حين يصبح العدّ أسهل ويبقى العيش صعبًا: قراءة في تبديل العملة السورية
حين يصبح العدّ أسهل ويبقى العيش صعبًا: قراءة في تبديل العملة السورية
● أخبار سورية ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٥

حين يصبح العدّ أسهل ويبقى العيش صعبًا: قراءة في تبديل العملة السورية

أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية صدور المرسوم رقم 293 لعام 2025 الخاص بإطلاق العملة السورية الجديدة، محددًا بداية عام 2026 موعدًا رسميًا لانطلاق عملية الاستبدال، في خطوة قال إنها تؤسس لمرحلة اقتصادية ونقدية جديدة في تاريخ البلاد، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام الرسمية عن تصريحاته.

وأوضح الحصرية أن المرسوم منح المصرف المركزي الصلاحيات الكاملة لتحديد مهل وآليات الاستبدال ومراكزه، بما يضمن تنفيذ العملية بسلاسة وانتظام، مشيرًا إلى أن التعليمات التنفيذية الناظمة ستصدر قريبًا، مع التركيز على تسهيل الإجراءات أمام المواطنين في مختلف المناطق وضمان تقديم الخدمة بأقصى درجات الوضوح والمرونة.

خطوة تنظيمية لا تعني تحسنًا اقتصاديًا تلقائيًا

يأتي هذا الإعلان في سياق نقاش عام واسع حول معنى تبديل العملة وجدواه، ولا سيما ما يتعلق بحذف الأصفار عن الليرة السورية الجديدة، وهي خطوة لا تحمل في جوهرها تحسنًا تلقائيًا في المؤشرات الاقتصادية أو القوة الشرائية، لكنها، كما يوضح مسؤولو المصرف المركزي، تحمل جملة من الإيجابيات العملية والتنظيمية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين والزوار على حد سواء.

ففي السنوات الماضية، فرض التضخم وتراجع قيمة العملة واقعًا نقديًا مثقلًا بالأصفار، جعل من التعاملات اليومية البسيطة عبئًا لوجستيًا، حيث بات شراء احتياجات محدودة يتطلب حمل رزم كبيرة من الأوراق النقدية، وأصبح عدّ النقود تحديًا دائمًا في الأسواق والمطاعم والمتاجر، إلى حد تحوّل آلات عدّ النقود إلى مشهد مألوف في كل زاوية تقريبًا.

حذف الأصفار وتبسيط التعاملات اليومية للمواطنين والزوار

هذا الواقع لم يقتصر أثره على المواطنين فحسب، بل طال الزوار والسياح الذين كانوا، وفق ما يتداوله العاملون في القطاع الخدمي، يشتكون من صعوبة حمل مبالغ كبيرة من المال لدفع فاتورة مطعم أو أجرة خدمة بسيطة، إضافة إلى الإرباك الناتج عن عدّ أوراق نقدية كثيرة وغير مألوفة لهم. من هنا، فإن حذف الأصفار، كما يُفهم من الطرح الرسمي، يهدف إلى إعادة تنظيم القيم الاسمية للأسعار، وتبسيط التعاملات اليومية، وجعل الحسابات أوضح وأقرب إلى المنطق العملي، من دون أن يعني ذلك زيادة في القدرة الشرائية أو تحسنًا فوريًا في مستوى المعيشة.

وفي هذا السياق، شدد النائب الأول لحاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور مخلص الناظر، في منشور له على موقع اكس (تويتر سابقا)، على أن حذف الأصفار لا يشكل تغييرًا في القوة الشرائية لليرة، بل هو محاولة لإعادتها إلى مكانها الطبيعي في حياة الناس، موضحًا أن الهدف يتمثل في تنظيم التعامل اليومي لتصبح الأسعار أوضح والحسابات أسهل، ولتقترب الثقة تدريجيًا من العملة.

وقال الناظر إن العملة ليست مجرد أرقام، بل تعب الناس وذاكرة البيوت وحكايات الأسواق وأمان الغد، مؤكدًا أن هذا القرار لا يُقاس بالحسابات وحدها، بل بما يعنيه لكل مواطن يحمل الليرة في يده ويعلّق عليها آماله.

