماء الفصائلي(المنهج) ولعل هذا المحدد الأساسي في الاختيار الذي لايمكن تجاهله، فيحال تعيين من هو خارج الفصيل ممن لا يوافقه المنهج أو الطريقة ولو امتلك الكفاءة والتخصص والخبرة الكافية المطلوبة.

ـ أضف إلى كل ذلك النفاق والتملق الذي لم يخلُ منه زمان ومكان.

يلاحظ أن جملة هذه المعايير تفتقد لأدنى درجات الموضوعية والكفاءة والاستحقاق في الاختيار والتعيين، وهذا ما أخلى الساحة من أهل التخصص فليس كل أحدٍ يصلح لأي منصبٍ أو وظيفةٍ أو ولايةٍ، فلابد إذا ما أراد الأمراء الخير للساحة من الاعتماد على أولي العلم ليس الشرعي فقط لأن أولوا العلم في كل موضع بحسبه، ففي الأمور الشرعية يستشار أهل العلم الشرعي، وفي الأمور الحربية يستشار أهل العلم بالحرب، وأمور الصناعة تُستنبط من أهل العلم بها، وفي أمور الزراعة يؤخذ العلم من أربابها وهكذا... لأن كل أحدٍ يدرك ما لا يدركه الآخر. فعندما يسند الأمر لأهله نجد القيادة الناجحة والتي هي حجر الأساس في استنهاض طاقات الناس والأخذ بيدهم نحو الخير والنجاح.

اقرأ المزيد
١٠ أغسطس ٢٠١٧
هم بضع مئات لكنهم ملح الأرض!

... والحديث عن مثقفين لبنانيين وسوريين جمعتهم قيم الحرية والعدالة ومعاناة مشتركة من القهر والاضطهاد والأهم مبادراتهم المتعددة لإعلان موقف موحد تجاه أحداث وتطورات سياسية وأمنية تهم الشعبين، ولعلنا نتذكر بيان المثقفين ضد دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 ثم موقفهم المناهض للحرب الإسرائيلية عام 1982، وبعده تجاه ما عرف بمعارك الجبل والمخيمات، تلاه بيان لمثقفين سوريين ولبنانيين عام 2004 ضد التمديد للرئيس إميل لحود، فبيانات متواترة تدين اغتيال رفيق الحريري ثم سمير قصير ثم جبران تويني، وأبرزها ما عرف بإعلان بيروت- دمشق، دمشق بيروت، في ربيع 2006 والذي أظهر موقفاً حازماً يدعم انتفاضة الاستقلال وانسحاب الجيش السوري من لبنان رافضاً منطق العنف والاغتيال ومطالباً بتكريس علاقات صحية يفترض قيامها بين البلدين، ليصدر في أيلول (سبتمبر) 2011 مع تصاعد حراك الربيع العربي بيان يؤيد طموحات الشعب السوري في التغيير وتطلعات الشعب اللبناني بالسيادة والاستقلال ويدعو لمشرق عربي تزدهر فيه المواطنة فلا تكون غلبة لطائفة وغبن لأقلية ولا اضطهاد لجماعة أثنية ولا تمييز، تلاه في تموز (يوليو) 2014 إطلاق رؤية مشتركة ترفض الردّة الدينية والسياسية، ومحاولات تفجير حرب طائفية تدمر المنطقة، وأخيراً أصدر مثقفون سوريون ثم لبنانيون بيانين على التوالي يشجبان مناخ العداء للاجئين السوريين في لبنان ومداهمات مخيمات عرسال ومقتل عدد من المعتقلين في سجون الجيش اللبناني.

