مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٨ مارس ٢٠١٨
ماذا تريد طهران من دمشق والعرب؟

ليس الممر البرّي المفترض الذي تريده إيران ممتدّاً من طهران مروراً بالموصل ودمشق ووصولاً إلى الضاحية في بيروت، ذاك الممر الأمني الذي تُمكّنه بمتوالية حروبها الميليشياوية المتنقلة من العراق إلى سورية وسابقاً ودوماً في لبنان، ليس إلا واقعاً جيوسياسياً جديداً في منطقة بلاد الشام يحاول الملالي الحاكمون في طهران فرضه ترسيماً لخريطة عقائدية المنبت، سياسية المرمى والمصبّ.

لا يبتعد الدعم المتصل الإيراني لنظام الأسدَين، الأب والابن، من ذاك المرمى. ويسجّل التاريخ أن حافظ الأسد أدخل سورية في حلف استراتيجي مع دولة الملالي منذ وصول آية الله الخميني إلى الحكم في 1979، وقد جعل من سورية قاعدة لدعم إيران وتوصيل السلاح لها خلال حرب السنوات الثماني على العراق، وناصرها ضد دولة عربية شقيقة وجارة حين كانت طهران معزولة تماماً من طرف دول العالم المتمدّن، شرقاً وغرباً في آن. وقد تبادل النظامان المنافع والدعم في كل شأن تقاطعت مصالحهما فيه. وفي عهد الابن بشار الأسد، ومنذ وراثته الحكم عن أبيه، قام الحرس الثوري الإيراني بتدريب القوات الأمنية والعسكرية وتجهيزها بالعتاد ودعمها، بينما استثمرت الشركات الإيرانية ودفعت بتجارة ضخمة لها في سورية، وفتحت الدولة ممراً جوياً للسياحة الدينية الإيرانية والحج الموسمي للمزارات الدينية المقدسة المنتشرة في سورية وفِي مقدمها مرقد السيدة زينب في ريف دمشق. وبلغ الدعم العسكري والأمني ذروته منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، حيث التزمت طهران بدعم بشار الأسد ونظامه المتهاوي اقتصادياً وعسكرياً، وزجّت بعشرات الميليشيات الطائفية لقمع حراك الثورة والتنكيل بالمدنيين، ولم تبخل بضخ النفط والمال لإنقاذ النظام من سقوطه لولا تدخّلها أولاً، وروسيا تالياً، لنجدته من انهيار حتمي. هكذا، مضى الرئيس الإيراني حسن روحاني في عهده لنظام الأسد حين قال إثر تنصيبه في 2013 ما مفاده أن العلاقات العميقة والاستراتيجية والتاريخية بين سورية وإيران لن تهزّها أي قوة في العالم. الفارق الرئيس في علاقة النظامين أن «حافظ الأبد» كان يملك مفاتيح العلاقة أما الابن فسلّم حرمة القرار لأصحاب العمامات السود من دون وجل!

ويمضي التداخل الإيراني في سورية بذراع عقائدي هيّأ القاعدة المثالية لاستجرار طهران للمقاتلين، مستخدمة المقار الدينية التي سيطرت عليها في دمشق ومحيطها لتغذية النزعات المذهبية التفريقية وتجنيد المتطوعين في صفوف الميليشيات التي استقدمتها لتقاتل عنها بالوكالة، ونصرة لبشار الأسد، ليس لزرقة في عينيه، بل لكونه الرجل الأوحد الذي يضمن لها تحويل دمشق إلى مقر دائم لإطلاق أذرعها الأخطبوطية باتجاه دول الخليج العربي وصولاً إلى باب المندب على سواحل اليمن. وليس «حزب الله» الذي أرسى أول ذراع عسكرية لها في دولة عربية مستقلة هي لبنان إلا بيضة الأفعى، وقد استنسخت منها عشرات الميليشيات التي تضيق المساحة هنا بذكر أسمائها لكثرتها وعمق انتشارها في العراق وسورية واليمن... والعدّ ما زال مفتوحاً يهدّد الدول العربية في المشرق والمغرب، وربما يهدّد العالم.

اليوم، إدارة ترامب الجمهورية ترمي بثقلها السياسي والعسكري بقوة في سورية، ما سبّب حالة من الصداع الدائم لطهران في المكان الذي كانت تظن أنها زرعت فيه إسفيناً لا يتزعزع. فالولايات المتحدة مصممة على كبح جماح المطامع الإيرانية المبثوثة في المنطقة، مستقوية بالميليشيات الطائفية العابرة الحدود، وقد كانت زيارة الرئيس ترامب السعودية، بالوفد الحكومي الموسع الذي صاحبه، رسالة قوية إلى الجارة إيران بأن واشنطن عازمة على الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها ودعم شركائها العرب في دفاعهم عن سيادتهم بوجه الطموح التوسعي الإيراني المتعاظم.

وما الحضور العسكري الأميركي القوي في الشمال والجنوب السوري، وتخصيص الدعم المالي والمستشارين الدبلوماسيين والمدربين العسكريين لدعم حلفائها من المعارضة المعتدلة، إلا إجهاضاً لأحلام أصحاب العمامات السود الذي استثمروا في إنضاج أضغاثها عشرات من سني الدعم غير المشروط للنظام السوري لقطف الثمرة في دمشق... ولن يقطفوها.

اقرأ المزيد
٨ مارس ٢٠١٨
في سجون الأسد.. "الموت" أفضل خيار للمعتقلات

لا تملك النساء المعتقلات في سجون نظام بشار الأسد خيارات أفضل من "الموت"، فما يتعرضن له داخل الزنازين من "تعذيب وحشي واغتصاب ومعاملة غير آدمية" أبشع بكثير من فقدان الحياة.

وخلف قضبان تلك الزنازين ترتسم معالم "الوحشية" بأدق تفاصيلها؛ فالمعتقلات والمعتقلون لا يقبعون وحدهم هناك؛ إذ تجاورهم في بعض الأحيان جثث لسجناء سابقين، وتتفشى بينهم أمراض وأوبئة قاتلة، وتٌقدم لهم وجبات طعام "قذرة"، ويمنعون من تنظيف أنفسهم أو حتى الصلاة.

وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، في تقرير أصدرته الخميس، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق 8 مارس/آذار من كل عام، إن 7 آلاف و699 امرأة تعرضن للاغتصاب داخل سجون نظام الأسد.

وتشير الشبكة إلى أن أكثر من 864 امرأة تقبع حاليا في سجون النظام السوري، بينهن 432 قاصرا، إلا أنها تعتقد أن أعداد المعتقلات ومن تعرضن للاغتصاب في سجون النظام تفوق الرقم المذكور، وذلك لأن الكثير من النساء تم اعتقالهن دون تسجيل، أو لعدم تصريح ممن تعرضن للاغتصاب.

المواطنة السورية "م. ف"، من مدينة اللاذقية (شرق) التي تعمل في أحد صالونات تجميل النساء بمدينة حلب (شمال)، كانت من بين من اعتقلهن نظام الأسد؛ بسبب تقديمها للمساعدت الإنسانية.