إزالة رموز النظام البائد وبعد السيادة المالية

إلى جانب البعد التنظيمي، يبرز بعد رمزي وسيادي في خطوة استبدال العملة، يتمثل في إزالة رموز النظام السوري البائد عن الأوراق النقدية، وفي مقدمتها صورة بشار الأسد، واستبدالها بتصاميم جديدة تعبّر عن مرحلة ما بعد التحرير.

ويُنظر إلى هذا التغيير، وفق الخطاب الرسمي، بوصفه تأكيدًا على السيادة المالية وقطعًا مع مرحلة سابقة ارتبطت فيها العملة برموز السلطة أكثر من ارتباطها بالمجتمع والاقتصاد، وهو ما وصفه الحصرية في ختام تصريحاته بأنه رمز لمرحلة جديدة تقوم على التعاون الوطني والاستقرار والتعافي.

تحديات المرحلة الانتقالية والارتباك المتوقع في التداول

غير أن هذا المسار، على الرغم من إيجابياته العملية والرمزية، لا يخلو من تحديات وسلبيات مرحلية، أبرزها ما يتوقع أن يواجهه المواطنون خلال فترة الانتقال التي ستتداول فيها العملة القديمة إلى جانب الجديدة.

ففي هذه المرحلة، من المرجح أن يواجه كثيرون، ولا سيما كبار السن، صعوبات في التأقلم مع القيم الاسمية الجديدة، سواء عند الدفع أو عند استلام الرواتب والحوالات.

فالتعامل مع مزيج من أوراق نقدية قديمة وجديدة، تختلف في قيمها وعددها، قد يخلق ارتباكًا مؤقتًا في الحسابات اليومية، ويجعل عمليات الدفع والاستلام أكثر تعقيدًا في بدايتها، قبل أن تستقر القواعد الذهنية للتعامل مع الفئات الجديدة.

وتتجاوز هذه الصعوبات الجانب الفردي لتشمل المؤسسات والأسواق، حيث يتطلب الانتقال الناجح درجة عالية من الوضوح في التسعير، وانضباطًا في الإعلان عن الأسعار، وتكثيفًا لحملات التوضيح، تفاديًا لأي لبس أو استغلال.

وفي هذا الإطار، أكد حاكم المصرف المركزي أن تفاصيل العملية وآلياتها ستُشرح بشكل شفاف خلال مؤتمر صحفي مخصص، في خطوة تهدف إلى تعزيز الثقة وترسيخ الشراكة مع المواطنين، لافتًا إلى أن المصرف واصل العمل خلال أيام 25 و26 و27 كانون الأول لمتابعة التحضيرات الفنية والإدارية.

من جانبه، أقر الناظر بحجم التحديات، مؤكدًا أن العملة لا تقوى بالتصميم وحده ولا بالقرار الإداري فقط، بل بالاستقرار والانضباط والصدق مع الناس، مشددًا على أن الليرة السورية الجديدة ليست وعدًا سريعًا ولا حلًا سحريًا، بل خطوة على طريق طويل لإعادة بناء الثقة، وهي، بحسب وصفه، أساس أي اقتصاد وأي مستقبل.

وأوضح الناظر أن المصرف يعمل على المشروع بهدوء ومسؤولية وبمرحلية، لضمان مرور المرحلة الانتقالية بسلاسة وحفظ حقوق المواطنين وأجورهم ومدخراتهم والتزاماتهم دون أي مساس.

في المحصلة، يضع إعلان إطلاق العملة السورية الجديدة هذا القرار في إطاره الحقيقي كإجراء نقدي وتنظيمي وسيادي، يشكل بداية لبناء سياسة نقدية متوازنة في سوريا الجديدة، لا نتيجة نهائية لها.

فنجاح تبديل العملة، كما يؤكد الخطاب الرسمي، لا يُقاس بذاته، بل بما يرافقه ويتبعه من سياسات اقتصادية واستقرار مؤسسي وثقة عامة، وهي عناصر يبقى تحقيقها التحدي الأوسع في مسار التعافي والنهوض الاقتصادي بعد سنوات من الانهيار الذي خلّفه النظام البائد.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