صحيح أن المثقفين اللبنانيين كانوا أقل عرضة للقمع المباشر لقاء مواقفهم المعارضة، واستمدوا بعض الأمن والأمان من أجواء الحرية النسبية التي ميزت بلادهم تاريخياً، وصحيح أن وطأة الاضطهاد كانت تقع على كاهل المثقفين السوريين المعارضين لنظام الاستبداد وسياساته، ونتذكر الهجوم السلطوي الشرس على مثقفين وسياسيين وقفوا ضد دخول الجيش السوري إلى لبنان، حيث طاولت الاعتقالات بعضهم بينما أكرهت المضايقات آخرين على الهرب والتشرد، وتكرر الهجوم السلطوي، بصورة هستيرية في ربيع 2006 عبر حملات إعلامية تطعن بوطنية مثقفين سوريين وتتهمهم بالعمالة والخيانة، لمجرد توقيعهم رؤية مشتركة مع مثقفين لبنانيين عرفت بإعلان بيروت دمشق، والنتيجة سجن عدد منهم ومحاربة آخرين بلقمة عيشهم بطردهم تعسفياً من وظائف شغلوها في الدولة لسنوات عدة.

لكن الصحيح أيضاً أن الأمر كان ينقلب إلى العكس تماماً وربما أشد، حين يتعلق الأمر بوقوف مثقفين لبنانيين في وجه النظام السوري ومناهضته، فمن ينسى اغتيال سمير قصير وجبران تويني وقبلهما عام 1980 اغتيال سليم اللوزي وتعمد تشويه أصابع يده اليمنى التي كتب بها مناهضاً القهر الأمني السوري، لتنتقل «الراية» بعد انشغال النظام بالقتل والتدمير لوأد تطلعات الشعب السوري، إلى أيادي حلفائه اللبنانيين، الذي لم يغرقوا فقط في مستنقع دعم النظام وارتكاباته، وإنما استعانوا أيضاً بأساليبه القمعية ذاتها في النيل من معارضيه ومعارضيهم، وساروا على منواله في فرض أنفسهم أوصياء على حياة الناس وخياراتهم، وتكريس تلك الأجواء المرضية التي تضع في دائرة الشك كل من يتجرأ على الاعتراض، مستسهلين سوق الاتهامات بالمروق والعمالة بحق من يبدي رأياً مخالفاً، بما في ذلك تسويغ ما يحلو لهم من الأساليب التصفوية لإقصاء الآخر المختلف وتحطيمه، تصل في بعض الأحيان إلى حد اغتياله.

ويبدو أن حدة هذه الأساليب وشدة الشتائم والاتهامات بدأت تتصاعد طرداً مع تفاقم أزمة هؤلاء الحلفاء وفي مقدمهم حزب الله، ربطاً بانكشاف أوراق الأخير المذهبية وانحسار قدرته وطنياً، ولنقل خفوت نغمته كمقاوم لإسرائيل في الدفاع عن اندفاعاته العنيفة وارتكاباته، وتالياً عجزه عن رص صفوفه التي بدأت تتصدع من الخسائر التي مني بها، ومن الحصار الذي بدأ يفرض عليه عربياً ودولياً، ويصح أن ننظر من هذه القناة إلى حملته المحمومة والمغرضة ضد أصوات لبنانية دانت تدخله الدموي في الصراع السوري ورفضت محاصرة اللاجئين على أنهم إرهابيون، متوسلاً افتعال ما سماه انتصار عرسال، لتبرير استمرار حضور سلاحه المنفلت خارج الدولة اللبنانية، والأهم لإظهار نفسه قوة لا تقهر، يحدوها تعميم القهر والخوف، لفرض ما تراه مناسباً على اللبنانيين.

والحال، ثمة أسئلة كثيرة تثار في تفسير هذا الدور الفريد والمتميز للمثقفين اللبنانيين والسوريين: هل يتعلق السبب بالتقارب الجغرافي والعلاقات التاريخية التي تربط البلدين وذاك التشابك العميق بين الشعبين في المصالح والمصير؟ أم لأن لبنان ومثقفيه شكلوا دائماً واحة للمثقفين السوريين يتنسمون عبرها هواء الحرية ويطلقون في فضاءاتها اجتهاداتهم ومواقفهم من دون خوف، وقد عزز ذلك ما خلقه وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان من ساحة مشتركة للقاء والتفاعل وبناء التوافقات؟. أم يتعلق الأمر بقيم راسخة تجمع هؤلاء المثقفين في الاعتزاز بالحياة الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية التفكير والإبداع، وتالياً في مناهضة العنف ومنطق التمييز والاضطهاد، ربطاً بوحدة معاناتهم من قمع سلطوي ظالم ومزمن كان الأسوأ خلال الوجود العسكري السوري في لبنان ووصايته على الحياة السياسية والأمنية؟.

