مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ مارس ٢٠١٨
سبع سنوات من المؤامرات الأسدية على سوريا

بعد سبع سنوات على الثورة السورية، سأتفق بشكل كامل دون أي تردد مع النظام السوري ووسائل إعلامه وكل القوى المتحالفة معه بأن سوريا تعرضت لمؤامرة شيطانية كان هدفها تدمير سوريا، وتشريد شعبها والقضاء على دورها الاستراتيجي التاريخي في المنطقة. سأتفق أن المؤامرة استهدفت «قلب العروبة النابض» وخنق آخر رمق عروبي قومي في المنطقة العربية. لن أختلف معكم. أتفق معكم أن المطلوب هو الإجهاز على كل من يرفع شعاراً عروبياً يذكـّر العرب بهويتهم، ويريد أن يجمع شملهم تحت راية عربية واحدة. ماشي. سأتفق معكم أن المطلوب تدمير أي نظام عربي يحلم بأن يكون لديه قرار وطني مستقل حقيقي. ولن أختلف مع الرئيس السوري عندما قال في لقاء مع مسؤول كوري شمالي إن سوريا وكوريا الشمالية مستهدفتان من أمريكا لأنهما صاحبتا قرار وطني مستقل، وترفضان الهيمنة الامبريالية والصهيونية على العالم. ماشي يا سيادة الرئيس.

سأتفق مع حلف الممانعة والمقاومة، وسأبصم له بالعشرة أن رأس سوريا مطلوب لأنها العمود الرئيسي في حلف الصمود والتصدي لقوى الهيمنة والاستكبار العالمي. ماشي. سأتفق معكم مئة في المئة أن المطلوب من المؤامرة على سوريا ضرب الجيش السوري في الصميم وتفكيكه كونه أحد الجيوش العربية القليلة الباقية شوكة في خاصرة العدو الصهيوني إسرائيل. سأتفق معكم أنهم قضوا على الجيش العراقي، وقد جاء دور القضاء على الجيش السوري الباسل. ماشي.

لن أناقشكم بأن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي استطاع تأمين الأمن الغذائي والدوائي، فأمّن مخزوناً استراتيجياً من القمح لعشرات السنين، كما بنى مصانع أدوية عظيمة أمنت للسوريين الدواء، لا بل كانت تقوم بتصدير الفائض إلى الخارج. لن أختلف معكم في أن المطلوب كان القضاء على البنية الصناعية في سوريا، وخاصة في حلب التي كانت تحتض أهم المعامل في سوريا، وتنتج أعظم السلع والبضائع. لن أختلف أيضاً معكم بأن المؤامرة استهدفت الاقتصاد السوري الذي بدأ يتعافى بشكل رائع في العقد الأول من هذا القرن. إن قلتم إن سوريا تعرضت لمؤامرة، سأقول لكم، لا بل تعرضت لأبشع مؤامرة عرفها العرب خلال تاريخهم الحديث. ماذا تريدون أكثر من ذلك. نحن متفقون.

لكن دعوني الآن أسألكم: من الذي نفذ تلك المؤامرة الحقيرة على سوريا، ومن الذي وفر لها كل أسباب النجاح؟ من الذي قضى على دور سوريا في المنطقة، وحوّلها من لاعب إلى ملعب، أو حتى إلى ملعوب به؟ من الذي حوّل سوريا من فاعل إلى مفعول به؟ أليس الذي ورطها في صراع داخلي، وفتح كل الأبواب للقاصي والداني كي يدخل ويعبث بأمن سوريا، ويجعلها ساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية وعربية؟ البادئ دائماً أظلم. ومن بدأ اللعبة الخطيرة؟ إنه النظام الذي يشتكي الآن من المؤامرة.

من الذي جعل سوريا تابعاً ذليلاً الآن لقوى إقليمية كإيران ودولية كروسيا؟ من الذي جعل الجنرال الإيراني قاسم سليماني يظهر في الإعلام على أنه القائد الحقيقي لسوريا عسكرياً وسياسياً؟ من الذي جعل كل القرارات المصيرية بشأن سوريا تصدر من موسكو؟ من الذي جعل أصغر مسؤول إيراني يصرح بأن دمشق هي مربط خيلهم؟ من الذي جعل الإيرانيين والروس يتشدقون ليل نهار بأنه لولاهم لما صمد بشار الأسد ساعة واحدة؟ هل كنتم ستسمحون لإيران وروسيا بأن تتصرفا بهذه الطريقة لو كان لديكم فعلاً قرار وطني مستقل يا سيادة الرئيس؟ ستقولون الآن إن المؤامرة هي التي جعلت النظام يسلم مقاليد الأمور لإيران وروسيا. وطبعاً هذا كلام فارغ، فلو أنكم تصرفتم بحكمة في بداية الثورة، ولم يضحك عليكم الإيرانيون والروس ويدفعوا بكم لمواجهة الشعب بالحديد والنار لما أصبحتم الآن مجرد ألعوبة في أيدي بوتين وخامنئي. لماذا لم تقولوا لإيران التي قالت لكم إنها قادرة على القضاء على الثورة السورية كما قضت على الثورة الخضراء، لماذا لم تقولوا لها إننا لا نريد أن نفتح أبواب جهنم على سوريا؟ لماذا قبلتم معها بسحق الثورة بدل النزول عند مطالب الناس؟ هل كنتم ستجدون أنفسكم الآن لعبة في أيدي إيران لو أنكم لم تتركوا الأمور تنفلت من أيديكم بسبب حساباتكم الحمقاء؟ هل كنتم ستفقدون السيطرة على قراركم الوطني المستقل؟

رأس العروبة مطلوب في دمشق. صحيح. لكن من الذي جعل السوريين يكفرون بعروبتهم؟ أليس الذي لم يترك سلاحاً إلا واستخدمه ضدهم لمجرد أنهم طالبوا بقليل من أوكسجين الحرية؟ كيف تريدون من السوريين أن يفتخروا بهويتهم إذا سلطتم عليهم أبشع أنواع الوحوش العسكرية والأمنية؟ هل كان العالم ليعزلكم ويحاصركم ويطردكم من المنظمات العربية والدولية، ويحرم السوريين من أبسط المواد لو أنكم لم تجرموا بحق السوريين؟ هل كان الشعب السوري سيجد نفسه في بطون الحيتان والأسماك في عرض البحار لو أنكم لم تفضلوا الحل العسكري الأمني الإجرامي على الحل المدني منذ الأيام الأولى للثورة؟

لن نختلف معكم بأن سوريا كانت حاضنة لكل حركات المقاومة في المنطقة. ماشي. لكن من الذي دمر هذه الحاضنة الآن سوى طيشكم وعنجهيتكم؟

هل كنتم لتستعينوا بكل الميليشيات المرتزقة لو أن جيشكم مازال قادراً على مواجهة المؤامرة؟ من الذي أوصل الجيش السوري إلى هذا الحال البائس؟ المؤامرة أم سياستكم الرعناء؟ ترمون بجيشكم في قلب جهنم ثم تشتكون من المؤامرة. نعم فإن أعداء سوريا يريدون القضاء على الجيش السوري، لكن بربكم من يقود الجيش؟ ليس بإمكانكم أن تتهموا أمريكا وإسرائيل مباشرة هنا، فأمريكا لم تطلق ولا حتى وردة على جيشكم، لا بل هبت بطائراتها لنجدتكم في شرق وشمال سوريا عندما بدأت تهددكم داعش فعلياً. إذاً: لا تقولوا لنا إن أمريكا دمرت جيشكم كما فعلت في العراق.

لنتحدث أخيراً عن الدمار الهائل الذي جعل سوريا تبدو كمدن الحرب العالمية الثانية وربما أبشع. لقد تحولت المصانع والصوامع إلى حطام. لكن كل ذلك بفضل همجيتكم. لم تتركوا مصنعاً ولا مدرسة ولا جامعاً ولا صومعة إلا وأحرقتموها بحجة دخول الإرهابيين إليها. ثم تشتكون من تدمير سوريا ونهضتها واقتصادها. لن أختلف معكم أن العصابات المسلحة ساهمت في التدمير والتهجير. لكن هذا الدمار الهائل يحتاج إلى طائرات، وصواريخ عابرة للمدن، وجحافل دبابات، ومدرعات، ومدفعية ثقيلة جداً، وراجمات صواريخ، وسلاح كيماوي. وكل ذلك ليس متوفراً لدى الجماعات الإرهابية. ولو توفر بعضه، فبالتأكيد لن يكون قادراً على إحداث كل هذا الدمار الرهيب. ربما دمرت الجماعات الإرهابية عشرين في المئة، لكنكم أنتم دمرتم ثمانين في المئة من سوريا بهمجيتكم وسياسة الأرض المحروقة التي وضعتها لكم روسيا، لأن جيشكم هو الوحيد الذي يملك القوة التدميرية العسكرية الحقيقية. إذاً من المتآمر على تدمير سوريا؟ بالتأكيد أنتم وجيشكم. أو كي لا تزعلوا: من الذي نفذ المؤامرة الحقيرة؟ أنتم بالتأكيد يا من تشتكون ليل نهار من المؤامرة الكونية.

