
التسول في سوريا: مرآة الفقر وجزء من مأساة إنسانية
بينما تسير في شوارع سوريا، قد تصادف مشاهد مؤلمة تترك أثراً في قلبك، مثل امرأة تحتضن طفلها وتطلب بعض النقود بيد مرتجفة، أو طفل يركض خلف المارة بعينين غارقتين في التعب، يتوسل لهم لمجرد إيماءة رحمة. مشاهد مثل هذه أصبحت جزءًا من الواقع اليومي في سوريا، حيث يتسول الناس في الشوارع والمحال التجارية في محاولة للبقاء على قيد الحياة وسط ظروف قاسية.
ظاهرة التسول في سوريا: أزمة تتفاقم بسبب الحرب
أصبح التسول في سوريا أمرًا شائعًا في العديد من المدن والقرى، ورغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فإنها تفاقمت بشكل ملحوظ خلال سنوات الحرب. فقد فرضت الحرب على السوريين أوضاعًا اقتصادية ومعيشية صعبة، فغدت فرص العمل حلمًا بعيدًا للكثيرين، حتى لأولئك الذين حافظوا على وظائفهم، حيث لا تكفي أجورهم لسد احتياجاتهم الأساسية. بالإضافة إلى الغلاء الكبير في أسعار المواد الغذائية، أصبح التسول بالنسبة للكثيرين الخيار الوحيد للبقاء على قيد الحياة.
أسباب التسول: فقر شديد وأزمة اقتصادية
خلال مناقشات مع بعض المتسولين، تبين أن الأسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى التسول هي الفقر المدقع، غياب المعيل، أو عدم وجود عمل ثابت. بعضهم أشار إلى وجود حالات مرضية في أسرهم تتطلب علاجًا مكلفًا، بينما يعاني آخرون من غياب أبسط مقومات الحياة كالسكن والطعام والتعليم. في كثير من الأحيان، يتوسل المتسولون المارة بعبارات تعكس عجزهم عن تأمين قوت يومهم، مما يعكس المأساة التي يعيشها كثير من السوريين.
التسول كمهنة: اتكالية اجتماعية
بينما يعاني البعض من الحاجة الحقيقية، هناك آخرون اتخذوا من التسول مهنة ثابتة، حيث يفضلون الاتكالية بدلاً من السعي لتحسين وضعهم المعيشي. هؤلاء الأشخاص عادة ما يتصرفون بشكل لائق، وأحيانًا يطلبون المال بحجج غير مقنعة مثل نسيان المال في المنزل أو فقدان محفظتهم، مما يمكنهم من استدرار العطف، على الرغم من أن كثيرين من المارة يعرفونهم ويشاهدونهم يكررون نفس التصرفات.
آثار سلبية للتسول على الفرد والمجتمع
ظاهرة التسول تؤثر بشكل كبير على الفرد والمجتمع، حيث تعزز الاتكالية وتضعف روح المبادرة لدى المتسول، وتغلق أمامه فرص العمل حتى وإن كانت بسيطة. كما أن وجود المتسولين لفترات طويلة في الشوارع، في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، يجعلهم عرضة للمخاطر مثل الخطف أو العنف، بالإضافة إلى التعرّض لعوامل الطقس القاسية مثل الحر أو البرد القارس، ما يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة، خاصة بين الأطفال وكبار السن. كما أن المتسولين غالبًا ما يتعرضون للإهانة أو النبذ الاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على كرامتهم وصورتهم الذاتية.
التأثير الاجتماعي: تشويه صورة البلد
تساهم ظاهرة التسول في تشويه الصورة العامة للبلاد، حيث يعكس تواجد المتسولين في الأماكن العامة مشهدًا من الفقر والعجز، مما يضعف هيبة الدولة ويؤثر على صورتها في أعين الزوار والمقيمين على حد سواء. هذه الظاهرة تضر بالصورة الحضارية للبلاد وتؤثر على الانطباع العام حول قدرة الدولة على تقديم الدعم والحماية للفئات الضعيفة.
حلول مقترحة: دعم الفئات الضعيفة ودمجهم في المجتمع
من الحلول المقترحة للتعامل مع ظاهرة التسول، هو تقديم الدعم للفئات الضعيفة عبر توفير فرص عمل لهم، وتنفيذ مشاريع تركز على تأهيلهم مهنياً ودمجهم في سوق العمل. كما يُقترح إنشاء مراكز رعاية خاصة بالمتسولين، خاصة الأطفال وكبار السن، لتوفير بيئة آمنة وتعليمية لهم. بالإضافة إلى ذلك، يشدد الخبراء على ضرورة وضع قوانين صارمة لمكافحة التسول المنظم، والتمييز بين المتسولين المحتاجين ومن يمتهنون التسول كمهنة.
خاتمة: معالجة الأسباب الجذرية للتسول
التسول في سوريا ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو مرآة لواقع اجتماعي مؤلم يعكس عمق المعاناة الناتجة عن الحرب والفقر. لا يمكن حل هذه الظاهرة عبر الملاحقة فقط، بل يجب معالجتها بشكل جذري من خلال تحسين الظروف الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية. التسول ليس مجرد مشكلة فردية، بل هو جرس إنذار لمجتمع يعاني من أزمات متعددة ويحتاج إلى حلول شاملة وطويلة الأمد.