والأهم أن السبب يرتبط بدور إنقاذي مشترك آمن به المثقفون اللبنانيون والسوريون، أو بوظيفة خاصة تنطحوا لها للرد عما يستجد من تطورات ولبناء وعي نقدي يفترض أنهم أقدر المعنيين ببنائه في ظل ضعف الأحزاب السياسية أو عجز رجالاتها وترددهم، ولنقل في ظل انكشاف أزمات مجتمعاتهم والفشل البين للمشاريع السياسية والأيديولوجية في وقف التدهور الحاصل أو الإمساك بزمام المبادرة، مجاهرين برهانهم على الثقافة في حض المجتمع على التحرّر من الديكتاتورية والتخلص من القمع والاضطهاد، وفي تمكين لغة العصر ونشر قيم النهضة والتنوير، وتغذية الأمل بولادة إنسان جديد يستطيع أن يحيا ويفكر ويقاوم ذوداً عن حقوقه... إنهم بضع مئات من المثقفين، لكنهم ملح الأرض وخميرتها!.

اقرأ المزيد
٩ أغسطس ٢٠١٧
سورية تتزوج مغتصِبَها!

لا يظننّ أحد أنّ المحرقة السورية انتهت. لقد بدأت الآن مع توارد الأنباء عن بقاء مجرم الحرب بشار الأسد في الحكم، «لحين انقضاء المرحلة الانتقالية» كما تقول التحليلات، وهذه المرحلة قد تطول بحيث تصبح مثل تلك المرحلة المقترنة بالاحتفاظ بـ «حق الرد» على الجرائم الإسرائيلية ضد دمشق، والتي استمرت أزيدَ من أربعين عاماً.

إنها المأساة في أكثر وجوهها سخرية. إنه التحديق الأرعن في عين الموت بابتسامة تسيل من الطرف الأيسر من الفم، ولا تأبه لروائح الجثث التي أزكمت أنف التاريخ، ولا بمشاهد الضحايا الذين ابتلعهم البحر والصحراء والهجير وبيوت «الزينكو» في مخيمات اللجوء والمنافي.

والمأساة تشير إلى هزيمة ساحقة للعقل والأخلاق والمنطق والوجدان، وسقوط مدوّ للتآخي الإنساني، والتعاطف الأممي الذي يقبل أن يواصل المجرم والسفاح عمله حتى انتهاء ولايته الدستورية، وبعد ذلك سيجد ولاة الأمر وأعضاء مجمع حملة المباخر أنّ لا بديل عن المجرم، فلنزوّجه سورية بعد أن اغتصبها وأوغل في بكارتها توحشاً. إنها المكافأة التي تُمنح لقادة العار في التاريخ، وزعماء الغزو والاستباحة والهمجية باسم توازن القوى، واختيار الحلول الأسلم، ومن نعرفه خير ممن نجهله، فضلاً عن الخشية الموهومة من اليوم التالي لرحيل الأسد. فمن البديل؟!

والبديل يُطرح أولاً على «المعارضة» السورية التي خذلت شعبها، وارتضت الارتهان لإرادة الدول والمنظمات، وأمزجة التوازنات التي فرّخت معارضات لا برامج حقيقية لديها، فتاهت البوصلة، وصار الطريق إلى دمشق يمر عبر بوابات العواصم والتحالفات والأجندة الدولية التي حوّلت الدم السوري إلى سلعة في بورصة الدم والهمجية والاستقرار المزعوم، والحفاظ على أمن دول الجوار، ونقصد هنا حصراً «إسرائيل»!

سقطت الشرعيات عن الأمم والدول والمعارضات. سقطت الشعارات التي تحكي عن العدل وتحض على حق الشعوب في التحرّر والاستقلال وتنفّس الهواء النظيف. سقطت الشعارات واليافطات لا لخلل في بنيانها أو تهافت في خطابها، بل لأنّ حَمَلَتها سقطوا في امتحان الثبات والصمود، وأجّروا إرادتهم وضمائرهم للعابثين الذين كانوا يرون سورية من ثقب إبرة مصالحهم وتوازناتهم.