وأخيراً، حتى لو نجحت العصابات الإرهابية فعلاً في تهجير خمسة عشر مليون سوري وتدمير ثلاثة أرباع سوريا، فهذه وصمة عار في جبينكم وجبين جيشكم يا سيادة الرئيس، لأنها تعني شيئاً واحداً: أن النظام الذي يحكم سوريا نظام بائس تعيس فاشل لم ينجح في حماية سوريا وشعبها من هؤلاء الإرهابيين. وبالتالي هو المسؤول عن نجاح المؤامرة.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
«أفغنة» الحرب السورية لمدة 40 سنة

بعد إعلان استسلام ألمانيا النازية، عُقِد في «بوتسدام» أول مؤتمر للبحث في مستقبل الدولة المهزومة بحضور هاري ترومان وجوزيف ستالين وونستون تشرشل (17 تموز- يوليو - 1945).

اقتصر الوفدان، الأميركي والبريطاني، على الخبراء العسكريين فقط، في حين زاد ستالين على وفده المرافق أربعة موسيقيين ممن اشتهروا في أداء الموسيقى الكلاسيكية على البيانو. وقد تناوب الأربعة على تقديم مقطوعات متنوعة صفق لها أعضاء الوفود خلال فترات الاستراحة. وتبيّن لرئيس الحكومة البريطانية أن الزعيم السوفياتي يتعمّد الظهور بمظهر القائد الإنساني المرهف الحس، بهدف محو الصورة القبيحة التي رسمها الغرب عنه. أي صورة الرجل الظالم الذي قضى على الملايين من أبناء شعبه، خصوصاً خلال مرحلة تصفية الملاكين، والتخلص ممن سمّاهم «أعداء البروليتاريا.»

بعد مرور ثلاثة أيام، استغل تشرشل الفرصة لطرح سؤال محرج على ستالين، قائلاً: هل صحيح أنك أمرت بتصفية عشرة ملايين روسي؟ وتحاشى ستالين الجواب أمام أعضاء الوفود الأخرى، ولكنه بسط أصابع يده اليمنى وهزها في الهواء مرتين، ثم أتبع ذلك بالإشارة الى زيادة مليون بواسطة سبابته. ورفع تشرشل صوته، وقد أذهله الرقم الإضافي، فقال: أحد عشر مليون ضحية... هذا أمر فظيع! بعد العشاء طلب ستالين من المترجم نقل تعليقه على استغراب تشرشل، فقال: يا عزيزي ونستون، إذا قتل شخص شخصاً آخر، فالقانون يعتبر هذا العمل جريمة... أما في حال قتل الألوف والملايين، فالمؤرخون يُدخلون هذه الأرقام في علم الإحصائيات... ستاتيستيك!

ومن المؤكد أن وريث ستالين فلاديمير بوتين قد طبّق النظرية ذاتها في الشيشان، أثناء إبادة خصومه بواسطة البراميل المتفجرة! الأسبوع الماضي، صدرت مجلة «تايم» بغلاف أسود يتوسطه نور خافت منبعث من فجوة جدار اخترقته قنبلة، وقد كتبت تحت العنوان العبارة التالية: أصوات... من تحت الركام. ويُستخلَص من رمزية هذه الصورة أن أصوات ضحايا الغوطة الشرقية قد دخلت في قائمة إحصائيات الأمم المتحدة، وأن النظام السوري سيطبّق عليهم نظرية ستالين وبوتين!

كل هذا يحدث في ظل ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين الى ألف قتيل، بينهم 180 طفلاً على أقل تقدير، خلال أسبوعين في الغوطة الشرقية. ويؤكد أحد أطباء الجبهة أن الطفولة مستثناة في كل الحروب، ما عدا طفولة سورية. وهي تشكل ما نسبته واحد من كل أربع ضحايا... وأن اختلاط الدم بالغبار على وجوه البراءة هو السمة البارزة التي تثير حفيظة المؤسسات الإنسانية في العالم.

إضافة الى هذه المآسي، ظهرت قبل أسبوع عوارض اختناق وضيق تنفس على أكثر من سبعين مدنياً في بلدتي سقبا وحمورية في الغوطة، إثر قصف استهدفهما من قوات النظام وروسيا. ووفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن القوات المهاجمة استخدمت غاز الكلور المحرَّم.

منذ منتصف شباط (فبراير) الماضي، تشن قوات النظام السوري حملة عنيفة على مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في الغوطة حيث يعيش قرابة 400 ألف مدني. وبما أن القصف الجوي والصاروخي والمدفعي قد منعهم من التجوّل من أجل تأمين حاجاتهم من غذاء ودواء، لذلك ارتضت غالبيتهم الفرار بالسيارات التي تُشاهَد على الطرقات وهي تحترق بمَن في داخلها.

يصف المراسلون الأجانب الوضع الأمني في سورية بأنه شبيه بالوضع الأمني الذي تعرضت له أفغانستان، عقب الانقلاب العسكري الذي قام به «الحزب الشعبي الديموقراطي» في ربيع 1978. وفي كانون الأول (ديسمبر) 1979، تدخل السوفيات في أفغانستان بهدف الاستيلاء على السلطة المحلية ومنع تمدد حركة «المجاهدين»، أي الحركة التي آزرتها قوى خارجية بينها: الولايات المتحدة والاستخبارات الباكستانية والمملكة العربية السعودية.

وبعد نزاع مرير، اضطرت القوات السوفياتية الى الانسحاب سنة 1989، قبل أن تجير السلطة الى الحزب الشيوعي الذي حكم ثلاث سنوات ثم انكفأ سنة 1992 عقب سقوط كابول.

على أثر ذلك الانسحاب، دعيت الأحزاب الأفغانية الى مؤتمر عُقد في مدينة «بيشاور» الباكستانية لتحديد هوية النظام الجديد. وأعلن المجتمعون ولادة «الدولة الإسلامية الأفغانية»، مع تشكيل حكومة انتقالية. ولقد اعترض على ذلك الإجراء الزعيم قلب الدين حكمتيار، الذي طلب من جماعته استئناف القتال. وكانت تلك الخطوة بمثابة تشجيع لقوى مناهضة لحكمتيار بينها: إيران والسعودية والهند وأوزبكستان.

بعد فترة سنتين، ظهر على الساحة وزير الدفاع أحمد شاه مسعود، ليرسخ النظام ويمنع الفوضى ويعيد الأمن الى كابول. والثابت أن قيادة الاستخبارات الباكستانية كانت تراهن على قوة أخرى ظهرت في مدينة قندهار، هي قوة «طالبان.»

ولقد قدِّر لها أن تحكم فترة قصيرة من الزمن كانت كافية لإقناع شعوب تلك المنطقة بأنها النسخة الأولى عن تخلف «داعش» ووحشية حكمه.

في نهاية الأمر، فإن مرحلة الفلتان الأمني والنزاعات العشائرية استمرت أربعين سنة قبل أن يهدأ الوضع في أفغانستان نسبياً، وتعود الى كابول سلطة تنقصها قوة السيادة لبسط نفوذها على كامل الأرض.

عودة الى وصف المراسلين الأجانب الذين يحسبون أن طريق سورية الى الاستقرار واستقلال القرار يحتاج الى فترة طويلة لا تقل عن أربعين سنة. كل هذا بسبب حاجة مشاريع إعادة الإعمار الى شبه خطة «مارشال» يزيد تمويلها الأساسي على مئتي بليون دولار. كما تحتاج أيضاً الى سبع سنوات في حال تأمن المبلغ من جهات استثمارية محلية كانت أم خارجية.

وتبرز صورة التماثل بين أفغانستان وسورية بوفرة عدد الدول المتورطة في النزاع داخل المدن السورية، مثل ايران وروسيا والولايات المتحدة. إضافة الى أكثر من مئتي ميليشيا محسوبة على المعارضة والنظام، ظلت لمدة سبع سنوات تبحث عن الحل في اسطنبول وجنيف وآستانة، فلم تنجح.

والسبب أن الرئيس فلاديمير بوتين يوظف منجزاته العسكرية في سورية من أجل ربح ولاية رابعة بسهولة وسلاسة. كذلك يحاول النظام الايراني تحسين وضعه الداخلي من طريق إعادة سيطرته على عمليات نقل الصواريخ الى «حزب الله»، متحدياً بذلك الضمانات التي قدمها بوتين الى بنيامين نتانياهو.

وفي الوقت ذاته، يقوم الجيش التركي بالتوغل داخل الحدود الشمالية لسورية بحجة طرد تنظيم «وحدات حماية الشعب» الكردي الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وهو حزب يخوض تمرداً ضدها منذ عقود. وفي العشرين من كانون الثاني (يناير)، أطلقت تركيا عملية «غصن الزيتون» بدعم من مقاتلين ينتمون الى فصائل معارضة سورية. وذُكِر في هذا السياق أن قوات موالية للأسد استغلت هذا الوضع لمناصرة الأكراد في منطقة عفرين، الأمر الذي اعتبره رجب طيب اردوغان تأييداً صريحاً لموقف الأكراد من تركيا.

