
النقض الفرنسية تلغي مذكرة توقيف بشار الأسد: جدل قانوني وحقوقي حول العدالة والمساءلة
ألغت محكمة النقض، أعلى هيئة قضائية في فرنسا، اليوم الجمعة 25 تموز/يوليو 2025، مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق المخلوع بشار الأسد، والمتعلقة بدوره في الهجمات الكيميائية التي وقعت في الغوطة وريف دمشق عام 2013، وأسفرت عن مقتل أكثر من ألف مدني بحسب تقديرات أمريكية.
وجاء القرار بعد جلسات قضائية طويلة استندت إلى طعن قدمته النيابة العامة ومحكمة مكافحة الإرهاب، بحجة تمتع الأسد بحصانة رئاسية. وكانت محكمة الاستئناف في باريس قد ثبّتت المذكرة في يونيو/حزيران 2024، معتبرة أن الحصانة لا تنطبق بسبب انتفاء الاعتراف الفرنسي بشرعية الأسد منذ عام 2012، لكن محكمة النقض رأت خلاف ذلك، ما أدى إلى إسقاط المذكرة.
خلفية المذكرة ودوافع إصدارها
أُصدرت مذكرة التوقيف في نوفمبر 2023 بناء على شكاوى وتحقيقات استندت إلى شهادات ناجين ومنشقين عسكريين وصور توثق استخدام غاز السارين، إضافة إلى الهجوم على عدرا ودوما والغوطة، الذي خلّف أكثر من 450 جريحًا وآلاف الضحايا.
كما استندت المذكرة إلى ملف مقتل المواطن الفرنسي السوري صلاح أبو نبوت في درعا عام 2017، حيث اعتُبر الأسد مسؤولًا مباشرًا عن إصدار الأوامر بقصف منزله، في واحدة من عشرات القضايا التي حمّلت النظام السوري مسؤولية مباشرة عن استهداف المدنيين.
الجدل القانوني: السيادة والحصانة في مقابل الجرائم الكبرى
بررت النيابة العامة طعنها على المذكرة بضرورة احترام مبدأ السيادة وعدم فرض ولاية قضائية على دولة أجنبية، إلا أن النائب العام لدى محكمة النقض ريمي هايتز أشار في مداخلته إلى أن فرنسا لا تعترف بشرعية الأسد، ما يُسقط عنه الحصانة وفق مبادئ القانون الدولي.
ورغم هذا التفسير القانوني الداعم للمذكرة، قضت المحكمة بإلغائها، مع الإبقاء على إمكانية إصدار مذكرة جديدة مستقبلًا، الأمر الذي أثار انتقادات من قبل منظمات حقوقية ترى في القرار "نكسة لمبدأ عدم الإفلات من العقاب".
الشبكة السورية لحقوق الإنسان تطالب بتسليم الأسد
سبق أن طالبت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، الحكومة الروسية بسحب اللجوء السياسي الممنوح لبشار الأسد، الذي وصل إلى موسكو نهاية عام 2024، بعد فراره من البلاد إثر سقوط نظامه.
وأكدت الشبكة أن الأسد متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تشمل قتل أكثر من 202 ألف مدني، بينهم 15 ألفًا تحت التعذيب، وإخفاء نحو 96 ألفًا قسريًا، وتهجير نحو 13 مليون مواطن سوري، واستخدام الأسلحة الكيميائية.
واعتبرت الشبكة منح الأسد حق اللجوء "استخدامًا سياسياً لغطاء إنساني"، داعية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى الضغط على موسكو لتسليمه للعدالة، ومحاسبته أمام محكمة محلية أو دولية عادلة.
لحظة سقوط النظام وتحولات المساءلة
شكل سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 لحظة مفصلية في التاريخ السوري، بعد 54 عامًا من حكم عائلة الأسد التي أسست نظامًا أمنيًا قمعيًا، حوّل البلاد إلى ساحة مفتوحة للجرائم والانتهاكات.
وتُعد ملاحقة الأسد قضائيًا في المحاكم الأوروبية إحدى أبرز معارك العدالة الانتقالية في سوريا، حيث ترى جهات حقوقية أن إفلات الأسد من المحاسبة يُشكل ضربة لجهود التوثيق والمساءلة، ويُهدد فرص تحقيق العدالة للضحايا.
قرار إلغاء مذكرة التوقيف بحق الإرهابي الفار بشار الأسد، وإن كان لا يغلق الباب أمام المحاسبة نهائيًا، إلا أنه يُسلط الضوء على التحديات السياسية والقانونية التي تواجه ملاحقة مجرمي الحرب، ويؤكد الحاجة إلى إرادة دولية صلبة تضع حقوق الضحايا فوق الحسابات الدبلوماسية، خاصة في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد البائد.