
محافظة حماة تتحرك لاسترداد العقارات المصادرة: خطوة إدارية لإلغاء المظالم العقارية
في إطار ما يبدو أنه توجه إداري جديد لمعالجة واحدة من أكثر الملفات العقارية حساسية، أعلنت الأمانة العامة لمحافظة حماة يوم الاثنين، الموافق 19 أيار/مايو الجاري، عن بدء استقبال الشكاوى والطلبات المتعلقة بالعقارات التي جرى الاستيلاء عليها في فترات سابقة دون سند قانوني واضح، وكذلك العقارات التي صودرت بموجب قرارات صادرة عن "محكمة الإرهاب" أو جهات قضائية مماثلة، والتي تم تسجيلها لاحقاً باسم "الجمهورية العربية السورية".
مهلة قانونية واضحة ومحددات للمُراجعين
يشمل القرار العقارات التي جرى الاستيلاء عليها بشكل عرفي في ظل النظام السابق، سواء أكانت مسجلة رسمياً أو غير مسجلة باسم الدولة، بالإضافة إلى العقارات المصادرة استناداً إلى أحكام قضائية ذات طابع سياسي أو أمني.
وقد حددت محافظة حماة مهلة ثلاثين يوماً لتقديم الطلبات، تبدأ من تاريخ صدور التعميم، ما يعني أن آخر موعد لتقديم الشكاوى سيكون في الثامن عشر من حزيران/يونيو القادم. كما أكدت المحافظة أن تقديم الطلب ممكن من قبل مالك العقار الأصلي، أو وكيله القانوني، أو أحد الورثة الشرعيين في حال وفاة المالك.
الوثائق المطلوبة لضمان حقوق المُقدّمين
يتطلب تقديم الطلب إحضار صورة عن البطاقة الشخصية، إلى جانب وثيقة تثبت ملكية العقار، على أن تكون عبارة عن بيان قيد عقاري حديث لا يتجاوز تاريخه ثلاثة أيام من تاريخ استخراجه من الجهة المختصة، ويجب أن يتضمن هذا البيان كافة المالكين والإشارات الموضوعة على العقار. أما في حال كان مقدم الطلب أحد الورثة، فيلزم إحضار وثيقة حصر إرث مصدقة أصولاً، وفي حال تعدد الورثة أو المالكين يجب إرفاق تفويض قانوني باسم من يمثلهم أمام المحافظة.
استقبال المعاملات في مبنى المحافظة
ستُستقبل الطلبات في مبنى محافظة حماة خلال أوقات الدوام الرسمي، ضمن إجراءات إدارية مباشرة تهدف إلى فتح هذا الملف المغلق منذ سنوات، وإعادة الحقوق إلى أصحابها بما ينسجم مع توجه قانوني يضع ملف الملكيات تحت الضوء من جديد، بعد عقود من التجاوزات التي تمت في سياقات سياسية وأمنية معقّدة.
مرسوم رئاسي يعزز التوجه
في تطور مواكب لهذا الإجراء الإداري، أصدر رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع مرسوماً يقضي بإلغاء جميع قرارات الحجز الاحتياطي التي تم اتخاذها خلال الفترة من عام 2012 وحتى 2024. ويهدف المرسوم إلى إعادة الحقوق إلى أصحابها ورفع الظلم عن المواطنين ورجال الأعمال الذين طالتهم إجراءات الحجز، والتي حُرِم بموجبها نحو 91 ألف مواطن من ممتلكاتهم وأصولهم.
في تصريحات نقلتها الإخبارية السورية، أشار وزير المالية محمد يسر برنية إلى أن معظم قرارات الحجز الملغاة استندت إلى توجيهات من أجهزة أمنية، ولم تكن مبنية على إجراءات قانونية سليمة أو أحكام قضائية صحيحة، حيث استُخدمت هذه القرارات أداة لمعاقبة المواطنين بسبب مواقفهم السياسية، خصوصاً الداعمة للثورة السورية.
وأضاف أن هذه الخطوة تعكس إرادة الدولة في تصحيح تلك السياسات، وتنشيط الحياة الاقتصادية، مؤكداً أن الوزارة تنسق حالياً مع وزارتي العدل والداخلية لضمان تنفيذ المرسوم بفعالية.