غداً الأحد، ينتخب الروس فلاديمير بوتين لولاية رابعة تدوم ست سنوات وتنتهي سنة 2024. ومع أنه أعلن قبل أسبوع لمحطة «ان بي سي» الأميركية رفضه تقليد نظيره الرئيس الصيني في السعي الى رئاسة مدى الحياة، إلا أن إعلانات حملته الانتخابية تشير الى عكس ذلك. فهي تظهره جالساً فوق عرش القيصر، يحمل الصولجان بيمينه ويعتمر التاج المرصّع بالأحجار الكريمة.

ويرى المراقبون أن ممارساته الأخيرة توحي بالتغيير الذي طرأ على نهجه قبل أن يبدأ ولايته الرابعة. ذلك أنه ركز اهتمامه على مصير شبه جزيرة القرم، متجاهلاً قرارات الأمم المتحدة. تماماً مثلما تجاهل اتهامات رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي حول عملية تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال.

مقابل هذا التحوّل في تعاطي بوتين مع خصومه، حذر المعلقون الأوروبيون من خطورة إعفاء وزير خارجية اميركا ريكس تيلرسون من منصبه. خصوصاً أن ترامب برَّر هذا القرار بالقول إنه كان يختلف معه في الكثير من القضايا، وبينها موقفه المهادن من الملف النووي الإيراني.

ويُستَدَل من هذا التبرير أن ترامب عازم على إلغاء اتفاق الملف النووي. وفي حال نفذ تهديده، فإن المنطقة مقبلة على مواجهة عسكرية على طول الحدود مع إسرائيل!

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
شراء الضمير.. لعبة الطغاة لتضليل الشعوب!

من المتعارف عليه في علم التجارة أن التسويق والإعلان أي "التلميع": هو من أهم مقومات نجاح المنتج، حتى لو كان بالي وفاسد وعديم القيمة، مثل إعلانات السيجار وبعض أنواع المشروبات الكحولية، وهذه المنتجات لا تختلف عن الطغاة العرب إلا ببطئها في الفتك والقتل، فمن أهم مقومات صمود الطغاة على مدى سنين طويلة: هو شرائهم لضمير الآلاف من الكتاب والإعلاميين والفنانين، فقد كسروا قلم الكاتب وثبطوا تفكيره، وسرقوا ريشة الرسام وقيدوا تعبيره، وهيمنوا على حرية الإعلام وأوقفوا هديره، ولعل أفضل مثال عن هذا هو عائلة الأسد بطاغيتيها الأب والابن، الذين حكما سورية على مدى 50 عام.

كان العام 1973 البداية الفعلية لتهافت "الملمعين" و"المطبلين" كما يسميهم السوريون لرضى الأسد الأب، خاصة بعد حرب تشرين "أكتوبر" التي خرج منها مطأطأ الرأس خالي الوفاض، فقد حوّلوا هزيمته نصراً وذله عزاً، ونقش النقّاشون صوره في كل زاوية، وخلّد المؤرخون أقواله المأثورة في صفحات التاريخ السوري كأنها قرآن منزل ودرّس المعلمون بطولاته وإنجازاته الوهمية للأجيال، ولحن وغنّى الفنانون أناشيده الإقصائية، وصاغ الشعراء أبيات شعرهم من بريق عينه الكاذب.

لقد كان كتاب الصحفي البريطاني "باتريك سيل" الصراع على الشرق الأوسط، أهم حملة تسويق غربية لعائلة الأسد، بعد أن دفع حافظ الأسد مبلغ 300 ألف دولار أمريكي لقاء هذا الكتاب ذو الصورة الوردية، الذي لم يترك تفصيلة حميدة إلا وذكرها عنه، فقد تحدث بقسميه الإثنين: عن طفولة الأسد الأب وشبابه، وعن تنقله في الرتب العسكرية ووصوله للحكم وحركته التصحيحية المزعومة، وتحدث مطولاً على أن الطائفة العلوية لم تستغل منصب الأسد الأب أبداً، بل أن شبابها جدوا وكدوا وتمسكوا بحقهم في التعليم، حتى وصلوا إلى أعلى مناصب الدولة حسب تعبير الكاتب باتريك سيل، الذي رسم بذلك صوراً بيضاء بالدم، ونحت هياكل الكبرياء بالوهم، وترك في طيات صفحات كتابه، بطلاً هلامياً شرى ماضيه ومستقبله بدماء السوريين .


حقبة الأسد الابن "بشار"
لم يخرج الطفل المدلل عن نص أبيه في هذا المجال بل على العكس تماما، فقد طوّر كثيراً من الأساليب وواكب الحداثة وأضاف طرق جديدة، واستعان بالمنجمين، الذين أوهموا الشعب السوري بأن القائد المفدى خليل النصر الدائم، ذو التاج المكلل بالنجاح باقٍ إلى الأبد، لن تزحزحه نسمة عابرة من مجلس الأمن، ولا نفحة هواء من المجتمع الدولي؛ وحارب أيضا منابر الإعلام الحر كـقناة الجزيرة وغيرها، وجيّش جيشه الإلكتروني لتلفيق التهم ولنشر الإشاعات ضد كل من يخالفه الرأي، وحديثا كان استخدامه لضمير الرياضيين في المنتخب السوري لكرة القدم، لتوطيد شرعيته وتأكيد مكانته افضل مثال حي يذكر.

لقد استغل الأسد الابن نجاح الدراما السورية استغلالا باهراً، فقبل الثورة السورية جعلها تصرف النظر عن الأوضاع الداخلية المزرية إلى مؤامرته الكونية، وإلى نضاله القومي الفلسطيني المزعزوم، ومع بداية الثورة كانت الدراما السورية سلاحه الفتاك، الذي صوّر فيه نسف المدن فوق رؤوس ساكنيها بالنصر، واغتصاب نساءها بالعزة، وإذلال كبارها بالانتقام، وسعى جاهداً مع مخرجه الوفي نجدت أنزور، لصرف نظر الناس عن الكلب المسعور وعن الغصن المبتور، إلى ذبابة داعش وإلى الفصائل الإسلامية المتشرذمة، وأنشأ أيضا القنوات الإخبارية لمواكبة أحداث حربه وأخبار ميليشياته، واستكتبَ الشعراءَ والكتابَ عن بطولات جيشه وعن صموده الطويل، فتحولت سوريا بعد العام 2011 إلى مزرعة مغلقة، كل أحداثها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطاغيتها الأسد، وقد وصف الكبير الدمشقي نزار قباني هذه المزرعة وصفاً معبراً جداً في قصيدته المحظورة "عنترة" حين قال:
هذي بلادٌ يمنح المثقفون -فيها- صوتهم، لسـيد المثقفين عنترة...
يجملون قـبحه، يؤرخون عصره، وينشرون فكره...
و يقـرعون الطبـل فـي حـروبـه المظـفرة ..
لا نجـم - في شـاشـة التلفـاز - إلا عــنترة..
بقـده الميـاس ، أو ضحكـته المعبـرة ..
يـوماً بزي الدوق والأمير ... يـوماً بزي الكادحٍ الفـقير...
يوماً على دبابة روسيـةٍ ... يـوماً عـلى مجـنزرة..
يـوماً عـلى أضـلاعنـا المكسـرة..

ما أقبح من يبيع ضميره ومهنته! وما أسوأ من يطعم أطفاله طعاما قد جبل بدماء الشعوب! وما من رزيةٍ أشدُ وطأةً من رزيةِ وطنٍ مطعونٍ بسكينِ خذلانِ ولدهِ، الذي رباه وكساه وآواه وأعطاه شيب سنينه فما شفعَ لهُ وما نجاه.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
الغوطة.. صرخة ألم تدمي القلوب

لحم سوري للبيع، صرخة ألم، صرخةٌ تختلف عن كل الصرخات؛ فلها وقعٌ خاص في الوجدان والضمير وتركت أثراً عميقاً في القلوب والعقول، صرخةٌ تدمي القلوب، وتجيشُ لها المشاعر، وتجري لها المآقي. لكن إذا كان الضمير ميت والوجدان غائب والمشاعرُ متبلدة والمآقي لا تجري إلا على من تشتهي فالوضع خطير ومقلق والبشرية وبقاؤها في خطر كبير.

لحم سوري للبيع، صرخاتٍ أطلقها ذاك الشاب السوري الملكوم على أملِ أن تقع في سمع من بقي لديه شيء يسير من ضمير وقليل من إنسانية في عالمٍ أصبح الإجرامُ والإرهابُ ديدنٌ لمن يحكمه ويُسَيِرَهُ في السر والعلن.

