الطبخ والاقتصاد المنزلي في حياة النساء السوريات خلال سنوات النزوح
تأثرت آلاف الأسر السورية بالظروف الصعبة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظلّ النزوح وتدهور قيمة الليرة السورية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والدوائية، إلى جانب فقدان الموارد وقلّة فرص العمل، مما زاد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على العائلات وجعل حياتها اليومية أكثر تحدياً.
فوجدت النساء السوريات أنفسهن أمام مسؤولية كبيرة تتمثل في كيفية ضبط الميزانية لتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة، سواء من ناحية الطعام أو الغذاء أو المشروبات، مما استدعى ابتكار حلول عملية وفعّالة لمواجهة قسوة الواقع المعيشي.
ومن الجوانب التي شهدت تغييرات كبيرة في حياة النساء، المطبخ وطريقة إعداد الأطعمة، حيث اضطرت النسوة إلى التقليل قدر الإمكان من النفقات، مثل تقليل كمية اللحوم المستخدمة في بعض الأطباق أو الاستغناء عنها أحياناً، كما حدث في أطباق تقليدية مثل المحاشي والكبسة والمقلوبة وغيرها، لتكييف الوجبات مع الإمكانيات المتاحة للعائلة.
وتروي عفاف المحمد، مواطنة من ريف إدلب الجنوبي، وأم لستة أبناء، تجربتها لشبكة شام الإخبارية بالقول: "بعد أن نزحنا وعشنا فترة طويلة من التهجير، تدهورت أوضاعنا المادية، إذ فقدنا الأراضي التي كنا نزرعها ونستفيد من مواسمها، وتعرضنا، مثل غيرنا من العائلات السورية، لآثار الحرب الاقتصادية والاجتماعية".
وتضيف أن ذلك دفعها إلى تعديل بعض الوصفات في الطبخات اليومية، وأعطت مثال بقولها: "عندما كنت أعد طبق المحاشي، كنت أحياناً أستخدم القليل من لحمة الغنم أو البقر، وأحياناً أخرى أستعيض عنها بلحمة الدجاج لأنها أرخص، وفي أحيان كثيرة اكتفي بوضع البهارات فقط، دون أن يلاحظ الأطفال الفرق".
ويعود سبب اللجوء إلى هذه الحيلة بحسب السيدات اللواتي تحدثنا معهن إلى حبّهن للطبخ ورغبتهن في التمسك بإعداد تلك الوجبات الشهية، حتى وإن لم تكن وفق الوصفة الأساسية التي اعتدن عليها قبل النزوح وتدهور الأوضاع المعيشية، إلى جانب رغبتهن في إسعاد العائلة ورسم الفرح على وجوه الأبناء.
تؤكد هذه الجهود التي تبذلها النساء في محاولة جعل الموارد المتاحة متناسبة مع الاحتياجات الأساسية للأسرة على صمودهن أمام المشاكل التي يعانين منها، وتعكس قدرتهن على مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة دون استسلام. كما ترمز إلى الاستمرار رغم النزوح والحرب والظروف القاسية.
إلى جانب ذلك، يعكس ابتكار وصفات جديدة وتعديل الوصفات القديمة مهارة المرأة في التكيف مع الموارد المحدودة، والقدرة على تحويل القليل إلى وجبة متكاملة ما يعكس براعة وإبداع هؤلاء النساء يومياً.
كما تشير هذه المبادرات إلى الحرص على الحفاظ على القيام بالواجب الأسري، فحتى مع التعديلات، تظل الأطباق التقليدية موجودة، مما يعكس تمسك النساء بالهوية الثقافية والتراث الغذائي، وحرصهن على إسعاد أطفالهن وتقديم الأفضل لهم رغم الواقع الاقتصادي الصعب.