
رئيس لجنة التحقيق الدولية: خطوات العدالة الانتقالية في سوريا واعدة رغم التحديات الأمنية والإنسانية
قال رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينيرو، إن الخطوات التي اتُخذت مؤخرًا في سياق العدالة الانتقالية في سوريا، مثل إنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين، من شأنها أن تساهم في كشف مصير أكثر من 100 ألف مفقود ومختفٍ قسرًا، إضافة إلى توثيق الانتهاكات المنهجية التي ارتُكبت خلال العقود الماضية، والتي أودت بحياة مئات الآلاف وشرّدت الملايين.
وجاءت تصريحات بينيرو خلال تحديث شفهي قدمه أمام الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، حيث أشار إلى أن هذه المبادرات الجديدة تعكس التزام السلطات السورية المؤقتة بتحقيق العدالة والإنصاف للضحايا والناجين، رغم ما وصفه بـ”مهمة شاقة للغاية على أي حكومة أن تضطلع بها”.
الانتهاكات والعدالة المؤجلة
وأوضح بينيرو أن من أبرز التحديات التي تواجه السلطات الجديدة، هو ملف الجماعات المسلحة، مشيرًا إلى ضرورة تسريحها ودمج عناصرها في جيش وطني جديد، محذرًا من أن غياب الإطار القضائي والأمني الواضح ساهم في وقوع أعمال انتقامية، كما حصل في الساحل السوري في آذار/مارس الماضي، حيث تم تسجيل هجمات على خلفيات طائفية.
وأبدى قلقه من استمرار عمليات القتل والاعتقالات التعسفية بحق أفراد من الطائفة العلوية، ومصادرة ممتلكات نازحين فرّوا من العنف، مشددًا على أهمية دور لجنة التحقيق الوطنية المشكلة مؤخرًا في معالجة هذه الانتهاكات، إلى جانب لجنة عليا لتثبيت السلم الأهلي.
كما شدد على واجب السلطات في حماية أماكن العبادة والمجتمعات الدينية، مستشهدًا بالهجوم الذي استهدف كنيسة للروم الأرثوذكس في دمشق مؤخرًا، ومؤكدًا أن العدالة يجب أن تشمل محاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم من شاركوا في الانتهاكات داخل صفوف المعارضة أو السلطة.
التدخلات الخارجية والغارات الإسرائيلية
وتطرّق بينيرو إلى التدخلات الخارجية التي فاقمت الصراع السوري، محذرًا من التصعيد الإسرائيلي الأخير، حيث شنت تل أبيب خلال الأسابيع الماضية غارات جوية استهدفت دمشق ومحيط القصر الرئاسي، ومواقع عسكرية في درعا وحماة وطرطوس واللاذقية. واعتبر أن هذه الغارات تثير مخاوف خطيرة من انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وتعيق مسار الاستقرار.
عودة الملايين والتحديات أمام إعادة الإعمار
وفي الملف الإنساني، أعرب بينيرو عن ارتياحه لعودة أكثر من مليوني سوري إلى ديارهم منذ كانون الأول/ديسمبر، من بينهم 600 ألف من الخارج، وقرابة 1.5 مليون نازح داخلي، لكنه حذّر من أن أكثر من 7 ملايين نازح ما زالوا يواجهون تحديات كبيرة تتعلق بفقدان ممتلكاتهم بسبب المصادرة والدمار.
وأشار إلى أن سوريا تمر بتحوّل سياسي معقّد، في وقت بلغت فيه الاحتياجات الإنسانية مستويات قياسية منذ عام 2011، إذ يحتاج 16.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، بينهم نحو 3 ملايين يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، رغم إشارات إيجابية إلى تخفيف العقوبات والانفتاح التدريجي أمام الاستثمارات.
وختم بينيرو حديثه بالتأكيد على أن التزامات الحكومة السورية المؤقتة بحماية الحقوق دون تمييز، يجب أن تُقابل بـ”دعم دولي ملموس”، مشددًا على أن العدالة والمساءلة هما حجر الأساس في بناء سوريا جديدة آمنة لجميع مكوناتها.