عن الصرخة أحدثكم، لكنها ليست الصرخة تلك مجموعة الأعمال للوحاتٍ تعبيرية التي قام بإنجازها الرسام النرويجي إدفارت مونك لتصوير شخصية معذبه أمام سماء حمراء قانية بلون الدم، كما أنها ليست فيلم الصرخة الشهير للكاتب كيفن ويليامسون الذي أخرجه ويس كرافن وقامه بدور بطولته نيف كامبل، كورتني كوكس أركيت وديفيد حيث تدور أحداثه حول قاتل يرتدي قناع مخيف يشبه الصرخة يقوم بقتل أصدقائه بالسكين وبدون رحمة وبأبشع الطرق.

يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدعوى محاربة الإرهاب! أي إرهاب هذا الذي يمارسه طفل أعزل لا يقوى إلا على حمل حقيبته المدرسية؟!

إنها صرخة من نوع اّخر، صرخة لم يشهد لها العالم مثيل، لا بل ولم نسمع بها من السلف ولا عبر مر السنين العابرة. صرخةُ ألم ألغت كل الصرخات حذفت كل البشاعات، مسحت من التاريخ أفظع الجرائم وقلة الإنسانية والحقد الأسود والكره الدفين، صرخةٌ تربعت على عرش الصرخات.

صرخة رجال الغوطة، صرخة أطفالهم ونساءهم وعويل شيوخهم، صرخة أطفالهم المسحوقين الملكومين التي لم تستطع الكاميرات رصدها ولا الكلمات وصفها ولم يستطع مونك رسمها ولا حتى ويس كرافن من تصويرها وإخراجها، صرخةٌ دونت على صفحات جدران منازلهم، مساجدهم، عانقت أبراج السماء ولم يرجعُ لها صدى؛ لربما ابتلعته شياطين الظلام.

صرخة كتبها حقد من لا يملك الحد الأدنى من الإنسانية على أطفال الغوطة ونسائهم ورجالهم وعلى أشجارهم وأحجارهم، صرخة أخرجها ورسمها نظام تحدى العالم أجمع بجميع مؤسساته ومنظماته وهيئاته ضارباً بعرض الحائط كل المواثيق والمعايير والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والانسانية. نظام يقتل شعبه بدم بارد وكأنه يذبح شاة أو دجاجة! ولا من منقذ ولا من مجيب وكأن الشعب السوري ليس من هذا الكوكب.

والغريب أن جميع المؤسسات العالمة التي تعنى بالإنسان بجميع جوانبه آثروا الصمت على تلك الجرائم البشعة، واكتفوا بعبارات الاستنكار الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع التي يطلقونها على استحياء من قاعات مؤتمراتهم الفخمة أو من الأفضل القول قاعات مؤامراتهم القذرة على الشعوب التي لم تر منهم خيراً، وكأن الإنسان إذا كان عربياً لا يعنيهم، فالطفل العربي دمه مباح، والمرأةُ العربية لا حقوق لها ولربما لو أن المقتول كان كلباً لقامت الدنيا وما قعدت.

صرخة قام بدور البطولة فيها جيوش الشرك وفرسان الظلام، صرخة كان يستجدي ضحاياها جلاديهم بأن يقتلوهم بلطف حتى يموتوا بأقل تكلفةٍ من الألم. يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدعوى محاربة الإرهاب! أي إرهاب هذا الذي يمارسه طفل أعزل لا يقوى إلا على حمل حقيبته المدرسية؟! أي إرهاب هذا الذي تمارسه نساء لا حول لهن ولا قوة؟! وأي إرهاب هذا الذي يمارسه شيوخٌ لا يقوون على حمل رغيف الخبز؟!

يا الله أكاد أسمع صرخات الأطفال المذبوحين تطرق وجداني، تهز ضميري، فلقد استنجدوا فلم يجدوا مجيب، ولقد هزموا فلم يجدو نصير، إلا وجوه جلاديهم البشعة القبيحة مرتدية قناع الحقد الذي تراكم علية غبار الكراهية، وتكدست عليه فتاوي المرجعيات بقتلهم، لا نقول إلا عذراً أطفال الغوطة، أطفال سوريا، عذراً حرائر الغوطة، عذراً عذراً، فعندما صرختم كنا نائمون!!

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
منطقة الجنوب السوري تحت النار من جديد

في الوقت الذي ما زال النظام الكيميائي فيه يشن حربه الدموية على الغوطة الشرقية بغية القضاء على آخر معاقل الثورة المسلحة لصق العاصمة دمشق، وإفراغ مدنها وبلداتها من السكان، بدأ فجأةً سلسلة من الغارات الجوية والقصف المدفعي على مدن وبلدات محافظة درعا المشمولة في إطار منطقة «خفض تصعيد» بضمانة روسية ـ أمريكية ـ أردنية.

فما معنى ذلك؟
لا يمكن تفسير الأمر ببعض الدعوات التي أطلقت لتحريك الجبهة الجنوبية، لتخفيف الضغط عن الغوطة الشرقية. فعلى رغم النوايا الطيبة لهذه الدعوات، فهي تغفل أن تلك الجبهة هي الأكثر انضباطاً بما يملى عليها من غرفة العمليات المعروفة باسم «موك». وحتى بعد بداية غارات النظام على المنطقة، دعا الأمريكيون الفصائل هناك إلى «ضبط النفس»، بالتوازي مع الدعوة إلى اجتماع عاجل في عمان لدراسة الوضع المستجد.

إذن النظام بدأ حربه الجديدة في الجنوب بمحض اختياره، ولم يصدر عن ردة فعل على هجمات من الثوار، أو عن ضرورات عسكرية متعلقة بحربه على الغوطة. ومن وجهة نظر روسيا ـ صاحبة القرار العسكري الفعلي على الأراضي السورية ـ لم يكن الأمر نتيجة انتهاء صلاحية تفاهماتها مع واشنطن حول منطقة وقف التصعيد في الجنوب. بل من الواضح أن الأمريكيين فوجئوا بتسخين هذه الجبهة، فنصحوا الفصائل بضبط النفس، لتفويت الفرصة على روسيا على تخريب التفاهمات المذكورة.

يتعلق الأمر إذن بضغط روسي على واشنطن بحثاً عن صفقة شاملة تضع نهاية للصراع وفقاً للتصور الروسي. فقد طلب الأمريكيون من الروس التفاهم على تعميم النموذج «الناجح» لمنطقة خفض التصعيد في الجنوب على المناطق الأخرى في سوريا، أساساً لحل سياسي مستدام. في حين حاول الروس أن يغيروا موازين القوى القائمة بهجومهم الفاشل قرب دير الزور.

من ناحية أخرى، أطلقت موسكو يد تركيا في منطقة عفرين ضد وحدات حماية الشعب المتحالفة مع الأمريكيين، كنوع من الضغط المعنوي الإضافي على واشنطن، من خلال إظهارها بمظهر المتخلي عن حليفه الكردي، العاجز عن حمايته. وهو ما أربك الأمريكيين فعلاً، ووضعهم مجدداً أمام الاختيار الصعب بين تركيا والكرد، في حين أنهم لا يريدون التخلي عن علاقتهم مع أي منهما.

روسيا بوتين تملك، إذن، الكثير من الأوراق لإرباك غريمتها الأمريكية في سوريا، حتى بعدما أعلنت واشنطن، قبل أشهر، استراتيجيتها بشأن الصراع في سوريا، وفي القلب منها إعلانها عن تمديد بقاء قواتها شرقي نهر الفرات وفي الجنوب إلى أجل غير مسمى. وإذا كانت موسكو قد قبلت هذا الوضع على مضض، فهي تريد مقابل ذلك تسهيلاً أمريكياً لاستراتيجية خروج من الصراع السوري، ما زالت واشنطن تضن به عليها. وقد رأينا كيف تعاملت موسكو مع قرار مجلس الأمن 2401 بشأن هدنة إنسانية لمدة ثلاثين يوماً على كافة الأراضي السورية. فكما لم تلتزم هي نفسها ـ ومعها تابعها السوري ـ بمتطلبات هذا القرار، فزادت من كثافة نيرانها القاتلة على الغوطة الشرقية، ولم تسمح بإدخال المساعدات الطبية، وعطلت التنفيذ حين سمحت بعبور بعض الشاحنات، كذلك أعطت الضوء الأخضر لتركيا كي لا تعتبر نفسها معنية بالهدنة وفقاً لقرار مجلس الأمن المذكور، فتواصل شن هجماتها على منطقة عفرين وصولاً إلى تطويق المدينة وفرض حصار تام عليها.

كان بإمكان روسيا أن تستخدم، كعادتها، حق النقض في مجلس الأمن، لإفشال مشروع القرار. لكنها امتنعت عن ذلك، فسمحت بتمرير القرار، لتقوم بخرقه فتلقي بقفاز التحدي في وجه الأمريكيين والعالم بأسره. وها هي، بعد كل التحرشات المذكورة، تصعّد في الجنوب الذي يعتبره الأمريكيون إنجازاً لهم يطمحون إلى تعميم نموذجه.

