
حصرية: عروض من 9 دول لطباعة عملة سورية جديدة.. والمركزي يطمح لتفعيل “سويفت”
في خطوة غير مسبوقة منذ عقود، كشف حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أن بلاده تلقت عروضاً من شركات متخصصة في طباعة العملة من تسع دول عربية وأجنبية، تشمل الإمارات وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والنمسا، وذلك في إطار خطة لاستصدار عملة سورية جديدة بتصميم حديث، بعد سنوات من انهيار الليرة وتفشي التضخم.
وأوضح حصرية في تصريح لصحيفة إندبندنت عربية أن العروض تخضع حالياً للدراسة الفنية والمالية، مؤكداً أن المشروع لا يزال في طور الإعداد، ويتطلب تهيئة ظروف اقتصادية وتشريعية ملائمة قبل البدء بتنفيذه. وأضاف: “نطمح إلى جعل الليرة السورية قابلة للتحويل، ونعمل على إعادة تفعيل نظام سويفت المالي العالمي، بعد سنوات من العزلة التي فرضتها العقوبات”.
ويأتي هذا التوجه في ظل مؤشرات على انفتاح اقتصادي وسياسي غير مسبوق، بعد إعلان الولايات المتحدة مؤخراً رفع العقوبات المفروضة على دمشق، ما أعاد فتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية والتعاملات المصرفية الدولية.
ووفق مصادر مصرفية تحدثت لـإندبندنت عربية، فإن سوريا باتت وجهة جاذبة لطباعة العملة، نظراً لحجم الصفقة المرتقب والعوائد المرتفعة، في وقت تسعى فيه الحكومة لإعادة هيكلة القطاع المالي وبناء الثقة بالعملة الوطنية بعد أن فقدت الليرة أكثر من 95% من قيمتها خلال السنوات الماضية.
تصميم جديد ومساعٍ لإعادة الثقة
وأكد حصرية أن العملة الجديدة ستأتي بتصميم محدث، وستكون جزءاً من خطة متكاملة لتثبيت استقرار السوق المحلية وتعزيز القدرة الشرائية، مضيفاً أن هناك جهوداً لتنظيم العلاقة بين المصرف ووزارة المالية على أساس الاستقلالية، بما يعزز من قدرة المركزي على إدارة السيولة وضبط الكتلة النقدية.
الخبير الاقتصادي دريد درغام أشار بدوره إلى أن إصدار عملة جديدة هو خطوة “ضرورية بل وأولوية”، لكنه حذّر من أن نجاحها مرهون بخطة اقتصادية شاملة وموارد حقيقية. ودعا إلى دراسة دقيقة للفئات الجديدة، وتحديد آلية واضحة لسحب العملة القديمة دون التسبب بارتباك في السوق.
بدائل رقمية ومخاوف من التوقيت
من جانب آخر، رأى عضو غرفة تجارة دمشق محمد حلاق أن التركيز يجب أن يكون على التحول إلى الدفع الإلكتروني بدل طباعة أوراق نقدية جديدة، مشيراً إلى أن هذا الخيار أكثر حداثة وفاعلية لكنه يتطلب بيئة تشريعية وتقنية متطورة، لا تزال غير جاهزة بالكامل في سوريا.
وشدد محللون اقتصاديون على أن تبديل العملة لن يكون حلاً سحرياً، بل هو جزء من إصلاحات أوسع تشمل مكافحة الفساد، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وضمان الشفافية، مؤكدين أن غياب الأسس الاقتصادية قد يؤدي إلى نتائج كارثية، على غرار ما شهدته دول مثل فنزويلا وزيمبابوي.
من عملة مشوهة إلى اقتصاد تنافسي؟
يرى الخبير الاقتصادي إبراهيم قوشجي أن تغيير العملة في سوريا يجب ألا يُفهم على أنه مجرد تغيير رمزي أو شكلي، بل هو مشروع لإعادة تشكيل السياسة النقدية بأكملها، وضبط السيولة بما يتناسب مع الناتج المحلي، وإغلاق الباب أمام الأموال المشبوهة التي كانت تتداول في السوق السوداء، في ظل سنوات من التهريب والاقتصاد غير الرسمي.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه سوريا واحدة من أعقد الأزمات الاقتصادية في تاريخها، حيث يرزح أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، فيما بلغ الناتج المحلي نحو 30 مليار دولار فقط مقارنة بـ62 ملياراً عام 2010، وفقاً لتقديرات أممية. وقد قُدّرت خسائر الاقتصاد السوري بأكثر من 800 مليار دولار، فيما لا تزال البلاد تسعى لاستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين على السواء.
وتبقى طباعة العملة الجديدة، بحسب مراقبين، اختباراً دقيقاً لقدرة دمشق على ترجمة التحولات السياسية الإقليمية إلى أدوات إصلاحية حقيقية، تعيد رسم ملامح الاقتصاد السوري من جديد.