
المرأة العاملة في زمن الحرب: بين الاستقلال المادي والتحديات اليومية
العديد من النساء يسعين لأن يكنّ مستقلات مادياً، وأن يحصلن على فرصة للعمل وإثبات وجودهن في المجتمع. لذلك، نجد أن الكثير من الفتيات يفضلن العمل حتى وإن لم يكن مرتبطاً بتخصصهن الأكاديمي، وذلك من باب إيجاد مكانهن في المجتمع وتحقيق الاستقلال المادي.
لكن خلال سنوات الحرب وما فرضته من أعباء اقتصادية على أغلب الأهالي والأسر في سوريا، من نزوح ودمار وارتفاع أسعار المواد الغذائية والدوائية والمعيشية، أصبحت عملية تأمين الاحتياجات الأساسية تحدياً كبيراً.
وخسرت العديد من الأسر مواردها المالية خلال التنقل من منطقة إلى أخرى، أو نتيجة تعرض المباني التي يعيشون فيها للدمار. وقد دفع هذا النساء إلى الانخراط في سوق العمل لمساعدة الأزواج في إعالة الأسرة، وتحمل مسؤولية الإعالة في حال فقد الزوج القدرة على العمل خلال الحرب.
وبحسب موظفات تحدثنا معهن، حصلن على العديد من الفوائد التي انعكست إيجابياً على حياتهن مع دخولهن ميدان العمل. منها: تمكين المرأة من الاعتماد على نفسها مالياً، والقدرة على تلبية احتياجاتها واحتياجات أسرتها دون الاعتماد الكلي على الآخرين. كما ساعدهن العمل على تحقيق الذات وزيادة الثقة بالنفس من خلال إنجاز مهام ذات قيمة.
وفي الوقت نفسه، تمكنت النساء من تطوير مهاراتهن وقدراتهن وإظهار إمكانياتهن في المجتمع، إلى جانب مشاركتهن الفاعلة في بناء المجتمع والقيام بدور مهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. كما أتاح العمل لهن توسيع شبكة علاقاتهن الاجتماعية من خلال التعرف على زميلات العمل والتواصل مع شخصيات مختلفة.
لكن في الوقت ذاته، عانت العاملات من العديد من العقبات خلال محاولة التوفيق بين المسؤوليات الزوجية، الأسرية ومهام العمل. فقد تحملن أعباء مزدوجة، إذ كان عليهن الطهي وتنظيف المنزل، ورعاية الأطفال، والالتزام بالمهام الزوجية والاجتماعية، وفي نفس الوقت إنجاز مهام العمل.
هذه الزيادة في المسؤوليات جعلتهن يشعرن بالتعب والإرهاق المستمر، والقلق من عدم القدرة على الوفاء بكل الالتزامات. وتمكنت بعض النساء من التغلب على هذه التحديات بمساعدة الزوج وأفراد الأسرة، بينما لم تتح لنساء أخريات هذه الشبكة من الدعم.
وفرضت الحرب على النساء عقبات إضافية، تمثلت في ابتعادهن عن عوائلهن بسبب النزوح وانقسام الأسر وتفرقها. وفي الوقت نفسه، تعرضت ممتلكاتهن للدمار، واضطررن للقبول بوظائف في قرى ومدن أخرى، ما كبدهن عناء الانتقال إلى تلك المناطق أو تحمل تكاليف ومشقة السفر يوميًا من أجل الحفاظ على الوظيفة.
تمكنت العديد من السيدات من مواجهة تحديات العمل والحياة اليومية من خلال وضع خطط واضحة لإدارة الوقت وتنظيم المهام. استعانت بعضهن بمساعدات لرعاية المنزل والأطفال مقابل أجر محدد، بينما حرصن على العناية بصحتهن النفسية والجسدية. كما لجأن إلى الدعم من الجيران والأقارب لتخفيف الأعباء، مما ساعدهن على التوفيق بين مسؤولياتهن المتعددة ومواصلة عملهن بفعالية.
يعد العمل وسيلة للمرأة نحو الاستقلال المادي وتحقيق مكان لها في المجتمع. وفي الوقت ذاته، خلال الحرب، أصبح العمل ضرورة بسبب الظروف القاسية التي مرت بها الأسر في سوريا، ورغبة النساء في مساعدة أزواجهن وإعالة الأطفال.
ومع ذلك، تحملت النسوة أعباء كبيرة على الصعيد المادي والنفسي والجسدي، لكنهن واجهن هذه التحديات بكل صبر من أجل تحقيق الاستقلال المادي ومساعدة أسرهن والمشاركة في المشاريع المفيدة للمجتمع.