لن يهدأ بوتين قبل إرغام واشنطن على العودة إلى تفاهمات، بشأن الصراع في سوريا، تشبه التفاهمات التي كانت قائمة في ظل إدارة أوباما. وهو ما يبدو أن إدارة ترامب التي يوجهها البنتاغون إلى حد كبير، لن توافق عليه.

في هذا الوقت جاءت إقالة وزير الخارجية تليرسون لتطلق تكهنات كثيرة بشأن أسبابها. لكن خليفته بومبيو، المدير السابق للاستخبارات المركزية الأمريكية، معروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران. وينسجم تعيينه مع الاستراتيجية الأمريكية المعلنة بصدد مواجهة النفوذ الإقليمي لإيران.

لا يمكن التكهن بما يمكن للإدارة الأمريكية أن تطور من مفردات الرد على التحرشات والإرباكات الروسية، سواء في مجلس الأمن حيث قدمت مشروع قرار جديد بشأن الهدنة التي لم تحترمها روسيا وفقاً للقرار السابق، أو في عفرين حيث لجمت روسيا حليفها الكيميائي من التدخل، أو في المنطقة الجنوبية رداً على خرق موسكو لاتفاق خفض التصعيد. قد تشهد الأيام القادمة تطورات مفاجئة في الصراع الروسي ـ الأمريكي على سوريا، بعد كل هذه التحرشات الروسية، سواء باتجاه مزيد من التصعيد أو باتجاه تفاهمات موضعية تنتج عنها تهدئة مؤقتة في الجنوب على الأقل.

ما هو مؤكد بالنسبة لنا هو أن النزيف السوري مستمر، قتلاً وتهجيراً وتغييراً ديموغرافياً مطرداً.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
ما الذي ينتظر محافظة درعا بعد الغوطة

في الوقت الذي تعيش فيه الغوطة الشرقية أصعب أيامها منذ بداية الثورة السورية منذ سبع سنوات، تقف حوران ورجالها أمام ما يجري في الغوطة في ظل تخبط بالموقف وضياع للأفق، يساعده تراجع النفس الثوري بين الأهالي نتيجة ما مرت به المنطقة من اتفاقيات خلال الفترة الماضية وما حملته من هدوء.


لا يختلف المتابعين للوضع في الجنوب السوري أن ما ينتظره الجنوب لن يكون مختلف كثيرا عما يجري في الغوطة الشرقية الآن، او ما تعرضت له مدن وبلدات الريف الشرقي في محافظة إدلب منذ أسابيع، مما يضع الفصائل العسكرية الثورية في حوران على وجه الخصوص، وعموما أهالي حوران أمام خيارين لا ثالث لهما وهي أما المراقبة وانتظار المصير المحتوم، وأما التحرك السريع لتدراك الموقف واستغلال انشغال النظام وقواته بمعاركه في الغوطة الشرقية، التي حشد لها قواته وميليشياته من كافة الاراضي السورية، وحتى من درعا.

وهنا يظهر للعيان أن الفصائل العسكرية في حوران لا تزال تملك الفرصة لإعادة خلط الأوراق في المنطقة الجنوبية من خلال استغلالها لنقاط ضعف النظام وانشغاله في جبهات ثانية مما يسمح لها بالتقدم في أحد مفاصل النظام على الاستراد الدولي دمشق درعا، كالسيطرة على مدينة أزرع أو بلدة خربة غزالة، أو حتى العمل للتقدم في عمق النظام باتجاه شمالي المحافظة، والوصول إلى أطراف ريف دمشق من خلال هجمات مباغتة ومنظمة تتمكن الفصائل من خلالها من إعادة أحياء الثورة ودفع عجلتها المتوقفة منذ شهور.

ولكن هل تمتلك الفصائل العسكرية استقلالية القرار لفتح هكذا معارك، هنا يمكننا استحضار ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من غارات من الطيران التابع للأسد وروسيا بشن عدة غارات على ريف درعا الشرقي في خرق واضح لاتفاق خفض التصعيد، حيث سارعت الولايات المتحدة لعقد اجتماعات مع فصائل الجنوب في العاصمة الأردنية عمان سعت من خلالها لكبح جماح الفصائل ومنعها من تنفيذ أي عمل عسكري ضد قوات الأسد وميليشياته ومنعها من تنفيذ غارات للطيران الحربي على بلدات حوران، حيث أكدت على أن الاسد وروسيا قاموا بخرق غير مقبول لاتفاق خفض التصعيد حيث نقلت عربي 21 نص رسالة امريكية لفصائل الجنوب جاء فيها "وعليه إننا نحثكم على ضبط الأعصاب، والتفكير ملياً في أهلكم من المدنيين، وعدم إعطاء الذرائع للنظام لقصفهم والقضاء على آخر معقل للمعارضة المعتدلة في سوريا"، في اشارة لعملها لمنع أي عمل عسكري ضد قوات الأسد جنوب البلاد.

وأمام ما تمر به الفصائل من مفارقات الانتصار للوضع في الغوطة الشرقية ومنع الجنوب من الوقوع فريسة سهلة في قبضة الأسد وروسيا والاستماع لصوت الشارع من جهة، أو الرضوخ للإملاءات الخارجية والاستماع لطلبات الولايات المتحدة التي لم تتمكن من منع روسيا والأسد من حرق أكثر من 60 مدني في كفربطنا أمس في الغوطة الشرقية دفعة واحدة غالبيتهم من النساء والأطفال، ووقوفها موقف المتفرج أمام تجاوز الأسد لخطوطها الحمراء باستخدامه للسلاح الكيماوي ضد المدنيين العزل الذي لم يكن ذنبهم ألا مطالبتهم بالحرية والكرامة.

في ظل ما سبق تقف المعارضة السورية في الجنوب السوري وعلى رأسها الفصائل العسكرية وقياداتها موقف تاريخي لا يمكن أن يتكرر، لأنه لو تكرر ما كان أمام ألا خيار المواجهة والدفاع عن أنفسهم لأنه سيكون في مناطق وعلى بيوتهم وعلى نسائهم وأطفالهم وأهلهم، ولم تتمكن الفصائل عندها من تبرير مواقفها وخسارة مناطق الثوار ألا بالاستماع للإملاءات الخارجية التي لم تسمن أو تغني من جوع.

اقرأ المزيد
١٦ مارس ٢٠١٨
كيف ننقذ الأسيرات السوريات من مخالب الأسد؟

تقبع في زنازين نظام الأسد حاليًّا 6736 سيدة، بينهن 417 فتاة بشكل غير قانوني. هذا الرقم من الوقائع المعروفة فقط. ففي سوريا تستخدم الأبنية المهجورة والمعامل والمستودعات كسجون، ما يعني أن العدد أكبر بكثير من المعلن.

جميع السيدات من المعارضة، اعتقلن لمشاركتهن في المظاهرات السلمية قبل الحرب، أو للضغط على أزواجهن وآبائهن وإخوانهن الذين يقاتلون في صفوف المعارضة.

يستخدمهن النظام لتحطيم وتشتيت المعارضة من الناحية المعنوية. فهو يعتقلهن بشكل غير قانوني في زنازين ضيقة، ولا يلبي حاجاتهن الأساسية، ولا يوفر لهن النظافة، بل يمارس عليهن مختلف صنوف التعذيب الجسدي.

بحسب ما روته ناجيات بطريقة ما من السجون، فإن نظام الأسد يعلق النساء وهن عاريات تمامًا، ويصعقهن بالكهرباء، ويرشقهن بالماء البارد، ويضعهن في مياه مكهربة، ويلدع أجسادهن بقضبان معدنية ساخنة، يمارس عليهن أساليب من التعذيب لا تخطر على بال ولا يقبلها ضمير. لكن لعل أقسى ما في الأمر هو تعرضهن للاغتصاب.

تتعرض السيدات المعتقلات في سجون النظام للاغتصاب بشكل ممنهج. لا أتحدث هنا عن حوادث منفردة أو حالات غير معروفة، وإنما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مستمرة منذ سبع سنوات عن قصد وبشكل ممنهج. النظام يعرف ذلك، لأنه يستخدم الاغتصاب سلاحًا ضد معارضيه. ولا بد لي من الاعتراف أنني سمعت أمورًا لا يمكنني كتابتها.

أطلقت آلاف السيدات من تركيا و55 بلدًا آخر "صرخة صامتة"، بتنسيق من الحقوقية التركية غولدن سونماز، في 8 مارس/ آذار، من أجل إنقاذ أخواتهن السوريات من سجون الأسد.

هذه الصرخة هامة للغاية لأن العالم مصر منذ سبع سنوات على عدم رؤية وسماع ومعرفة ما تعانيه المعتقلات في السجون السورية. وفي الحقيقة، فإنه يساعد في ارتكاب هذا الجرم لأنه لا يعمل على منعه.

"قافلة الضمير" ليست فعالية (لإراحة الضمير) انتهت. في الحقيقة، هي بدأت حديثًا. الخطوة الأولى كانت إظهار هذه الحقيقة القاسية التي يتعامى العالم عن رؤيتها، وإسماع "الصرخة الصامتة" للمجتمع الدولي بأسره. هذه الخطوة نجحت.

