
بعد سقوط الأسد ... وزير الداخلية يُعلن سوريا خالية من معامل الكبتاغون
أكد وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، أن سوريا تمكّنت من القضاء على صناعة المخدرات، مشيراً إلى أن التحدي الأمني المتبقي يتمثل في تهريب هذه المادة إلى الخارج، ولفت إلى أن معظم المعامل السابقة كانت متمركزة في ريف دمشق، وعلى الحدود مع لبنان، وفي المناطق الساحلية.
وفي مقابلة مع قناة "الإخبارية السورية"، قال خطاب: "أوقفنا تصنيع المخدرات وصادرنا جميع المعدات والمعامل التي كانت تنتج الكبتاغون، ويمكننا القول إن سوريا خالية حالياً من أي معمل نشط لإنتاج هذه المادة"، لافتاً إلى أن غالبية المعامل كانت تحت سيطرة "الفرقة الرابعة" التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق المخلوع بشار الأسد.
وبعد الإطاحة بنظام الأسد، أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع ضبط ملايين الحبوب من الكبتاغون، غير أن عمليات التهريب استمرت، وأوضح خطاب أن الوزارة باتت تركز حالياً على "الكشف عن الشحنات المخبأة"، مؤكداً أنه يتم يومياً ضبط شحنات كانت مجهزة للتصدير، وذلك بالتعاون مع دول الجوار.
وتعزز هذه التصريحات ما كشفته تقارير ومصادر خلال السنوات الماضية حول تورط نظام الأسد في إنتاج وتصدير الكبتاغون على نطاق واسع، حتى أصبحت سوريا تُعرف عالمياً بأنها الدولة الأكثر اعتماداً على عائدات المخدرات.
وبحسب تحقيق أجرته وكالة الصحافة الفرنسية في عام 2022، فقد تجاوزت عائدات تصدير الكبتاغون إجمالي صادرات سوريا القانونية، لتصبح هذه المادة المخدّرة المصدر الأول للعملة الصعبة في البلاد. ووفق تقديرات لمعهد الشرق الأوسط عام 2021، بلغت قيمة الكبتاغون السوري المضبوط خارج البلاد نحو 6 مليارات دولار.
وتشير تقارير إلى أن نظام الأسد استخدم الكبتاغون كورقة ضغط سياسية، حيث كتب الباحث هشام الغنام أن بشار الأسد لوّح بتهديد تفشي المخدرات للضغط على الحكومات العربية، سعياً لإنهاء عزلته الإقليمية.
ووفق مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، حصل النظام بين عامي 2020 و2022 على دخل سنوي متوسط يبلغ 2.4 مليار دولار من تجارة الكبتاغون، وهو ما يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، في حين قُدّرت صادرات الكبتاغون بحوالي 50% من إجمالي الإيرادات السورية خلال هذه الفترة.
وبحسب البنك الدولي، فقد بلغت القيمة السوقية لصناعة الكبتاغون في سوريا حوالي 5.6 مليار دولار، بينما حقق المتورطون فيها أرباحاً بنحو 1.8 مليار دولار سنوياً، فيما سجلت تقديرات أخرى أن إجمالي قيمة التجارة وصل إلى نحو 10 مليارات دولار في ذروة الإنتاج بين عامي 2020 و2023.
الكبتاغون: التعريف والخطر
الكبتاغون هو الاسم التجاري لمادة "فينثيلين"، وهي من فئة الأمفيتامينات المنبهة. غالباً ما يُصنّع على شكل أقراص بيضاء، تؤدي إلى حالة من التنبه واليقظة المفرطة، لكنها ترتبط أيضاً بآثار جانبية خطيرة مثل القلق، الأرق، الهلوسة، واضطرابات نفسية متعددة.
تُعد صناعة الكبتاغون تهديداً أمنياً واجتماعياً لدول الجوار، نتيجة انتشاره السريع، وتزايد نسب الإدمان والجرائم المرتبطة به. كما بات يشكل قطاعاً مربحاً ضمن الاقتصاد الموازي في سوريا.
