
تقلبات الليرة السورية... تحديات معيشية مستمرة وجهود حكومية للثبات النقدي
تشكل تقلبات سعر صرف الليرة السورية واحدة من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه المواطنين في الداخل السوري، وسط واقع معيشي صعب تراكم على مدار سنوات من الحرب والانهيار الاقتصادي ويقف سعر الصرف عائقًا مؤثرًا في الظروف المعيشية للمواطنين.
واقع غير مستقر... وأثر مباشر على المعيشة
في الأسابيع الأخيرة، شهدت السوق السوداء تذبذبًا حادًا في سعر صرف الدولار، إذ تجاوز عتبة الـ12 ألف ليرة في بعض المناطق، قبل أن يتراجع ثم يعاود الارتفاع بشكل مفاجئ هذا الاضطراب اليومي يترك أثرًا مباشرًا على أسعار المواد الأساسية والغذائية والأدوية والمحروقات، وحتى على العقود المبرمة بين التجار والمستهلكين.
الخلل لا ينعكس فقط على الأسواق، بل يتغلغل إلى رواتب الموظفين ويعاني قطاع الحوالات بدوره من تعدد أسعار الصرف، ما يقلل من القيمة الفعلية التي تصل إلى المستفيدين، ويضعف دورها في دعم الأمن الغذائي للأسر في ظل انتشار السوق الموازية وتهديد للاستقرار النقدي.
ومع غياب دور فاعل لبعض المصارف وتردد شريحة من المتعاملين في العودة إلى القنوات الرسمية ساهم في بروز ظاهرة "الصرافين الجوالين"، الذين يحددون أسعار صرف لحظية خارج الإطار القانوني، ما يعمق الفجوة بين سعر السوق والسعر الرسمي، ويضع السياسات النقدية أمام تحدٍّ إضافي يتمثل في الحد من المضاربات والشائعات.
دور الدولة السورية ومصرف سورية المركزي في ضبط الإيقاع النقدي
رغم التحديات، تبذل الدولة السورية، من خلال مصرف سورية المركزي، جهودًا حثيثة للحد من المضاربات وتحقيق التوازن النقدي ضمن الإمكانيات المتاحة، خصوصًا في ظل الحصار والعقوبات الغربية المفروضة على البلاد.
وأصدر مصرف سوريا المركزي النشرة الرسمية رقم 113، والتي يبدأ العمل بها اعتباراً من الأحد 29 حزيران 2025، حيث بلغ سعر صرف الدولار الأميركي 11,000 ليرة للشراء و11,110 ليرة للمبيع، في حين سجل اليورو 12,763 ليرة للشراء و12,890 ليرة للمبيع.
أما الجنيه الإسترليني فقد وصل إلى 14,918 ليرة للشراء و15,067 ليرة للمبيع، بينما سجل الريال السعودي 2,931 ليرة للشراء و2,961 ليرة للمبيع، والدرهم الإماراتي 2,995 ليرة للشراء و3,025 ليرة للمبيع.
كما بلغ سعر الدينار الأردني 15,514 ليرة للشراء و15,669 ليرة للمبيع، في حين وصل الريال القطري إلى 3,008 ليرة للشراء و3,051 ليرة للمبيع، وسجلت الليرة التركية 277 ليرة للشراء و280 ليرة للمبيع، وتشير النشرة إلى أن التعامل بين المصرف المركزي والمصارف المرخصة يتم وفق هامش حركة سعري بنسبة 5%.
وفي ظل ترسيخ مرحلة جديدة بعد زوال النظام السابق، تؤكد وزارة المالية في الحكومة السورية أن الوضع المالي الحالي هو "إرث ثقيل"، نتيجة خراب المؤسسات وغياب السجلات المالية، إضافة إلى ديون خارجية تتراوح بين 20 و23 مليار دولار، فضلاً عن المديونية الداخلية.
ومع أن الوزارة لا تملك "عصا سحرية" كما عبّرت، إلا أن العمل جارٍ على معالجة الواقع الاقتصادي برؤية متدرجة، تستهدف أولاً استقرار سعر الصرف، وضبط التضخم، ثم دعم الإنتاج الوطني وتحسين الدخل.
ويذكر أن رغم أن تقلبات سعر الصرف لا تزال تؤرق المواطن السوري، فإن الدور الذي يلعبه مصرف سورية المركزي من خلال نشرات الأسعار الرسمية، وتنظيم العلاقة بين المصارف والمستوردين، هو حجر الأساس في استعادة الثقة بالعملة الوطنية وفي ظل الجهود الحكومية المعلنة لإصلاح مؤسسات الدولة، تبقى القدرة على ضبط السوق السوداء وتحقيق العدالة النقدية مرهونة بتكاتف الجهود الرسمية والقطاع الخاص، واستمرار الشفافية في التعامل مع الواقع المالي.