الخطوة التالية هي الإجراءات اللازمة من أجل إنقاذ الأسيرات من سجونهن. تجري حاليًّا كتابة رسائل إلى المنظمات الدولية، وزعماء البلدان، وصاحبات الضمير الحي من مشاهير العالم.

ستتم زيارة كل منهم، وبذلك تتشكل ضغوط دولية من أجل منع نظام الأسد من ارتكاب المزيد من جرائم الحرب هذه، ودفعه إلى إطلاق سراح المعتقلات.

بعد ذلك ستبدأ مرحلة تحريك محاكم جرائم الحرب الدولية من أجل مقاضاة المجرمين وإنزال العقوبات المستحقة بهم.

لكن الأمر لا ينتهي عند ذلك، فهناك حقيقة غير مرئية، وهي أنه حتى لو انتهى أسر هؤلاء المعتقلات، اللواتي عشن هذا الظلم، يتوجب تحريرهن مما خلفه الأسر والمعتقل من أحمال جاثمة على صدورهن.

اقرأ المزيد
١٦ مارس ٢٠١٨
الثورة السورية فكرة بلا ميعاد

منذ العام الثاني للثورة السورية، واليأس ينتاب ناشطيها وكتابها، أولئك الذين أتيحت لهم فرص التعبير عن رأيهم. منذ العام الثاني، والأوصاف السلبية تنهال عليها. مع كل محطة خاسرة، مع كل انتكاسة، وما أكثرها.. وها هي اليوم تُستعاد هذه الأوصاف مع الفظائع التي يرتكبها الأسد، وحلفاؤه من روس وإيرانيين، ضد أهالي الغوطة الشرقية: إنها ثورة "مستحيلة"، أو "مغدورة"، أو "مهزومة"، أو "محتضرة".. و"الطريق مسدود" دائماً بوجهها. وإنه حان أوان لمْلمة خسائرها الفادحة، على الأقل من منطلق إنقاذ من تبقى من مدنيين.

وإذا ما تفاءل صاحب الرأي مرة، يقول إن لا الثورة، ولا نظام الأسد، قد "ربحا"؛ فيروح ويعدّد خسارة النظام دوره الإقليمي، وخسارته قراره، وديونه على حُماته من إيرانيين وروس.. إلخ. فيما خسر السوريون حيواتهم ومستقرّهم وعمرانهم، ومزيداً من حرياتهم، القليلة أصلاً. بعض الصادقين من الداعمين للثورة منذ بدايتها يجتهدون في تفسير هذا الإخفاق، فيحصون عيوب المعارضة، بمجالسها وائتلافها وجبهاتها: لم يكونوا بمستوى رجال دولة، لم يتحّدوا، لم يتفاهموا، لم يصيغوا رؤية، لم يأخذوا القرارات الصحيحة، لم يبنوا تنسيقاً، أو علاقةً، مع المجموعات المسلحة على الأرض، ولا مع المدنيين القاطنين عليها، أو على الأراضي الواقعة تحت سيطرة الأسد وداعميه.. ولكثرة تكرارهم هذا النقد، كاد بعض منهم أن يتفوَّق على الذين تخصصوا منذ بداية الثورة بتصيّد عيوب المعارضة، من دون غيرها من الأطراف صاحبة الأدوار على الأرض السورية.

قلّة منهم حاولت أن ترسم ملامح المجموعات المسلحة العاملة على الأرض، على الفرز بين "اتجاهاتها"، ومنْبتها وممارساتها. علماً أن هذه المجموعات، بقتالها ضد الأسد وحلفائه، هي التي أفشلت حتى الآن محاولات استعادة سورية بكاملها تحت عرشه. أبقت الثورة حية، ولو بملامحها الضبابية.

يصعب تجنّب إغراء التكرار في الحالة السورية، فالوقائع تتشابه. لكن المشكلة أن هذا التكرار لا ينتج فهماً إضافياً للعمق السوري المعقّد. من بعيد، يبدو الوعي التكراري ضئيلاً أمام الحجم اللامتناهي من وقائع الميدان، الغامضة، الملتبسة، ذات السيولة العالية. لا يصمد أمام تعقّد الحرب في سورية. يبدو مفارقاً، غير منطقي. فيما هي، أي الوقائع، تستحق أن تكون موضع نظر، موضع إصرار على النظر. فمثلاً: بعد المواقف المتباينة عن جبهة النصرة، هل استقرت فكرة سديدة عنها، تصلح أن تفسر دورها في الثورة، أو على الأقل في استمرارها مقاتلةً نظام الأسد؟ ما هي فكرة المواطنين القاطنين تحت سيطرتها؟ هل هم متشبّثون بنصرها؟ أم موزّعون؟ أم غاضبون منها؟ بصفتهم "دروعاً بشرية"، ليس إلا؟ وينطبق السؤال نفسه على المجموعات المسلحة الأخرى المقاتلة للأسد، أو العاملة تحت القيادة التركية، أو الأميركية. أو المجموعات الأخرى الداعمة للأسد بقيادات سورية، إيرانية، روسية.. بمعنى آخر، ثمّة ميوعة معرفية تكمن في موقفٍ يصعب استيعابه: من جهة، تأييد للثورة، وحماسة للمجموعات المسلحة التي تتصدّى لقوات الأسد وأسياده. ومن جهة أخرى، غمْغمة، حول طبيعة الفصائل الخائضة غمارها على الأرض، حول أيديولوجيتها التي تتناقض تماماً مع أيديولوجية صاحب الموقف، غير الإسلامي. كأنه يتأرجح بين وضوح أهداف الثورة وألغاز مسارها، أو أدواتها، أو مادتها البشرية.

أمر آخر تصرّ عليه أدبياتٌ كثيرة للثوار السوريين: إن الثورة السورية ما كان عليها أن تندلع. يشهدون على أهوالها، يسردون فجائعها، يشتاقون إلى ما قبلها. ويندمون. يتوقفون هنا، لا يتابعون. ماذا يعني أن "ليْتها لم تنْدلع"؟ كيف كان يمكن تجنّبها؟ بأية طريقة؟ ألم يحاول بشار الجبار منعها، وبأساليب غير متخيّلة؟ وماذا كانت النتيجة؟ هل منعها؟ هل استطاع أن يمنعها؟

يحاول بعض "الإيجابيين" أن يقدموا حلولاً بمفعول رجعي: "كان علينا أن نعدّ أنفسنا أكثر من ذلك"، يقولون. كيف "الإعداد" يعني؟ حزب قائد وقيادة كاريزماتية وجماهير؟ أو واحد منهم؟ كل هذه الأحزاب التي لا تحصى، كل هذه الشخصيات الكاريزماتية، كل هذه الجماهير.. كما يصدح الشيوعيون الحزبيون من منابرهم المرتاحة. حسناً، ماذا لو كانت تلك الأحزاب التي تلبي الشروط الثلاثة، كما تتصوّر، ماذا لو كانت عازفةً عن الثورة، بل واقفة ضدها؟ هل المشكلة في الإعداد أم في شيء آخر؟ أين علّة الإعداد حقاً؟ في الفكرة الواقفة خلفه؟ أم في القانون الحاكم لتنظيمها؟ وهل يمكن أن تنتج الفكرة الثورية مواقف غير ثورية؟ أو، كيف تكون، أصلاً، الثورة على الثورة؟

العاطفيون يتشبثون بلحظات الحرية التي مسّتهم، حين أطلقت حناجرهم في الهواء الطلق، بدافعهم الشخصي، بعفويةٍ كانت خلاقة، فجّرت الطاقات والإبداع والشجاعة. يتخيّلون أن الإلحاح على استحضار هذه اللحظة ربما يأتيهم بما يماثلها. كلا أيها السادة. هذه القشْعريرة التي وضعتها الحرية، تلك الغبطة التي التمعت بها عيون أصحابها، هي مثل ومْضة تجلٍّ: تختزن الطاقة، لكنها لا تحدّد وجهتها. عليك أنتَ توليد ذخيرتها الحيّة.

إذا كانت كل هذه التعبيرات حيّةً في ضمائر السوريين من أصحاب الرأي، فهذا يعني أن الثورة ما زالت قائمة. ونقصانها لا يلغي روحها. فالثورة ليست كائناً مادياً. إنها فكرة. والأفكار لا تقتلها قنابل أو براميل. يمكن أن تخشى التعبير عنها، يمكن أن تندم أنكَ عبّرتَ عنها. لكنها موجودة، بُثّت في الهواء الطلق، ولن تعود إلى قمْقمها السابق، محبوسة مع العفاريت والشياطين. ما يضاعف زخمها أن خسائرها أسطورية، وملاحمها وافرة، زائدة ربما عن حدّها. الثورة السورية لم تدخل التاريخ فحسب، إنما دخلت الأسطورة، وباتت بلا ميعادٍ. آجالها بعيدة ربما، أو متوسطة. وألوانها هي ربما من النوع الذي لم نألفه بعد، لم نتعلم لغته، لم نجد له التسميات بعد.

