
مشفى الموت وتفاصيل الرعب: شهادة عن جرائم مشفى تشرين العسكري في عهد نظام الأسد
في كل مرة نحاول تهدئة غضبنا بعد سماع القصص الإجرامية التي ارتكبها الإرهابي بشار الأسد وأعوانه بحق المدنيين والمعارضين، تصلنا شهادة جديدة أو قصة مرعبة تجعلنا نتمسك أكثر بمطلب المحاسبة والقصاص لكل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء. فهؤلاء لا يمكن مسامحتهم، وجرائمهم لا تستحق إلا عقاباً من جنس أفعالهم.
كل يوم نُصدم بتفاصيل وحشية تؤكد أن هذه العائلة التي حكمت سوريا لم تكن بشراً، بل كانت وحوشاً منزوعي الضمير والإنسانية. ومن هذه الشهادات المؤلمة ما قاله نقيب أطباء الأسنان بدمشق، الدكتور محمد حمزة، خلال لقاء له مع تلفزيون سوريا، تعليقاً على اعتقال "بسام سلمان علي"، أحد المتهمين بارتكاب جرائم بحق المعتقلين.
مشفى تشرين العسكري كان مسلخاً
أكد الدكتور حمزة أن من رأى ليس كمن سمع، خاصةً وأنه عاش تلك المآسي بنفسه. وذكر أن مشفى تشرين العسكري كان يُعدّ كابوساً حقيقياً للمعتقلين. ففي سجن صيدنايا السيّئ السمعة، عندما يمرض السجين، كان يرجو زملاءه ألا يبلغوا السجّان عن حالته الصحية، فقط ليتفادى نقله إلى مشفى تشرين، حيث كان ينتظره المصير المجهول.
وصف الدكتور حمزة ذلك المكان بأنه "مسلخ بشري"، بالتواطئ مع قوات الأسد، تمت ممارسة أبشع أنواع التعذيب والتصفية الجسدية، مستخدمين أساليب وحقناً غريبة لم يسمع بها من قبل. وروى حادثة شاب معتقل نُقل إلى المشفى، وأُعطي حقنة، ثم أُعيد إلى المهجع وطلب السجّان من رفاقه أن يغسلوه، فسقط ميتاً بعد عشرة دقائق.
وأضاف أن هذه المشاهد المروّعة لم تقتصر على مشفى تشرين، بل تكررت أيضاً في مشافي أخرى مثل مشفى 601 ومشفى حرستا، مضيفاً أن المعتقل يُؤتى به إلى قسم الشرطة العسكرية للعلاج، فيُخنق وهو حيّ، ويُوضع في أكياس الجثث، بواسطة طاقم طبي مجرم، يتفنن في القتل والتعذيب.
بسام سلمان علي متورط
وأشار إلى أن "بسام سلمان علي" كان واحداً من هؤلاء المجرمين، ممن تورطوا في تعذيب المعتقلين وتصفيتهم. وأوضح أن مشفى تشرين ساهم في اختفاء العديد من المعتقلين، وأن بعض الأطباء الموالين للنظام تورطوا أيضاً في تجارة الأعضاء البشرية. فكانوا يختارون من المعتقلين من يتمتع ببنية جسدية قوية، فيُسرق منه الأعضاء تحت غطاء العمليات الجراحية.
وأكد الدكتور حمزة أن مهنة الطب مهنة إنسانية، لكن حينما يتجرد الطبيب من ضميره، يتحول إلى مجرم وسفّاح، وأن على جميع هؤلاء الأطباء أن يُستجوبوا ويُحاسبوا لمعرفة ما ارتكبوه بحق المعتقلين الأبرياء.
شهادة ضمن التعليقات
لاقى ذلك الفيديو تفاعلاً واسعاً، وشاركت إحدى المتابِعات قصتها، ويبدو أنها والدة معتقل استُشهِد تحت التعذيب، فقالت في تعليقها، إن كل كلمة قيلت صحيحة. فهي دخلتُ مشفى تشرين كي تسأل عن ابنها، فأعطوها شهادة وفاته في القبو، كما أعطوا أم زميله شهادة وفاة بتاريخ كان فيه خارج المعتقل.
وعندما انتبهت إلى ذلك وراجعتهم، قالوا: 'خطأ في الكتابة'. وتابعت أنها رأت في الطابق السفلي جثماناً متحللاً، لم يتبقَّ منه سوى هيكل عظمي، وقد لُفّ ببطانية وأُلقي على الأرض. فلم تتمالك نفسها، خرجت من المشفى وهي تبكي وتشتم. وبينما كانت تغادر، اقترب منها موظف شاب يعمل هناك، قبّل رأسها، وتوسل إليها أن تخرج بسرعة، وقال لها: 'إذا سمعوك، فلن يستطيع أحد إنقاذك...'، لتعلق: "وهذا يدلّ بوضوح على أن جميع العاملين في ذلك المشفى كانوا على علمٍ تام بما يحدث داخله من جرائم".
سبق أن نُشرت وثائق وتقارير وصور تثبت تورط الإرهابي بشار الأسد وأعوانه في ارتكاب جرائم مروّعة بحق المدنيين والمعارضين الذين انتفضوا مطالبين بحقهم الطبيعي في الحرية والعدالة والكرامة. فانتقم منهم بوحشية، إذ اختطفهم من بين أسرهم، وزجّ بهم في السجون، حيث تعرّضوا لأبشع صنوف التعذيب والمعاملة القاسية، بما في ذلك الضرب، والإهمال الطبي، والتجويع، وغيرها من الانتهاكات. وفي نهاية المطاف، ينتهي كثيرون منهم إلى الموت، إما تحت التعذيب، أو بالإعدام، أو بعد أن تُسرق أعضاؤهم.
ما جرى ويجري في مشافي النظام السوري، خصوصاً مشفى تشرين العسكري، لا يمكن اعتباره إلا جريمة ضد الإنسانية. الجرائم الممنهجة التي تورط فيها أطباء ومسؤولون أمنيون تستوجب محاكمات عادلة وشفافة، لأن العدالة وحدها كفيلة بإنصاف الضحايا، وردع المجرمين، ومنع تكرار مثل هذه الفظائع في المستقبل.