
استعادة الحقوق بالتفاهم: نموذج ودي يُنهي عقوداً من الإيجار القديم في مدينة حماة
في سابقة قانونية لافتة شهدتها مدينة حماة خلال حزيران/يونيو 2025، أُنجز اتفاق ودي بين ورثة عدد من العقارات التجارية القديمة ومستأجرين كانوا يشغلون تلك العقارات منذ عقود، في ظل قانون الإيجار القديم الذي يجيز التمديد الحكمي لعقود الإيجار.
وتم التوصل إلى هذا الاتفاق دون أي نزاع قضائي أو مطالبات مالية تحت مسمى "الفروغ"، ما جعل من التجربة مثالًا يُحتذى به في التعامل القانوني والحضاري.
وبحسب ما تم توثيقه، فقد جرى تسليم العقارات من الطرف الأول، وهم ورثة عائلتي (ش.ش) المعروفتين في المدينة، إلى الطرف الثاني، ورثة عائلات الرشيد، وهم المالكون الشرعيون للعقارات الأصلية، وذلك بعد التأكد من خلو المحلات من الشواغل وإبراء الذمم من التزامات الماء والكهرباء والهاتف.
وتمت العملية بشكل رسمي منظم عبر محضر تسليم واستلام بحضور الشهود، ليُعلن بذلك عن إنهاء علاقة إيجارية امتدت لسنوات طويلة برضى الطرفين.
ما يُميّز هذا الاتفاق أنه لم يُفضِ فقط إلى استعادة الحقوق العقارية لأصحابها، بل تم بطريقة خالية من الخلافات أو الأضرار، حيث أظهر الورثة الجدد روحًا قانونية راقية حين تخلّوا عن المطالبة بأي أجور متأخرة، وتعهدوا بعدم ملاحقة المستأجرين قانونيًا، حتى من جانب الورثة الذين لم يشاركوا في التوقيع.
وتأتي أهمية هذه الخطوة بالتزامن مع القرار رقم (856/ل) الصادر عن وزارة العدل السورية في 12 حزيران/يونيو 2025، والذي شكّل لجنة لدراسة الصكوك القانونية والتعليمات الخاصة بعقود الإيجار الخاضعة للتمديد الحكمي، في خطوة تمهيدية نحو مراجعة شاملة لهذه القوانين.
في ظل هذا الحراك التشريعي، يبرز الاتفاق كقصة نجاح تعكس قدرة السوريين على حل النزاعات العقارية بطريقة سلمية قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل، بعيداً عن المحاكم والخسائر المادية والمعنوية. كما يشجع الاتفاق المالكين والمستأجرين على تبني حلول ودية تحفظ الحقوق وتصون العلاقات الاجتماعية، وتعيد الثقة بالقانون بوصفه وسيلة للإنصاف لا وسيلة للصراع.
مثل هذه النماذج تشكّل اليوم مصدر إلهام في طريق بناء سوريا الجديدة، وتؤكد أن العدالة يمكن أن تتحقق بالحوار قبل أن تفرضها إجراءات القضاء.
وكانت شهدت مدينة حماة، اليوم، وقفة تضامنية حاشدة شارك فيها عشرات المتضررين من القوانين المجحفة التي فُرضت خلال حكم النظام البائد، وخاصة في ملفات الإيجار القديم، والتمديد الحكمي، والاستملاك، والعلاقات الزراعية.
ورفع المشاركون لافتات تَعبُر عن معاناتهم الطويلة، مؤكدين تمسكهم بحقوقهم المسلوبة، ومطالبين بإعادة النظر في المنظومة القانونية التي شرعنت انتهاك الملكيات الخاصة وضيّقت على أصحاب الحقوق لعقود.
وأكد الحضور في كلماتهم أن "زمن الصمت قد ولى"، وأنه لم يعد مقبولاً استمرار الظلم باسم القانون، مشددين على أن العدالة الاجتماعية يجب أن تشمل جميع السوريين، دون تمييز أو تهميش.
ووجّه منظمو الوقفة دعوة مفتوحة لكل من طالتهم هذه القوانين، لتوحيد الصفوف والمطالبة بحقوقهم ضمن مسار سلمي وقانوني، يعيد التوازن والإنصاف إلى التشريعات التي حكمت البلاد لعقود من دون مراجعة عادلة.