اقرأ المزيد
١٦ مارس ٢٠١٨
وصايا روسيا للأسد

استعمل ما شئت من أسلحة، وما ترغب به من طرق وأساليب عسكرية، كما يمكنك الاتكاء على ترسانتنا، قديمها وجديدها، ما تم تجريبه وما ينتظر، مئات من أنواع الأسلحة المخصصة لمجابهة أميركا وحلف الأطلسي، واطلب ما تريد من مليشيات وعناصر تأتيك من لبنان وإيران وباكستان، فضلا عن العراق، فلا شيء أهم من أن يتردد في هذا العالم صدى صوت الزعيم فلاديمير بوتين حين يقول انتصرنا.

لا تهتم كثيرا لاستراتيجيات المُقال، ريكس تيلرسون، فللاستراتيجيات الحقيقية طعم ولون لا يشبهان تلك التي ينفثها هذا الرجل، ولا تعطي أذنك لفذلكات نيكي هيلي، فهي ليست مادلين أولبرايت ولا حتى سوزان رايس، ولا تزعجك قفشات بوريس جونسون ومندوبه في مجلس الأمن، ولا تعطي التفاتة لعنتريات ماكرون الحماسية. دع جميع هؤلاء لسيرغي لافروف يساجلهم على المنابر، ويزوّده مركزنا في حميميم بمعطياتٍ، نحن نجهزها وعلى العالم تصديقنا، ما دمنا نقول إن المسلحين يرشقون دمشق بالهاون، فليس للغوطة من ينقذها من مخالبنا.

أما ملف الكيماوي الذي أصبح مثل لعبة حاوي الأرانب السمجة والمملة، فالغرب يعرف، قبل الجميع، أنها قضية منتهية الصلاحية منذ اليوم الذي وافق فيه باراك أوباما على إجراء تلك المقايضة المعلومة، وعلى أساسها تم شطب السجل الكيماوي من تاريخ الصراع في سورية، فعن أي كيماويٍّ يتحدثون؟ إذا كانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لا تدرج غاز الكلور وغيره ضمن قوائمها!

هذه الحرب حربُنا، ونحن قوّة صاعدة يحق لها مجالٌ من الأرض، وقطاعات من البشر، نجرّب عليهم طرائق إداراتنا ونختبر أسلحتنا ونظهر للعالم كم نحن نستحق مثل هذه المكانة التي يجب أن نكون عليها، ثم هذا عرف دولي لم نخترعه نحن، كل القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة تعلن عن نفسها من خلال مناسبات كهذه، ونحن، روسيا العظمى الصاعدة لسنا أقل من أحد.

لا تنتبه لهم، لو أرادوا مواجهتنا لما احتاجوا كل هذا الزعيق، ولا ذلك النحيب، كانت لديهم عشرات الكتائب والمليشيات، ولم يكن الأمر يحتاج سوى بعض الأسلحة. يومها لم تكن قواتنا قد تدخلت، وكانت تقديراتنا تذهب إلى أنهم سيفعلون، ولم تكن لنا الاستعدادات الكافية لمنعهم، لكن ماذا حصل؟

لقد فكّكوا تلك البنية التي كانت تشكّل الخطر الأكبر عليكم وعلينا، وراحوا يصنفون، هذا متشدد لا يمكن أن نمنحه أسلحة، وذاك متوسط يصعب أن نتعامل معه مباشرة، والأخر معتدل، لكنه قد يكون مخترقاً، لذا يمكن التعامل معه، من دون أن نسلمه أسلحة كاسرة للتوازن، على ذلك فقد قرّروا تأسيس لعبة طويلة الأمد لا أحد يقدر على فهم أهدافها ومآلاتها غير استراتيجييهم الكهلين.

لا تقلق، لدينا خبرة واسعة في إدارة الأزمات، نعرف كيف نقضم مواقف الآخرين بالتدريج ونميّعها، ونعرف كيف نُغرقهم بالهوامش والتفاصيل، ونبعدهم عن الجوهر، ونعرف أيضاً كيف نجعلهم ينسون ما بدأوا النقاش به، كما نعرف كل النخبة السياسة الحاكمة في الغرب، نعرف مفاتيحهم وأقفالهم وأسرارهم ونقاط ضعفهم.

اضرب، هذا العالم لا يحترم سوى القوي، ألم تر كيف تقاطرت الدول لشراء أسلحتنا التي عرفوها بفضل نتائجها الباهرة في سورية، طائراتنا الفاخرة، وصواريخنا الخارقة، باتت رمزاً للقوّة، فالسوخوي أصبحت صنواً للعاصفة، وقاذفات الصواريخ BM-30 أصبحت رمزاً للجحيم، حتى التي لم نستخدمها مرّة واحدة، منظومة الصواريخ إس 400، فإنتاجنا منها حتى عقود مقبلة مباع سلفاً.

انظر إليهم، يرسلون الرسائل إلينا لنضغط عليكم، ولكي نطالبكم بوقف إطلاق النار في الغوطة، وكأن ليس نحن من اشتغل على إنتاج قرار مكبل في مجلس الأمن يصلح لكل شيء عدا وقف إطلاق النار، وكأن ليس ضباطنا من يقودون المعارك؟ ويتوسلون إيران لتضغط عليكم، وكأن إيران المشغولة في ترتيب تفاصيل مشروعها الجيوسياسي ستكون على استعدادٍ لإطلاق الرصاص على أقدامها نزولاً عند توسلاتهم!

ما يجب أن تعرفه جيداً أنك محظوظ أكثر من اللزوم، لأنك تقوم بأعمالك، بزمن موت الضمير العالمي، وموت السياسة، وانبعاث منطق العصابة، انظر حولك ستجد السياسة، وقد تحولت، في جميع أنحاء العالم، إلى نمط من حكم العصابات والسباق على الثروات والمغانم، فلم يُسقط هذا العالم الأيديولوجيات فحسب، بل وكل المنظومة القيمية والأخلاقية، بذريعة أنها من بقايا الصراع الأيديولوجي، وأحل مكانها منطق السوق بذريعة أنها لغة العصر ومفاتيح الشطّار للحداثة.

إنها فرصتك لتقتل في وضح النهار ثورة الشعب ومطالبه، وفرصتنا لنجعل هذا الأمر مشروعاً، فوداعاً للثورات التي تجعل عامة الناس وحثالاتهم، باسم الحرية والديمقراطية، يتطاولون على سدنة الأنظمة، الذين لولاهم لم تكن هناك دول، ولا حياة منظمّة، ولا أجهزة تدير حياة البشر.

افعل كل ما تريد، أما نحن سنكون مرّة في خلفية المشهد، عندما نفاوض ونساجل ونتبجح بالقوانين وسيادة الدول، ومرّة في مقدمة المشهد، عندما نضرب بأسلحتنا الفتاكة، ونقود المعارك، ويستعرض زعيمنا على شاشات عملاقة أسلحتنا الفاخرة، مثل إعلان تجاري مبهر.

وغدا عندما ستسقط الغوطة، سيتصالحون مع أنفسهم ويخضغون للأمر الواقع، بل ربما سيتنفسون الصعداء، لأنهم ارتاحوا من هذا العذاب، لن يختلف الأمر عن حلب. في اليوم التالي لسقوطها، لم يعد أحد يأتي على ذكرها، فكلّما ابتعدت الأحداث وكلما تسرّبت من الذاكرة وأزاحتها الضمائر.. تقدّم.

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٨
هل يستجيب الناتو لنداء أردوغان؟

منذ عدة أيام والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوجه انتقادات شديدة اللهجة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يضم تركيا في عضويته.

بيد أن أردوغان حوّل انتقاداته هذه، في خطاب قبل يومين، إلى نداء وجهه للحلف، حيث قال: "تركيا التي تملك حدودًا طولها 911 كم تتعرض لتهديدات حاليًّا، فلماذا لا تأتي وتقف إلى جانبها؟".

يجب التأكيد أولًا على أهمية هذا النداء. فتركيا تقول للناتو إن حدودها عرضة لتهديدات، وتدعوه إلى مساعدتها.

موقف الحلف من هذا الطلب سوف يحدد مستقبل العلاقات بين تركيا والناتو.

نعلم أن حلف الناتو يحمي البلدان الأعضاء فيه من التهديدات الناجمة عن التنظيمات الإرهابية، وليس فقط عن التهديدات القادمة من جيوش نظامية.

وللتذكير فقط، تحرك الناتو في مواجهة تنظيم القاعدة بناء على نداء وجهته الولايات المتحدة.

تركيا استجابت إلى كل النداءات التي وجهتها الولايات المتحدة وحلف الناتو إليها حتى اليوم، لكن هذه المرة جاء الطلب من أنقرة.

فهل سيستجيب الناتو هذه المرة إلى نداء الرئيس التركي الذي قال فيه إن بلاده معرضة للتهديد، داعيًّا الحلف إلى المسارعة لمساعدتها؟

من الذي يقرر في مسألة ما إذا كانت الدول الأعضاء تتعرض لتهديد أم لا؟ إذا كان هناك مساواة بين الأعضاء فمن الطبيعي أنه ينبغي على الحلف الاستجابة الفورية لندائها.