انتشار وتصدير الكبتاغون
تشير بيانات الحكومة البريطانية ومعهد "نيولاينز" الأميركي إلى أن سوريا كانت مسؤولة عن إنتاج نحو 80% من الكبتاغون العالمي. وتم تهريب هذه المادة إلى دول الخليج، والعراق، ولبنان، وشمال إفريقيا، وأخيراً إلى أوروبا.
وتُعد الأردن من أكثر الدول تضرراً، إذ أبلغت سلطاتها عن ضبط ملايين الحبوب المهربة من سوريا. كما اتخذت السعودية خطوات صارمة للحد من دخول الكبتاغون إلى أراضيها. وباتت دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً ترصد تدفقاً متزايداً للحبوب عبر أراضيها، ما دفعها إلى تشديد الرقابة.
اقتصاد المخدرات في ظل النظام السابق
تحوّلت تجارة الكبتاغون إلى عماد الاقتصاد غير الرسمي خلال فترة حكم الأسد، كما تشير تقارير مثل دراسة "مركز التحليلات العملياتية والأبحاث" و"مركز الحوار السوري"، إلى وجود 50 موقعاً نشطاً لتصنيع المخدرات في سوريا حتى عام 2021، بينها 14 مركزاً لإنتاج الكبتاغون، و12 للميثامفيتامين، و23 للحشيش.
وكانت هذه المعامل تنتج نوعين من الكبتاغون: أحدهما منخفض الجودة للسوق المحلي يُباع بدولار واحد للحبة، والآخر مرتفع الجودة يُهرّب للخارج بسعر يصل إلى 14 دولاراً للحبة الواحدة، وفي عام 2020 وحده، صادرت الأجهزة الأمنية في دول متعددة أكثر من 173 مليون حبة كبتاغون مصدرها سوريا، إضافة إلى أكثر من 12 طنًا من الحشيش، بقيمة سوقية ناهزت 3.5 مليار دولار.
البنية التحتية لشبكة التهريب
بحسب تقارير "نيويورك تايمز" و"دير شبيغل"، كانت معامل الكبتاغون تنتشر في مناطق خاضعة لسيطرة النظام أو لميليشيات موالية مثل حزب الله. واستخدمت هذه الشبكات البنية التحتية المدنية من مصانع أدوية، ومستودعات، ومرافئ بحرية، وطرقات برية لحماية عمليات التهريب، بل إن بعضها اتخذ من مواقع عسكرية ستاراً للإنتاج.
وسبق أن أكدت تقارير عديدة ضلوع شخصيات بارزة من عائلة الأسد، ورجال أعمال مقربين من النظام، في هذه التجارة. ويُعتقد أن الاقتصاد السري للمخدرات كان أحد الركائز الرئيسية لبقاء النظام في وجه العقوبات الدولية والانهيار الاقتصادي.
خلو سوريا من معامل الكبتاغون يعني **توقف الإنتاج المحلي** لهذه المادة المخدرة داخل الأراضي السورية، وهو ما يشير إلى النقاط التالية:
إعلان خلو سوريا من معامل الكبتاغون يعني أن السلطات فككت أو صادرت المعدات والمختبرات التي كانت تُستخدم في تصنيع هذه المادة، سواء في المدن أو المناطق الحدودية أو المواقع العسكرية السابقة، بعد أن كانت سوريا خلال عهد النظام السابق، مركزًا عالميًا لإنتاج الكبتاغون، وكانت المعامل تعمل بشكل ممنهج وبدعم من شبكات سياسية وعسكرية. خلو البلاد من هذه المعامل يشير إلى نهاية هذا "الاقتصاد الموازي" القائم على إنتاج المخدرات.
هذا الإعلان يعكس أيضًا تغيرًا سياسيًا في تعاطي الحكومة السورية الجديدة مع ملف المخدرات، ومحاولة تبييض صفحة سوريا دوليًا، خصوصًا أمام الدول التي طالما طالبت بوقف إنتاج وتصدير الكبتاغون، وعلى رأسها الأردن، السعودية، والولايات المتحدة، ويعني انتهاء عصر التصنيع الداخلي للمخدرات، لكنه لا يعني نهاية التحدي، بل انتقاله إلى مرحلة مواجهة التهريب، وتجفيف الشبكات التي استفادت من هذا النشاط طيلة سنوات الحرب.