على أنّ ذلك كله لا يعني، أبداً، أنّ الراية سقطت. لا يسقط الظلم بالتقادم، ما يعني أن تندلع في مقبل الأيام حركة كفاحية مدنية تفضح جرائم النظام، وتعرّي المتخاذلين الذين صمتوا أو تواطأوا أو أثروا وكوّنوا لأنفسهم مصالح خاصة باسم الثورة، وتحت أغطيتها. يتعين أن يذهب الحراك المدني إلى نشر فظائع هؤلاء في كل المنابر، فالوسائل متاحة بكثرة الآن، وعالم «السوشال ميديا» مفتوح وسهل، ولا مجال للإنكار أو الإفلات من العقاب.

لا بد من توثيق جرائم النظام وفظاعاته، والتحرّك نحو تغيير النظام بأدوات أكثر ذكاءً من تلك الأدوات المهترئة التي سلكتها المعارضة التي مع الأسف ضمت وجوهاً نضالية محترمة، لكنها كانت بلا ملامح ولم تترك بصمتها، وانخرطت في قطيع الدهماء والباصمين والموقّعين والمتنازلين، حتى لم يبق لديهم ما يتنازلون عنه.

الحرب بدأت الآن، والمواجهة قدحت نارها. فإذا كان التاريخ والجغرافيا وإرادة الأمم والأخلاق قد تهاوت وارتضت أن تزوّج سورية إلى مغتصبها، فهذا لا يتعين أن يلقى رضا الناس وطأطأة رؤوسهم وإذعانهم. لا بد أن يكون الرفض مدوّياً ضد هذا الخراب العامّ والطامّ. إلا إذا أضحى السوريون مثل الليبيين والعراقيين يتغنون بفضائل القذافي وصدام حسين، وبأنهما وفّرا الأمن، مع أنهما سلبا شعبيهما الحرية. إذا كان لسان السوريين هكذا، فإنّ اللعنة لا بد أن تحلّ علينا جميعاً، وأن تذهب الخطابة والرطانة وقيم الكرامة والتنوير والحق، إلى الجحيم. نعم إلى الجحيم، وبئس بذلك مستقراً...!

اقرأ المزيد
٩ أغسطس ٢٠١٧
أوروبا والعقوبات الأميركية على إيران

إعلان شركة «رينو» الفرنسية للسيارات عن فتح معمل جديد لصناعة السيارات في إيران يمثل تحدياً أوروبياً للعقوبات الأميركية على إيران. فالعقوبات التي فرضها الرئيس ترامب أزعجت في شكل كبير القطاع الاقتصادي الأوروبي الذي كان هرول للاستثمار في إيران بعد رفع العقوبات الأوروبية على هذا البلد إثر الاتفاق الدولي مع إيران حول برنامجها النووي. ومجموعة «رينو» التي يرأسها اللبناني كارلوس غصن لم تترك إيران حتى خلال العقوبات عليه. وشركة «توتال» للنفط عادت إلى إيران بعد رفع العقوبات للاستثمار في إنتاج الغاز من حقل «بارس». ومشروع استثماره بالبلايين وهو مهم جداً لـ «توتال» الفرنسية. كما باعت شركة «إرباص» مئات الطائرات لإيران فور رفع العقوبات عنها. أما الآن فالعقوبات الأميركية ستعقد الأمور للأوروبيين إذ إن البنوك الأوروبية تتخوف من العمل مع شركات إيرانية وضعت على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة لأنه سبق لبنك فرنسي مهم هو «بنك باريس الوطني» BNP أن اضطر إلى دفع غرامة بقيمة ٨.٩ بليون دولار لأنه خرق الحظر. إلا أن الصناعيين الأوروبيين يظهرون نية في البقاء على قرارهم بالدخول إلى السوق الإيرانية لأنهم يعتبرون البلد واعداً من ناحية حاجاته في جميع القطاعات.

