الطفولة المخطوفة: أطفال الجزيرة السورية بين قسوة الحرب وانتهاكات "قسد"
الطفولة المخطوفة: أطفال الجزيرة السورية بين قسوة الحرب وانتهاكات "قسد"
● أخبار سورية ٥ يوليو ٢٠٢٥

الطفولة المخطوفة: أطفال الجزيرة السورية بين قسوة الحرب وانتهاكات "قسد"

تتصاعد حدة الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مناطق الجزيرة السورية، خاصة دير الزور والرقة، وتشهد المحافظتين ارتفاعاً مقلقاً في وتيرة استهداف الأطفال خلال الأشهر الماضية، تمثلت بعدة جرائم منها القتل والخطف والتجنيد القسري، وسط حالة من الاحتقان الشعبي المتزايد.

ولا تزال تعيش مدينة الرقة على وقع صدمة جديدة بعد إقدام عنصر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على إعدام الطفل علي عباس العوني، البالغ من العمر 13 عاماً، قرب معمل السكر شمال المدينة.

لم يقتصر المشهد على الجريمة فحسب، بل امتد وليشمل إجبار ذويه على دفنه ليلاً تحت حراسة أمنية مشددة، دون السماح بأي مراسم تشييع، ما فجّر موجة غضب بين سكان المدينة، ودعوات للتظاهر ضد هذه الممارسات.

ووصف الناشط الحقوقي "محمد عثمان" الحادثة بأنها "جريمة ممنهجة"، مشيراً إلى أن القاتل لا يزال طليقاً، في وقت تتكرر فيه الانتهاكات دون رادع، ضمن سلسلة جرائم تُرتكب ضد الأطفال والمدنيين في مناطق سيطرة "قسد".

ظاهرة تصاعدية لاستهداف الأطفال
بتاريخ 26 حزيران، قُتل الطفل فريد الهريش في بلدة أبو حردوب برصاص عنصر من "قسد"، وفي 2 تموز، لقي الطفل علي العوني حتفه أثناء جمعه للقمح قرب حاجز عسكري.

ووجّه الناشطون انتقادات حادة لوسائل الإعلام المحلية والدولية التي قالوا إنها تجاهلت الحادثة، معتبرين أن الطفل "فريد" لم يحظَ بتغطية "لائقة" بسبب خلفيته الاجتماعية وموقعه الجغرافي المهمّش، وقارنوا ذلك بما وصفوه بـ"التحيّز الإعلامي" حين يتعلق الأمر بضحايا آخرين من مناطق أكثر حضوراً على الساحة السياسية أو الإعلامية.

وفي تجاهل معتاد، لم تصدر "قسد" أي تعليق رسمي على الحادثة، في حين تتزايد الاتهامات الموجهة لها بارتكاب انتهاكات ممنهجة في شرق الفرات، خاصة في المناطق ذات الغالبية العربية، ويقول سكان محليون إن مثل هذه الحوادث ليست نادرة، بل تأتي في سياق أوسع من "سوء إدارة النقاط العسكرية" و"استخدام مفرط للقوة ضد مدنيين لا علاقة لهم بأي نشاط مسلح".

هذا وتطالب عائلات الضحايا ومنظمات حقوقية محلية بفتح تحقيق عاجل وشفاف في مقتل الطفل "فريد"، وتقديم المسؤولين عن الحادثة إلى القضاء، كما يدعو نشطاء إلى إعادة تقييم سياسات "قسد" الأمنية في مناطق سيطرتها، والتوقف عن تحويل المرافق الخدمية إلى نقاط عسكرية تهدد حياة المدنيين.

ورغم تكرار هذه الحوادث، لم تُتخذ أي إجراءات رادعة بحق الجناة، في ظل تبريرات إعلامية تتحدث عن "تصرفات فردية"، في حين يرى الأهالي أنها سياسة ممنهجة.

وأشار ناشطون في الرقة إلى تفشي ظاهرة "التشليح" وفرض الإتاوات من قبل عناصر "قسد"، ما يخلق احتكاكات مستمرة مع السكان، سرعان ما تتحول إلى عنف مسلح، في غياب منظومة للمحاسبة.