وتقول "م.ف" للأناضول، إنه بعد اعتقالها تعرضت للتعذيب لمدة 50 يوما، كسرت خلالها أسنانها وبعض عظامها، قبل أن يتم نقلها من حلب إلى دمشق، لتشاهد هناك أمام عينيها موت العديد من الشبان والنساء أثناء التعذيب.

"ما يتعرض له الرجال والنساء في سجون الأسد لا يمكن وصفه بالكلمات (..) على مدار 3 أشهر في سجن عدرا المركزي (شمال شرق دمشق) كنا نتعرض للتعذيب في كل فرصة بخلاف الشتائم التي كان وقعها على أنفسنا أكثر من وقع الضرب"، تضيف "م.ف".

وتكمل روايتها بالقول: "تعرضنا لكافة أنواع التعذيب والتحقير والاغتصاب. كان الموت خيار أفضل من الاعتقال"، مشيرة إلى أن الملازم محمد من طرطوس كان أكثر من يقوم بتعذيب المعتقلين في سجن عدرا.

وفي أحد أبشع مشاهد التعذيب التي شاهدتها "م. ف"، تقول: "قاموا في إحدى المرات باعتقال امرأة وزوجها وشقيقها، وقاموا بنزع ملابس المرأة عنها أمام زوجها، وشقيقها، واغتصبوها، حتى أنهم قاموا باغتصاب فتاة عمرها (17 عاما)، وكذلك قاموا بضرب امرأة حملت نتيجة اغتصابهم، وقاموا بضربها حتى أسقطت الجنين".

ولا يقتصر الأمر على التعذيب والاغتصاب والشتائم؛ فبحسب المعتقلة السورية، كان جنود نظام الأسد "يضعون الحشرات في طعام المعتقلين ويخلطون الماء بفضلات الإنسان، ويمنعوهم من الصلاة، ومن اقتناء أي من أدوات النظافة".

ولم تختلف رواية المعتقلة المفرج عنها لونا أغا، (32 عاما)، عن سابقتها، فهي تعرضت للسجن في العام 2013، وفي ذلك الوقت أخذ الجنود طفلها الرضيع من بين أحضانها، وأجبروها على خلع جميع ملابسها، لتفتيشها تحت الضرب والتعذيب.

وتروي أغا حكايتها بالقول: "وضعوني في زنزانة مساحتها 3 أمتار مع فتاة أخرى، وبعد ذلك تم تحويلي للتحقيق، إلا أنه لم يتم التحقيق معي بل تعرضت للضرب فقط. كنت أسألهم عن التهمة الموجهة لي فقالوا إنها: الإرهاب وأنه ليس لي أي حق هنا، ولا يحق لي السؤال كذلك، وطرحوني على الأرض، وقام أحدهم بوضع قدمه على رأسي، وقال: هذا الحذاء أشرف منك ومن عائلتك".

وبعد 10 أيام من التعذيب المتواصل، أفرجت قوات نظام الأسد عن السورية "أغا"، ليتم اعتقال زوجها بعد يومين، قبل أن يتم اعتقالها مرة أخرى على أحد الحواجز، بعد قرابة الثلاثة أشهر.

وتستطرد أغا في روايتها لمشاهد "وحشية" جنود الأسد بالقول: "بعد شهر من الاعتقال الثاني، تم وضعي في حافلة ممتلئة بالمعتقلين الآخرين الذين تتراوح أعمارهم بين (14 و70 عاما)، وكان معنا شاب يبلغ من العمر (16 سنة) مريض بالربو. لم تكن هناك أي رأفة في قلوبهم عليه على الرغم مما كان يعانيه من آلام".

وتضيف أن الحافلة أقلتهم إلى مدينة حمص (وسط)، بعدها أرسلوهم من هناك "فرع فلسطين" (مقر أمني) في دمشق، موضحة أن الفرع يتكون من 9 غرف، يوجد في داخلها نحو 30 فتاة وجثث موتى.

وفي اليوم الأول لوصول أغا إلى "فرع فلسطين" أصيبت فتاتان بمرض الكوليرا وبعد ذلك انتقلت العدوى إلى خمس فتيات ثم إلى باقي الغرف، لتبدأ المعتقلات على إثر ذلك بالإضراب عن الطعام إلى أن أحضروا طبيبا لمعالجتهن، تكمل المعتقلة السورية السابقة.

ومن "فرع فلسطين" انتقلت أغا بعد ثلاثة أشهر إلى سجن عدرا، وتمت محاكمتها هناك لمدة سنة، وعقبها تم الإفراج عنها.

اقرأ المزيد
٨ مارس ٢٠١٨
المرأة السوريّة أصيلة أصالة الموناليزا

أجمع العالم وبقرارٍ أمميّ في عام ١٩٧٧، على تحديد يوم الثامن من آذار من كلّ عام، يومًا خاصًّا بالمرأة، إذ أتاح هذا اليوم للمرأة فرصة التعرف على حقوقها وواجباتها وعرض إنجازاتها، وتحفيزاً أيضاً على استرداد حقوقٍ مسلوبة، والوقوف بوجه العنف والتعنيف الذي كان جزءًا من حياتها اليوميّة، ولطالما كانت الديانات السماويّة السبّاقة في تشريع حقوق المرأة والتوصية بها، فقد عُرِفت على مرِّ العصور والتشريعات الدينيّة والدنيويّة بأنّها نصف المجتمع، والمُكمّل لهذه الحياة.

ولكنّها اليوم في سوريا وفي ظلّ ظروفٍ قاهرة، تجد نفسها تجابه كامل الأعباء التي ألقتها الحرب الطاحنة عليها على مدار سبعة أعوام، لتتسلّم زمام عمادة الأسرة، فهي الأمّ والأب في آنٍ معاً، بعد فقدان المعيل لها الذي كان إمّا ضحيّة الحرب أو مغيّب في السجون، ولا ننكر أنّ المرأة السوريّة بشكلٍ عامّ والرقيّة على وجه الخصوص كانت المُساهم الأوّل في بناء مجتمعها حتّى قيام الثورة في آذار ٢٠١١، لتكون أوّل الأصوات التي صرخت في وجه النظام والثورة عليه، ليس ذلك فقط بل كانت في كثيرٍ من الأحيان المخلّص للشباب الثائر من أيدي عناصر حفظ النظام، والمداوية لجروحهم عند الاعتداء عليهم، ولا ننسى دعمها للثورة من خلال الأعمال اليدويّة بإخاطتها للأعلام ورسم الشعارات، كما وكانت المشارك في استقبال النازحين، من أبناء المناطق الثائرة، من خلال مشاركتها في أعمال الطبخ، والمُهدية لكثيرٍ من أثاث وفرش بيتها ليكونوا في مأمن من الجوع والبرد، ولم تشفع أنوثتها وضعفها للتعرّض للمساءلة أو حتّى زجّها في السجون لتلاقي من ويلات وتعذيب واعتداء على يد النظام ما لا تصفه الكلمات.

وفي يوم تحرير الرقّة كانت أوّل من أطلق تباشير وزغاريد الفرح بالنصر على النظام الباغيّ، ووقفت بجانب الرجل تشاركه في إحياء عاصمة التحرير وإظهارها كنموذج لمدن الحريةّ، رافضةً في الوقت نفسه إيقاف العمليّة التعليمية على الرغم من القصف العشوائيّ الذي كان يطال الرقّة آنذاك، مؤمنة بأنّ العمل لا يكتمل إلّا بالعلم، فقد كانت السبّاقة والمتطوّعة الأولى لإتمام سير التعليم.

ولكن سرعان ما تبدّل كلّ شيء مع سيطرة تنظيم داعش، الذي عمل على إنهاء دورها وإسدال الستار على وجهها، معنّفاً إيّاها إمّا بكلامٍ يأبى لحيائها سماعه، أو بجلدِها وسجنها في أقفاصٍ مع جمام بشريّة، مضيّقًا عليها في الأسواق، مكرِهًا إيّاها على عدم مغادرة منزلها، وتأمين احتياجاتها، مُستغلًّا القذف بعرضها في حال تمرّدت عليه أحياناً، وثارت لحقٍّ من حقوقها، مصوّراً حالها في كثيرٍ من المآسي، جاعلًا منها الأمّ الثكلى، والتي تُسَرّ في نفسها السؤال عن ابنها الذي غُيِّب في دياجير سجونهم، والأمّ المودّعة التي سرت بقطْعٍ من الليل لتأمن على حياة ولدها، ملقيةً إيّاه في تابوتٍ تتقاذفه أمواجُ اليمّ، خوفًا لئلّا يقع في أيدي التنظيم، الذي قام بطيّ عهدٍ طويلٍ لدور المرأة الرقّيّة وفي جميع مجالات الحياة، من خلال التقييد على تحرّكاتها لتلملم نفسها في كلّ مرّةٍ كانت تعتقد باحترام حقٍّ ينادي دائمًا وأبدًا “رفقًا بالقوارير”.

واليوم ومع سيطرة ميليشيا قوات سوريا الديمقراطيّة ” قسد”، تبرز قضيّة المرأة من جديد، من خلال استغلال تلك القوّات لمكانة المرأة، الذي لم يكن من أجل المبادئ واحترام دورها في المجتمع، بل هي خطّة براغماتيّة كي تكون لهم جسراً للسيطرة على مناطق تنظيم داعش بشكلٍ كامل، مستغلًا ما كانت تعانيه على يد الأخير من تهميش وتخويف لها، وعلى الرّغم من ادّعاء هذا التقديس الكاذب من قبل ميليشيا “قسد”، من خلال تلميع صورتها الإعلاميّة، فإنّه بالمقابل يستغلّ وجودها في مخيّمات النزوح، وأنّها لم تتلقّى المساعدات في حال رفضها للأوامر، والتي تتمثلّ بزجّها على جبهات القتال التي تخوضها القوّات الكرديّة مع تنظيم داعش من جهة، والأتراك على جبهة عفرين من جهة أخرى، مستغلًّا فقر عائلتها وعوزها للسير في هذا الطريق المرسوم لها، الذي لم يختلف عن طريق تنظيم داعش في معاملتها.

فعلى الرغم من توالي القِوى على الرقّة جيئةً وذهابًا، تبقى المرأة السوريّة عامّةً والرقيّة خاصّةً ،ثابتةً في قوتها كلوحة الموناليزا، في كلّ حقبةٍ تجد فيها غموضًا لا ينفكّ ،وستبقى ما وُجِد الكون، امرأة لن ينساها التاريخ أبداً.

اقرأ المزيد
٨ مارس ٢٠١٨
الغوطة الشرقية ... هدنة الأمم المتحدة القاتلة

مقال: أحمد نور

تتصدر أخبار الغوطة الشرقية بريف دمشق الشرقي أخبار الصحف والإعلام العربي والدولي، طغت صور الدماء والموت الذي تصدره روسيا والنظام في كل دقيقة عبر بحق أهالي الغوطة المحاصرين، وسط عجز مخزي للمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان عن وقف هذه المذبحة.

بعد عشرات التصريحات والوعيد والتهديد الدولي عقد مجلس الأمن الدولي في 24/ شباط/ 2018 جلسة طارئة لمناقشة الأوضاع الإنسانية في الغوطة الشرقية، وتوصل المجتمعون بالاجماع بعد شد وجذب وتأجيل للتصويت لهدنة فرضت بالإجماع تحت القرار 2401، والتي تقضي بهدنة شاملة لمدة شهر، مع السماح بدخول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة.

لم تمض دقائق وربما أقل على صدور القرار وإبلاغ الأطراف المعنية به ممثلة بنظام الأسد والمعارضة حتى عاود طيران الأسد ومدفعيته دك الغوطة الشرقية، واستأنفت قواته تحركاتها وحشودها على أطراف الغوطة الشرقية وبدأت بالتقدم تباعاً مستخدمة الأرض المحروقة وسياسة التدمير الشامل التي تتبعها روسيا في كل منطقة.

ورغم مرور أكثر من 14 يوماً على قرار الهدنة واجتماع مجلس الأمس للمرة الثانية في السابع من شهر شباط الجاري والتأكيد على ضرورة تطبيق الهدنة إلا أن نظام الأسد وبدعم روسي يضربون عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة للمرة المئة بعد الألف وأكثر قليلاً، ويمتنعون عن تطبيق أدى حد من الهدنة المزعومة ولو بتخفيف القصف.

قدمت الغوطة أكثر من 500 شهيد ومئات الجرحى بين المدنيين، وتدمير المئات من المباني السكنية والمرافق الطبية والملاجئ خلال أيام الهدنة القاتلة التي ترعاها الأمم المتحدة، وسط ازدياد الوضع الإنساني مأساوية وعجز شبه كامل طبياً وإنسانياً عن تقديم أي شيء يخفف الموت عن المدنيين العزل.

هذه الهدنة التي باتت غطاء لنظام الأسد وحلفائه اليوم لتمكين سيطرتهم وتوسعهم على حساب أكثر من 350 ألف مدني باتت الأقبية ملاذا لهم لتحميهم من صواريخ الموت المستمرة بالسقوط على مدنهم وبلداتهم، تفتقر لأدنى مقومات الحياة، يصدر الموت في كل دقيقة، مع مماطلة المجتمع الدولي الذي بات بنظر أهالي الغوطة راعياً رسمياً لهذا القتل والتشريد.

وباتت الهدنة اليوم في نظر أبناء الشعب السوري عامة والغوطة خاصة هدنة قاتلة مدمرة تعبر عن عجز المجتمع الدولي عن تطبيق أدنى حقوق الإنسان ومناصرة الشعب السوري الذي يتعرض لحملة إبادة جماعية لم تكن الأولى التي رعتها الأمم المتحدة وحقوق الإنسان ومجلس الأمن في سوريا فقد أبيدت مدن وبلدات في الرقة ودير الزور وحلب وإدلب وداريا ودرعا والغوطة الغربية وحمص وهم ينددون يعبرون عن قلقهم لا أكثر.

عانت الغوطة الشرقية طيلة خمس سنوات مرارة الموت المستمر جوعاً وقصفاً وحصاراً، لم تنفع كل النداءات والدعوات والاستغاثات لتخفيف حدة الموت الذي يلاحق أهلها من بلدة لأخرى، دمر الأسد وحلفائه كل حياة بتدمير المشافي والمعامل والمصانع والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، هذا عدا عن منع دخول المساعدات الطبية والغذائية، أمام مرأى العالم أجمع.

قدمت الغوطة الشرقية خلال سبع سنوات من الحراك الثوري أكثر من 13 ألف شهيد ومئات الألاف من الجرحى، وواجهت أكبر مجزرة كيماوية في 2013، وصمدت لخمس سنوات ولاتزال في وجه الحصار المفروض عليها والموت الذي يحاصرها من كل اتجاه، حتى تفرغ النظام وروسيا لها في الأشهر الماضية وكثف من ضرباته وغاراته مسجلاً المزيد من الشهداء والجرحى.

الغوطة اليوم تعيش القيامة في الأرض قبل نهاية العالم فعلياً، وحيدة منكوبة محاصرة، ينتظر مدنيوها الموت في كل ثانية وكل دقيقة مع كل صوت طائرة أو ضربة مدفع أو راجمة، ولا تكاد مشاهد الموت اليومية تفارقهم فشهيد هنا ومجزرة هناك، وشهيد يحمل شهيد وينعي شهيد ويشيع شهيد، والعالم يتفرج، ورسالة من تبقى للعالم "مازلنا على قيد الحياة حتى إشعار أخر".

اقرأ المزيد
٧ مارس ٢٠١٨
صاروخ بوتين

عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تطوير الصاروخ النووي الذي يتفادى أنظمة الدفاع الصاروخية الأميركية، فهو بهذا يعلن توازنَ قوى عالمياً جديداً له دوافعه التي يحب فهمها. كما أن تبعات عالمية وإقليمية تحتاج إلى تأمل عميق يليق بهذا الإعلان، ومع ذلك لو حقّقنا في الدوافع وفِي شخصية بوتين فلربما نحن أمام خدعة استراتيجية كبرى.

لا أشكك في قدرة روسيا على تطوير صارخ نووي عظيم تتجاوز قدراته عشرات المرات قدرة الصواريخ الأميركية «تامهوك» التي شهدنا عرضاً مرئياً لها في الهجوم على صدام حسين عام 2003. ولكن رغم هذا فإن المتابع لشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أن كان المقدم (lieutenant Colonel) بوتين الذي كان يدير محطة المخابرات الروسية (كي جي بي) في ألمانيا الشرقية لا يستغرب قدرة الرجل على المراوغة. كان بوتين في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 نائباً لمدير محطة «كي جي بي» في برلين، وكان رئيس «كي جي بي» المباشر في موسكو يوم سقوط جدار برلين وتزاحمت المظاهرات الغاضبة أمام مبنى المخابرات الروسية في برلين، وهرب كثير من العاملين وبَقي المقدم بوتين في الداخل يحرق أوراق المخابرات السرية بالفرن، ولما انتهى من حرق معظم الأوراق خرج على المتظاهرين قائلاً لهم إن بداخل المبنى حراساً مسلحين لأقصى درجة ولديهم أوامر بإطلاق النار على من يقتحم المبنى، وأن عدد القتلى سيكون خرافياً، فقرر المتظاهرون الانصراف، رغم أنه لم يكن بالداخل حراس كما وصفهم، فقد هرب الجميع، ولكن بوتين لم يظهر خوفه بل واجه الخطر الداهم بالخداع الاستراتيجي، وبهذا نجا بوتين من مصير محتوم كان على وشك أن يقع له في السفارة الروسية. عقل بوتين مسكون بهذه التجربة ويرى في أي مظاهرات سواء في موسكو أو في سوريا خطراً عليه، لذلك انحاز دائماً إلى الثورة المضادة في الربيع العربي مثلاً، ولذلك كان موقفه المتشدد في أوكرانيا. بوتين يخاف مصير أي ديكتاتور، ولذلك يلجأ إلى كل السبل التي يستعرض به القوة لنفسه ولروسيا في مواجهة الأخطار القائمة والمحتملة. فهل صاروخ بوتين حقيقي أم هو ضمن خطة الخداع الاستراتيجي؟

بالطبع لم نرَ سوى عرض الفيديو ضمن ما يشبه خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بوتين أمام النواب والنخب الروسية الاقتصادية والسياسية، ولكن أهمية هذا الفيديو وهذا الخطاب هو أنه يأتي في سياق تفوق ملحوظ للصين على الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً، مما يعجل بنهاية العالم أحادي القطبية أو يجعله مكوناً من قطب واحد ولكنه الصين وليس أميركا هذه المرة. في ظل تحالف شرقي بين الصين وروسيا مضافاً إليهما الموقف المتهور لكوريا الشمالية فإن خطاب بوتين يزيد من زعزعة الثقة العسكرية الأميركية التي كانت دوماً تعتمد على تفوقها التكنولوجي والعسكري. ومن هنا تكون تبعات تحدي بوتين حتى لو كان خداعاً له تبعات كبرى عالمية كما أن له تبعات إقليمية في منطقتنا.

صاروخ بوتين بالتأكيد سيجعل الإسرائيليين يعيدون التفكير فيما يعرف بالقبة الحديدية، وخصوصاً بعد إسقاط الصاروخ السوري لطائرة إسرائيلية حديثة، سيفكر الإسرائيليون كثيراً في الصواريخ الروسية الجديدة. وطبيعتها.

صاروخ بوتين أيضاً سيعزز الموقف الروسي في سوريا، ويجعل التوازن الدولي في المفاوضات يرجح الكفة الروسية، هذا إن كان الصاروخ حقيقة، وإن كان خدعة استراتيجية فنحن أيضاً أمام عالم جديد أساسه الخداع، أو عالم ما بعد الحقيقة كما سماه الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي هو - في نظر بوتين - مجرد بوريس يلتسين أميركي. يلتسين الذي سلم السلطة لبوتين طواعية وأعطانا هذه القيادة الروسية التي قد تظل معنا لفترات طويلة.
صاروخ بوتين ليس النهاية، فكلما أحس بوتين بخطر يشبه خطر المتظاهرين في برلين نجده يبحث عن وسيلة جديدة أساسها الرجل الخائف وليس الرجل القوي!

اقرأ المزيد
٧ مارس ٢٠١٨
الغوطة.. تشييع الضمير

بذهولٍ، كنا نقرأ، ونحن في مقاعد الجامعة في مساق التاريخ، عن مجازر العصابات الصهيونية في فلسطين قبيل النكبة، وإعلان قيام دولة الاحتلال. وقتها كان الطلبة يتساءلون كيف صمت العرب والعالم عن تلك المجازر، وكان جواب الأستاذ لنا "لأن المعلومة لم تصل إلى الرأي العام في ذلك الوقت، إذ لم يكن حينها فضائيات ووسائل الإعلام الحديثة".

واليوم، نتابع بذهول بثا مباشرا لمجازر النظام السوري وحلفائه، وسط صمت عربي، وتلكؤ المجتمع الدولي، وخذلانه الأطفال والنساء، ليثبت هذا عدم صوابية تحليل ذلك الأستاذ، فليس غياب المعلومة والإعلام سبب خذلان الضحية، بل هو جرّاء نظام دولي يكيل بمكيالين، الغلبة فيه للقوي، نظام تغليب المصالح وتغييب الضحايا، ويصحّ والحال هذه مع ما يجري في الغوطة القول إن الضمير الإنساني دفن هناك، وبتنا نتحدث عن مرحلة ما بعد ذلك وآثارها.

وحيث تبدو "محرقة الغوطة" وبشاعة الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون والأفغان وغيرهم بشعة إلى درجة أن التفكير يتجمد، ويتوقف عند هذه اللحظة البائسة من التاريخ، إلا أن ما بعد هذه المحارق أخطر، فكيف يمكن إقناع جيل "ما بعد حرب سورية" بمبادئ "العدالة الدولية" و"حقوق الإنسان"، وهو الذي شاهد نظامه المجرم يحرق الناس ويدفنهم تحت الأنقاض، غير مكترث بكل تلك الديباجات، كما أنه يواصل جرائمه منذ سبع سنوات، من دون أن يتخذ المجتمع الدولي قرارا حاسما بردعه.

هذا "الكفر" بتلك المواثيق والمبادئ الدولية خطير، لعدة أسباب، إذ من شأن تراكمه أن يولد مظلوميةً لن تنجح كل هذه الديباجات الدولية في معالجة آثارها المدمرة، كما سيخلق جيلا من الناقمين والمحبطين والمسكونين برغبة الانتقام، وهذه وصفةٌ للتطرّف الذي يدّعي العالم الحر أنه يحاربه، فيما هو بهذا الصمت على القتلة يسهم في صناعته، كما أن استمرار هذه المجازر الوحشية هو خدمة مجانية للقوى الراديكالية المتشدّدة التي نجحت في غسل أدمغة آلاف الشباب، وجندتهم في صفوفها، ما يجعلنا اليوم كأمة بالفعل أمام مستقبل مظلم، بلدان مدمرة، ومئات آلاف من الأيتام و المقهورين ومعدومي الأمل، فأي مستقبلٍ ينتظر هذه البقعة من العالم؟

قهر الشعب السوري اليوم عبر تركه وحيدا أمام هذه الآلة الاجرامية لنظامه، المتحالف مع عصابات من شتى أنحاء الأرض، ومضي الإدارة الأميركية في قهر الشعب الفلسطيني عبر اعترافها بيهودية القدس، وتنكّرها لكل حقوقه، إضافة إلى الحملة الشرسة التي تقوم بها أنظمة الثورات المضادة القمعية ضد شعوبها ومعارضيها، كل هذه العوامل هي وصفه لتفجير هذه المنطقة، وإحراق المعبد على رؤوس الجميع كما يقال. ولعل المستفيد الوحيد من ذلك كله إسرائيل التي تعمل على ترويج أنها الديمقراطية الوحيدة في هذه المنطقة، فلم تكن تل أبيب تحلم، في أحسن أحلامها، بما يحصل اليوم، من تفجير أنظمة مجنونة أحزمة ناسفة في بلدانها وشعوبها، فالكل خاسر والحالة هذه، حتى الدول الإقليمية الرئيسة، كإيران وتركيا اللتين تنافستا على تقسيم كعكة هذه المنطقة، لم تعد بعيدة عن هذا البركان، فقد ظنت إيران، في فترة شهر العسل مع" الشيطان الأكبر"، أن واشنطن ستعمّدها شرطيا على المنطقة والإقليم من جديد، فاندفعت بجنون في دعم مليشيات طائفية مريضة، وتآمرت على الربيع العربي، إلى أن قلب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لها ظهر المجن، وبدأ تقليم أظافرها، فيما ركبت الثانية موجة الربيع ثم تلكأت وخذلت السوريين، فاضطرت اليوم للدخول في حرب استنزاف طويلة مع المليشيات الكردية لا يعرف مداها ومآلها.

الخلاصة من "محرقة الغوطة" أن الضمير الإنساني دفن هناك، وقد ندفن فيها، نحن الأمة، إذا لم نخرج من حالة العجز والتشرذم والخذلان، وسنكون نسيا منسيا، فهل من عقلاء؟

اقرأ المزيد
٧ مارس ٢٠١٨
الأسد رضي بتقسيم سوريا

يروي المؤرخ التركي خليل بركتاي، في مقال له تحت عنوان "غرنيكا 1937، الغوطة 2018"، أولًا الهجوم الوحشي والمجازر التي نفذتها قوات الجنرال الفاشي المتمرد فرانكو بدعم من هتلر وموسوليني، في منطقة الباسك الإسبانية. ثم يقارن بين بلدة غرنيكا التي تعرضت للهجوم والغوطة، ليخلص إلى النتيجة التالية:

"على الرغم من إعلان الأمم المتحدة هدنة لمدة 30 يومًا إلا أن الهجمات الوحشية لم تتوقف. فالنظام السوري أصم، وروسيا لا مبالية. سيلان الدماء مستمر في الشوراع. الغوطة هي غرنيكا عصرنا. من يدرك؟ العالم يرى لكن لا يحرك ساكنًا. وليس للعرب السوريين المسلمين بيكاسو يصور مأساتهم. لا أحد يريد التحرك".

ينشر مراسل الجزيرة مشاهد من الغوطة. جميع الأحياء، التي كان يقطنها قبل الحرب قرابة نصف مليون نسمة، دُمرت بالكامل، أصبحت الشوارع والأزقة أثرًا بعد عين.

من يقصف الغوطة هي القوات البرية والجوية التي ما زالت موالية للأسد. عدد الفصائل المعارضة في الغوطة خمس، وإجمالي أفرادها 30 ألف، جميعها من السنة.

من نقاط التشابه، التي لفت إليها الأستاذ بركتاي في مقالته، بين غرنيكا والغوطة هي أن الجيش لا يستهدف القوة العسكرية المناوئة له، وإنما يقصف المدينة التي تحتضنها وتشاطرها بعض القيم، ويستهدف سكانها المدنيين ومنازلهم ومدراسهم وأسواقهم ومحلاتهم ومستشفياتهم:

"نفذ الطيارون الألمان أول بروفة لقصف الإرهاب، الذي كانوا سيختبرونه لاحقًا في الحرب العالمية الثانية. على مدى أكثر من ساعتين ما بين 16:30 و18:45، قصفوا ورشقوا بالرشاشات الآلية وألقوا قنابل زنتها 50 و250 كغ".

عندما انتهى "قصف الإرهاب" وانسحب الألمان والإيطاليون وقوات فرانكو، لم يكن قد بقي من غرنيكا سوى أطلال. بيد أن الغوطة تواجه منذ أشهر هجومًا أشرس. ولا يمكن القول إن الطيارين السوريين والروس يقلون كفاءة نظرائهم النازيين والفاشيين.

من يعتبر نفسه رئيسًا شرعيًّا للبلد لا يمكن أن يقتل المدنيين بهذه الوحشية. وإذا كان يفعل فهو يعلم بلا شك أن هذا الجرح لا يندمل، وأن من المستحيل له أن يكون زعيمًا لهذا الشعب.

لو أن الأسد لم يقبل بتقسيم بلده إلى ثلاثة أجزاء لكان وضع حدًّا لهذا الهجوم منذ زمن طويل، مهما كان موغلًا في الإجرام.

أسئلة تطرح نفسها الآن: من هي الأطراف الأخرى في خطة التقسيم هذه؟ أين بوتين من هذه الخطة التي تبين أنها أعدت في الولايات المتحدة واستُكملت في إسرائيل؟ وفيما عدا المنطقة التي رضي بها الأسد والميليشيات الشيعية، كيف سيُقسم الجزء المتبقي على العرب والأكراد؟ من سيسيطر  على المنطقة الغنية بالنفط؟

وربما السؤال الأهم: ماذا سيكون موقف تركيا وقطر من هذه الخطة؟

اقرأ المزيد
٧ مارس ٢٠١٨
حين تنتظر الموت في كل دقيقة أعلم أنك في الغوطة الشرقية

تتصاعد عمليات القصف الجوي والمدفعي بشتى أنواع القذائف والصواريخ التي تنهال على المناطق المدنية في الغوطة الشرقية في كل ثانية تحمل الموت معها في كل مكان من أرجاء الغوطة، لم تترك مكاناً واحداً لم تطاله الصواريخ والحمم والموت الذي يحاصر أكثر من 350 ألف مدني ليس لهم إلا الله حامياً.

مئات الغارات والصواريخ والقذائف تتصاعد أرقامها وتتنوع المواد التي تحملها من متفجر وحارق وفوسفور ونابالم وكلور سام، يواجه مدنيي الغوطة الشرقية منذ ساعات الفجر حتى أخر ساعات الليل، وفي كل بقعة في أرجاء الغوطة تسيل شلالات الدم وتصعد الأرواح إلى السماء.

عانت الغوطة الشرقية طيلة خمس سنوات مرارة الموت المستمر جوعاً وقصفاً وحصاراً، لم تنفع كل النداءات والدعوات والاستغاثات لتخفيف حدة الموت الذي يلاحق أهلها من بلدة لأخرى، دمر الأسد وحلفائه كل حياة بتدمير المشافي والمعامل والمصانع والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، هذا عدا عن منع دخول المساعدات الطبية والغذائية، أمام مرأى العالم أجمع.

قدمت الغوطة الشرقية خلال سبع سنوات من الحراك الثوري أكثر من 13 ألف شهيد ومئات الألاف من الجرحى، وواجهت أكبر مجزرة كيماوية في 2013، وصمدت لخمس سنوات ولاتزال في وجه الحصار المفروض عليها والموت الذي يحاصرها من كل اتجاه، حتى تفرغ النظام وروسيا لها في الأشهر الماضية وكثف من ضرباته وغاراته مسجلاً المزيد من الشهداء والجرحى.

الغوطة اليوم تعيش القيامة في الأرض قبل نهاية العالم فعلياً، وحيدة منكوبة محاصرة، ينتظر مدنيوها الموت في كل ثانية وكل دقيقة مع كل صوت طائرة أو ضربة مدفع أو راجمة، ولا تكاد مشاهد الموت اليومية تفارقهم فشهيد هنا ومجزرة هناك، وشهيد يحمل شهيد وينعي شهيد ويشيع شهيد، والعالم يتفرج.

اقرأ المزيد
٦ مارس ٢٠١٨
مختطفون سوريون

بثت الفضائية السورية، في 19 فبراير/ شباط الماضي، برنامجا "وثائقيا" عن عائلات اختطفتها الجماعات الإرهابية المسلحة، ثم تم تحريرها (بعد ما بين ثلاث إلى خمس سنوات) من تلك الجماعات التي أجمع معظم الأهالي المختطفين أنهم كانوا غرباء من الشيشان والأفغان، وغيرهما، إضافة طبعا إلى "بعض السوريين الخونة". وتم تصوير الحلقة في الهواء الطلق، أي في البرد، ومعظم الذين شاركوا فيها من النساء والأطفال. وكانت المُحاورة في قمة اللطف والتعاطف مع المخطوفين المحرّرين. لكن من عجائب الدنيا أن يتفق المخطوفون أنهم يهدون اختطافهم للوطن، وبعضهم قال إلى الوطن!

تعودنا أن نسمع أن الشهداء يهدون استشهادهم عن طريق شهادات أهاليهم إلى الوطن، فالشهادة في سبيل الوطن فكرة منطقية ومقبولة ويفهمها العقل. أما أن يُهدي المخطوف خطفه إلى الوطن، فأمر يجعل العقل يغادر الجمجمة، كما لو أن المخطوف يملك قرار اختطافه، كما لو أنه بطل لمجرد أنه خُطف. وتحدثت الأمهات المختطفات عن سنوات الخطف، وكيف كان الخاطفون ينقلونهم من قريةٍ إلى قرية، وكيف سجنوهم أشهرا في قرية سلمى الصغيرة ساحرة الجمال، والتي تحولت إلى ركام الآن، وبعد ست سنوات من الحرب القذرة لم يدفع ثمنها إلا السوريون.

سألت المُحاورة طفلا في العاشرة من عمره خطفته الجماعات الإرهابية، لمّا كان عمره ست سنوات، عن تجربته في الخطف، فقال إنه شاهد الخاطفين يذبحون أمه، وإنه عاش سنوات الاختطاف بأمل أن يحرّره الجيش السوري، فسألته المُحاورة إن كان قد تعلمّ شيئا طوال هذه السنوات، فقال لها إن الخاطفين علموه أن يحفظ القرآن. وحكت صبية في السادسة عشرة من عمرها إنها كانت مسؤولة عن إخوتها الأصغر منها، بعد أن رأت بأم عينها كيف ذبح الخاطفون أمها.

كان كل المختطفين يتكلمون كما لو أنهم في سرنمة، أو كأنهم منومون مغناطيسيا. وكالعادة (كما يجمع أهالي الشهداء من كل مدن سورية وأصقاعها على شهاداتهم ويزغردون فرحا لاستشهاد أولادهم)، أجمع الأهالي البسطاء من القرى الملتهبة بالصراع أنهم أهدوا إختطافهم للوطن، وكرّروا إلى ما لا نهاية عبارة الحمد لله، كما لو أنهم يهربون من فراغٍ موحش، ويثير ذعرهم فيما لو وعوه كاملا. وكان كل الأهالي المحرّرين من الخطف بعد سنوات يحكون بلهجتهم المحلية، أي يلفظون القاف قافا، وكل اللهجات مُحترمة، لكن الغريب أن المذيعة فجأة قررت أن تتكلم مشدّدة على حرف القاف، فكانت تلفظه مُشعرة المتفرج والسامع أن وزنه طن. ولم يفهم المشاهد لماذا بدأت الأسئلة والمقابلة مع المختطفين السوريين المُحررين بقاف عادية (بدل أن تقول قلم بتشديد لفظ القاف تقول ألم)، وفجأة قرّرت أن القاف تؤثر أكثر في الجمهور، أو ربما القاف في سورية تُحيي العظام وهي رميم.