إن وضع الاقتصاد الإيراني على رغم تحسن بسيط ما زال يعاني من توترات اجتماعية شديدة مع بطالة تصل إلى ١٦ في المئة وتمس الشباب. ومعظم القطاع الاقتصادي تسيطر عليه مؤسسات «الحرس الثوري» الذي يصرف أموالاً باهظة لتمويل الحروب وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. فإيران تمول «حزب الله» وحربه في سورية ووجوده وهيمنته على لبنان، وأيضاً تمول نفوذ قاسم سليماني في العراق وسورية. و «الحرس الثوري» يمول أيضاً الحوثيين وعلي عبدالله صالح في اليمن. فالانفتاح الاقتصادي الذي يصبو إليه الشعب الإيراني وخصوصاً الشباب منه سيصطدم بسياسة «الحرس الثوري» والمجموعة التي تدير سياسة إيران في الداخل والخارج وهي عازمة على إبقاء ثروة البلد في يدها. والدليل أن تعطش إيران إلى الاستثمارات الخارجية جعل البرلمان الإيراني يوافق على شروط عقود استثمار في قطاع النفط أكثر جاذبية من السابق. فكانت الشركات النفطية العالمية في السابق وقبل العقوبات مترددة في الدخول في عقود خدمات غير جاذبة للمستثمرين. ولكن القيادة الإيرانية أدركت بعد رفع العقوبات الأوروبية عنها أنها بحاجة إلى تحسين هذه الشروط لجذب الاستثمار لأن «الحرس الثوري» المسيطر على قطاع النفط عانى الكثير من قلة العائدات التي يحتاج إليها للتدخل وتوسيع النفوذ في كل المنطقة.

مما لا شك فيه أن إيران دولة كبرى مع طبقة اجتماعية مثقفة ولها تراث قيم ولكن قيادتها حالياً أهدرت كل ذلك ولو أن أوروبا وشركاتها تهرول للاستثمار فيها. فالقطاع الخاص في إيران يمثل نحو ٢٠ في المئة من مجمل الاقتصاد والباقي هو لـ «الحرس الثوري». ولا شك أن العقوبات الأميركية على إيران ستؤثر في عمل الشركات الأوروبية في هذا البلد، علماً أن لدى الأميركيين وخصوصاً دونالد ترامب خلفية أخرى في استراتيجيته في العقوبات وهي منع القطاع الاقتصادي الأوروبي من أن يستفيد في غياب الأميركيين، علماً أنه بعد الاتفاق مع إيران حول النووي سمحت إدارة أوباما لشركة «بوينغ» أن تبيع قطع غيار لطائرات إيران وكانت إيران ستعقد صفقة شراء طائرات «بوينغ» من الولايات المتحدة. ولكن في عهد إدارة ترامب تغيرت الأمور ولو أنها من دون استراتيجية ورؤية لما تريده من إيران. فمن جهة يقول ترامب إنه لا يريد أي نفوذ إيراني في سورية ولا يريد بشار الأسد، ومن جهة أخرى لا يظهر كيف يريد مكافحة النفوذ الإيراني في سورية. فهو يسحب الدعم المسلح للمعارضة الديموقراطية ويوقف تمرين قواتها ولا يعطي الانطباع أنه فعلاً ضد توسع النفوذ الإيراني في سورية. فالعقوبات الأميركية على إيران معاقبة أكبر لأوروبا.

اقرأ المزيد
٩ أغسطس ٢٠١٧
عن قَدَر «احتلال العواصم الأربع»!

كان الأردن يتصرف طيلة السنوات الماضية على أساس عدم وجود جيش عراقي نظامي يتميز بالكفاءة يمكنه مواجهة قوات «داعش»، خصوصاً في غرب العراق. اليوم بات واضحاً أن هذه الحسابات الأردنية تغيرت بفعل أربعة عوامل، أولها انطلاق عمليتي الموصل والرقة، ثانيها التدخل الروسي في سورية منذ نحو عامين، وثالثها مجيء إدارة أميركية جديدة فرضت ترتيبات جديدة على المشهدين العراقي والسوري، وأخيراً تبلور جهد دولي واسع يجعل بوابة مكافحة الإرهاب مدخلاً لإعادة ترتيبات المنطقة.