بموجب النظام الداخلي الحال للحلف، يجب على الناتو أن يستجيب لدعوة الرئيس التركي إلى تقديم الدعم لبلاده التي تتعرض حدودها للتهديد.

في الحقيقة، يتطابق مطلب أنقرة هذا مع النظام الداخلي للحلف على الورق، بيد أنه لا يتواءم مع واقع الحياة بنفس القدر. فالأمور تسير بشكل مختلف في العالم.

يدرك أردوغان هذه الحقيقة، ولهذا يدلي بالتصريح التالي: "لو كان في وسع أعضاء الناتو في سوريا لوقفوا في مواجهتنا بكل صراحة. لكنهم لا يجرؤون على ذلك لأنهم يرون كيف تقف تركيا بحزم هناك".

نعم، دعكم من مسارعة الناتو إلى نجدة تركيا، هذا الحلف في الحقيقة هو نفسه مصدر التهديد الذي تواجهه.

فالناتو والولايات المتحدة يقفان إلى جانب التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة تراب تركيا وحقوقها السيادية. وهما من أوجد تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي، ويعملان على تغيير حدود الدول في الشرق الأوسط عبر هذين التنظيمين.

ندخل مرحلة تعيد فيها تركيا النظر في علاقاتها مع الناتو كما هو الحال بالنسبة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة. وعلى أي حال من غير الممكن أن تخرج تركيا منتصرة من هذه المعركة فائزة دون مراجعة علاقاتها مع الطرفين المذكورين.

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٨
الولايات المتحدة وتركيا ما بعد عفرين

مضى على انطلاق عملية غصن الزيتون أكثر من خمسين يومًا، ولم يبق إلا بضعة كيلومترات على مركز المدينة. لم تعد وحدات حماية الشعب قادرة على إبداء مقاومة كبيرة في محيط مركز المدينة.

تسقط القرى الواحدة تلو الأخرى تحت سيطرة القوات التركية والجيش السوري الحر، بينما تشارك القوات الخاصة من الشرطة والدرك التركية في القتال إلى جانب الجيش.

منذ انطلاق العملية في 20 يناير وحتى ما قبل أسبوع كانت الأحوال الجوية في غير صالح تركيا. لم يكن ممكنًا للطائرات المسيرة التقاط المشاهد من الجو أو للطائرات المسيرة المسلحة تنفيذ هجمات، جراء سوء أحوال الطقس.

لكن مع تحسن الجو اليوم، ارتفع نجاح الهجمات إلى أعلى مستوى. وبينما بدأت قيادات وحدات حماية الشعب بمغادرة عفرين، فرت الميليشيات الصغيرة التابعة للنظام السوري.

من جهة أخرى، يعمل عناصر وحدات حماية الشعب على قطع الطريق أمام المدنيين الراغبين بمغادرة مركز المدينة، ليستخدمونهم كدروع بشرية.

تم القضاء على أكثر من ثلاثة آلاف إرهابي حتى اليوم، بينما سقط 43 شهيدًا. أثبتت تركيا للصديق والعدو أن قوتها العسكرية ما زالت في أوج حيويتها خلال عملية درع الفرات، فيما برهنت أن جيشها هو الأكثر فعالية واستعدادًا للتضحية في الناتو.

من جهة أخرى، لم نرَ حتى اليوم ممن نسميها حليفنا في الناتو، الولايات المتحدة، أي خطوة من أجل الحيلولة دون انتقال الآلاف من عناصر وحدات حماية الشعب إلى عفرين.

كما أننا لم ننسَ تهديدات الجنرالات البنتاغون أمام الصحافة في منبج، بالقول إن تركيا قصفتهم، وإن ردهم سيكون أكثر عدوانية.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أعلن عن توصل بلاده إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول وضع وحدات حماية الشعب في منبج وشرق الفرات.

قد يكون إعلان هذا الاتفاق تكتيكًا أمريكيًّا للمماطلة، لأن إدارة أوباما كانت قد وعدت بأن وحدات حماية الشعب لن تعبر إلى غرب الفرات.

من جهة أخرى، قد يكون هذا التوافق تكتيكًا تركيًّا للماطلة، لأن أنقرة تواصل توجيه رسائل بأنها "ستستمر في طريقها"، من خلال خطابات الرئيس رجب طيب أردوغان.

وعلى أي حال، يبدو أننا سنشهد أيامًا تاريخية في أبريل ومايو القادمين، من ناحية اتفاقنا مع الولايات المتحدة حول منبج.

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٨
الكذب سمة أنظمة سورية وروسيا وإيران

الحرب السورية الوحشية التي شنّها بشار الأسد على شعبه منذ سبع سنوات تحت عنوان مكافحة الإرهاب أثبتت أن ثقافة الكذب تجمع بين الحلفاء الثلاثة روسيا وإيران والنظام السوري. والقصف العشوائي الذي تتعرض له الغوطة الشرقية من الطيران السوري مع استهداف المستشفيات وعدم إتاحة إدخال مواكب المساعدات الإنسانية، تؤكد ما يظهر للجميع وهو عدم التزام روسيا تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي وافقت عليه بالنسبة إلى وقف القتال في الغوطة وإدخال المساعدات.

فروسيا، وتحت ضغط دولي هائل، وافقت على القرار ولكنها لم تلتزم به وهي تساعد النظام على الاستمرار في القصف. وعندما يعاتب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان نظيره الروسي سيرغي لافروف على عدم وقف القصف والقتال في الغوطة يجيب لافروف أن «القصف يستهدف الإرهابيين في الغوطة وليس المدنيين». والنظام السوري ومخابراته تدربا على يد الاتحاد السوفياتي الذي ورثته روسيا بقيادة أشخاص مثل بوتين تعلموا وكبروا ضمن ديكتاتورية النظام السابق. فبوتين التزم مرة مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لتدمير النظام السوري سلاحه الكيماوي. وها هو النظام يقصف الأطفال بالغازات والكلور القاتل.

وتقدم روسيا مسار آستانة بحجة تخفيض التصعيد في سورية ونرى العكس عبر المزيد من التصعيد. كما أن بوتين أعلن أكثر من مرة أن القوات الروسية ستنسحب من سورية وهي لم تفعل ذلك بل كثفت وجودها إضافة إلى أنها تستخدم مرتزقة شاركوا في حرب الشيشان وأفغانستان للقتال في سورية بدل قوات الجيش الروسي. ووفق الصحافية الروسية إيلينا فولوشين في صحيفة «ليبراسيون» فإن روسيا تستخدم شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة لحماية المواقع النفطية السورية حيث لدى الشركتين الروسيتين «غازبروم» و «لوكاويل» مصانع فيما تزود وزارة الدفاع الروسية شركة «فاغنر» بالأسلحة والذخائر والتجهيزات.

وتعترف موسكو في بيان للخارجية الروسية في ٧ شباط (فبراير) أن عشرات المواطنين الروس قتلوا في دير الزور نتيجة قصف أميركي ويدّعي البيان أن هؤلاء ذهبوا إلى سورية بإرادتهم ولأهداف مختلفة. وروسيا لا تعتمد الكذب فقط في سورية بل أيضاً دولياً. ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قالت إن الغالب على الظن أن روسيا بوتين وراء محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق الذي عمل لبريطانيا وابنته بالغاز السام. والنفي الروسي المتوقع جاء على لسان لافروف، ثعلب روسيا. فلا يمكن ان يثق أي كان بما تقوله القيادة الروسية. وقد سبق للافروف أن قال للودريان إن إيران هي عامل استقرار في المنطقة كأن الوزير الفرنسي يجهل كل ما تقوم به ايران في سورية واليمن ولبنان والعراق.

والنظام الإيراني لا يقل عن حلفائه الأسد وبوتين في الكذب خصوصاً عندما ينفي أي تزويد للحوثيين وحزب الله بالصواريخ الباليستية. إن تدخّل إيران على الأرض في سورية بخبرائها العسكريين ومقاتلي حزب الله لحماية الأسد وبناءها ترسانة صواريخ وأسلحة بين لبنان وسورية يساهمان في زعزعة استقرار كل منطقة الشرق الأوسط بما فيها الدول الخليجية بأسرها. من يقول إن الحوار مع روسيا وإيران مفيد يخطئ التقدير لأنه لا يسفر إلا عن عدم التزامات والمشاركة في جرائم الأسد على شعبه والبقاء على أرض عربية استولوا عليها بتقدمة من ديكتاتور سوري خرب بلده ليبقى رئيساً على أجزاء محطمة منه. والأسرة الدولية تترك الشعب السوري يقتل والقصف الروسي السوري مستمر والكل يعلم أن بوتين وفريقه والقيادة الإيرانية يمارسون الكذب ويشاركون الأسد في جرائمه من دون أن يتحرك أحد لإيقافها ومعاقبة المجرمين.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)