صمت رسمي وشعور بالخذلان
وسط هذا التصعيد، يتنامى شعور الأهالي في الحسكة والرقة ودير الزور بأنهم تُركوا لمصيرهم، في ظل صمت رسمي من الحكومة السورية، وتجاهل إعلامي، وغياب فعّال للمنظمات الحقوقية الدولية ورغم توقيع اتفاق رسمي بين دمشق و"قسد" في آذار الماضي، لم يترجم ذلك إلى أي ضمانات لحماية المدنيين، بل زادت الانتهاكات وتراجعت مؤشرات الأمان.

قمع التوثيق وتكميم الأصوات
يرى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن مسؤولية هذه الجرائم تقع بالدرجة الأولى على قيادة "قسد"، لكنها لا تُعفي الحكومة السورية من واجبها في توثيقها والدفاع عن المدنيين. وأشار إلى أن ضعف توثيق الانتهاكات في مناطق "قسد" يعود إلى القمع الشديد الذي تمارسه على الناشطين، لا إلى تقصير المنظمات الحقوقية.

تجنيد قسري واختطاف القاصرين
لا تقتصر الانتهاكات على القتل المباشر، بل تتسع لتشمل اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسرياً عبر "الشبيبة الثورية"، الذراع الشبابي لحزب العمال الكردستاني. وتُنفذ هذه العمليات غالباً دون علم الأهل، أو رغم إرادتهم، تحت غطاء من الفعاليات الثقافية والرياضية.

ورغم توقيع "قسد" اتفاقاً مع الأمم المتحدة لإنهاء تجنيد الأطفال، لا تزال الانتهاكات مستمرة، حيث وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 701 حالة تجنيد منذ عام 2011 حتى تشرين الثاني 2024، وسط تقديرات تشير إلى أن العدد الحقيقي أعلى بكثير.

تنظيم مستقل خارج رقابة "قسد"
تشير شهادات حقوقية إلى أن عمليات التجنيد لا تُدار مباشرة من "قسد"، بل من "الشبيبة الثورية"، التي تتحرك خارج سلطة مؤسسات الإدارة الذاتية. وأغلق "مكتب حماية الطفل"، الذي أُسس سابقاً بهدف رصد هذه الحالات، بفعل ضغوط من كوادر "العمال الكردستاني"، ما وضع مظلوم عبدي في مواجهة ضغط متصاعد من المجتمع الدولي والتيار المدني داخل "قسد".

وينشط "الشبيبة الثورية" تحت غطاء مؤسسات مثل "هيئة الشباب والرياضة"، حيث تُنظم فعاليات لجذب المراهقين ودمجهم تدريجياً ضمن المنظومة العسكرية، ما يجعلهم عرضة للتجنيد وغالباً ما يُستهدف المراهقون الذين يعانون من مشاكل أسرية أو يعيشون في أوضاع هشّة، ليُزج بهم لاحقاً في معسكرات التدريب القسري.

وبحسب ناشطين، فإن مصير غالبية هؤلاء الأطفال يظل مجهولاً، ولا تسجل إلا حالات قليلة من العودة أو الفرار، فيما يُدمَجون قسراً في وحدات "الحماية" التابعة للتنظيم.

مفاوضات بلا نتائج
في ظل هذه الانتهاكات، تراوح مفاوضات دمشق و"قسد" مكانها. ورغم عقد عدة جولات تفاوضية، اقتصرت نتائجها على تمديد اتفاقات النفط والغاز، دون أي تقدم في ملف الحماية أو دمج المؤسسات وبينما تتمسك "قسد" بخيار "اللامركزية"، يزداد تدهور الوضع الأمني والاجتماعي في المناطق التي تسيطر عليها.

ويحذر ناشطون من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تُرتكب في مناطق تفتقر لأبسط ضمانات العدالة والمحاسبة وفي ظل هذا الواقع، تبدو الأصوات الحقوقية والإعلامية المحلية، القليلة أصلاً، غير قادرة على كبح جماح آلة الانتهاكات المتصاعدة. وبينما يبقى القتلة أحراراً، يوارى الضحايا الثرى بصمت في ليلٍ بلا ضجيج، كأنهم لم يكونوا يوماً، كما يصف ناشطين المنطقة الشرقية.

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