وسلّط تقرير نشره موقع "العربي الجديد" الضوء على ملامح أمل متجدد في سوريا، يتمثل ببدء عملية استعادة الممتلكات التي صادرتها السلطات السابقة خلال سنوات الصراع، وذلك في أعقاب انهيار النظام السابق.
وأشار التقرير إلى إعادة جامعة اليرموك الخاصة في محافظة درعا إلى مالكها، بعد أن استولى عليها النظام في عام 2011 بسبب دعمه العلني للثورة. هذا المثال جاء بمثابة إشارة أولى إلى بدء موجة جديدة من عمليات إعادة الحقوق، خصوصاً تلك التي سُلبت بقرارات سياسية أو أمنية.
الدولة تعيد العقارات المصادرة في دمشق
وتتوالى الخطوات التي تتخذها الدولة السورية الجديدة في هذا الاتجاه، حيث بدأت فعلياً عملية إعادة البيوت والممتلكات المصادرة إلى أصحابها، بعد التحقق من وثائق ملكيتها. ومن بين أبرز العقارات التي أُعيدت خلال الفترة الأخيرة، مباني تعود لقيادتي حزب البعث في دمشق، بالإضافة إلى عدد من المنازل الواقعة في أحياء معروفة مثل المزة، وزقاق الجن، والمالكي، فضلاً عن قصر الروضة الجمهوري نفسه.
كما تم استرداد ممتلكات لعائلات سورية بارزة كانت قد استُهدفت بمصادرات سياسية، بينها عائلات الحافظ وكيال وغيبة، ما يشير إلى أن إعادة الحقوق لا تقتصر على الأفراد بل تشمل أيضاً رموزاً من التاريخ السياسي والاقتصادي للبلاد.
ورغم التوجه الرسمي الواضح نحو تسوية ملف المصادرات، لا تزال بعض التحديات قائمة أمام المواطنين المتضررين، خاصة مع استمرار إغلاق بعض مكاتب السجل العقاري وصعوبة الوصول إلى الوثائق الرسمية. فعلى سبيل المثال، لا يزال وزير الثقافة السابق رياض نعسان آغا، إلى جانب آخرين، يواجهون صعوبات في استرداد ممتلكاتهم المصادرة، رغم استعداد الحكومة، وفق تصريحاتها، لإعادة جميع الأملاك بمجرد إثبات الملكية. إلا أن الإجراءات الفعلية على الأرض ما تزال تعاني من البطء والتعقيد، ما يفرض الحاجة إلى مزيد من الإصلاح الإداري لضمان سرعة التنفيذ.
تشير مصادر قانونية مطلعة إلى أن الإدارة الحالية في دمشق بصدد استكمال خارطة إجراءات تهدف إلى إنصاف السوريين الذين تمت مصادرة ممتلكاتهم لأسباب سياسية أو نتيجة لاتهامات تعسفية طالتهم في سنوات الحرب. ويُتوقع أن يستفيد من هذه الإجراءات عدد كبير من السياسيين ورجال الأعمال الذين وُجّهت إليهم اتهامات تتعلق بتمويل الإرهاب أو التآمر على الدولة، وهي اتهامات ثبت لاحقاً أن كثيراً منها لم يكن مبنياً على أدلة قانونية واضحة.
من المعروف أن النظام السابق اعتمد بشكل رئيسي على قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 الصادر عام 2012 لتنفيذ إجراءات الحجز والمصادرة. وقد أدى هذا القانون إلى تحويل الحجز الاحتياطي، الذي يُفترض أن يكون إجراءً احترازياً لحماية المال العام، إلى أداة ابتزاز استخدمتها أجهزة أمنية لمعاقبة المعارضين، من خلال فرض إتاوات على أصحاب الأملاك أو بيع الممتلكات المصادرة دون أي مسوّغ قانوني فعلي. وقد طال هذا السلوك الآلاف من الشخصيات العامة، بمن فيهم فنانون وإعلاميون ورجال أعمال، ما جعل من استرداد الحقوق اليوم مطلباً جماعياً وضرورة وطنية ملحّة في سياق العدالة الانتقالية وإعادة بناء الثقة بالمؤسسات.