
من واجهة النظام إلى لعبة الهجري.. القنصل زهر الدين وانشقاق ما بعد الإقالة
منذ اللحظة التي أعلن فيها القنصل العام السابق لإمبراطورية الباشان في دولة الإمارات، زياد زهر الدين، مواقفه المناوئة للدولة السورية الجديدة، انطلقت تساؤلات حادة تتجاوز مجرد الحديث عن "انشقاق دبلوماسي" نحو قراءة أعمق في التوقيت، والنية، والمغزى السياسي الكامن خلف هذا التحول المفاجئ، الذي جاء بعد أربعة عشر عاماً من الصمت المطبق تجاه جرائم نظام الأسد البائد، بما فيها الجرائم التي طالت أبناء محافظة السويداء، مسقط رأس زهر الدين نفسه.
صمت طويل وتواطؤ سياسي
لم يكن زهر الدين يوماً من الأصوات المعترضة على القمع الممنهج الذي مارسه نظام الأسد، بل ظل ملتزماً بخط النظام وممثلاً له في إحدى أهم القنصليات السورية، متجاهلاً المجازر التي وقعت في درعا وحمص وحلب والسويداء، ومكتفياً بدور المراقب الصامت طيلة سنوات الحرب في سوريا.
وبينما كان عشرات الدبلوماسيين والضباط والقيادات المدنية يعلنون انشقاقهم وانضمامهم إلى ركب الثورة منذ الأعوام الأولى، فضّل زهر الدين الصمت، متكئاً على امتيازات المنصب والولاء للسلطة التي أوصلته إلى موقعه الدبلوماسي.
توقيت مريب وانشقاق بعد الإقالة
يأتي إعلان زهر الدين مواقفه هذه المرة في توقيت لا يمكن قراءته إلا كخطوة انتهازية، إذ تزامن مع صدور قرار وزارة الخارجية والمغتربين بتاريخ 20 أيلول 2025 بنقله إلى الإدارة المركزية في دمشق، ما يعني انتهاء مهامه في القنصلية العامة بدبي، فهل يمكن اعتبار "الانشقاق" الذي يأتي بعد الإقالة موقفاً سياسياً مبدئياً؟ أم محاولة متأخرة لتلميع صورة شخصية ارتبطت طويلاً بمؤسسات النظام البائد؟
الوزارة بدورها أكدت في بيانها الرسمي أن تصريحات زهر الدين لا تمثل الدولة السورية، وأنها تعكس آراءً شخصية تتنافى مع الأعراف الدبلوماسية وأخلاقيات العمل القنصلي، في تأكيد واضح على أن المؤسسة الرسمية تتبرأ من أي مواقف فردية تهدف إلى إثارة البلبلة أو التشويش على مسار الإصلاح الدبلوماسي الجاري.
استثمار سياسي لصالح ميليشيات الهجري
المراقبون يرون أن ما يجري لا ينفصل عن محاولات ميليشيات الشيخ حكمت الهجري في السويداء إحداث اضطراب سياسي وأمني يضرب استقرار المحافظة، فالانشقاق المفاجئ لزهر الدين، الذي ينتمي إلى بيئة السويداء الاجتماعية، يأتي في وقت تتزايد فيه مؤشرات التمرد من قبل مجموعات مرتبطة بالهجري تسعى لتقويض سلطة الدولة السورية الجديدة، والتشكيك بشرعيتها ومكانتها الدولية المتنامية.
إن اختيار هذا التوقيت بالذات، بعد إحالة زهر الدين إلى دمشق، يوحي بأن ما حدث ليس سوى جزء من مخطط أوسع يهدف إلى زعزعة الثقة بمؤسسات الدولة التي تعمل اليوم على إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي وإبعاد رموز النظام البائد عن مواقع القرار.
دولة جديدة تفرض معاييرها
التحول السياسي الذي تشهده سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع يقوم على إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق معايير مهنية ووطنية، وقد أطلقت وزارة الخارجية عملية شاملة لإعادة هيكلة السفارات والبعثات الدبلوماسية حول العالم، شملت مراجعة ملفات أكثر من 150 دبلوماسياً بين سفير ومستشار وملحق.
ووفق المصادر الرسمية، فإن الهدف من هذه العملية هو ضخ دماء جديدة في السلك الخارجي، واختيار شخصيات أكاديمية وكفوءة لم يكن لها أي ارتباط بالنظام البائد، في خطوة تعبّر عن نية واضحة لإعادة الثقة بالتمثيل السوري في الخارج، بما يواكب المرحلة الانتقالية ويعزز الحضور الدولي للدولة السورية الجديدة.
محاولة بائسة لتشويه المسار
في ضوء ما تقدم، يبدو أن انشقاق زهر الدين ليس سوى حركة تكتيكية متأخرة، تستند إلى حسابات شخصية وسياسية ضيقة، أكثر من كونها موقفاً مبدئياً، فالصمت عن المجازر طيلة أربعة عشر عاماً لا يمكن أن يُمحى بتصريح متأخر، ولا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن المشهد العام الذي تسعى فيه قوى محلية مرتبطة بميليشيات الهجري لإرباك الداخل السوري، وإحداث شقوق داخل النسيج الوطني.
فالدولة السورية الجديدة، التي بدأت تستعيد مكانتها الإقليمية وتحظى بقبول دولي متزايد، تبدو اليوم أكثر قدرة على فرز المواقف وتمييز الحقيقي من المصطنع، والوطني من الانتهازي، وتأكيد أن زمن التلاعب بالمبادئ تحت شعار الانشقاق قد انتهى.