تغير الحسابات لا يقتصر على عمّان، بل يشمل الرياض والقاهرة وغيرهما. وعلى وقع هذه المعطيات الميدانية، نشهد حراكاً سياسياً عراقياً تجاه دول المنطقة العربية، تجلى في نهج رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ووزير داخليته قاسم الأعرجي، وحراك الزعيمين مقتدى الصدر وعمار الحكيم نحو الرياض وعمّان والقاهرة.

موجبات التقارب العراقي - العربي كثيرة ويفرضها تغيّر الظروف الإقليمية وتغيّر ظروف العراق ونجاح العراق في دحر «داعش» من الموصل ووجود رغبة أميركية قوية في تحسين علاقات العراق مع جيرانه العرب. وقد رحبت واشنطن بزيارات الزعماء السياسيين العراقيين الأخيرة عمّان والقاهرة والرياض. ولقد ضاع وقت كثير بسبب سياسة عربية مفادها أن «احتضان العراق يتطلب تحقيق جملة شروط»! وحصاد أربعة عشر عاماً، منذ غزو العراق عام 2003، يؤكد أنه لا يمكن تخيّل منطقة عربية قوية في ظل عراق ضعيف ومفكك ومستنزف وتهيمن طهران على كثير من مفاصل قراراته السياسية. وكذلك اتضح أن تقوية الوطنية العراقية ووقوفها في وجه سياسة «الاستلحاق والاستتباع» التي تنتهجها إيران مع قوى نافذة على الساحة العراقية، لا يمكن أن يتمّا من دون حاضنة عربية تتخلص من «إرث ما بعد 2003»، وتكرّس بناء الثقة وتتجاوز المعادلات الصِفرية وتقتحم المناطق الرمادية في إرث العلاقة وتستثمر في عناصرها المستجدة.

اليوم نستذكر تصريحات السفير الأميركي لدى العراق كريستوفر هيل في 2009 بأن العراق يمكن أن يصبح محركاً للاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي، وحديثه عن أن علاقة العراق مع جيرانه ستحدد شكل المنطقة في السنوات المقبلة.

وعلى رغم كل هذه السنوات التي مرت، فإن الثابت في الاستراتيجية الأميركية أنها تحاول إقامة هيكل أمني أكثر اعتماداً على الذات، يتطلب مشاركة خارجية فقط في الظروف الصعبة. وما ينقص العراق هو إطار عمل أمني إقليمي يسمح للعراق اليوم باستعادة مكانته الإقليمية، عبر الانخراط في حوار بنّاء حول هذا الإطار مع جيرانه، الذين عليهم النظر إلى أن إعادة الاستقرار إلى العراق ومحاربة الإرهاب فيه ومشاركة الجوار العربي في إعادة إعماره وتنميته والاستثمار فيه أدوات أساسية لترسيخ العمق العربي في سياسة العراق و «مدافعة» النفوذ الإيراني في هذا البلد، وهو نفوذ تصاعد في ظل غياب عربي وتردد سياسي وتواطؤ أميركي من خلال «لعبة التوازن الطائفي» و «التمييز بين إرهاب وإرهاب».

ثمة فرصة سانحة لـ «طي إرث 2003» وإعادة الحسابات من خلال ربط المصالح العربية بمغادرة سياسة التردد والارتباك وعدم الهروب من دفع «كلفة الجرأة الديبلوماسية». هذه الجرأة يتعين أن تتجه نحو استثمار حال «التململ» الموارب لدى العراقيين من فجاجة التدخل الإيراني في بلدهم واستغلالهم وتعاطي طهران معهم كأتباع. ذلك يتحقق أيضاً عبر الإقرار بأن «سياسة المحاور» بأبعادها الطائفية أضعفت الوطنية العراقية وأضعفت المصالح العربية في آن، وسيستمر إضعافهما طالما استمر اختزال العرب العراق في «الحشد الشعبي» ونوري المالكي، وطالما استمرت الإساءة إلى شيعة العراق بتصويرهم كأنهم وإيران، عملة واحدة!

السؤال: ما جدوى حديثنا عن أن طهران تحتل أربع عواصم عربية إن لم يكن المقصود التحرك العربي الذكي لمنعها من ذلك، ووقفِ هذا القَدَر بقَدَرٍ غيره... يبدأ من أرض الرافدين؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى