
أسواق البسطات المتنقلة في المخيمات: شريان حياة النازحين وملاذ النساء
تنتظر النساء في مخيمات شمال غربي سوريا موعد السوق الشعبي المتنقّل كما ينتظرن مناسبة اجتماعية أسبوعية، ففي كل مخيم، وخلال أيام محددة، تتجمّع العربات المتنقلة وتُفرش البسطات على التراب، لتتحوّل الساحات إلى أسواق نابضة بالحياة تُعرض فيها البضائع الرخيصة، والملابس المستعملة، والخضار.
يتنقّل السكان بين البسطات، يراقبون الأسعار، ويشترون ما تيسّر من حاجاتهم الأساسية، في ظل ظروف النزوح القاسية التي تعاني منها آلاف العائلات المهجّرة من قراها في ريف إدلب وريف حماة وغيرها، وهكذا تحوّلت هذه الأسواق المتنقّلة إلى شريان حياة أسبوعي داخل المخيمات، ومتنفّس اقتصادي واجتماعي للسكان، وخصوصًا النساء.
الأسعار والجودة... خيار ميسّر للأهالي
تشتهر الأسواق الشعبية المتنقّلة بجودة بضائعها وأسعارها التي تقترب من قدرة السكان في المخيمات. غالبًا ما تكون أرخص من المحلات التجارية الكبيرة أو المولات المعروفة في المدن المجاورة مثل الدانا، سرمدا، وأطمة، وغيرها.
هذا ما يجعلها الخيار الأول للأهالي الباحثين عن حاجياتهم الأساسية دون أن تُثقل ميزانياتهم بمزيد من الأعباء، ويُبرز دور هذه الأسواق في التخفيف من الأثر الاقتصادي للنزوح.
فوائد مزدوجة للباعة والأهالي
تقدّم الأسواق الشعبية المتنقّلة فوائد متبادلة لكل من الباعة والمستفيدين. إذ يستطيع الباعة بيع بضائعهم دون الحاجة لاستئجار محل أو دفع فواتير كهرباء، كما لا يُلزمون بدفع أشهر مقدمة مقابل الإيجار. ويتمتعون بحرية التنقل بعرباتهم، إضافة إلى مرونة تحديد أوقات العمل والانتهاء منه.
في المقابل، يتمكّن السكان من شراء احتياجاتهم الأساسية في أيام محددة من الأسبوع. بعض المخيمات تخصص يومًا واحدًا للسوق، بينما توفر مخيمات أخرى مساحات أوسع لتجمّع عدد أكبر من البسطات والعربات المتنقّلة، مما يسهل الوصول إلى البضائع ويجعل السوق أكثر حيوية.
تجربة النساء والأهالي
أكد الأهالي والنساء الذين التقيناهم أن الذهاب إلى السوق الشعبي المتنقّل يمثل لهم متعة حقيقية، خاصة عند حصولهم على أجر عمل، أو هدية مالية من أحد الأقارب، أو عند استلام الزوج لدخله الشهري.
خلال تجوالهم في السوق، يسعى الجميع لشراء أكبر قدر ممكن من احتياجات المنزل. ومع ذلك، تلتزم معظم النساء بنظام يركّز أولًا على تغطية الحاجيات الأساسية، لضمان تلبية احتياجات الأسرة الضرورية قبل التفكير في الكماليات أو الترف.
في المقابل، هناك من يكتفي بمراقبة هذه الأسواق من بعيد، إذ تمنعه ظروفه الاقتصادية من الشراء. هؤلاء الأشخاص يمرّون مرورًا سريعًا، أو يقفون متأملين، حاملين شعورًا بالحرمان وهم يشاهدون البسطات المليئة بالبضائع دون أن يتمكنوا من الاستفادة منها.
التحديات والسلبيات
رغم الفوائد الكبيرة التي تقدّمها هذه الأسواق، لا يخلو الأمر من تحديات وسلبيات. فازدحام البسطات وارتفاع الأصوات يزعج السكان، وغياب الرقابة على جودة بعض البضائع قد يعرّضهم لمخاطر صحية، إلى جانب احتمال وقوع حوادث بسيطة بين الزوار، كما يشعر بعض الأهالي الأشد فقرًا بالعجز عن الشراء، ما يخلق لديهم شعورًا بالحرمان، في حين تواجه المحلات المحلية منافسة قد تؤثر سلبًا على تجارتها.
شريان حياة واستقلالية
ومع ذلك، تبقى الأسواق الشعبية المتنقّلة شريان حياة في المخيمات، تمنح النساء والأهالي فرصة لتلبية احتياجاتهم اليومية بأسعار معقولة، رغم الضجيج والمخاطر والتحديات المصاحبة لها، فهي ليست مجرد مكان للبيع والشراء، بل مساحة صغيرة من الاستقلالية والحرية وسط ظروف النزوح القاسية. تعكس قدرة الناس على التكيّف ومواصلة الحياة.