انتهاك لحرمة السلطة القضائية.. بيان حقوقي يُدين الاعتداء على قاضٍ أثناء تأدية مهامه في حلب
انتهاك لحرمة السلطة القضائية.. بيان حقوقي يُدين الاعتداء على قاضٍ أثناء تأدية مهامه في حلب
● أخبار سورية ٢٩ مايو ٢٠٢٥

انتهاك لحرمة السلطة القضائية.. بيان حقوقي يُدين الاعتداء على قاضٍ أثناء تأدية مهامه في حلب

أدانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان لها، اعتداء عناصر من قوى الأمن الداخلي على قاضٍ أثناء تأدية مهامه في مدينة حلب، معتبرة أنها انتهاك لحرمة السلطة القضائية ومبدأ استقلال القضاء يستوجب المساءلة الفورية، وتمثل انتهاكاً للضمانات القانونية المكفولة للقضاة، واعتداءً مباشراً على أحد الركائز الأساسية لسيادة القانون. وتكشف الانتهاكات المرتكبة في هذا السياق عن إخلال بعدد من المبادئ الدستورية والقانونية.

وقالت الشبكة إنه في مساء السبت، الموافق 24 أيار/مايو 2025، تعرّض القاضي أحمد مصطفى حسكل، قاضي التحقيق في مدينة حلب، لاعتداء جسدي ولفظي من قبل عناصر يتبعون لقوى الأمن الداخلي، التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة السورية، أثناء قيامه بمهامه القضائية في الكشف على جثة تعود إلى ضحية جريمة قتل وقعت في حي الشيخ سعيد.

واستناداً إلى شهادات محلية موثوقة من قبل فريق الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، توجّه القاضي أحمد حسكل برفقة دورية من قوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية إلى مشفى حلب الجامعي، وذلك للكشف على الجثة التي نُقلت من موقع الجريمة إلى المشفى، تمهيداً لإجراء الفحص الرسمي وتحرير الضبط اللازم.

وأوضحت أنه عند وصولهم إلى المشفى في ساعة متأخرة من الليل، نشب خلاف بين القاضي وأحد عناصر الأمن، بسبب اعتراض القاضي على مغادرة السيارة نظراً لتأخر الوقت، وطلبه نقل الجثة مباشرة إلى مركز الطبابة الشرعية.

تطور الخلاف بسرعة إلى مشادة كلامية، ثم إلى اعتداء لفظي، قبل أن يتحوّل إلى اعتداء جسدي نفّذه العنصر الأمني ضد القاضي، حيث تعرّض الأخير للضرب المبرح بحسب شهود عيان من المدنيين الذين تواجدوا في المكان. ولم يتدخل بقية العناصر لإيقاف الاعتداء، بل شارك بعضهم فيه لاحقاً، بعد أن حاول القاضي الدفاع عن نفسه.

في أعقاب الحادثة، اقتيد القاضي حسكل إلى قسم الأمن الداخلي في حي الصالحين، حيث وُضع في زنزانة انفرادية لمدة تقارب ست ساعات، وتعرض خلال ذلك لاعتداء جسدي ثانٍ داخل القسم. وقد أُفرج عنه صباح الأحد 25 أيار/مايو 2025، بعد تدخل كل من المحامي العام الأول وقاضي التحقيق الأول في مدينة حلب.

ولفتت الشبكة إلى توثيق صور تُظهر كدمات شديدة ومتفرقة على جسد القاضي، مما يدل بوضوح على تعرضه لضرب مبرح، وفي 26 أيار/مايو، أصدرت وزارة العدل في الحكومة السورية الانتقالية بياناً أدانت فيه هذا الاعتداء، وأعلنت عن فتح تحقيق عاجل بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وتوقيف عدد من المتورطين في الحادثة. كما نفت الوزارة ما تم تداوله من شائعات بشأن شغل القاضي حسكل لأي موقع ضمن هيئات محكمة الإرهاب التابعة لحكومة النظام السابق، مؤكدة عدم صحة هذه المزاعم التي رُوّج لها كمحاولة لتبرير الانتهاك.

وفق الشبكة، تمثل هذه الحادثة انتهاكاً للضمانات القانونية المكفولة للقضاة، واعتداءً مباشراً على أحد الركائز الأساسية لسيادة القانون. وتكشف الانتهاكات المرتكبة في هذا السياق عن إخلال بعدد من المبادئ الدستورية والقانونية، أبرزها:

- استقلال السلطة القضائية، وهو مبدأ راسخ بموجب المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويلزم السلطة التنفيذية بالامتناع عن أي تدخل في شؤون القضاء أو تهديد لسلامة القضاة.
- عدم جواز توقيف القضاة أو المساس بهم بسبب مهامهم القضائية، إلا ضمن إطار إجراءات قانونية واضحة تضمن حقَّ الدفاع والمساءلة أمام مجلس القضاء المختص، وحظر التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك أي معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، وهو مبدأ قطعي في القانون الدولي، وملزم للحكومة الانتقالية التي تتحمل مسؤوليات قانونية تجاه المدنيين وموظفي الدولة.

- رفض الاعتقال التعسفي خارج نطاق القضاء المستقل، بما يخالف المادة 9 من العهد الدولي ذاته، ويمثل في حال تكراره مؤشراً مقلقاً على استشراء ظاهرة الإفلات من العقاب داخل أجهزة الأمن.

وأوصت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان" بعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات الجسيمة، مطالبة بتح تحقيق قضائي مستقل وشفاف، يشمل جميع المتورطين في الاعتداء والاحتجاز، بمن فيهم المسؤولون الإداريون في قسم الأمن الداخلي بحي الصالحين.

وأكدت على ضرورة إحالة كل من يثبت تورطه إلى محاكمة علنية أمام القضاء المختص، والتأكيد على أنَّ المعالجة الإدارية الداخلية لا تكفي لتحقيق الردع العام أو العدالة المطلوبة، ومراجعة أنظمة التنسيق بين الجهات الأمنية والسلطة القضائية، لضمان احترام المهام القضائية، لاسيما في القضايا ذات الطابع الخطير.

وطالبت بتشكيل لجنة رقابية مستقلة تُعنى بمتابعة أداء أجهزة الأمن الداخلي، وتقديم تقارير دورية عن الانتهاكات المرتكبة بحقِّ المدنيين والعاملين في القطاعات القضائية والطبية، وإصدار دليل إجراءات ملزم للعناصر الأمنية، يتضمن بروتوكولات واضحة للتعامل مع القضاة، ويؤكد على الالتزام بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء.

وشددت على ضرورة تنظيم برامج تدريب دورية للعناصر الأمنية حول مبادئ حقوق الإنسان، تركز على احترام البنية المؤسسية للدولة ومنع استخدام العنف أو الإهانة ضد ممثلي السلطات الأخرى، ونشر نتائج التحقيقات للرأي العام بشكل شفاف، بما يسهم في تعزيز الثقة بمؤسسات الحكومة الانتقالية، ويمثل قطيعة واضحة مع ممارسات القمع والإفلات من العقاب التي سادت في عهد النظام السابق، واستحداث آلية فعّالة لتلقي الشكاوى القضائية من القضاة، تمكّنهم من الإبلاغ عن أي تهديد أو تدخل أو إساءة أثناء تأدية مهامهم، وتكفل لهم الحماية القانونية والأمنية الكاملة.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