خطاب تصعيدي للهجري يعمّق عزلة السويداء ويهدد فرص الإنقاذ الاقتصادي
خطاب تصعيدي للهجري يعمّق عزلة السويداء ويهدد فرص الإنقاذ الاقتصادي
● أخبار سورية ٣١ مايو ٢٠٢٥

خطاب تصعيدي للهجري يعمّق عزلة السويداء ويهدد فرص الإنقاذ الاقتصادي

في توقيت بالغ الحساسية، اختار الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ العقل في طائفة الموحدين الدروز، أن يوجّه خطابًا تصعيديًا جديدًا أمام أنصاره في دار قنوات، داعيًا إلى “استمرار الاستنفار العام” ومهاجمًا بشكل غير مباشر مسار الدولة نحو الاستقرار وإعادة توحيد المؤسسات.

الهجري، الذي سبق ورفض الإعلان الدستوري المؤقت وطالب بتدخل دولي، عاد ليطرح نفسه مرجعية سياسية موازية للدولة، من خلال التأكيد على ما أسماه “لا مركزية الدولة”، متجاهلًا كل المتغيرات الداخلية والإقليمية التي شهدتها سوريا في الأشهر الأخيرة، من رفع العقوبات الدولية، إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية، مرورًا بلقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتوقيع اتفاقيات استثمارية هي الأضخم منذ أكثر من عقد.

لكن ما لا يقوله الهجري في خطابه، هو أن مواقفه هذه تساهم بشكل مباشر في تفاقم الانهيار الاجتماعي والاقتصادي في محافظة السويداء، التي تعيش واحدة من أسوأ أزماتها على الإطلاق.

فالمحافظة، التي تُعد من الأفقر سوريًا، تعاني من نسب بطالة مرتفعة وانهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية، وسط غياب حقيقي للمؤسسات الرسمية نتيجة تمنّع بعض الفصائل عن تسليم السلاح ورفضها تنظيم الوضع الأمني تحت مظلة الدولة.

وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة السورية على فتح أبواب الاستثمار والتنمية في السويداء، وتضع المحافظة ضمن أولويات خطة التعافي الوطني، تقف مواقف الشيخ الهجري ومجموعاته المسلحة كعقبة أساسية تحول دون تنفيذ هذه المشاريع.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد التقى مؤخرًا بوفد من وجهاء السويداء وقدّم لهم وعدًا بدعم مشاريع البنية التحتية، وتأمين فرص العمل، وفتح باب الاندماج في مؤسسات الدولة، بشرط استتباب الأمن ووحدة القرار في المحافظة.

لكن ما يحدث على الأرض مختلف تمامًا، إذ تشير تقارير أمنية إلى أن أكثر من 90% من عمليات تهريب المخدرات إلى الداخل السوري أو إلى الأردن تنطلق من السويداء، وسط تواطؤ بعض المجموعات المسلحة التي ترفض تسليم السلاح أو الانضواء تحت سلطة وزارة الداخلية.

ولا يخفى على أحد أن تعنّت الهجري في مواجهة مؤسسات الدولة، ورفضه القاطع لتفعيل جهاز الأمن الداخلي، يسهم في استمرار الفوضى، ويضعف قدرة الدولة على بسط سيادتها.

وبدلًا من أن يكون الهجري شريكًا في الحل، اختار التصعيد والمواجهة، حتى مع أبناء طائفته، حيث رفض إشراك شخصيات درزية في مبادرات تشكيل قوى أمنية محلية برعاية الحكومة، كما عرقل مؤخرًا مبادرة الشيخ ليث البلعوس، ومنعه من دخول بلدة المزرعة لتنفيذ تفاهمات سابقة مع دمشق.

الأخطر من ذلك، أن الهجري لا يخفي انفتاحه على قنوات خارجية، وعلى رأسها إسرائيل، حيث سبق ووجّه الشكر لما سماها “دولًا إقليمية داعمة”، وطالب بالحماية الدولية.

وقد نقلت مصادر إعلامية مشاهد تظهر تحركات إسرائيلية في محيط السويداء، تحت ذريعة “دعم الأقليات”، وهو ما أثار سخطًا واسعًا داخل الطائفة ذاتها، خاصة من شخصيات بارزة حذّرت من الانزلاق نحو مشاريع انفصالية.

إن خطاب الهجري الأخير لا يعكس فقط انعدام الثقة بمؤسسات الدولة، بل يعبّر عن موقف يكرّس الانقسام داخل المحافظة، ويهدد بحرمانها من فرص الإنقاذ الاقتصادي، في وقت تبدأ فيه الحكومة الجديدة خطوات متقدمة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس مدنية جامعة.

وتبقى مسؤولية أبناء السويداء اليوم أن يختاروا بين خطاب الانعزال الذي يلوّح بالمؤامرة ويُغلق الأبواب، وبين مشروع دولة تسعى لاستيعاب الجميع، عبر الحوار، والعدالة، والعمل المؤسسي.

فالخطر الحقيقي لم يعد يأتي من الخارج، بل من داخل الخطاب الذي يرفض أن يرى في الدولة شريكًا، فالوحدة الوطنية ليست مجرد خيار، بل ضرورة لبناء سوريا الجديدة.

 

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