
الجريمة الإلكترونية في سوريا: 66 ألف حساب يهددون النسيج المجتمعي والأمن الوطني
تُعد الجريمة من أبرز الآفات التي تعاني منها المجتمعات حول العالم، والمجتمع السوري ليس استثناءً. ومع التقدم التكنولوجي، ظهرت أشكال جديدة من الجريمة تُعرف بـ"الجرائم الإلكترونية"، حيث انتقلت الممارسات الإجرامية من الواقع إلى الفضاء الرقمي، متخذة من منصات التواصل وسيلة لبث الكراهية والتحريض، سواء ضد أفراد أو جماعات، ما يعكس تحولاً عميقاً في طبيعة الجريمة وأساليبها في عصر التكنولوجيا.
تتعدد مظاهر الجريمة الإلكترونية على منصات التواصل، أبرزها: الاختراق وسرقة المعلومات، الابتزاز الإلكتروني، ونشر معلومات مضللة أو محتوى ضار. كما تشمل الاحتيال المالي، والتحريض على الكراهية والعنف، واستغلال الثغرات التقنية، مستهدفة الأفراد والمجتمع على حد سواء. هذا التنوّع في الأشكال يُظهر مدى تعقيد هذه الظاهرة وخطورتها في العصر الرقمي.
في ظل ما خلفته الحرب من آثار مدمّرة على مختلف جوانب الحياة في سوريا، شهدت البلاد تصاعداً لافتاً في الجرائم الإلكترونية. وقد ساهم الانقسام السياسي والاجتماعي، إلى جانب ضعف البنية القانونية والرقابية، في غياب الردع الفعّال للمجرمين الرقميين.
كما أدّى الاعتماد المتزايد على الإنترنت ومنصات التواصل في التواصل والعمل، إلى خلق بيئة خصبة لهذه الجرائم، خاصة في ظل نقص الوعي الرقمي لدى شريحة واسعة من المستخدمين، ما جعلهم أهدافاً سهلة للاختراق والاحتيال.
وفي هذا السياق، أشارت الأستاذة المحامية انتصار غصون عبر صفحتها على "فيسبوك"، إلى ما رصدته مراكز متابعة الجرائم الإلكترونية من وجود نحو 66 ألف حساب وهمي على "فيسبوك" منتشرين في مختلف المحافظات السورية.
ومن بين هذه الحسابات، يُقدَّر أن 22 ألف حساب تستهدف موقع الرئاسة وتسعى لزعزعة العلاقة بين مكونات المجتمع والمواطنين، فيما تنشط 7 آلاف حساب في نشر محتوى موجه ضد طوائف أو فئات بعينها، بينما يعمل 18 ألف حساب على استهداف الدولة مباشرة من خلال بث منشورات ومقاطع فيديو تتعلق بالأمن الوطني، بهدف خلق فجوة بين المواطن والدولة.
وأضافت غصون أن هناك نحو 10 آلاف حساب داخل سوريا على تواصل مباشر مع حسابات وصفحات خارجية، تهدف إلى تقويض الوحدة الوطنية واستهداف عناصر الأمن العام، في إطار مشاريع تفتيت وتقسيم متعددة الأبعاد. كما تم رصد نحو 6 آلاف حساب من خارج البلاد، تستخدم رموزاًسياسية وطائفية، مثل راية الدولة الأموية أو صور الرئيس المخلوع بشار الأسد أو رموز دينية محددة، وتقوم بنشر محتوى يسعى إلى بث الفوضى والانقسامات الطائفية.
وبيّنت أن هناك أيضاً حوالي 3 آلاف حساب مجهول الهوية أو تستخدم صوراً عامة، تم تخصيصها لمراقبة نشاط المستخدمين في مناطق معينة. ورغم الجهود الأمنية المبذولة، لا تزال هذه الحسابات تنشط بكثافة، وغالباً ما تتخفى على أنها من داخل سوريا، ما يعقّد جهود مكافحتها.
في ظل هذه التحديات، يُجمع الخبراء والناشطون على أن الوعي الرقمي أصبح عنصراً أساسياً في حماية الأفراد والمجتمع من المخاطر الرقمية. يتجلّى هذا الوعي في قدرة المستخدمين على التمييز بين المحتوى المضلل والمحتوى الصحيح، والحذر من المنشورات التي تهدف إلى زرع الكراهية أو الانقسام. كما يعكس هذا الوعي مستوى النضج الرقمي في التعامل مع الفضاء الإلكتروني بشكل مسؤول وآمن.
إن الجرائم لم تَعُد حكراً على الأفعال التقليدية، بل امتدّت إلى الفضاء الرقمي، حيث باتت منصات التواصل تُستخدم كأدوات لبث الفوضى والعداء بين أفراد المجتمع. وفي سوريا، أسهمت ظروف الانقسام السياسي والاجتماعي، إلى جانب ضعف الرقابة، في تفاقم هذه الظاهرة. من هنا، تصبح اليقظة الفردية والجماعية، وتعزيز الثقافة الرقمية ضرورة ملحّة لحماية المجتمع، وصون نسيجه، وضمان أمنه الرقمي والاجتماعي.