هل يمكن لإنسان أن يتخيل رعب أن يعيش أطفال ومراهقون وصبايا بين أربع سنوات وخمس سنوات مع خاطفين مجرمين، وأجمع الجميع (المُختطفون) أن أشكالهم مُرعبة، لكن أيا منهم لم يصف لنا شكل واحد من أولئك. وليت أن مُعد البرنامج لقّن المُختطفين المُحرّرين وصف الخاطفين، كما لقنهم جميعهم العبارات نفسها أنهم يهدون اختطافهم إلى الوطن (!).

مهزلة الإعلام السوري أنه لا يبالي بأبسط قواعد علم النفس، ويتعامل مع طفل شهد ذبح أمه، ومر بتجربة خطف سنواتٍ، كما يتعامل مع تلميذ في المرحلة الابتدائية، يطلب إليه أن يكتب موضوع تعبير يصف الربيع. أيه مهزلة أن تشوّه المفاهيم إلى هذه الدرجة! وأن يُعتبر الاختطاف عملا بطوليا. وما أدرانا، فقد تتحفنا الإخبارية السورية قريبا بحلقة تبث في الهواء الطلق، وبدرجة حرارة تحت الصفر لفتيات تعرّضن للاغتصاب. وحسب المنطق الرسمي والإعلامي السوري، لا يُستبعد أن تهدي الفتيات اغتصابهن للوطن. مهزلة المهازل. كم كان الشعب السوري محقاً حين هتف من أعماق روحه: يا الله، ما إلنا غيرك، يا الله.

لو شاهد غابرييل ماركيز الحلقة التي بثتها الإخبارية السورية، لما استطاع أن يبدع روايته "خبر اختطاف". يبقى على المذيعة اللطيفة والجميلة أن تفسر للجمهور لماذا قرّرت، في منتصف الحلقة، أن تتحول من لفظ القاف بطريقة معينة إلى لفظ القاف بكل ثقلها المُرعب.

اقرأ المزيد
٦ مارس ٢٠١٨
تظاهرة من أجل إنقاذ المعتقِلات في سجون النظام السوري

إنّ بداية الاحداث السورية التي تستمر منذ 7 سنوات، والتي تحولت إلى حرب عالمية فوضوية جاءت نتيجة كتابة بعض أطفال محافظة درعا السورية عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام" على جدران المدارس، وكانت هذه العبارة الهتاف الأكثر شهرةً في العالم العربي، انتشر الربيع العربي في الجغرافيا بأكملها وفي الواقع كانت الشعوب العربية ترغب بإصلاحات ديمقراطية وليس إسقاط النظام بشكل مباشر.

لكن جاء الرد من النظام السوري بقتل الأطفال، وبذلك بدأت الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011 الموافق ليوم الجمعة تحت اسم "جمعة الغضب".

ومنذ ذلك الوقت فقد ما يقارب المليون مواطن سوري أرواحهم، فيما أصبح الملايين في حالة لجوء في الدول الأخرى، وتحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة لهؤلاء اللاجئين، وأصبح الأطفال الذين أرسلهم أهاليهم لوحدهم بسبب عدم وجود أماكن كافية في القوارب والسفن ضحايا لعصابات المافيا، وفي هذا السياق فقد عشرات الآلاف من الناس أرواحهم في سجون النظام السوري.

بالتأكيد لا يمكن تحديد أرقام دقيقة، لكن قدمت منظمة العفو الدولية تقريراً يشير إلى الكشف عن مقتل 13 ألف مواطن سوري في أحد سجون النظام بين أعوام 2011-2015، فيما ذكر ناشطو حقوق الإنسان في سوريا أن عدد الضحايا في سجون النظام قد يتجاوز الـ 50 ألفاً، وأضافوا أن العديد منهم فقدوا أرواحهم تحت التعذيب.

إضافةً إلى السجون الرسمية فقد تم تحويل بعض الشركات أيضاً إلى سجون غير رسمية من قبل النظام السوري، في هذا السياق يمكننا ذكر صور الضحايا التي أوصلها أحد جنود الجيش السوري لوكالة الأناضول، إذ تشير الـ 55 ألف صورةً إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص تحت التعذيب والترك للموت جوعاً والعديد من الأساليب الأخرى، والسبب في ذلك هو أن بشار الأسد يعتمد سياسةً تهدف إلى قتل المعارضين بشكل منهجي تحت التعذيب.

هناك مسألة أخرى معروفةً أيضاً لكن لم يتم التدقيق في خصوصها وهي أن النظام يقوم باستخدام التعذيب واغتصاب المعتقلين النساء كسلاح في الحرب.

من المعروف أن 13 ألفا و581 إمرأةً تعرضن للتعذيب في السجون السورية، ويوضّح الشهود أن حوادث الاغتصاب لم تكن فردية بل كانت تنفّذ بشكل منهجي.

وفي هذا السياق خرجت المسيرة المعروفة باسم "قافلة الضمير" تحت إدارة منظمة "حركة حقوق الإنسان والعدالة" من أجل الوقوف في وجه هذه الجرائم الإنسانية، وبذلك شاركت النساء من 55 دولةً مختلفة في مسيرة منظمات المجتمع المدني التي تتضمن منظمة الإغاثة الإنسانية وجمعيات حقوق المرأة والديانة والأنصار أيضاً.

إذ يخططّ لوصول النساء اللواتي ستخرجن في 6 مارس/آذار إلى ولاية هاتاي الحدودية في 8 مارس/آذار، وستقوم بربط الحجابات المزينة على الأسلاك الحدودية كرمز للطهارة وحسن النية من أجل إنقاذ المعتقلات السوريات في سجون النظام السوري.

في هذه النقطة سنذكر كلمة "غولدين سونميز" مساعدة رئيس جميعة حركة حقوق الإنسان والعدالة

"هناك6 آلاف و763  امرأة تترقّب الموت في سجون النظام السوري، ونحن نسعى لإنقاذهن، نحن نعلم أن النساء اللواتي تتعرضن للاغتصاب تميل للانتحار وأن اللواتي لا يمتن يعانين من صعوبات شديدة في الاستمرار بالعيش، ويجدر بالذكر أن تعذيب واغتصاب النساء تعتبر جرائم إنسانية بناء على معايير جميع الأديان السماوية ومنظمات الحقوق الدولية".

يستخدم النظام التعذيب والاغتصاب كسلاح خلال الحرب، ونحن ننتظر منذ 7 سنوات تدخّل المؤسسات والدول ولجنة منع التعذيب التي تملك القدرة على الوقوف في وجه هذه الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية، لكن نلاحظ أن الجهات المذكورة تغض النظر عن أحداث التعذيب والاغتصاب، أو أنها تدعم الجيوش التي تقوم بقصف المواقع المدنية في سوريا، لذلك نطالب الجميع بفعل المستطاع من أجل المعتقلات السوريات في سجون نظام الأسد.

اقرأ المزيد
٦ مارس ٢٠١٨
بشريات "أبو اليقظان": تدمير للمحرر وقتل لأبناء الشعب الثائر ...!!

يتبع "أبو اليقظان المصري" شرعي الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام، سياسية إعلامية تقوم على زف "البشريات" عبر حسابه "الرسمي" على موقع "تلغرام"، تتجسد صورة هذه البشريات على الأرض في اقتحام بلدة أو مدينة أو قتل أو أسر عدد من أبناء الشعب السوري في المناطق المحررة.

ففي كل إعلان لبشرى تكون عناصر هيئة تحرير الشام تحاول اقتحام بلدة أو مدينة ما ضمن المناطق المحررة لقتال جبهة تحرير سوريا، يتولى "أبو اليقظان" تهيئة الأجواء لزف بشراه في قصف المنطقة واقتحامها بالدبابات، ومن ثم السيطرة عليها، لتتم وتتحقق "بشراه" وكأنه يزف تحرير كفريا والفوعة أو مدينة حلب أو ينصر الغوطة الشرقية.

ساهمت فتاوى "أبو اليقظان" في تحليل سفك دم أبناء الشعب السوري وإباحة قتله وإهدار دمه في معارك داخلية أرهقت الثورة السورية وفصائلها العسكرية فيما بينها، برز في فتواه الشرعية للقتال "اضرب بالرأس" إبان اعتداء الهيئة على حركة أحرار الشام الإسلامية في تموز 2017، والتي خلفت العشرات من الضحايا من طرفي الاقتتال بفعل هذه الفتوى.

ومع الاقتتال الحاصل بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا واستمرارية فتاوى "أبو اليقظان المصري" ظهرت مؤخراً فتوى جديدة على لسان الشرعي في هيئة تحرير الشام "أبو الفتح الفرغلي" والتي اعلنها صراحة غير أبه بحرمة الدماء المعصومة وبأحاديث حرمة الدم بفتواه "إضرب فوق وتحت الرأس نصرة للدين".

اقرأ المزيد
٥ مارس ٢٠١٨
الشعب ويد الزعيم

في بدايات الربيع العربي، حينما كان الحلم أنه سيكون ربيعا حقيقيا، استطاع شباب العرب الذين نزلوا، بأصواتهم ورغبتهم بالتغيير، إلى شوارع المدن العربية وساحاتها، إعادة الاعتبار إلى مفردة "الشعب"، بعد أن تحولت، عقودا طويلة، إلى شعار مفرغ من معناه، ومستبدلة بمفردة "الجماهير" التي استخدمها الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، وصدّرها، كما صدّر تجربة "ثورات" العسكر، إلى باقي الدول العربية، فمفردة الجماهير توحي مباشرة بقطعان من البشر تسير وراء الراعي/ الزعيم الذي يلوح بيده، ليدل القطيع على وجهته، الزعامة السياسية بأشكالها الديكتاتورية المتعدّدة كان يلزمها هذه الجماهير التي تهتف للزعيم القائد، لاسمه ولحياته ولسلطته ولبقائه الأبدي، بينما اسم الوطن في هتافات الجماهير بقي في الخلفية، أو نسب إلى الزعيم القائد. وحدها مصر شذّت قليلا عن القاعدة هذه، على الرغم من أنها التي صدّرتها، ظلت الجماهير تهتف لمصر، كما تهتف لجمال عبد الناصر، فمصر، الأمة المهولة، بحجمها وحضورها وتاريخها، كان سيصعب على أي زعيم، حتى لو كان صاحب كاريزما خارقة كعبد الناصر، أن ينحيها جانبا.

ما كان مرادا له أن يكون ربيعا سوريا، أعاد الاعتبار أيضا إلى مفردة الشعب السوري، صار لهذا الشعب صوت وحضور ورائحة وذاكرة ونبض، صار الشعب حقيقيا، حاضرا، يريد ويطالب ويصرخ ويهرب، ويطرح آراء وافكارا ويناقش ويختلف ويشتم بعضه بعضا، وينحاز ويصطف ويدعم ويساعد ويندفع. لم تعد صفة "الجماهير" تتناسب مع ما يفعله السوريون. يد الزعيم القائد لم تعد تلوح لتدل قطيع الجماهير على الاتجاه. صارت هناك اتجاهات أخرى معاكسة لجهة يد الزعيم، في هذه الأثناء وسلطته أيضا، بدأ اسم الوطن السوري يتقدّم إلى المقدمة، بقوة وسرعة، تشبه السرعة التي سقطت فيها يد الزعيم/ القائد وصورته، حين يصبح الوطن في المقدمة يكون هناك شعب حقيقي، متنوع ومختلف ومتعدّد، حين يجلس الوطن في الصفوف الخلفية، لن تكون هناك سوى قطعان الجماهير التي تميل في اتجاهٍ واحدٍ لا يحيد عنه أحد.

غير أن ثمن التحول السوري من جمهور إلى شعب كان داميا، دفعت مثله قلة من شعوب الأرض، عبر عقود طويلة. ليست السنوات السبع السورية الماضية سوى فصل قصير جدا مما حدث مع تلك الشعوب، لكنه لنا، نحن السوريين، هو فصل لا مثيل لقسوته وعنفه، فصل نسف حلما رائعا بالتغيير، إذ لم يبق من أولئك الحالمين الذين مالوا عكس اتجاه يد الزعيم سوى القلة، والوطن الذي تقدّم إلى الأمام تقدم على عربات الدم، صار وطنا قاتلا. وفي أحسن الأحوال، قبرا جاهزا للإغلاق، يمكنه أن ينغلق بسرعة مهولة على من بقي فيه، أو أن يصبح جدارا في وجه من خرجوا منه. أما الدم الذي حمل الوطن إلى المقدمة، فقد حول الشعب/ الحلم إلى مجموعة من الشعوب التي يفرّقها الكثير، بينما تقل المشتركات بينها يوما وراء يوم.

هل هذه الشعوب السورية (ليس على طريقة بوتين حتما) المختلفة، يمكنها أن تلتقي يوما؟ وهل الافتراقات بينها يمكنها أن تسمح بإعادة بناء وطنٍ لا يرفع على حاملة دم، ولا على اسم زعيم؟ بالتأكيد، لا يوجد شعبٌ في الأرض يتشابه أفراده، فحضارات الشعوب تبنى على المتناقضات والاختلافات التي تجمع أبناءها. التشابه والتماثل لا ينتجان حضارة، لا ينتجان سوى قطعان من الجماهير تميل مع يد الزعيم. لهذا تقتل المؤسسات الشمولية، السياسية والدينية، الخارجين عن القطيع، كي لا يصاب الآخرون بعدوى الخروج نفسها. لهذا غالبا ما تأخذ الثورات مسارا عنفيا دمويا، وغالبا ما تحتاج موجات طويلة الأجل، لكي تنجح أو تطبق بعض شعاراتها، فقمعها والسيطرة عليها ليس فقط شأن الاستبداد السياسي، بل شأن الاستبداد الديني أيضا. ما حصل في أوروبا في القرون الماضية مع الكنيسة دليل تاريخي، ما يحدث في بلادنا، في سورية تحديدا، دليل حاضر وصريح. لهذا أيضا، يرفض الاستبداديون دولة المواطنة، ويعملون على وأدها كلما ظهرت بوادر لها، فدولة المواطنة هي الوحيدة القادرة على جمع كل التناقضات في شعبٍ واحد، هي الوحيدة التي تحترم معنى أن يكون لديها "شعب" لا يتحرّك حسب حركة يد الزعيم القائد.. في دولة المواطنة أصلا لا يوجد زعيم قائد.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب